لاريب أنَّ وصولَ التيار الإسلامي إلى ذروة السنام السياسي في عدة
دول ، وتسيُّدَه المشهد السياسي فيها ، فرض على
الفضاء الإعلامي ، حوارات تعـجُّ بها وسائل الإعلام من ( الآي فون ) الصغير ، إلى المحافل الثقافية المتنوّعة في العالم العربي ، مرورا بالشاشة الفضية .
الفضاء الإعلامي ، حوارات تعـجُّ بها وسائل الإعلام من ( الآي فون ) الصغير ، إلى المحافل الثقافية المتنوّعة في العالم العربي ، مرورا بالشاشة الفضية .
تعـجُّ بالحديث عن علاقة
الإسلام بالدولة ، في إطار أوسع يتناول طبيعة النظام السياسي الإسلامي ، وموقفه من
مصطلحات قد غدت وثيقة الصلة بالتعاطي السياسي في طول العالم ، وعرضه ، لاتكاد يخلو
منها لسان ، أو تغيب عن جنان !
وهذا بيان للخطوط الرئيسة في النظام السياسي الإسلامي ، توضـّح موقفه
من تلك المصطلحات ، وإذ لايسع المقام لحشد الدلائل عليها _ لاسيما وقد سبق ذكرها
في مقالات ، وفتاوى ، كثيرة سابقة _ فسنتكفي بإجمالها هنا :
النظام السياسي الإسلامي ، ينظر إلى مصطلح ( الديمقراطية) ، إلى أنه
قد أصبح لـه بالاستعمال العرفي الواسـع ، معنيان :
أحدهما : ثقافة غربية تابعة لهوية الغرب ، وتسعى لتحقيق أهدافه .
والمعنى الثاني : وسائل ، وآليات ، ونُظم ، من شأنها أن تحسِّن أداء
الدولة ، وتكفَل الحقوق ، وتصون الحريات المشروعة .
وهي بالمعنى الأول تتضَّمن ما يناقض الإسلام _ يستثنى ما يشاركنا
الغرب فيه من المفاهيم الحقّة _ وأما بالمعنى الثاني فلها حكم سائر الوسائل ،
والنظم ، والأصل فيها الإباحة.
في النظام السياسي الإسلامي ( الدولة الدينية ) مصطلح غربي ، يُقصد
به حكم رجال الدين بقداسة يستمدُّونها من الربّ مباشرة ـ مثل ولاية الفقه من جهة ،
وجماعة ( متلازمة الإنبطاحية) من جهة أخـرى !! ـ فتجعلهم هذه القداسة فوق المساءلة
، إما تنظيـراً ، أو تطبيقـا !!
وهذا المصطلح ، بهذا المعنى يناقض النظام السياسي الإسلامي ، فالنظام
السياسي الإسلامي يجعل السلطة للأمّة ، ولكن بما أنها أمّـة إسلاميّة فمرجعها _
بطبيعة الحال _ وثقافتها ، ستكون
إسلاميـّة ، وأما من البشر فلا أحـد فيه فوق المساءلة .
النظام السياسي الإسلامي لايعترف ـ لا نظريـّا ولا عمليـّا ـ بعصمة
الحاكم ، ولا بحصانتِهِ من المساءَلة ، ولا بقصـْر مساءَلته على السريّة ، فكلُّ
ذلكَ من وضعِ الأنظمة المستبدة ، لتحمي ظلمها ، وإستبدادها ، فحسب
الإسلام لايعترف بقصْر الفتوى على مفتٍ ، أو مفتين تعيّنهُم السلطة ، وهذا أيضا من بدع
الأنظمة المستبدة ، لكي توظـِّف الدين لأطماعها ، وتسخّره لإضفاء الشرعية على
جورها ، وظلمها .
الدولة المدنية لا تعارض الإسلام ، بل تعارض الدولة البوليسية ،
والإسلام يقيم دولة مدنيَّة ، ويحارب الدولة البوليسية ،
وأما معنى الدولة البوليسية ،
فهي التي يكون للسلطة فيها جهاز سـرِّي ، فوق المساءلة ، مطلق اليد في إنتهاك
الحقوق ، والحريّات ، تباح له كلُّ الوسائل المحرمة ، لصالح بقاء ذوي السلطة
مسيطرين على النظام على الدوام ،
وغالبا يتضخَّم هذا الجهاز ،
حتى يتحكَّـم في الشؤون العامة ، والخاصة من وراء ستار ، لاسيما تلك التي تؤثـِّر
، أو يُتوقـَّع أن تؤثـّر على مصالح السلطة المستبدَّة.
والنظام السياسي الإسلامي ، قـد شـُرع لحفظ الحقوق ، وإقامة العدل ،
وكرامة الإنسان ، ويحظـر ويحارب كلّ أشكال الإنتهكات للحقوق ، والتعدّي على
الكرامة.
