المقال / والرد عليه
السعوديون يعرفون واقعهم: الحل في القطيف يبدأ بتحييد بعض «الرموز» علناً
قينان الغامدي
وأنت اليوم أو أنا أو هو أو هي من السعوديين لو سألت سعودياً آخر «قلبه
مفقوع» كما نقول, من معاملة متعطلة بسبب موظف كسول أو إدارة مهترئة, أو من
حق يشعر أنه لم ينله حتى الآن لسبب أو لآخر, أو لأنه فقير, أو عاطل أو … أو
…, وسألته سؤالاً محدداً, ما رأيك في قيادتنا؟ لأجابك دون تردد: قيادة
خيّرة, وربما أضاف أوصافاً ودعوات من قلبه, فلو أضفت: هل تفضل العيش هنا في
السعودية أو … وسم أي وطن آخر؟ فإنه وبدون تردد سيجيبك حسب مستواه الثقافي
بأنه لا ينشد بديلاً, ولكن بحكم حالته قد يشكو من الجهات التنفيذية و
التنفيذيين الذين يسودون الوجه أحياناً, أمّا إن كان ممن نسميهم جمهور
الناس وهم الغالبية في الوطن, فإنه قد يختصر إجابته لك في شتيمة سيئة تعبر
عن حنقه من أن تسأله عما هو عنده من المسلمات التي لا يقبل فيها نقاشاً,
ومن أقل تلك الردود التي قد تسمعها هي من نوع: تراب في حلقك .. أو أخف
قليلاً من نوع : فال الله ولا فالك.
السعوديون – وأنا هنا لا أتقول على أحد وإنما أروي ما أعرف- لا يقبلون مساساً لا بقيادتهم ولا بوطنهم فالإثنان عندهم في مرتبة لا تقل قداسة عن دينهم, بل هم يؤمنون أو على الأقل الغالبية منهم, أن عدم قبولهم للمساس بالقيادة ووحدة الوطن ومقدراته هي جزء لا يتجزأ مما يتعبدون به ربهم.
ولهذا فإن مقارنة السعودية بأي بلد عربي آخر سواءً من تلك التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي أو تلك التي مازالت تنتظر أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها مقارنة تفتقر للموضوعية وللمعرفة العميقة بالواقع بكل مكوناته, ناهيك عن كونها مقارنة ذات صبغة «شعاراتية» لها أهداف بعيدة المنال على من يتقصدها أو يطمح إليها, ولن تتجاوز حدودها في البلبلة المحدودة واستقطاب بعض الجمهور المخدوع.
أخونا خطيب القطيف سعى الى شيء من هذا الاستقطاب – ربما – لكنه لو تأمل قليلاً, واستمع الى صوت عقلاء القطيف نفسها من حوله لأدرك أنه – ربما – ارتكب جريمة كبرى في حق القلة من الشباب الذين – ربما – صدقوه وانجروا الى أفعال فوضوية تضر اول ما تضر أنفسهم, ثم الابرياء من حولهم الذين يستنكرون فعلهم, ويصرخون مستنجدين بالدولة لحمايتهم ودفع شرور هؤلاء.
هذا في الحد الادنى, وأمّا لو تأمل الخطيب اكثر فإنه سيجد المقارنة التي اوردها مع سوريا تعد جريمة في حق عقله أولاً, اذ لا يستقيم الأمر لا منطقياً ولا عقلاً ولا شرعاً, لا تاريخاً ولا حاضراً, ولا نظاماً ولا تنمية, لا شعاراً ولا حقيقة, وبالتالي سيجد نفسه وهو من على منبر « جمعة « يفتئت علناً على الناس وعلى الواقع كله.
