الجمعة، 16 مارس 2012

"مقلع طمية" أسطورة العشق ومقصد السياح يعاني الإهمال

20 ربيع الثاني 1433-2012-03-1302:27 AM
طريقه محفوف بالشاحنات..وتوقعات بوجود الذهب والأحجار الكريمة

عبدالله البرقاوي، محمد هنيدي - سبق - الطائف:
منذ قال امرؤ القيس في معلقته: "كأن طمية المجيمر غدوة... من السيل والغثاء فلكة مغزل"، ظلت "طمية" مضرب العشاق ؛ إذ تتوارث الأجيال إلى يومنا حكاية جبلين أحدهما أنثى تُدعى "طمية" موقعه في "حرة كشب"، والآخر ذكر يُدعى "قطن"، ويقع بين منطقتي القصيم والمدينة المنورة، وفي أحد الليالي المُمطرة رأت "طمية" على ضوء البرق "قطن" الذي يتميز بالبياض، وأعجبت به، وقرّرت الرحيل إليه، وخلال طيرانها – كما تقول الأسطورة - رآها جبل آخر يُلقَّب بـ"عكاش"، وكان يعشق "طمية"، فرماها برمحه، وأصابها لتسقط قبل وصولها إلى الجبل "قطن"، وتُحدث حفرةً واسعةً وعميقةً من النادر وجود مثيل لها في أي مكان آخر بالعالم، وذلك في الموضع الذي أصبح يُعرف بـ" مقلع طمية" أو "الوعبة".
"طمية" أضحى أحد المواقع الطبيعية النادرة على مستوى العالم، يقصده السواح من مشارق الأرض ومغاربها؛ للاطلاع والتفكر في مسببات تكون هذا الموقع النادر، مجمعين على روعته، وحاجته للاهتمام.
ويلفت السكان إلى أن تلك الهضبة تقع بالقرب من "عقلة الصقور"، وبينما تختلف أحجار جبل طمية عن الجبال الواقعة بجواره في منطقة القصيم، فإنها تتشابه الأحجار والأعشاب المحيطة بموقع جبل "طمية" الحالي مع أحجار وأعشاب موقع الفوهة التي تركتها في "حرة كشب". 
محمد العتيبي، أحد سكان المنطقة، قال: تناقل الشعراء وكبار السن أبياتاً شعرية تصف ما دار من قصة عشق بين الجبلين، وتُؤكِّد إيمانهم بأسطورة "طمية"، حيث يقول أحد الشعراء:
الهوى قدامنا شدَّد طمية ... يوم لاح لها قطن والدار خالي
أما المواطن خالد الروقي، وهو يسكن قريبا من الموقع، فحكى عن جده، أن الأجداد يتذاكرونه دون إعطاء سبب حقيقي لتكونه، سوى ترديد أشعار العشق التي تحكي عن رحيل جبل طمية من المنطقة.
روعة الموقع
"تعرف فوهة الوعبة عند العامة بمقلع طمية أو الوعبة" كما يقول الدكتور عبدالعزيز بن لعبون، أستاذ الجيولوجيا في جامعة الملك سعود، مضيفاً "وسميّت بهذا الاسم نسبة إلى جبل الوعبة القريب منها, أما تسميتها بمقلع طمية فهو نسبة إلى جبل طمية الواقع في شمال غرب القصيم على قارعة الطريق السريع بين القصيم والمدينة المنورة، ويبعد هذا الجبل عن الفوهة بحوالي 350 كيلومترًا, وذلك ظنًا من العامة بأن ذلك الجبل قُلِع من هذا الموقع أو الفوهة, لذا فقد تسيّد هذا المقلع وذلك الجبل المواضيع الجدليّة بين الباحثين، واعتلى قصص الأساطير الشعبية بين سكان المنطقة".
"وتعد فوهة الوعبة (مقلع طمية) أعمق فوهة في المملكة، وثاني أوسع فوهة بعد فوهة هرمة في شرق المدينة المنورة، والتي يبلغ قطرها حوالي 7000 متر"-بحسب الدكتور لعبون-.