النظام السياسي الإسلامي يحارب الإستبداد ، ولايعترف بالتوريث ، ولم
يكن إقراره _ نظريا _ في التاريخ إلاَّ من باب الضرورة ، وبغض النضـر عن سلامة هذا
التخريج ، فإنما كان يمارس عمليـّا بقوّة الاستبداد ، لا بدلائل الشريعة الصحيحة .
النظام السياسي الإسلامي يفتح باب وسائل التطوير الحديثة لإدارة
الدولة ، والعملية السياسية فيها ، ويشجـّع على إستجـلاب النظم المستجدّة في هذا
الشأن ، مالم تعارض نصَّا شرعيـا ،
ويجعل ذلك كلَّه من قبيل المباح ، بل قد يكون من الواجب إن لم يتم
إلاّ به حفظ حقوق الأمـّة ، ويُدخل الإسلام ذلك في قاعدة الوسائل لها حكم المقاصـد
.
النظام السياسي الإسلامي يضـع بيد الشعب كلَّ السلطات اللازمة للجـمِ
الإستبداد السياسي ، إذ هو ينظر إليه بصفته كارثيـّا على الأمة ، وتلك السلطات
أصيلة بيد الشعب من الرقابة ، إلى العزل ، والإستبدال ، مرورا بالمحاسبة .
ولهذا يجعل العقد الذي يحدد علاقات المؤسسات السياسية بالشعب _ وهو
الدستور _ لازما ، وهـو أعظـم لاجـم للإستبداد ، وضامن لحقوق الشعب.
النظام السياسي الإسلامي لايقيم دولة تتدخـَّل في أسرار الناس ،
وخصوصيّاتهـم ، ويشجِّع حتى المعترف بذنبه في هذا الخصوص على الستر ، ويرشده إلى
ترك التعرض للعقوبة ، ولا يسنُّ قوانين ملزمة إلاّ في القطعيـَّات المجمع عليها ،
ويترك ما اختلف في الناس لاختلاف مذاهبهم حتى لو كانت خلاف قول الغالب الأكثر، أو
المعهود في عرف بلد ، وله مرجعيّة في الشريعة .
النظام السياسي الإسلامي يرتكز على فكرة أن أنجـح قانون لمكافحة
الجريمة ، هو إقامة المجتمع الذي تسوده العدالة ، وتتوفر فيه الحقوق كاملـة ،
ويربـَّى فيه الفرد على الكرامة ، والفضائـل ، وتكون فيه السلطة قدوةً
ولهذا فهو يجعل القوانين
الجزائية المستمدة من الشريعة في عقوبة الجناة ، فرعا على هذه الفكرة ، ومتأخرة
عنها رتبة هنـا.
النظام السياسي الإسلامي يُعطـي الأولوية لحفظ الهويـّة ، ولإقامة
العدل بصرامة ، أوَّلا على السلطة ، ثم
الشعب ، ولتوفير حقوق الأفراد كاملة لمستحقيها ، وعلى رأسها حقّ العيشِ الكريم ،
ولحماية الأمّـة ، والضرورة الملحة معتبرة في التقديم ، والتأخير .
وهـو في هذا الإطـار ، لايشغل الأمـَّة بخلاف الأولويـات عنها ،
ويؤجَّل ما من شأنه أن يُحدِث ذلك إلى أن تتهيـّأ الظروف .
النظام السياسي الإسلامي يتطلَّع _ بل هذا من صميم عقيدته _ إلى أهداف الحضارة الإسلامية العظمى ، في توحيد
الأمـَّة ، ونشر رسالتها العالمية ، وتحقيق تفوُّقها الحضاري الأممي ، لكنَّه يصل
إليها عبـر مراحل ، لا تقفز على حقوق الشعوب ، ولا تصادر كرامتها ، ولا تستلب
حقَّها في إدارة نفسها ، إذ هذه هي أهـم معالم تحقيق تلك الأهداف الحضارية .
النظام السياسي الإسلامي يحمي الأقليّات ، وحقوقها بما فيها الدينية
، ويعترف بحقها في الإحتفاظ بخصوصياتها ، وتميـّزها .
النظام السياسي الإسلامي يضع نصبَ عينيه تربية أفـراد الأمـّة على معاني العزّة ، والكرامة ،
والمشاركة الكاملـة في الإرتقاء بالأمَّة سياسيـّا ، ومعرفيّا ، وحياتيـّا ، على
جميع المستويات ، ويسن القوانين التي تكفل بقاء هذه المفاهيم حيـَّة في الأمَّـة .
النظام السياسي الإسلامي يسـنّ ، ويقيـم مؤسسات المجتمع المدني التي
تمكِّن الشعب من التعبير عن رأيه ، والإحتجاج بحريـّة ضد الظلم ، ويعترف بحقّ
الشعب بوسائل التغيير السلمية ، كالمظاهرات ، وتسيير المواكب ، وتنظيم الإعتصامات
، والإضرابات في إطار النظم التي سنَّتها الأمَّـة لنفسها ، ليحفظ الشعب حقوقه ،
ويدفع عن نفسه الظلـم .