لا أحد في طول الوطن ولا عرضه سواءً كان سنياً أو شيعياً يقبل أن يتعرض أحد للظلم في إي زمان أو مكان, لكن الظلم – ان وجد – لا يدفع بظلم أشد وأعظم, وانا أقول هذا إنسجاماً مع ما يقوله بعض اخواننا المثقفين الواعين في القطيف الذين يصرون ان المشكلة داخلية بحته, ولا تأثير لأي شعارات أو ايديولوجيا خارجية, وهم – كما أظن – يقولون ذلك متطلعين الى حل ينهي هذه الازمة التي يفتعلها القلة عندهم بين الحين والأخر, لكن مثل خطيب القطيف هذا يحرجهم من جهتين: من جهة انه يؤكد اثر الايديولوجيا الخارجية بظلالها كلها, ومن جهة أنه يهدد الدولة, ولا يطلب حلاًّ, وكأنه يقول للأمن اذا أوقفتم هذه القلة التي خرجت بالسلاح فأنتم مثل قتلة الشعب في سوريا, فكيف يستطيع العقلاء في القطيف أن يكرسوا منطقهم وحججهم ورغبتهم أمام من يستخدم منبر المسجد للتهييج والمغالطة والتهديد.
إنني أقدر لاخواننا المثقفين في القطيف دعوتهم إلى حلول جذرية ممكنة, ومنها مناصحة الشباب, وتوجيههم الى سبل المطالبة بالحقوق التي يرونها وفق أنظمة الدولة, لكني أعتقد أن هؤلاء المثقفين بحاجة ماسة قبل هذا, إلى بذل جهد لمناصحة بعض الرموز الذين يبحثون – ربما – عن جماهيرية, و- ربما- عندهم أجندات تأثروا بها أو أمليت عليهم, وفي كلا الحالتين فهم لا يريدون خيراً للوطن كله, ولا للقطيف بصفة خاصة.
نظام الدولة يمنع المظاهرات في كل شبر, ومع ذلك أغمض الأمن عينيه مراراً وتكراراً عن مسيرات قطيفية كثيرة بعضها ارتبط بمناسبات دينية, وبعضها تنفيساً, وبعضها لا معنى له, لكن الأمر ارتفع إلى حمل السلاح, وإلى إيذاء الناس علناً, بل وإلى إطلاق النار على رجال الأمن, فهل على رجال الأمن أن يسمحوا لمتظاهر يحمل الكلاشينكوف أو المتفجرات في يديه؟.
إن «ضبط النفس» المطلوب من رجال الأمن يجب أن يقابله التزام بالنظام من المواطن والمقيم, لكي يتحقق ضبط الأمن أولاً, إذ لا يعقل أن تطلب مني أن أحاورك وبندقيتك مصوبة نحوي مهما كانت الحال.
إن عقلاء ومثقفي القطيف عليهم مهمة تاريخية حيال بعض «الرموز» قبل واجبهم التاريخي حيال الشباب سواءً كان هؤلاء الشباب مغرراً بهم أو أصحاب قضية يمكن مناقشتها وحلها.
إن المشكلة الحقيقية في القطيف – في نظري على الأقل – سهلة وبسيطة وحلها ميسور وممكن, شريطة أن يقوم عقلاء القطيف ومثقفوها بتحييد بعض «الرموز» علناً, وتحذير شباب القطيف مما يدعون إليه علناً, وحينها يمكن وضع عربة الحل على طريق النجاح, وإذا صدقت النوايا تحقق المطلوب, فالصدق .. والصدق وحده سبيل المؤمنين إلى الخير في الدنيا والآخرة.
----------------------------------
ردا على قينان الغامدي
القطيف أفضل من الدمام ... والتحييد هو الحل!!!
السعوديون – وأنا هنا لا أتقول على أحد وإنما أروي ما أعرف- لا يقبلون مساساً لا بقيادتهم ولا بوطنهم فالإثنان عندهم في مرتبة لا تقل قداسة عن دينهم, بل هم يؤمنون أو على الأقل الغالبية منهم, أن عدم قبولهم للمساس بالقيادة ووحدة الوطن ومقدراته هي جزء لا يتجزأ مما يتعبدون به ربهم.
