الاثنين، 6 فبراير 2012

بعض مسائل الهجر / هجر المبتدع


مأخوذة من رسالة الشيخ بكر رحمه الله التي بعنوان:"
هجر المبتدع
"
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
إن الساحة الدعوية اليوم تعج بالفتن، التي أحدثها أهل البدع بين السلفيين خصوصا وفي الإسلام عموما ، ما إن تخمد فتنة إلا وأتت ما تسد مسدها ، وأشر هذه الفتن هي الصادرة من المنتسبين إلى السلفية كما قال العلماء الأثبات ، وأكبر شاهد على ذلك ما حصل بسبب فتنة المأربي الذي دافع ونافح عن أهل البدع ، وطعن في الصحابة رضي الله عنهم ، وجاء بمنهج سلفي أوسع اهتدى إليه دون سلف الأمة ، ومن النقيض الآخر ما أحدثته فتنة فالح التي فرقت الصف السلفي ، وجاء بمنهج إقصائي لم يهتد إليه السلف كذلك ، فلما خمدت هاتان الفتنتان ، جاء من يحييها ، فتبع المأربي في أصوله ومنهجه الحلبي ، وقد تصدى له الشيخ ربيع والشيخ محمد المدخليان ، والشيخ عبيد الجابري وطلابهم ، إلا أن بعض السلفيين قد تأثروا بهذا المنهج الأفيح ، والذي هو عين قاعدة حسن البنا ، قاعدة المعذرة والتعاون ، جاءت بأسلوب جديد ، وبعبارات منمقة ، وإلا فما معنى لانجعل الخلاف في غيرنا خلافا بيننا أليست هي جزء من قول حسن البنا : "ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" ، ومن النقيض الآخر جاء ففيهمن يحيي فتنة فالح ، وهذا لا أقوله لييأس السلفيون ، بل ليزدادوا إيمانا ، فقد حدثنا الشيخ عثمان السالمي القائم على مركز السنة في ذمار اليمن أنه سمع الشيخ مقبلا يقول : " هذه الخلافات تزيدنا إيمانا " فقال له يا شيخ كيف تزيدنا إيمانا ، فقال رحمه الله : " لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فإنه من يعش منكم فسير اختلافا كثيرا " فرحم اله الشيخ مقبل ما أفقهه ، وكذلك ليعرف السلفيون أن من أسباب النجاة من هذه الفتن الارتباط بأكابر العلماء ، ومنها أيضا ، هجر أصحاب الفتن على ما تقتضيه مصلحة الهاجر أو المهجور أ و مصلحة الأمة ، وهذا السبب الشرعي من أعظم أسباب النجاة من شبهات أهل الضلال ، والهجر النافع يكون للكتب ، وللكلام ، وللذات ، ولرفقاء المهجور إن أصروا على رفقته ، كل هذا لابد أ ن يكون تحت ضوابط شرعية ، وألا تدخل فيه حظوظ النفس ، فيكون خالصا لله كما أراد الله .
ولهذا أحببت أن أنقل كلاما للشيخ بكر رحمه الله في موضوع الهجر لعلنا ننتفع به في الدنيا ويوم نلقى الله ، وإليكم ذلك :
قال رحمه الله تعالى بعد أن عرف الهجر وذكر مشروعيته :
مقاصد الإسلام في الهجر
" فوائد الهجر للمبتدع التي قصدها الشارع كثيرة منها ما يعود إلى الهاجرين القائمين بهذه الوظيفة الشرعية العقدية ، ومنها ما يعود إلى المهجور وإلى عامة المسلمين ، وإلى حماية السنن من البدع والأهواء ، فالهجر الشرعي ومنه هجر المبتدع عقوبة زجرية متعددة الغايات والمقاصد الشرعية المحمودة وهي على ما يلي :
1-إن الزجر بالهجر عقوبة شرعية للمهجور، فهي من جنس الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ، وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تقربا إلى الله بواجب الحب سبحانه وتعالى .
2-بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في هذه البدعة وتحذيرهم .
3-تحجيم انتشار البدعة .
4-قمع المبتدع وزجره ليضعف عن نشر بدعته فإنه إذا ما قمت يمقاطعته والنفرة منه بات كالثعلب في جحره ، أما معاشرته ومخالطته ، وترك تحسيسه ببدعته فهذا تزكية له ، وتنشيط وتغرير للعامة ، ( إذ العامي مشتق من العمى فهو بيد من يقوده غالبا ) فلابد إذاً من الحجر على المبتدع استصلاحا للديانة وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح البدن .
