خالد بن محمد الشهري
كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة
سيئة لم يكن أحد يتخيل أن تحدث بين المسلمين بمثل هذه الوقاحة وصفاقة الوجه وتجد
من يلتمس الأعذار لأصحابها ألا وهي الاستهزاء بمقام النبي عليه صلوات ربي وسلامه والتنقص
من سنته وأحكامه أو شيء من سيرته وشخصه عليه السلام وهو داء خطير إن لم تنتبه له
الأمة وتأخذ على أيدي فاعليه فإن ذلك مؤذن ببلاء شديد يعمّ الأمة جميعاً ؛ وكيف
تُقدّس أمة لا تقدس نبيها ولا ترى له حقاً في الذبّ عنه.
نعم هو ليس محتاجاً لنا وقد
آتاه الله المقام المحمود والدرجة العالية الرفيعة وآتاه ما لم يؤت أحداً من
العالمين وكان فضل الله عليه عظيماً؛ لكننا نحن الذين نحتاج إليه وبمقدار تمسكنا
بدينه تكون غيرتنا عليه وذبّنا عن عرضه بأبي هو وأمي ونفسي وأهلي عليه الصلاة
والسلام.
ومما لا يعلمه كثير من الناس أن
العلماء لم يختلفوا على الحكم بقتل من انتقص من قدر النبي عليه الصلاة والسلام
وأجمعوا على ذلك والخلاف الذي جرى بينهم في مسائل لا تلغي قتل سابّ النبي عليه
الصلاة والسلام وإنما هي في حكمه هل هو كافر أو مرتد وهل يستتاب قبل قتله أم يقتل
دون استتابة وهل تُقبل توبته فيما بينه وبين الله أم لا ؟.
أمّا وجوب قتله فهم لا يمارون
فيه ولا يخالف أحد في ذلك وذكر بعضهم ومنهم العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن حق
العفو عن من سبه كان متعلقاً به في حياته عليه أفضل الصلاة والسلام فكان أمره إليه
أما وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى فلا يجوز لأحد أن يفرط في حق النبي عليه الصلاة
والسلام .
يقول الشيخ ابن عثيمين في لقاء
الباب المفتوح اللقاء 53 كما نقله ملتقى
أهل الحديث:
(ثم إن في
قتلهم مصلحة وهو كف ألسنة غيرهم عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما هم فقد قبل
الله توبتهم إذا كانت توبتهم نصوحاً ، وأمرهم إلى الله ، وإذا لم يقتلوا اليوم
ماتوا غداً ، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة .
ويرى
بعض العلماء أنه إذا تاب فلا تقبل توبته ويقتل كافراً ، وهو المشهور في مذهب
الإمام أحمد ، قال في زاد المستقنع : ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله ، ولكن
هذا القول ضعيف ؛ لأن الصواب : أن التوبة مقبولة متى صدرت على الوجه الصحيح ، لكن
إن كان سب الله فإنه لا يقتل ، وإن كان قد سب الرسول فإنه يقتل ، ولعلكم تتعجبون
فتقولون : أيهما أعظم : سب الله ، أم سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!!
الجواب : سب الله أعظم بلا إشكال ، إذاً فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله ، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا توبته وقتلناه ؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه ، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه أنه يسقط حقه فقال : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر : 53] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا عنه بتوبته من سب الله ، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه ، وحينئذٍ يتعين قتله )أ.هـ.
الجواب : سب الله أعظم بلا إشكال ، إذاً فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله ، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا توبته وقتلناه ؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه ، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه أنه يسقط حقه فقال : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر : 53] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا عنه بتوبته من سب الله ، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه ، وحينئذٍ يتعين قتله )أ.هـ.
وقد عدّ شيخ الإسلام محمد بن
عبدالوهاب في نواقض الإسلام ناقضين أحدهما من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى
الله عليه وسلم والآخر من استهزأ بشيء مما جاء به.
وههنا نقل عن القاضي عياض من
كتابه الشفا في التعريف بحقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام يسرد فيه كلام العلماء
من الصحابة فمن بعدهم في الحكم على من سبّه بالقتل دون خلاف في ذلك يقول في ج2
ص355 من طبعة المكتبة العصرية الأولى :
(اعلم ـ وفقنا الله و إياك ـ أن
جميع من سب النبي صلى الله عليه و سلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو
دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه
أو التصغير لشأنه أو الغضِّ منه و العيب له فهو سابٌّ له و الحكم فيه حكم السابِّ
يقتل كما نبينه و لا نستثني فصلا من فصول
هذا الباب على هذا المقصد و لا نمتري فيه تصريحا كان أو تلويحا.
و كذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له أو
نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذمِّ أو عبث في جهته العزيزة بسخف من
الكلام و هجر و منكر من القول و زور أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء و المحنة
عليه أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة و المعهودة لديه،
و هذا كله إجماع من العلماء و
أئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هَلُمَّ جَرَّاً.
قال أبو بكر بن المنذر : أجمع
عوام أهل العلم على أن من سبَّ النبي صلى الله عليه و سلم يُقتل و ممن قال ذلك:
مالك بن أنس و الليث و أحمد و إسحاق و هو مذهب الشافعي.
قال القاضي أبو الفضل(القاضي
عياض) : و هو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه. و لا تقبل توبته عند هؤلاء
المذكورين
و بمثله قال أبو حنيفة و أصحابه
و الثوري و أهل الكوفة و الأوزاعي في المسلمين لكنهم قالوا : هي رِدَّةٌ.
وروى مثله الوليد بن مسلم عن
مالك و حكى الطبري مثله عن أبي حنيفة و أصحابه فيمن تنقصه صلى الله عليه و سلم أو
برئ منه أو كذّبه.
و قال سحنون فيمن سبه : ذلك ردة
كالزندقة.
و على هذا وقع الخلاف في
استتابته و تكفيره و هل قتله حد أو كفر؟ ...
و المعروف ما قدمناه قال محمد
بن سحنون : أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه و سلم المنتقص له كافر و
الوعيد جار عليه بعذاب الله و حكمه عند الأمة القتل و من شك في كفره و عذابه كفر.
و احتج إبراهيم بن حسين بن خالد
الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله ـ عن النبي صلى الله
عليه و سلم صاحبكم.
و قال أبو سليمان الخطابي : لا
أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلما...
... و حكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب : من سب النبي صلى الله
عليه و سلم من المسلمين قتل و لم يستتب.
قال ابن القاسم في العتبية : من
سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل و حكمه عند الأمة القتل كالزنديق...
ثم ذكر القاضي عياض كلاما طويلا
وضمنه نماذج ممن قتل لسبّه النبي عليه الصلاة والسلام فمن ذلك :
-من قال : إن رداء النبي صلى
الله عليه و سلم ـ و يروى زر النبي صلى الله عليه و سلم ـ وسخ أراد عيبه ـ قتل
-من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه ـ أنه يقتل
بلا استتابة.
-و أفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلى الله عليه و سلم
: الحمال يتيم أبي طالب ـ بالقتل.
-و أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي
صلى الله عليه و سلم إذ مر بهم رجل قبيح الوجه و اللحية فقال لهم : تريدون تعرفون
صفته هي في صفة هذا المار في خلقه و لحيته قال : و لا تقبل توبته.
-و قال أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون : من قال : إن النبي صلى
الله عليه و سلم كان أسود يقتل.
-وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي و صلبه بما
شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه و سلم وتسميته إياه أثناء
مناظرته باليتيم وختن حيدرة و زعمه أن زهده لم يكن قصدا.
-و كذلك أقول حكم من غمصه أو عيّره برعاية الغنم أو السهو أو
النسيان أو السحر أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه أو أذى من عدوه أو شدة
من زمنه أو بالميل إلى نسائه فحكم هذا كله لمن قصد به نقصه القتل.) انتهى مختصرا. وكتابه الشفا من أهم كتب السيرة
النبوية الشاملة التي اعتنت بمكانة النبي عليه الصلاة والسلام وحقوقه الواجبة له .
ويجب
أن تعتني الدول الإسلامية
بهذه القضية الحادثة من التطاول على مقام سيدنا وقدوتنا محمد بن عبدالله
عليه
الصلاة والسلام وتنفذ أحكام شريعته فيمن تطاول عليه للحدّ من هذا السيل
الجارف
للموجة الإلحادية الجديدة وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن؛ ولئن
عجزنا عمن يتطاول عليه من الكفرة في بلاد الغرب فما عذرنا فيمن يتطاول على
مقامه بين أظهرنا؟.
ومن واجباتنا
كمواطنين مسلمين الضغط على أصحاب القرار والمؤسسات الحكومية ومطالبتها بإقامة
الحدّ على أولئك السفهاء الواغلين في عرض نبينا عليه السلام وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون.
خالد
بن محمد الشهري
1433/3/15هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..