ولهذا فإن مقارنة السعودية بأي بلد عربي آخر سواءً من تلك التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي أو تلك التي مازالت تنتظر أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها مقارنة تفتقر للموضوعية وللمعرفة العميقة بالواقع بكل مكوناته, ناهيك عن كونها مقارنة ذات صبغة «شعاراتية» لها أهداف بعيدة المنال على من يتقصدها أو يطمح إليها, ولن تتجاوز حدودها في البلبلة المحدودة واستقطاب بعض الجمهور المخدوع.
أخونا خطيب القطيف سعى الى شيء من هذا الاستقطاب – ربما – لكنه لو تأمل قليلاً, واستمع الى صوت عقلاء القطيف نفسها من حوله لأدرك أنه – ربما – ارتكب جريمة كبرى في حق القلة من الشباب الذين – ربما – صدقوه وانجروا الى أفعال فوضوية تضر اول ما تضر أنفسهم, ثم الابرياء من حولهم الذين يستنكرون فعلهم, ويصرخون مستنجدين بالدولة لحمايتهم ودفع شرور هؤلاء.
هذا في الحد الادنى, وأمّا لو تأمل الخطيب اكثر فإنه سيجد المقارنة التي اوردها مع سوريا تعد جريمة في حق عقله أولاً, اذ لا يستقيم الأمر لا منطقياً ولا عقلاً ولا شرعاً, لا تاريخاً ولا حاضراً, ولا نظاماً ولا تنمية, لا شعاراً ولا حقيقة, وبالتالي سيجد نفسه وهو من على منبر « جمعة « يفتئت علناً على الناس وعلى الواقع كله.
لا أحد في طول الوطن ولا عرضه سواءً كان سنياً أو شيعياً يقبل أن يتعرض أحد للظلم في إي زمان أو مكان, لكن الظلم – ان وجد – لا يدفع بظلم أشد وأعظم, وانا أقول هذا إنسجاماً مع ما يقوله بعض اخواننا المثقفين الواعين في القطيف الذين يصرون ان المشكلة داخلية بحته, ولا تأثير لأي شعارات أو ايديولوجيا خارجية, وهم – كما أظن – يقولون ذلك متطلعين الى حل ينهي هذه الازمة التي يفتعلها القلة عندهم بين الحين والأخر, لكن مثل خطيب القطيف هذا يحرجهم من جهتين: من جهة انه يؤكد اثر الايديولوجيا الخارجية بظلالها كلها, ومن جهة أنه يهدد الدولة, ولا يطلب حلاًّ, وكأنه يقول للأمن اذا أوقفتم هذه القلة التي خرجت بالسلاح فأنتم مثل قتلة الشعب في سوريا, فكيف يستطيع العقلاء في القطيف أن يكرسوا منطقهم وحججهم ورغبتهم أمام من يستخدم منبر المسجد للتهييج والمغالطة والتهديد.
إنني أقدر لاخواننا المثقفين في القطيف دعوتهم إلى حلول جذرية ممكنة, ومنها مناصحة الشباب, وتوجيههم الى سبل المطالبة بالحقوق التي يرونها وفق أنظمة الدولة, لكني أعتقد أن هؤلاء المثقفين بحاجة ماسة قبل هذا, إلى بذل جهد لمناصحة بعض الرموز الذين يبحثون – ربما – عن جماهيرية, و- ربما- عندهم أجندات تأثروا بها أو أمليت عليهم, وفي كلا الحالتين فهم لا يريدون خيراً للوطن كله, ولا للقطيف بصفة خاصة.
نظام الدولة يمنع المظاهرات في كل شبر, ومع ذلك أغمض الأمن عينيه مراراً وتكراراً عن مسيرات قطيفية كثيرة بعضها ارتبط بمناسبات دينية, وبعضها تنفيساً, وبعضها لا معنى له, لكن الأمر ارتفع إلى حمل السلاح, وإلى إيذاء الناس علناً, بل وإلى إطلاق النار على رجال الأمن, فهل على رجال الأمن أن يسمحوا لمتظاهر يحمل الكلاشينكوف أو المتفجرات في يديه؟.