وبعد أن نقل الشاطبي رحمه الله تعالى بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع قال :
{ فإن الإيواء يجامع التوقير ووجه ذلك ظاهر ، لأن المشي إليه والتوقير له تعظيم له لأجل بدعته ، وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا ، كالضرب والقتل ، فصار توقيره صدودا عن العمل بشرع الإسلام وإقبالا على ما يضاده وينافيه ، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه ، وأيضا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعود بالهدم على الإسلام :
إحداها :
التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه أفضل مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم .
والثانية :
أنه إذا وقره من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاد الابتداع في كل شيء .
وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن ، وهو هدم الإسلام بعينه .} ا.هـ (أي الشاطبي)
5-إعطاء ضمانة السنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن والله اعلم .
وقال ابن بطة رحمه الله في (الإبانة : 1/390) : اعلموا إخواني أني فكرت في السبب الذي أخرج أقوام من السنة والجماعة وإضرارهم إلى البدعة والشناعة وفتح باب البلية على أفئدتهم وحجب نور الحق عن بصيرتهم ، فوجدت ذلك من وجهين ، أحدهما : البحث والتنقير وكثرة السؤال عما لا يعني ، ولا يضر العاقل جهله ولا ينفع المؤمن فهمه ، والآخر : مجالسة من لا تؤمن فتنته ، وتفسد القلوب صحبته . انتهى . " ا.هـ (أي الشيخ لكر)
قلت : فلما كان الهجر من الواجبات الشرعية لحفظ السنن وغمط الشر وإكباته ، كان لابد على أهل العلم من بيان ضوابطه وشروطه ، لكي لا يدخل فيه الهوى والانتصارات للنفوس ، فما شرع الله لنا فعله فلا يجوز لنا فعله إلا على الوجه الذي شُرعَ عليه ، للمقصد الذي شُرعَ له ، (والحمد لله فالعلماء جزاهم الله خيرا وحفظهم ورحمهم في الدنيا والآخرة قد أدوا ما عليهم ) ذكر الشيخ بكر رحمه الله في رسالته هذه مبحث الضوابط الشرعية للهجر ،وفي آخر المبحث حذر من البدع وأهلها فقال رحمه الله : "وختاما : احذر المبتدع ، واحذر بدعته ، وأعمل الولاء والبراء ، وتقرب إلى الله بذلك وبهجره الهجر الشرعي منزلا على القواعد الشرعية وأصولها في رعاية المصالح ودفع المفاسد ، وإياك ثم إياك من تأمير الهوى هجرا أو تركا ، والسلام ." ا.هـ
وبعد أن حذر رحمه الله من موالاة اهل البدع ذكر مباحث مهمة منها مبحث عقوبة من والى المبتدعة ، لأن من والاهم فقد أعانهم على ما هم عليه وهو إشعار لهم بأنهم على الصراط المستقيم ، عرف هذا أو لم يعرف ، ومن هذا حاله فلابد أن يكون خطره لا يقل على خطر من والاه من أهل البدع ، وبما أنه شرع لنا زجر المبتدع بالهجر وغيره من أنواع الزجر حسب ما تقتضيه المصلحة وما تندفع به المفسدة ، فكذلك يشرع لنا زجر من والاه ، وقد سئل الإمام أحمد عن رجل يجالس أهل البدع فقال عنه : يناصح ، فإن قبل وإلا ألحق به ، أو كما قال رحمه الله ، أخرجه اللالكائي في شرح السنة ، وبين رحمه الله أنه لا يجوز لمن علم شر المبتدع وسوء مقصده السكوت عنه إذا كان قادرا على البيان ، ومما قاله رحمه الله : " كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق ، فالساكت عن الحق شيكان أخرص كما قال أبو علي الدقاق "
وقال : "قد شدد الأئمة النكير على من ناقض أصل الاعتقاد ، فترك هجر المبتدعة ، وفي معرض رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على الاتحادية قال : ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم ، أو ذب عنهم ، أو أثنى عليهم ، أو عظم كتبهم ، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم ، أو كره الكلام فيهم ، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو ؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب ؟ (أي يتكر تصنيفه للكتاب المردود عليه)، وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم ، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء ، وهم يسعون في الأرض فسادا ، ويصدون عن سبيل الله .
فرحم الله شيخ الإسلام بن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة آمين .