 وتقع فُوَّهة الوعبة في الطرف الغربي لحرة كشب، في أقصى الشمال الشرقي لمحافظة الطائف، وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من مركز "حفر كشب"، وعلى مقربة من مركز "أم الدوم"، وهي في ديار عتيبة. ويتسم المكان بالرهبة، حيث إنه عبارة عن فُوَّهة شبه دائرية، يزيد قطرها عن 2000 متر، ويصل عمقُها إلى حوالي 200 متر عن مستوى سطح الأرض.
وفي الجهة الشمالية الشرقية من الموقع، وعلى عمق 50 متراً، تنمو أشجار النخيل والأراك وغيرها من الأشجار والنباتات والحشائش؛ لوفرة مياه الينابيع والتربة الخصبة. أما قاع الفوهة فهو عبارة عن أرض بيضاء مالحة تكوَّنت نتيجة تجمّع مياه الأمطار والينابيع المحتوية على الأملاح, وبتبخر المياه تتكون طبقات ملحية؛ مما يعطي القاع لونه الأبيض.
والمحيط الخارجي عبارة عن أرض جبلية وعرة في الجهتين الشمالية والجنوبية، تجري خلالها مجاري أودية في الجهة الشرقية، وتتوزع الحشائش على أرض منبسطة في الجهة الغربية.
وللعلماء رأي
الباحثون والخبراء الذين زاروا المنطقة، اختلفت آراؤهم، إذ يقول بعضهم إنها عبارة عن "كالديرا بركانية"، أي فوهة بركانية، نتج عنها منخفضات حوضية نتيجة ثوران بركاني انفجر من جوف الأرض إلى سطحها، وتكوَّنت الفُوَّهة نتيجة انهيار الطبقة غير الصلبة من التربة. بينما يرى بعض من اطلع على فُوَّهة الوعبة أنها نشأت نتيجة نيزك سقط في الموقع قبل آلاف السنين، وهذا ليس بصحيح؛ كما يقول الدكتور لعبون، معللا رأيه بأن "الدلائل العلمية والدراسات الجيولوجية لا تعزز ذلك الرأي".
ذهب في الموقع
مختصون من أساتذة جامعة الطائف أجروا، قبل أكثر من عام، دراسات لكشف أسباب تكوّن الفوهة، ونفذوا مشروعا بحثيا شاملا على الموقع، واكتشفوا وجود معادن اقتصادية مهمة مثل: الأوليفين )أحجار كريمة مثل الزبرجد)، والزيوليت. كما توقعوا وجود معدن الذهب بهذه الصخور.
وبحسب مدير جامعة الطائف، الدكتور عبدالإله باناجه، فإن الدراسة هدفت إلى إلقاء الضوء على الموقع، وأنواع الصخور المحيطة، وجيولوجية المنطقة والتعرف على طبيعة الفوهة ونشأتها وتوضيح التفسير العلمي لأصل هذه الفوهة، وتقدير عمر طفوح البازلت المكونة للحفرة البركانية ورسم الخريطة الجيوكيميائية، ودراسة البيئة الجيولوجية القديمة للطفوح البركانية أثناء الطفح البركاني، والكشف عن المعادن والخامات الاقتصادية المتوقع وجودها في فوهة البركان، أو في المناطق القريبة، إضافة إلى اقتراح خطة إستراتيجية مستقبلية لتطوير المنطقة سياحياً وجيولوجياً وتاريخياً.
اكتظاظ الشاحنات
للذهاب إلى الموقع هناك عدة طرق ، منها كوبري أم الدوم الواقع على طريق الطائف- الرياض السريع، والذي يبعد عن الطائف بنحو 180 كيلومتراً، حيث يتفرَّع منه طريق إلى مركز أم الدوم شمالاً، يصل طولُه إلى 40 كيلومتراً، ومنه طريق يمتد لعدة مراكز، حتى الوصول لمركز حفر كشب على بعد حوالي 60 كيلومتراً، فما أن يتم تجاوز حفر كشب بكيلومترات قليلة حتى يُفاجأ الزائر بالفُوَّهة التي تُمثِّل خسفاً أرضياً مفاجئاً؛ لذا عمدت الجهات المَعنِية إلى وضع حواجز ومطبات على الطريق المسفلت؛ لمنع سقوط السيارات داخل الفوهة.