إن «ضبط النفس» المطلوب من رجال الأمن يجب أن يقابله التزام بالنظام من المواطن والمقيم, لكي يتحقق ضبط الأمن أولاً, إذ لا يعقل أن تطلب مني أن أحاورك وبندقيتك مصوبة نحوي مهما كانت الحال.
إن عقلاء ومثقفي القطيف عليهم مهمة تاريخية حيال بعض «الرموز» قبل واجبهم التاريخي حيال الشباب سواءً كان هؤلاء الشباب مغرراً بهم أو أصحاب قضية يمكن مناقشتها وحلها.
إن المشكلة الحقيقية في القطيف – في نظري على الأقل – سهلة وبسيطة وحلها ميسور وممكن, شريطة أن يقوم عقلاء القطيف ومثقفوها بتحييد بعض «الرموز» علناً, وتحذير شباب القطيف مما يدعون إليه علناً, وحينها يمكن وضع عربة الحل على طريق النجاح, وإذا صدقت النوايا تحقق المطلوب, فالصدق .. والصدق وحده سبيل المؤمنين إلى الخير في الدنيا والآخرة.
----------------------------------
ردا على قينان الغامدي
القطيف أفضل من الدمام ... والتحييد هو الحل!!!
أخونا
العزيز الأستاذ/ قينان الغامدي من أولئك الكتاب الذين أكن لهم الكثير من
التقدير والاحترام القديم الحديث ... لكن القصة ليست هنا. القصة هي قصة
مقاله المعنون (السعوديون يعرفون واقعهم: الحل في القطيف يبدأ بتحييد بعض «الرموز» علناً)،
والمقال الثاني اللاحق له. والذين يرى فيهما الأستاذ الكاتب العزيز، أن حل
الأزمة في القطيف بسيط، وهو متمثل في تحييد (الرموز)، وكأن الرموز ببساطة
سواءً منها من يحرض الشارع بعاطفة قد لا يختلف عليها، وكذا من يرى فقط مجرد
ترشيد حراك المطالب بوعي في ظل ما يجري من أحداث معاصرة تفرض نفسها على
الجميع بالقوة متمسكين بالعقلانية والهدوء وراغبين بشتى السبل في حفظ النفس
والمال والدماء والمصالح العامة - ويبدو أنه يشير إليهم - ... هم أو
(بعضهم فقط) بسبب كلمات العاطفة تارة أو بسبب كلمات النصح فقط في التارة
الأخرى ... هم مصدر الاحتقان فقط في كل القطيف ... كما رأى أخونا العزيز
الأستاذ قينان ... وأنا أستغرب هذا التصور من كاتب قدير ومحترم كالأخ
قينان!!!.
أخي
العزيز قينان، لعلك لا تعلم أن الأزمة أكبر من ذلك بكثير، وأن احتقان
الشارع أكبر من أن تنفس عنه عبر تحييد أو تكبيل بعض الرموز بغض النظر هنا
عن الخطأ في خطابها والصواب فيه. وحتى من يسمون أنفسهم بالعقلاء، ومن قد
تسميهم أنت أو نسميهم نحن بذلك، فهم يخافون من الوقوف ضد قناعات من يخرجون
في الشارع ومن يتعاطفون معهم، بل إن الرموز التي ترى أنها هي المحرضة
للاحتقان، لو وقفت لتحتوي وتلجم احتقان الشارع في هذا الوقت، لتم تحييدها
وعزلها في القطيف في أجواء الانفعال الحاضرة، لأن من يحيد أو يحاول التحييد
هنا في الحقيقة في مثل هذه الظروف وفي ظل الأزمة والأجواء المشحونة لأي
رمزٍ، في الغالب هو من سيجد نفسه أنه يحيد ويعزل كرد فعل معاكس من الجمهور
المحتقن، لأن لغة العاطفة غالبة الآن على كثيرٍ من أفراد الشارع القطيفي،
لأنك تعرف ماذا تعني أجواء التوترات وسقوط بعض الدماء، ولأن من تدعوهم
للتحييد سيرون حينها من قبل عامة الناس والبعيدين منهم عن الثقافة والسياسة
خاصة، كمنكرين حينها لكل الحقوق والمطالب المطلوبة، وكمعارضين لكل آمال
الشارع في الإصلاح، حتى لو كان هؤلاء من المؤيدين لحراك المطالب عبر
الأروقة الرسمية والسبل الإعلامية والقانونية لكن (الهادئة والمتدرجة
والدبلوماسية المجاملة فقط) ... فهل تستطيع استيعاب ذلك الاحتقان وطبيعته
وتأثيراته على الجميع، حتى على بعض الرموز منهم أستاذي العزيز، قبل طرح مثل
هذا الحل المستعجل والغريب؟؟؟!!!.