فإن هذا الكلام في غاية من الدقة والأهمية ، وهو وإن كان في خصوص مظاهرة الاتحادية لكنه ينتظم جميع المبتدعة فكل من ظاهر مبتدعا فعظمه أو عظم كتبه ، ونشرها بين المسلمين ، ونفخ به وبها ، وأشاع ما فيها من بدع وضلال ، ولم يكشف فيما لديه من زيغ وإخلال في الاعتقاد ، إن من يفعل ذلك فهو مفرط في أمره ، واجب قطع شره لئلا يتعدى إلى المسلمين ، وقد ابتلينا في هذا الزمان بأقوام على هذا المنوال يعظمون المبتدعة وينشرون مقالاتهم ن ولا يحذرون من سقطاتهم وما هم عليه فاحذروا أبا الجهل المبتدع هذا ، نعوذ بالله من الشقاء وأهله ." ا.هــ
وختم رسالته رحمه الله بنصيحة طيبة تحت مبحث سماه : <إشاعة البدع>فقال :
"نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات في الاعتقاد ، أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة ، والمبتدع إذا كان مقموعا مكسور النفس بكبت بدعته ، فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع وبدعته ، فإنها إذا حركت نمت وظهرت ، وهذا امر جبلت عليه النفوس ، ومنه في الخير أن النفوس تتحرك إلى الحج إذا ذكرت المشاعر ، وفي الشر :إذا ذكرت النساء والتغزل والتشبيب بهن تحركت النفوس إلى الفواحش .
وهذا الكتمان والإعراض من باب المجاهدة والجهاد ،فكما يكون الحق في الكلام فإنه يكون في السكوت والإعراض ،فتنزل كل حالة منزلتها ،والله أعلم" ا.هــ
فرحم الله الشيخ بكر وأسكنه فسيح جناته ، والله لوودنا معشر السلفيون لو أن الشيخ رحمه الله طبق هذه القواعد في السيد قطب الذي بان انحرافه للعامة والخاصة ، لكن العصمة من الخطأ لا تكون لأحد من البشر وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه
وأختم هذه النكت التي كتبها حبر ذلك العلم الجهبذ بنصيحة جامعة ماتعة نافعة لمن أخذ بها ، وهي مأخوذة من في العلامة الناصح الشيخ عبيد الجابري ،
قال السائل : يقرر البعض أنه لا ينبغي تحذير العوام من أعيان المبتدعة لأنهم لا يقبلون الكلام فيهم، وإنما نتدرج معهم في تعلم السنة والبدعة فإذا أدركوا ذلك ذكرنا لهم الأسماء فهل هذا التقرير صحيح ؟
فأجاب الشيخ عبيد :
نعم هذا صحيح ، ونحن عليه إنشاء الله تعالى ، لأن من دعوتنا دعوة أهل السنة والجماعة الحكمة قالالله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم والخطاب عام ، يعمه ويعم كل داعية إلى الله على بصيرة ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬالنحل علي رضي الله عنه : " حدثوا الناس بما يعرفون " فعلى الداعية البصير أن ينظر في المصالح والمفاسد ، فإذا كان أهل بلد استحكم فيهم حب إنسان بأن يكون إمامهم وماعرفوا التدين إلا من قبله ، وهو يراه مبتدعا ضالا فلا يتكلم فيه بشدة ، يحبب إليهم السنة وأهلها ، ويحذر من البدع على سبيل الإجمال ، كذا بدعة ، كذا بدعة ، كذا بدعة ، وهكذا ، حتى يحسن الدخول إلى نفوسهم ، وتطمئن إليه قلوبهم ، هناك يبين لهم ، أما بادئ ذي بدء ، هذا خطأ .
كذلك من رؤوس أهل البدع رجال قد يكونون مسؤولون في الدولة ، مثل وزبر الشؤون الدينية ، أو رئيسا لمحاكم ، أو قاضيا لبلد ، فهذا لا يحسن التحذير منه لأنه يضر دعونا ولا ينفع ، بل تجب مداراته ، في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
" ايذنوا له بئس أخو العشيرة " فلما دخل عليه هشَّ له وبشَّ و ألان له الكلام فلما خرج من عنده قيل : يا رسول الله ! قلت ما قلت ونراك ألنت له الحديث وهششت له وبششت؟قال : " إن شر الناس يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء فحشه " فبعض الناس لا يهجر و لا يحذر منه لأن شره يضر أهل الإسلام أما صاحب الخطأ الذي هو في نفسه ، فهذا إذا انتصح و إلا يهجر و لا كرامة . ا.هــ
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..