كما يعترف بحقّ المعارضة السياسية النابعة من ضمير الأمة ، إذ هي
تحسِّن أداء السلطة ، وتطوّر مؤسسات المجتمع السياسية ، وتحيّي الفكر السياسي
البنّاء ، وتشكّل ضمانا يمنع الإستبداد.
النظام السياسي الإسلامي يرحِّب بالتنوُّع ، والتعدّدية ، بشرط أن
تكون داخل هويّة الأمّـة ،
وهـو يضع ما كان خارج هويّتها في إطار الحوار الحضاري الهادف لجذب
الآخر لرقيّ الحضارة الإسلاميّة الساميّة .
النظام السياسي الإسلامي مع ذلك يجعل تحريـر الأمة من كلّ إستعلاءٍ
أجنبيّ عليها ، من أعظـم أهدافه ، ويرى كلَّ أشكال التدخـُّل ، وحالات الإختراق
الأجنبي ، خطـاً أحمـر يهدّد كيان الأمـّة .
وهو يفرق بين الإستعلاء ، و التدخل ، والإختراق ، وبين التواصل
الحضاريِّ البنّـاء الذي يخدم مصالح الأمـة .
النظام السياسي الإسلامي يجعل سرّ النجاح للأمـّة ، على جميع الأصعدة
، إنمـا يكمن في تمثُّل هذه القيم الإسلامية المتعلقة بالنظام السياسي الإسلامي في
القيـادة السياسية أكثر من غيرها ،
وإقتناعها بها أعظم من سواها
، وأنها تحمل على عاتقها تحقيق هذه القيم في الواقع السياسي للأمـّة .
فإن كان المشهد كذلك ، فالحال سليم ، والأمـّة بخيـر ، والآمال
متحققـّة ، والمستقبل زاهر بإذن الله تعالى .
وإلاّ فيجـب على الأمـّة أن تسعى لصنع هذه المعادلة فيها بكلّ
الوسائل المتاحة.
والإسلام يجعل إقامة هذا المفاهيم التي ترتقي بالأمة الإسلامية ،
وتمكّنها من أداء رسالتها داخليا ، وخارجيا ، وتظهـر حضارة الإسلام في أوج تألّقها
، مما يستدعي تفوُّقه العالمي ، فدخول الناس فيه ، وتحقق أهدافه العالمية العظـمى
.
يجعل ذلك من أعظـم أركان الدين العظيمة ، ومن أصول الإسلام ،
والإيمان .
ولاريب أنّ إشتغال كثير من المهتمّين بالشؤون الدينية بجزئيـّات _
بينها وبين هذه الأصول في المكانة الدينية بونٌ شاسع _ وإشغال الأمـَّة بها ، إنما سببه إلهاء سلطات
الإستبداد ، للفكر الإسلامي بهذه الإهتمامات الدينية الثانوية عمّا ينهض الأمّة ،
ويعيد لها عـزَّتها ، فيفقد الإستبدادُ شهواتـِه ، وتسقط أطماعُه ، وتتلاشى سلطتُه
!
ولو كان الأمر بيدي لجعلت هذه المفاهيم في العقيدة السياسية
الإسلامية ، تُدرَّس لطلاب العلوم الشرعية ، مع تدريبهم على إدارة المشهد السياسي
من الحوارات إلى المعارضة ، مرورا بدورات تنظيم المظاهرات ، ووسائل الإحتجاج السلمي.
لكي يقودوا رسالة إصلاح شاملة تبدأ بالأهمّ ، وترتقي بهم إلى مستويات
أعلـى مما هـم فيه ، تليـق برسالة الفكر الإسلامي لقيادة الشعوب .
بدل أن يشتغلوا بمعارك جانبيّة ، وقضايا جزئيّة ، وأمور فرعيّة ،
وتحرقهم السلطة في صراعات تمسك خيوطها بيدها ، وتصبُّ في النهاية في أهدف
الإستبداد !!
إذ لانهوض للأمـَّة إلاّ بحشـد طاقات شعوبها في بوتقة نظامٍ سياسيِّ
ينبثق من إرادتها ، ويعبـّر عن ضميرها ، ويُعنـى بإعلائها .
وهذا لايتحقق إلاّ بثورة تبدأ من تصحيح الفكر ، وتنتهي بالإطاحة
بأنظمة الحكم على غرار إعصار الربيع العربـي المبارك .
والله ولي التوفيق ، وهو حسبنا ، عليه توكلنا ، و عليه فليتوكـل
المتوكـلون .
حامد بن عبدالله العلي
حامد بن عبدالله العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..