لم نشعر لحظة أن ( البيان التالي ) جسم غريب عن منظومة الإصلاح والتعاطي مع إفرازات الواقع الذي يحتاج إلى تكثيف البرامج والمشاريع الفكرية المتوازنة .
الحوار أُسلوب حياة مُتكامل يجب أن نتجاوز مرحلة التنظير في تطبيقه إلى مراحل تحمّل تبعاته ، والتحوّل من إطار التأطير النظري إلى أُطُر التصحيح والإفادة من مُخرجات البرامج الحواريّة التي تلتزم بأصول
الحوار الشفّاف .
فالمُحصّلة في النهاية تصبّ في صالح الوطن والفكرة التي تدعم الانتماء ، وتدعم التفاهم بين أبناء بلد واحد يختلفون في تفاصيل لكنهم يحتاجون إلى أوعية احترافية للمّ الشمل ؛ فلا يُمكن أن نتفاهم في الخفاء ، ولا يُمكن أن نلتقي على طاولة غير مرئية ، ولا نقبل أصلاً تجاوز الطرق الصحيحة والواضحة لنتحاور ، ونضجنا الفكري جعلنا أقرب إلى ثوابتنا فلا يعني الحوار تجاوزها أو الاستهانة بها .
أختلف مع بعض موضوعات وأطروحات وشخصيات ( البيان التالي ) لكني أجده مهمّا لتطبيق مبدأ الحوار ، وأشعر أنه نجح في بناء قاعدة صحيّة وشفّافة يلتقي عليها نُخب فكرية وعلمية واجتماعية ، وأُدرك أن هذا الأسلوب مهما اعتراه من تشويش أو انحراف طبيعي في مساره يظل أسلوبا حضاريا لمواجهة موجات التطرّف الفكري والغلو التشخيصي لقضايانا ، فلم نشعر لحظة أن ( البيان التالي ) جسم غريب عن منظومة الإصلاح والتعاطي مع إفرازات الواقع الذي يحتاج إلى تكثيف البرامج والمشاريع الفكرية المتوازنة .
تجربتنا في ( حملة السكينة ) أثبتت لنا أهمية تطبيق مفاهيم الحوار في المجتمع ، وأدركنا أن تغييب الحوار الراقي والمتوازن أحد أسباب الغلو والحدّة في تبنّي أفكار العنف ، فشخصية المتطرف تنتمي إلى بيئة معزولة فكريا ونفسيا ولديها تعالي ذاتي بحيث لا تقبل طرح أفكارها للحوار ، ومؤخرا حاولنا محاورة دعاة الفوضى والشغب والتهييج وواجهونا بالرفض وعقلية إقصائية اتهامية انتقامية ؛ لأنهم لم يتربوا على أدبيات الحوار وتعجز نفوسهم تقبل النقد والتقويم .
لاشكّ أن الحوار إذا خرج عن مساره الصحيح إلى مسار التشهير والإثارة والتركيز على مواطن الضعف أصبح أداة هدم لا بناء ، لكن الحل يكمن في التعاون على التصحيح خاصّة إن كان القائمين عليه ممن لا نشك في إخلاصهم وانتمائهم وحرصهم على الأصول الشرعية والمكتسبات الوطنية . وعلينا أن نعوّد أنفسنا في مسارات الحوار التناغم مع الرؤية الهادئة والرصينة لطرح الموضوعات الحساسة فالهدف الإصلاح والتقارب وليس الهدف مزيد تكريس للسلبيات ، مع إدراكنا بوجود هامش خطأ وتجاوز تُفرزه تلك الحوارات .
الدكتور عبدالعزيز قاسم لم ألتقِ به لكني أتابع عن كثب نشاطه الفكري المشكور وإن اختلفت معه في بعض التفاصيل - وهذا أمر طبيعي - لكني أدرك من خلال أطروحاته حرصه الكبير على لم الشمل وتقريب وجهات النظر ، وحرصه على دينه وبلده ومجتمعه ، وبيننا مراسلات خاصّة أدركتُ من خلالها خوفه على أبناء بلده من الانحرافات الفكرية وولاءه الصادق ، وهو من أوائل الإعلاميين الذين تبنوا أهداف حملة السكينة وساهم في نشرها والتعريف بها منذ أن كان في صحيفة المدينة ثم عكاظ ، قبل دخوله في منطقة الحوارات المفتوحة.