وفي طريق آخر يربط الموقع مع منطقة المدينة المنورة تبعد محافظة مهد الذهب عن الفوهة بنحو 80 كيلومتراً، فيما اكتمل طريق جديد يربط الموقع بمناطق شمال الطائف وطريق المحاني- عشيرة، القريب من محافظة الطائف متمثلا في طريق فيضة المسلح.
المشترك في كل الطرقات المؤدية للموقع أنها مسار واحد، وتكتظ بها الشاحنات وسيارات سكان المنطقة؛ مما يشكل خطراً على السياح ، ويبرز الحاجة إلى إنشاء طرق ذات مسارين، كما تغيب عن المراكز المجاورة للموقع المراكز الإسعافية، إضافة إلى قلة الدوريات الأمنية.
زوار الخارج والداخل
الزائر سيلفته اهتمام السياح الأجانب، خاصة الأوربيين، بالموقع، وقد كانوا يزورونه قديماً عبر الطرق الصحراوية، وعن طريق الاستدلال بالخرائط قبل إنشاء الطرق المسفلتة، بحسب خالد الروقي أحد السكان القريبين من الموقع، كما كانوا يشيدون المخيمات بجوار الفوهة للتفرج عليها أو التنزه فيها أو بقربها.
ومؤخراً أُنشئت حول الموقع نحو 10 مظلات في الجهة الغربية والشمالية الغريبة، على أمل أن تنفذ هيئة السياحة وأمانة الطائف وبلدية المويه وشركة الطائف للسياحة والاستثمار دراسات ومشاريع استثمارية وخدمية بالموقع.
أهمله المعنيّون
وعلى الرغم من اهتمام الباحثين والزائرين من الداخل والخارج بالموقع ؛ إلا أن الجهات المعنية - بحسب عبدالله العضياني أحد السكان القريبين من الموقع- لم توله الاهتمام الكافي؛ حيث لا تتوفر فيه شبكة للجوال، واللوحات الإرشادية على الطريق قليلة، كما لا تتوافر عليه خدمات سكنية أو ترفيهية، أو حتى فرقة للهلال الأحمر. إضافة إلى أن الجهات المعنية لم تسلط الضوء على الموقع وأهميته، على الرغم من أنه من المواقع النادرة عالميا، والتي يجب استثماره لخدمة السياحة بالطائف وخدمة المنطقة.
وبسؤال مدير فرع هيئة السياحة بالطائف، طارق خان، عن موقع "مقلع طمية" على الخارطة السياحية، قال: "هناك مشروع تطويري للموقع تشرف عليه أمانة محافظة الطائف، بخلاف مشروع استثماري تتولاه شركة الطائف للاستثمار والسياحة"، مؤكدا اهتمام الهيئة بالموقع.
وبين تأكيدات الأهالي بإهمال الجهات المعنية للموقع، وتأكيدات المسئولين بالاهتمام به، تظل الحقيقة أن موقع "مقلع طمية" واحدًا من المواقع النادرة على مستوى العالم من حيث روعتها وجمالها وطاقاتها الممكن استغلالها سياحيًّا واقتصاديًّا. كما أنه يحتاج اهتماما أكبر يوازي مكانته الجغرافية والتاريخية والاقتصادية، وبما يبرز أهميته ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما كذلك على المستوى العالمي.




----------------------------------------
مواضيع مشابهة - أو -ذات صلة :

رحلة مصورة فوق جبل طمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..