وهنا،
سأرجو أن لا تفهم كلامي هذا هنا خطأً، على أنه دلالة على أن القطيفيين
عامة أو غالبيتهم منسلخون من وطنيتهم ويفتقدون حس المواطنة الصادقة والرغبة
في التعاونات المثمرة مع الآخر، فيقفون لذلك ضد الوطن أو يريدون له الفشل
والإخفاق وعدم النجاح ... فيحيدون بحسب ما سبق كل من يدعو للتهدئة بسبب
كرههم لوطنهم وحبهم لتمزيقه أو ما شابه. لأنني (واثقٌ من/ ومؤمنٌ بـ): أن
ما يجري مجرد زوبعة ستمر وفقاعة ستنفجر، وعرض يزول ويتغير، وليس جذراً
ثابتاً للاحتقانات المتراكمة بسبب تأزمات متعددة سابقة وحاضرة تحتاج حلاً،
وأن أبناء القطيف في الحقيقة، مؤمنون بأهمية هذا البلد على ما سواه من بلاد
وكتل، وهم يحبون وطنهم ويجلونه ويتمنون له الخير كل الخير، ويقدرون كذلك
قيادته المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - أطال الله في
عمره - ومن حوله ممن يسعون للنهوض بهذا البلد، وكثيرون منهم لازالوا
متمسكين بالسلم والأمن، ومنتظرين للإصلاحات، التي تشير لها وتنشدها حكومة
خادم الحرمين، وسيظلون كذلك. وهناك من الدلائل الواقعية الكثير مما يؤكد
ذلك. ولا شك أنك ترى وتسمع بعضه. لكن الأزمة لدى بعضنا أزمة ثقة في
المسارات، وعدم قدرة لدى البعض على استيعاب التعقيدات، وفي نفس الوقت عدم
فهم الآخر خارج الطائفة لطبيعة القطيف وشعبها وواقعها وما تعانيه من تأزم
تأزمه فوق كل شيء وكل علة عواطف وتصريحات الطائفية والطائفيين، ومن الجهة
الأخرى عدم بلورة مشروع احتواء حقيقي للطائفة لا تاريخياً ولا الآن في هذه
الأوقات الحاضرة رغم وجود اختناقات تتطلب تحفيز خطط الإصلاح ... والقضية
بحاجة لمزيد من الانفتاح وسعة الصدر هنا لخلق بيئة صحية للبوح والتفاهم
وتجاوز اللف والدوران كي لا تبقى المساحة مفتوحة هنا للقلق ولكل من يريد
العبث بأمن هذا الوطن واللعب على تناقضاته لأجل مصالح بعيدة عن مصلحة
الوطن.
