الاثنين، 13 فبراير 2012

وأخواتُ حمزة المتشككات .. ؟!

1256

فاتن السديس


المشهد الأضخم في قضية كاشغري ربما انتهى؛ الآن ترسَّخ المبدأ الشرعيّ عند عامة الناس وهو - الدفاع عن جناب أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم- وكان تفاعل بشكلٍٍ كبير لدى عامة الناس..
قرأت الأطرواحات الكثيرة التي كتبها الإخوة في بيان الموقف الشرعي؛ أو الرد الموضوعي؛ أو الهجوم الشخصي؛ أو الشأن الأسري لحمزة وما جرى له من تحوّلات.. وغالبيتها كتاباتٌ مشكورة تنبيئ عن أجيالٍ من الشباب نفاخر بهم بعدما غصصنا بقنوات فظة القلب وعديمة الإحساس وهي تنقل الشباب يتراقصون بـ"عرب آيدول" وغيرها من البرامج المستنكرة.
والحمد لله أن ثقتنا بشبابنا لا زالت كبيرة..
ومع حماسيّ لما قرأت إلا أنني لم أعثر على جوابِ سؤالٍ عصّيٍ في ظني وهو: هل المرء لا يدفعَهُ سوى طيّشُه لهذا الجُرم من الإلحاد الوجودي؛ أو الإنكار للرسالة أو بعضها؟ وغيرها من موجبات الكُفر أو الحد الشرعيّ.. ثم يَلدُ هذا السؤال سؤالاً آخر.. أكل هذا النور النبوي والشرعيّ لم يَقنعَ المتشككون أو الملحدون بما لدينا من آيات وبراهين؟

كتب الأستاذ مصطفى الحسن كلامًا رائعًا منتهاه:"أن اللغة التي يتناول بها بعض الدعاة لمسائل الشك تكون باللغة التي نَفهمُها ونُحبها؛ بينما أولئك المتشككون فيهم يحفظونها ولكن لم تشفي غليلهم"

وهذا حقٌ ولا لوّم على المشائخ أو الدعاة لأنهم بذلوا قصار علمهم، وجُهدهم فيما يعرفون، ودائمًا ما نجدهم ينطلقون من قال الله وقال رسوله؛ وهذا خير بل هو عين الخير.. ولكن اللافت بالأمر أن شخوصًا كالقصيمي مثلاً او كاشغري هما ممن حفظا القرآن.. فلا يتوقع بأنهما سينسلخان من الدين لأن آيةً من القرآن سقطت منهما أو غاب عنهما حديثٌ شريف.

ومن صوادف الأمور أنني استمعت قبل فترة لأحد الدعاة المصريين وهو يجيب على أحد المتصلين بتذكيره بالآية الكريمة: "أفي الله شكٌ؟" وأتبعها بآية: " ولأن سألتهم من خلق السماوات..."وأنهم أي المشركين - والكلام للداعية- مُقروُن بالألوهية لله عز وجل مع كونهم مشركين، فكيف نتشكك ونحن مسلمون!. ولكن هذه الإجابة إذا ما قدمتها للشاب المتشكك أو اللاهث أو الظمآن فهي بالضبط مثلما إذا قلت له: سبب خسارة نادي الهلال من نادي برشلونة.. أن لاعبي الهلال لم يصلوا صلاة الجماعة ذلك اليوم!
ثم أخذت تحدثُه على الصلاة، وأنها العهد الذي بيننا وبينهم.. وتسرّد له فضل صلاة الجماعة!!
وتخيّل بعدها : ما سيدور بخلده؟
هذا مثال للمقاربة بسيطة للمشهد ..

وحتى لا يُساء ظني.. أنا هُنا أكتب للمختصيّن بالتنشية وتربية الأجيال
وحتى لا يُساء ظني.. أنا هُنا أكتب ليس للدفاع عن شخص أو جهة .. بل كلُ الحبال عن حياض نبينا تتقطعُ.
وحتى لا يُساء ظني.. أنا هُنا أكتب لأن لـ حمزة أشباه وحمزاواتٌ كُثر..

