في البدء   قينان الغامدي
٢٠١٢/١/١٤

تشعر أحياناً أن المشكلة – أي مشكلة – بسيطة، وأن حلّها سهل جداً، لكن أمام استمرارها وتفاقمها تضطر للتوقف والتأمل والتساؤل. خذ – مثلاً – مراقبة الأسعار، أنت وأنا وهو وهي نتعجب من كثرة المخالفات في هذا السبيل، وعدم الوضوح فيها، وكلنا نعرف أن هذه مسؤولية وزارة التجارة تحديداً، وفروعها في المناطق، وليست مسؤولية أي جهة أخرى، لا الغرف التجارية، ولا جمعية حماية المستهلك، ولا غيرها، والتصور السائد أن وزارة التجارة تستطيع ضبط المسألة بدقة، فالموضوع لا يتطلب أكثر من زيارة مراقبيها للأسواق وضبط المخالفات أولاً بأول، واتخاذ القرارات الصارمة الحازمة سريعاً وبوضوح، مع إعلانها للناس، وبهذا سيرتدع من يحاول المخالفة مستقبلاً وتنضبط الأمور.

هذا هو التصور البسيط والبديهي للمشكلة وحلها، وهو المفروض والمنتظر أن يتم، ولكن لماذا لا يتم؟ لماذا نقرأ أحياناً حث الوزارة والوزير للغرف التجارية على مراقبة الأسعار وهي ليست مسؤوليتها؟ وكيف تظل جمعية حماية المستهلك محط أمل المستهلكين في مراقبة الأسعار وهي لا تستطيع وليست مسؤوليتها؟ وكيف تستمر هيئة الغذاء والدواء في التحذير من أغذية وأدوية ضارة بالصحة، ولا تتحرك وزارة التجارة لمنعها من الأسواق أو منع دخولها أصلاً؟ وكيف… وكيف… ولماذا؟ هل وزارة التجارة لا تعرف – مثلاً – أن هذه مسؤوليتها؟ وإذا كان المستهلكون يعرفون ومتأكدون أن هذه المراقبة وما يتبعها من عقوبات وغيره هي مسؤولية وزارة التجارة فأين المشكلة؟
سأجتهد في الإجابة لأنه ليست لدي معلومات دقيقة، وإن كنت أعرف بعضها، وسأقول: إن وزارة التجارة تعرف ومتأكدة أن هذه المراقبة والمعاقبة مسؤوليتها، لكنها – باختصار ووضوح – لا تستطيع القيام بهذه المسؤولية، أمّا لماذا؟ فلأن الوزارة ببساطة ووضوح لا تملك الإمكانات البشرية والفنية التي تؤهلها للقيام بهذه المهمة والمسؤولية!
عدد مراقبي الأسواق لدى الوزارة قليل جداً، فهم لا يزيدون حسب علمي عن مائتين أو ثلاثمائة في المملكة كلها، ولك أن تتصور وتتخيل كم مراقب تحتاج أسواق الرياض أو جدة فقط، وعدد الموظفين في الوزارة نفسها وفي فروعها الذين يمكن أن يقدموا خدمات لوجستية لمن يعمل في الميدان قليل، والموجود منهم تأهيله ضعيف، والإمكانيات الفنية الأخرى سواءً إلكترونية أو معدات وتجهيزات وسيارات قليلة وبعضها غير موجود أصلاً، فكيف يمكن للوزارة وفروعها القيام بهذه المسؤولية، ولديها مسؤوليات أخرى يشتكي مراجعوها من ضعفها في القيام بها؟
ومن تجارب سابقة في الكتابة عن مشكلات وزارة التجارة، كانت الوزارة، فوق عجزها، صامتة لا تنبس ببنت شفة، فلا تقر بعجزها، ولا تفصح عن أسباب عدم قيامها بمسؤولياتها، ولا تقول لماذا هي صامتة؟ وكأن النقد وشكاوى الناس منها لا تعنيها، وإذا أردتم أدلة صارخة على ذلك، فإن أزمة الشعير مازالت في ذاكرة الناس، والآن الأسواق السوداء للإسمنت وغيرها، فما الحل؟
الحل في نظري ليس بسيطاً ولا سهلاً، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، والخطوة المنتظرة من الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة الجديد، أن يعين أولاً متحدثين رسميين للوزارة يخبرون الناس يومياً بما يحدث في الأسواق وفي الوزارة نفسها وفروعها، وأن يبدأ في حل مشاكل العجز البشري والفني التي تعاني منها الوزارة، سواء عن طريق التوظيف وهو مكلف ولا تحتاجه الوزارة على المدى الطويل، أو عن طريق تجنيد متعاونين من الجنسين وهو الطريق الأسلم والأسهل والأقل كلفة في نظري، ثم تتوج ذلك بسرعة الإجراءات والعقوبات وإعلانها، فهناك شكاوى للناس لدى وزارة التجارة من وكالات سيارات وتجار مختلفين تقضي شهوراً وربما سنوات وهي من لجنة إلى أخرى ومن تحقيق إلى آخر بينما الحلول واضحة للعيان، ولا تحتاج كل هذا التطويل والمماطلة.
إنني لا أدعي ولا أجزم أن اقتراحي هذا هو الحل الجذري الوحيد، لكني أطرحه أما وزير التجارة والصناعة الجديد لعله يجد فيه مفتاحاً لباب حلول أفضل وأسرع وأشمل.
المهم أن تنطق الوزارة ويشعر الناس بوجودها، ويشاركوها همومها وتشاركهم همومهم المتضخمة، مهم أن تخلع رداء الصمت السائد الذي سماه كثيرون في السابق «التطنيش».