إن
دعوتك أخي قينان في مقالتيك سابقتي الذكر، لا تزيد واقعاً الأزمة في
القطيف إلا تعقيداً وتشابكاً. ولا تزيدنا إلا ثقة بأن الآخر لا يرى القطيف
كما هي وكما ينبغي، ولا يدركها ولا يستطيع استيعاب حقيقة الأزمة، حتى لو
كان من المثقفين الواعين. بل لو نزلنا في السلم أكثر، فإن بعض ما سنسمعه من
إخواننا وأصدقائنا السنة من العامة، سيجعلنا نقتنع أكثر بأن بعض إخواننا
المواطنين السنة أو شريحة واسعة منهم، يستكثرون علينا كقطيفيين وكشيعة،
وعلى قطيفنا التاريخية والغنية، كثيراً مما نتمناه، أو ما نعتقد أنه مما
يجب السعي والتعاون لإصلاحه أو تحقيقه، لأسبابٍ يعلم عامة الشيعة
والقطيفيون بعضها في الجملة، ويجهل بلا شك كثيرون منهم بعضها الآخر، والأمل
في البقية الباقية من الواعين. فالبعض ينظر للقطيف - وأتمنى أن لا تكون
أستاذي العزيز واحداً منهم - على أنها كهجرة من الهجر، وقد حصلت على أكثر
مما تستحق. وهذا وجه مؤلم من وجوه المعضلة الحاضرة، أرى أن دولتنا العزيزة
ممثلة في حكومتها الرشيدة، تبصر ولله الحمد أنه خاطئ وغير صحيح، وترى
الحاجة لإصلاحه في الظرف المناسب عبر التفاهم، في ظل تعامل وتعاون مثمر
وهادئ منتظر، يزيل من النفوس، في ظل كل تلك الصراعات السياسية الحساسة في
المنطقة، تلك الهواجس المتراكمة، وذلك بحراك إيجابي في أروقة السياسة، من
قبل قيادات وعقلاء الشيعة الذين يسندهم ويعاضدهم الجمهور.
ثم
إن الدعوة لتحييد بعض الرموز، فيها جهلٌ كثير أو أقلاً بعض الجهل، بطبيعة
بعض الرموز الوطنية، التي نثق تماماً أنها لا تنشد مزيداً من الاحتقانات
والتأجيج في الشارع، إنما تصب حديثها في مسارات الهروب من اختناقات الأزمة
الراهنة والحاصلة، وفق ما هو متاح لنا ولها، وعدم نضج من الجهة الأخرى
بضرورة احتواء مختلف الرموز (حتى المخطئ منهم)، لاحتواء الأزمة في أزمة
تتجاوز فيها أسباب الاحتقان خطب كل الرموز التي يمكن الإشارة إليها، لتشمل
احتقان شريحة واسعة من أبناء الوطن الشيعة – كما أشرنا - لأسباب عدة.
وإن
لغة وخطاب ومنهج التحييد هنا ضد الرموز أو بعضها، ليس في حقيقته سوى عزل
وفشل استراتيجي كبير مخفقٌ، سيأزم مشاكل البلد، ويدفع بالكثيرين مستقبلاً
خلاف المرجو والمأمول نحو مزيد من الاحتقان، لو تم الاتجاه في هكذا مشروع -
مشروع التحييد، الذي دعوت إليه - الذي أقل ما يقال عنه أنه غير ناضج وغير
سليم، حيث أنه كفيل بخلق بؤر توتر شعبية دائمة جديدة، على شكل تيارات
ومجاميع محتقنة، تشعر بالعزلة والغبن والاضطهاد ... بعيداً عن ما هو واقعي
وما هو متوهم ... من اضطهاد أو نقص أو ظلم.
أخي
قينان ... رغم ثقتنا برشدك، لكنك وآخرون تنظرون للأزمة من خارجها ومن
الطرف البعيد، وربما ترون أشياء حقة تغيب عن بعض أبناء القطيف وأبناء
الطائفة لغياب عامل العاطفة هنا، وأنا أدرك هنا أن معاناة الوطن لا تنحصر
فقط في القطيف، وليست القطيف هي قمة المعضلات وبؤرتها الوحيدة المحتاجة
لتفعيل المزيد من مشاريع الإصلاح والحل كما يدرك الكثير من عقلاء الوطن،
لكن بلا شك غابت وتغيب عنكم أشياء كثيرة مهمة، وكذلك تلتبس عليكم أشياء
أخرى، فهناك تأزمات كثيرة هنا تختنق وتتفاقم ولا تجد سبيل الحل لأسباب عدة
... ولعل البعد عن واقعنا وتفاصيله بحكم طبيعة المناطق والمذاهب عذركم ...