وقصص البنات أشد فتكًا.. بل بعض طالبات العلم تصل لمراحل بالشك فظيعة .
وقصصهن من عدم اقتناعها بأوامر الشريعة أو الحجاب أو العلاقات وأشياء كثيرة .. اعتادات المربيات الفضليات على سماعها.

ولو رجعنا لسؤالنا مرةً أخرى(ما هو الدافع لهذ الإنكار؟) ثم ربطنا هذا بالتجارب التي مرت علينا مع أولئك المشاهير ممن طواهم التاريخ، وعُرف عنهم بتقلباتهم بين الشك واللاشك واليقين.. ولعل أبرز ما يخطر هم:
1- عبدالله القصيمي (كاتب معروف)
2- اسماعيل أدهم (دكتور بالرياضيات وعبقرية لا تنتهي).
3- مصطفى محمود رحمه الله (صاحب كتاب رحلتي من الشك للإيمان).
4- صالح السامرائي(الموسوعة الأخيرة بزماننا هذا).
ومن يقرأ بسير هؤلاء ثم يحاول الإجابة عن سؤال " الدافع للشك عندهم"؛ يجد بعد التفحص بأنهم ليسوا (فارغين) ولم يدخلوا مرحلة الشك لمجرد اللعب والهوس، ولم يكونوا يومًا من الأيام آلاتٍ معطلة، ولا عالاتٍ على غيرهم، بل هم متفوقون جدًا في تخصصاتهم ولديهم مهاراتٍ عالية جدًا.. وفوق هذا كله؛ تجدهم مهووسون بالجَد والعمل المضني، وليس للمزح نصيبٌ في حياتهم. بل الأغرب من كل ذلك: تجدهم في طبائعهم هادئيين ويميلون للعُزلة ويملؤهم (اللين) بمن حولهم بكل غزارة.مما نخلُص بأنهم: ليسوا جهله بالآيات والذكر والأحاديث؛ كما أنهم بطبائعهم ليسوا صداميين!.

وأظن الأستاذ مصطفى الحسن أجاد بوصف المشكلة عندما قال: "ليس القضية سؤالٌ وجواب، ولا مناظرةٌ ولا جلسة حوار، الفكرة ليست شبهةٌ ثم البحث عن مجرد إجابةٍ.. الأمر أعمق.. القضية متعلقة بمنهجيات جديدة للبحث"

نعم؛ فعندما يخرج الشخص من الإطار العام للدين، ويُخضع كل النصوص المقدسة لمدارك العقل.. او هكذا يراها.. فإنها لا يرى لغيرها أي أثر..

وتأكيدًا على ذلك؛ فإن أغلب من دخلوا بمرحلة الشك (من الجاديّن) لم يخرجوا من تلك الظُلم إلا بإجتهادٍ شخصيٍّ منهم ووفقًا لآلات البحث التي اصطبغت بها عقولهم.. فها هو العالم الكبير مصطفى محمود كانت المصاحف وكتبُ السنن لديّه في مكتبته -كما قال- ولم تجد فيها ساقيّة لأن عقله وقتها سيّطر على كل أفكاره إلى أن انتهى من محنته بمجادلة عقلية استيقن بعدها (وجود الله!)؛ ولم يقل عنه (صالح السامرائي) في المكابدة..
وكلُ ذلك بعد توفيق الله لهما ومنّته وفضله عليهما ..

ولعلكم تقرؤون معي ما سأنقله بالحرب من لسان العلامة الموسوعي (السامرائي) الذي -يشهدُ الله- لم استطعم القرآن وأتأمله بالقدر الكافي إلا بعدما أخذت أتابعه قبل خمس سنواتٍ تقريبًا.. وقد انتقل من رجلٍ شارد الذهن، يحرثُ الورق بحثًا عما يشفيّ غليلة بإثبات وجود الله، إلى رجلٍ يتفنن بتوضيح غرائب القرآن وتعابيره بشكل مبهر.

وقد حكى بداية تعافيه من مرض الشك إذ يقول: " ... كتبت كلماته -وفقه الله- أكثر من مرة ثم أقوم بمسحها ..لأن وقع كلماته على الأفئدة لها جرسٌ خاص.. تَلمس روحه تتحرك وليس شفتاه وهو يتكلم.. اللهم ثبته" لذا سأرفق الملف لتسمعوا ما يقول بنفسه عن نفسه!
والمهم.. أنظروا لآلة البحث العقلية المجرَّدة التي استخدمها عند إقناع نفسه .. وأظنها هي الوسيلة التي نحتاجها في قادم الأيام للنقاش والحوار مع من لا يؤمن بوجود ربٍ خالق؛ أو قرآنٍ نازل.