وأُدرك أن الدخول في دوّامة الحوارات مظنّة خطأ وتنازلات فمن أراد التقييم عليه النظر إلى مجموع الإنتاج الفكري وليس إلى مُفردةٍ وقع فيها خطأ ، وقد كان للدكتور عبدالعزيز قاسم مُساهمات في طرح بعض المُناقشات للفئة الضالة في برنامجه ومقالاته وفي مجموعته البريدية التي تفضل بنشر مقالات عدة تساهم في تعزيز الوسطية ونبذ الغلو والتطرف .
أعلم أن الدكتور ليس بحاجة إلى تذكير بما قدّم وما تمّ ، لكننا نحن بحاجة إلى رؤية صحيحة للتعاطي مع مفاهيم الحوار وبرامج ومشاريع الحوار ، وإلى أهمية التواصل مع أصحاب القرار حتى تتماشى الرؤية مع التطبيق التي تتوافق مع الأدب الشرعي .
فنجد الخطاب الشرعي يؤصّل لمبدأ الاجتماع مهما وُجد الخلاف يقول الله جل وعلا : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) إذا وصل الأمر إلى مرحلة ( النزاع ) وهو أن ينتزع كل فريق من الآخر أخلاقياته ومصداقيته وأمانته ويطعن في شخصه وذاته هنا يأتي فشل المشروع الحضاري للبقاء الفكري وتدخل الفوضى والمهاترات .. والنتيجة ضعف الجميع .
والنبي عليه الصلاة والسلام وضع إطارا عامّا للعلاقات الشخصية ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ) هذا هو السموّ الأخلاقي والصفاء الروحي في التعامل مع الآخرين .
• والنصوص في هذه المعاني كثيرة مما يدل على عناية الشريعة بصيانة العلاقات الشخصية ألا يطغى عليها الهوى والانتصار للذات يقول تعالى : ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) .
هذا التنظير موجود بكثافة لدينا لكننا بحاجة إلى التطبيق والتعاون في إبراز الإيجابيات وطمر السلبيات ، وتربية نفوسنا على التفاهم وتحييد فكر الإلغاء ؛ لنحقق ( الجسد الواحد ) في وجه المُتغيرات المفروضة والفتن والأحداث المحيطة ، فنحن في هذا الوقت أحوج ما نكون إلى التعاون والتكاتف والتمسك بتطبيق الحوار المجتمعي والفكري وتعميق ذلك بالأدب الشرعي واحترام الأصول والقواعد فليس معنى الحوار ابتذال المهمات وإلغاء هيبة المُحتَرَمَات .
تجربة الدكتور تستحق العناية والتأمل والدراسة ومُحاولة الإفادة منها بشكل إيجابي كمشروع فكري خطى خطوات مهمّة في إذابة تكلسّات متراكمة ، وأظننا دخلنا في مرحلة مهمّة تفرض علينا احتواء وتقويم مفاهيم الحوار كتطبيق وممارسة لتساهم في عملية تعزيز الوسطية وبناء الشخصية المتوازنة الفاعلة .
وفق الله الجميع إلى الخير والهُدى ، وأسبغ علينا نعمه من واسع فضله ، وحفظ لنا اجتماع كلمتنا على دين ربنا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم .
* مدير حملة السكينة
الرياض / 4 / 4 / 1433 هـ
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/index.php?news=13325#ixzz1naymALiP
تعليق: شكرا أخي الشيخ عبدالمنعم المشوح -وأنا لم ألتقك في حياتي أبدا- ولكني فرحت والله بهذا النبل منك، ومقالتك شهادة، لأنها أتت من رجل يتعاطى الحوار ويدير موقعا عالميا للحوار مع القاعدة، وكونك ترى أن البيان التالي ساهم معكم والحمد لله في تجذير الحوار فهذا هدف سعينا له من البداية، وأكرمتنا بهذه الشهادة..
أكرر شكري لهذا النبل منك أيها الزميل الوضيء وأتطلع لرؤيتك قريبا ان شاء الله.. عبدالعزيز قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..