ونحن في القطيف ونحن أبناؤها ها نحن هنا أمام تساؤلات واستفهامات كثيرة
تتعلق بما يجري في الشارع القطيفي في هذه الأزمة الحاضرة ... فلا نستطيع
الإجابة عليها ... ولا نملك إلا التحليلات والتوقعات والشكوك والظنون ...
رغم قربنا من بؤرة الحدث ... ومحاولاتنا الجادة لمتابعة مجريات الأمور
وأخبار المنطقة ... فكيف بمن يعيش بعيداً عن القطيف وعن بعض تلك الرموز
التي تدعو لتحييدها والتي يعرف الجميع أن بعضها حمل للكثير من الشيعة لغة
المواطنة الصادقة والإخلاص للوطن والتواصل مع قياداته ومكوناته عبر كثيرٍ
من الجهود المستمرة والدائمة.
ولقد
أدهشني ما قلته أخي قينان عن القطيف، من كون القطيف أفضل من الدمام، وهي
مغالطة ما بعدها مغالطة، رغم أني أرى القطيف في وضع جيد يدعوني لحمد الله،
لكن كأنك تريد مخلصاً أن تخرجنا عبر هذه المغالطة المزعجة للكثير من أبناء
القطيف، إن لم يكن لكلهم، من أزمة احتقان خانقة، لتدخلنا في أزمة احتقان
أخرى لن تخدم الوطن، عبر إنكار كل ما يستحقه أبناء القطيف وأبناء الطائفة
من إصلاح، لا أشك أن حكومتنا الرشيدة رغم تعقيدات الواقع وصعوباته تعيه،
وتريد أن تتعاون مع الواعين والعقلاء في قطيفنا الحبيبة لإنجازه وتحقيقه.
إن
البديل لما طرحته أستاذي العزيز من مبادرات جريئة لتحييد الرموز، والذي لن
ينتج إلا تحييد المطالبين والساعين في مشروع التحييد هذا، هو (مشروع
احتواء أبناء الطائفة ورموزها من المواطنين السعوديين) ... وهو مشروع ممكن
وواقعي وليس بعسير ولا ضرب من ضروب الخيال.
إن
(احتواء الطائفة الشيعية)، هو مشروع الخلاص المطلوب والمرتقب. ونحن لا
نريد هنا هذا المشروع كاستجابة لتصرفات حرق وتشويه لم تعجبنا صدرت من بعض
المجاهيل هنا أو هناك. بل نريد ذلك من خلال إرادة سياسية واعية ورشيدة،
همها مصلحة الوطن، في زمن هدوء وانفراج، سيأتي إن شاء الله قريباً.
ونحن
لا نتمنى بلا شك، أن تمس هيبة الدولة، ولا نتمنى أن يصبح الانفعال، هو
طريق الحل ولغة التفاهم داخل هذا الوطن، وهذا مما يجب وما سنحرص أن نؤكد
عليه.