ما أريد قوله: أن بعض المُشككين الصادقين؛ لا ينقصهم الدليل؛ ولا البحث عن مواقع الأحاديث. بل هم وصلوا لدرجةٍ من الشرود الروحي مما جعلهم يمرردون كل النصوص الشرع على محك النقد العقلي الآلي الصّرف دون أي تقديسٍ له. مما يعني أن كل وسائل الإثبات النقليّ لن تحدث شيئاً له إلا مزيدًا من التيه والضياع واللهث. والسبب الحقيقي بعدم انتشال أنفسهم مما هم فيه عجزهم عن إقناع أنفسهم، ثم عدم تفهمنا لطريقة الإقناع الأجدى معهم.
وليس كل من (تشكك) أو (أهتز) فإننا نرجمه عن قوسٍ قاتلة أو لعنات متطاولة. بل هاهي "بعوضة" استطاعت أن تنقذ روح شابٍ متوقد الذهن لأن يصبح اليوم إمامًا بارعًا باللغة، ومرجعًا نابغًا في: فن التعبير القرآني.. يدعي: صالح السامرائي..وقد كتب قصيدة ابتهال وتضرع بعنوان (ربـاه).. موجودة بالأسفل.
اللهم أفتح للمسلمين فتحًا مبينا.. اللهم أدم صحتك وعافيتك ورضوانك على عبادك الراجين.

أختكم:
فاتن السديس.

وهذه أبيات (ربــــاه) يقول فيها :
" سعيتُ ولم أركبْ إليك النواجيا
وجئتُك يا رباه .. رِجْلان حافيا

يُسابقني قلبي إليك ؛ وخاطــري
مُغذا إليك السير هيمانَ صابيـا

جفوتُ منامي ، والخلـيّون هجعٌ
نيام ولكن الكــرى ما اهتدى ليا


وناموا  وما نامت عيون مسهّد
يبيت طوالَ الليل يقظان صاحيا

فزعتُ إلى مولاي أطرق بابه
واستصرخ الرحمن أن يفتحنْ ليا

فهل يفتح المولى لمثلي .. بابه؟
وقد جئته صفرا من البر عاريا

وهل يغسل الأوضارَ صب مدامع
وقد كنّ سودن السنين الخواليا

أتيت إلى الرحمن أطلب عفوهُ
وقائمة الأوزار ملأى كما هيا

فهل يقبل الديان مني رجعةٌ
وبي من كبيرِ الإثم والذنبِ ما بيا

علمت بأن الله يقبلَ عبدهُ
إذا جاء تواباً، وقد جئتُ ساعيا

منيباً إلى ربي ليقبل توبتي
وقد قيل لي: لا يطرد اللهُ آتيا

فيا ربُّ لا تطرد ذليلاً مضيقاً
هوى مستجيراً عند بيتك جاثيا

يلوذ برب البيت والركن خائفاً
ويمسح مسكوباً على الخد جاريا

يمد يديّه نحو ... بابك سيدي
أيرجع صفراً من جميلك خاليا؟

أيرجع مطروداً وقد خاب ظنه
وقد كان حسن الظن كل رجائيا؟

وأنت الذي قد طبق الكون جوده
وليس جواد في الحقيقة ثانيا

لقد قيل فيما قبلُ من شعرِ مَنْ مضى
"
ومن قصد البحر استقل السواقيا

فكيف، وقد جئت الذي أوجد الورى
وعم نداه الكــائناتُ الــثمانـــيا

فما من مجيرٍ غير حلمك سيدي
وما من مجيبٍ غير فضلك داعيا

فيا ربي حسبي أن أفوز بنظرةٍ
وحسبي أيا ربُ أن تكوننْ راضيا

فيا ليت شُربي غير ودِّكَ غصةُ
ويا ليتَ شربي من ودادك صافيا "

العبدُ الفقير إلى ربه : السامرائي- مكة المكرمة الطاهرة ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..