بقلم : الشيخ جمال الدين شبيب*
عالم دين وإعلامي لبناني
1128
جمال عبد الناصر ورموز جماعة الإخوان المسلمين |
في أوائل خمسينيات القرن الماضي كتب الشهيد سيد قطب مؤلفاً من الحجم المتوسط سماه: " إسلام أمريكاني". استشرف سيد (رحمه الله) في تلك المرحلة الرؤية الأميركية للإسلام الذي تريده أميركا في منطقة الشرق الأوسط . فرأى أن " الإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان ، ولكنه فقط الإسلام الذي يقاوم الشيوعية !
وأضاف
: إنهم –أي الأمريكان- لا يريدون للإسلام أن يحكم ، ولا يطيقون من الإسلام
أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى ، وسيعلم الشعوب أن
إعداد القوة فريضة ، وأن الشيوعية كالاستعمار وباء ، فكلاهما عدو ،
وكلاهما ، اعتداء !. الأمريكان وحلفاؤهم يريدون للشرق الأوسط إسلاماً
أمريكانياً . ويتابع سيّد في عرض رؤيته فيشير إلى أن إنّ الإسلام يجوز أن
يستفتى في منع الحمل، ويجوز أن يستفتى في دخول المرأة البرلمان ، ويجوز أن
يستفتى في نواقض الوضوء ، ولكنه لا يستفتى أبداً في أوضاعنا الاجتماعية أو
الاقتصادية أو نظامنا المالي ، ولا يستفتى أبداً في أوضاعنا السياسية
والقومية وفيما يربط بالاستعمار من صلات. ويضيف قطب: "الديمقراطية في
الإسلام والبر في الإسلام والعدل في الإسلام من الجائز أن يتناولها كتاب أو
مقال ، ولكن الحكم بالإسلام والتشريع بالإسلام والانتصار للإسلام ،،،، لا
يجوز أن يمسها قلم ولا حديث ولا استفتاء .
اليوم
بعد 59 عاماً من هذا الكلام نشاهد بأم العين صعود الإسلاميين عموماً
والأخوان سدة الحكم في غير قطر من أقطار المشرق والمغرب الإسلامي على
السواء..منهم من وصل وارتقى ومنهم من يكافح وينافح للوصول معتلياً أمواج
ماسمي بثورات الربيع العربي..
جميل
أن نستعيد كلام قطب في هذه الأيام ونحن نرى الإخوان يتقدمون للإمساك
بالسلطة من المغرب لتونس ومصر وليبيا وغيرها.ويسارعون إلى إرسال رسائل
التطمين في كل اتجاه وخصوصاً للأمريكان .. بل يتحالفون معهم لإسقاط نظام
هنا أو هناك .. بل يخوضون معهم اليوم حواراً حول مفردات المرحلة الحالية..
وهذه الحوارات لم تتوقف حتى في أحلك الظروف.. الأخوان كانوا يتحاورون مع الأمريكان منذ أيام المرشد الراحل عمر التلمساني وأمام الجميع كان السناتور جوج ميتشل يزور المركز العام للإخوان في القاهرة..وكان الحوار يومها يتناول مفردات تلك المرحلة العلاقة مع الرئيس السادات مكافحة المد الشيوعي ...إلخ..
والغرب
الأمريكي بلا شك يمتلك الخبرة والتجربة الكافية للتعامل مع القوى
الأسلامية بأنواعها لتحقيق مصالحه في المنطقة اليوم . وأول هذه القوى
الأخوان المسلمين . وخبرته بهم طويلة ومتراكمة عبر عشرات السنين.
"هم يريدون معرفة موقفنا من المرأة ووضع الاقليات وتداول السلطة والديمقراطية والموقف بالنسبة للعلاقة مع حماس وايران واتفاقية كامب ديفيد وكل هذه الامور أعلن الاخوان رأيهم فيها. ثم يحاول راضي تسويق الوضع الإخواني لدى الغرب فيقول : إن وضع المرأة في السعودية لم يكن حائلاً أبداً لأن تكون هذه الدولة حليفاً قوياً للولايات المتحدة. ولم يمنع الوضع المزري للأكثرية في البحرين الولايات المتحدة من جعل أرض هذه الدولة مقراً لأسطولها الخامس فما بالك بأهتمامها بوضع الأقليات ... ؟؟؟!!!
وبالطبع أنا لست من دعاة (سوء الظن من حسن الفطن ) فمن يعرف التربية الإخوانية لا يمكن أن يصدق ما يروج له البعض من أن الإخوان انخرطوا في حلف غير مقدس مع الإدارة الأمريكية على أن يخلي لهم الأمريكان طريق الحكم.. مقابل التزامهم وضبط إيقاعهم في المنطقة وفق الأجندة الأمريكية....!
وإذا كانت البراغماتية الأمريكية تعتمد سياسة قائمة على تحقيق المصلحة الأمريكية المرتبطة عضوياً بمصلحة الكيان الصهيوني .. أولاً وثانياً وثالثاً ..وآخراً. لذا فأننا لابد وأن نستنتج أن موقف الأخوان من الكيان الصهيوني وحماس وإيران هو ما يهم الولايات المتحدة في الأساس.
ومعروف أن الأخوان أيضاً لديهم من البراغماتية ما يكفي للتعامل مع الولايات المتحدة والغرب بكياسة زائدة ووصول الإخوان إلى الحكم في أكثر من قطر عربي يلاقي بلا شك ترحيباً من الولايات المتحدة.
فالولايات المتحدة كانت تتحالف مع الأنظمة الدكتاتورية الضامنة لأمن الكيان الصهيوني على تخلفها وسوء إدارتها ..بل إن ما تبقى من هذه الأنظمة لا يزال حليفاً لها حتى اليوم. فما الذي يمنع استبدال هذه الأنظمة التي كانت تدعي العلمانية بأنظمة تدعي الأسلامية ما دامت مستعدة للخضوع للشروط والضوابط الأمريكية...وهي لعبة تستهوي أمريكا !!؟.
ربما يعتقد البعض أن الإخوان كانوا ولا زالوا يخطؤون في خياراتهم السياسية وهذا ما جرّّ ويجر عليهم الويلات في أكثر من قطر عربي..لكن الخطأ التكتيكي شيء .. والخطأ الاستراتيجي شيء آخر..
المطلوب اليوم من الإخوان كبير جداً وكثير بحجم كبر وكثرة الآمال المعقودة عليهم لصيانة المنطقة والحفاظ عليها..والبراغماتية السياسية ربما تنفع في التكتيكات الداخلية لكنها جد قاتلة في الأمور والقضايا الاستراتيجية. إذا أراد الإخوان النجاح عليهم ابتداءً الرجوع إلى أصولهم وأدبياتهم..ووزن براغماتيتهم وضبابيتهم اليوم بوضوح وصفاء أصولهم.. وهذا ما نرجوه ..؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..