إننا
نتحدث هنا عن مشروع عقلاني يتم في الهدوء وعبر التفاهم، وحينها حينما تصبح
القطيف تلك المدينة التاريخية العريقة كالدمام أو الخبر أو الجبيل دون
مكياج ودون رتوش، بل وحتى لو بقت القطيف أقل منها، وليس كما عرضت من كون
القطيف أفضل من الدمام، لكن هنا مع حل بعض التأزمات وتطوير بعض الخدمات،
ومع وجود الشيعي كعضد لرجال هذا البلد، ضباطاً في المؤسسات الرسمية جنباً
لجنب مع إخوانه السنة، وحينما تكون القطيفية والشيعية ممكنة من أن تصبح
مديرة مدرسة وموجهة، وحين تصبح لدى القطيفي فرص لأراضٍ سكنية كتلك المتاحة
في إمتدادات جارتنا الدمام بأسعار معقولة نسبياً عند المقارنة مع أزمة
القطيف السكنية وما نعانيه من اختناق حاد في قطيفنا في الوضع الإسكاني
والعقاري ... عندما يجد القطيفي احترامه أكثر بعيداً عن زفير الطائفية
والطائفيين الذين يؤججون البلد ويبثون الفرقة والاحتقانات وذلك فقط بمنع
المتطرفين من بث سموم الفرقة بشكلٍ صارخ وفاقع ... وحين يصبح لدينا من
أبناء القطيف رموز في الدولة مقربون من رجال السلطة ومسؤوليها يستطيعون
إيصال صوتنا كبقية فئات الوطن وقبائله ... عندها ستختفي كثير من التشنجات
بلا شك ... بل سيفلس كثيرٌ ممن يفضل لغة العنف أو الانفعال ... وستختفي
هواجس الارتباط بدولة شيعية هنا أو جماعة هناك ... بل ستجد الأصوات العاقلة
دائماً تجهر بالدفاع وتمانع العنف وبقوة ودون أي خوف ... وستجد هنا معناً
لذلك التحييد الذي تتكلم عنه في مقالتيك ضد من سيكون حينها رمزاً
للاحتقانات أو داعية لها.
وإنني
هنا كشيعي من أبناء القطيف، إن كان هذا سيطمئن البعض، أبوح هنا بأنني
لازلت مؤمنا، وهناك بلا شك غيري كثيرون، بأن وطني هو الأولوية والاستحقاق
الأول لكل الاهتمام، وأنا أتمنى أن نتجاوز جميعاً في هذا الوطن تشنجاتنا
وانقساماتنا المذهبية والأيديولوجية والقبلية وغيرها، لنركز على مسارات
التنمية وتطوير البلد، الذي نهض من بداوة وبدائية وبساطة آبائنا وأجدادنا
في الريف والحضر ... فوصل لما وصل إليه بعد عقبات كثيرة واجهها الواعون
وقيادات هذا البلد ... ولذا فالمرجو أن نعذر الماضين وندع أخطاء الماضي
واحتقاناتنا المتراكمة ونسير اليوم نحو الأفضل ونحو أمل الغد وازدهار الوطن
... وهذه دعوة للجميع خصوصاً المحتقنين منهم للهدوء والتعويل على مسارات
التفاهم والتنمية وتعزيز مسارات توطين الصناعات المتطورة في البلد.
وهنا، يطيب لي أن أختم بمقدمة أخي قينان في أولى مقالاته السابقة الذكر، التي قال في مطلعها: "المواطنون
السعوديون والمقيمون على أرض بلادهم, يعرفون الواقع الذي يعيشونه بكل
إيجابياته وسلبياته, وهو واقع يعرفونه منذ عقود وليس من اليوم, ويعرفون ما
حدث فيه من تغيير وتطوير مازال مستمراً ومتصلاً منذ الأمس القريب والبعيد
وحتى اليوم وإلى الغد القريب والبعيد بإذن الله"،
لأنني أعرف أننا أمام مستقبلٍ واعد، بسبب ما تقوم به (التقنيات المعاصرة)،
من إصلاح مستمر لواقعنا، يعزز باستمرار مكانة الحقوق والحريات والعدالة
والتنمية والرفاه، وفق الرؤى الحضارية المعاصرة.
وفي
الختام، فسأرفع كفي الضراعة لله سبحانه وتعالى، سائلاً إياه أن يحفظ هذا
الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً - شيعة وسنة - وكل من فيه من كل شر، وأن
يمكننا من التطور والترقي والازدهار واللحاق بركب الحضارة المعاصرة
المأمول، وهو ما لن تحققه مسارات الاحتراب.
وللجميع هنا في الأخير أضع كل المحبة والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..