ولا أنكر
حينها عُمق صدمتي وألمي بحجم ما كان يصلني من القصص والأخبار حول
مخاطر
الاغتراب الطويل لأبنائنا في الغرب، واندماجهم في تلك المجتمعات مع انفصال
شبه كامل عن بلادهم خلال مدة الابتعاث.
تحذيرات لم تقتصر على الإشارة
إلى التفريط الديني واقتراف المحرمات، إنما تجاوزت ذلك إلى التنبيه إلى
مآسٍ خطيرة تمسُّ الثوابت والأركان وتهدم العقائد.
وكان أشدها إيلاماً تكرار الحديث عن حالات لطلاب خليجيين، وسعوديين على وجه الخصوص، انحرفوا إلى النصرانية أو اختاروا اللادينية. وكان يؤكد كثير من الطلاب حينها أنه تمت مراسلة السفارات والقنصليات ووزارة التعليم العالي بخصوص هذا الشأن، ولكنها لم تحرك ساكناً تجاه الموضوع.
وكان أشدها إيلاماً تكرار الحديث عن حالات لطلاب خليجيين، وسعوديين على وجه الخصوص، انحرفوا إلى النصرانية أو اختاروا اللادينية. وكان يؤكد كثير من الطلاب حينها أنه تمت مراسلة السفارات والقنصليات ووزارة التعليم العالي بخصوص هذا الشأن، ولكنها لم تحرك ساكناً تجاه الموضوع.
تذكرت ذلك كله وأنا أقرأ وأتابع هذه الأيام تلك الضربة الموجعة التي بوغتنا بها في أرض التوحيد والعقيدة، مهبط الإسلام.
فإن
كان بعض علمائنا ودعاتنا وعقلائنا، بل مبتعثينا أنفسهم، قد حذرونا من خطر
إلحاد يجري بعيداً خارج الحدود، فها نحن نُفجع اليوم بهذا البلاء العظيم،
يُصنع ويتم إنتاجه بين ظهرانينا وعلى أرضنا.
والعدو الذي أعياه النيل
منا والضرب عن بُعد، وجد له في الداخل يداً خائنة يحركها للتدمير والتخريب
من العمق. والطاعن عن قُرب تكون طعنته لا شك أكثر دقة وأشد نفاذاً!!
في
هذه البلاد التي كنا نفاخر فيها بسلامة العقيدة ورسوخ التوحيد، ثم يتكشف
لنا يوماً بعد آخر أن نتائج تلك المؤامرات والمخططات على البلاد فاقت ما
كنا نخشاه، فلم تكتف بهدم القيم والأخلاق، بل طالت العقائد وأصول الدين.
حين
يظهر بعض شبابنا يجاهرون بما يقدح في إسلامهم، وينقض ويبطل إيمانهم،
فيقعون في الردة بالفعل أو القول أو الاعتقاد أو الشك.. فالخطب حقاً جلل.
كلنا يعلم أن الليبرالية في وطننا لم تكن شراً في ذاتها وحسب، بل كانت أيضاً هي النافذة التي تسللت من خلالها كل الأدواء والانحرافات.
كلنا يعلم أن الليبرالية في وطننا لم تكن شراً في ذاتها وحسب، بل كانت أيضاً هي النافذة التي تسللت من خلالها كل الأدواء والانحرافات.
فتحت دعاوى
ومبررات الحرية الزائفة، انطلق البعض يبحث ويعبث ويشكك معتقداً أن كل
المسائل قابلة للأخذ والرد، وأنه لا وصاية ولا احتكام لشرع أو دين في حياة
الإنسان وخياراته وقراراته، وأن عالم الثقافة والفكر والأدب لا يجب أن يخضع
للثوابت أو يراعي المقدسات.
لقد كان لهذا المد العولمي الجارف والغزو
الإعلامي الفاسد، بالإضافة إلى ما حصل مؤخراً من إسقاط وإقصاء الرموز
والقدوات من أهل الفضل والصلاح وتصدير أرباب الفكر المنحرف لتعاطي الشأن
العام، وفتح الباب أمام كتب الفلسفة وروايات الإلحاد والرذيلة ومواقع
ومنتديات الطعن في الثوابت وازدراء القيم، كل ذلك كان له أكبر الأثر في
الحصاد المُرّ الذي فُجعنا به اليوم.
وإن كان الإصلاح مسؤوليتنا جميعاً،
فإن دور الدولة عظيمٌ في هذا الجانب، وكما أن واجبها يحتّم عليها حماية
أمن مواطنيها وسلامة أرواحهم، فإن حقنا عليها اليوم حماية العقائد وصيانة
الأمن الفكري لأبنائها!
ولقد شهدنا طيلة أعوام مضت حرباً ضروساً ضد ما
يُسمى الإرهاب، وتكاتف الجميع شعباً وقيادة، علماء وعامة، نُخباً وساسة، في
مكافحة كل ما يوحي بفكر متشدد أو متطرف قد يعرّض سيادة الوطن للخطر.
وها نحن نُبتلى بما هو أخطر فماذا أعددنا لمجابهته ودحره؟
وإن
كان الجهاد ذروة سنام الدين وأحب الأعمال إلى رب العالمين، والروحة
والغدوة في جهاد العدو خير من الدنيا وما فيها، ومع ذلك فقد رأينا في
حملتنا تلك على الإرهاب مَن سُجن أو أُوذي لأجل كلمة قالها عن الجهاد في
خطبة أو محاضرة أو مجلس! خوفاً وحرصاً وحيطة منا على أمن الوطن.. فماذا عن
دين أبناء الوطن؟!!
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من بدّل دينه فاقتلوه» صحيح البخاري.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من بدّل دينه فاقتلوه» صحيح البخاري.
واليوم نتابع أولئك يبدّلون دينهم ودين غيرهم ثم لا نرى تحرّكاً يُذكر.
محاضن
وروافد الإلحاد والضلال باتت مكشوفة من مقهى جسور، إلى ديوانية صمود، إلى
ملتقيات وشبكات التخريب والإفساد.. فلماذا لم نشهد موقفاً رسمياً صارماً
ضدها، لماذا تواصل عملها على تدمير إيمان وأخلاق شبابنا، فيما لا تزال
الكثير من المخيمات والمناشط الدعوية الخيّرة تواجه منعاً وتقييداً
وتعقيداً؟!
إنّا نطالب بالسماح للعلماء والدعاة والثقات بالقيام بدورهم
في التوجيه والإرشاد وإنقاذ الناس مما يحيط بهم، وأن يُتاح لهم إنشاء
وقيادة محاضن تربوية وملتقيات ثقافية وفكرية وترفيهية ترعى الشباب من
الجنسين وتحتويهم وترتقي بهم.
كما أنه آن الأوان للأسرة أن تستشعر حجم
الخطر المحدق بأبنائها فتجتهد في التوعية والرعاية والمتابعة الجادة
المتوازنة لهم، ولكافة مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والإعلامية أن تنهض
بواجبها وتؤدي أمانتها في البناء والتحصين المتناسب مع ما نعايشه من
مستجدات ونوازل هذا العصر.
والرسالة الأخيرة لأحبتنا الدعاة والخطباء
ممن ظننا وإياهم بالأمس أن عقيدة الجميع في مأمن: دعوا عنكم التركيز
والإغراق في مناقشة المُستحب والمكروه، وابدؤوا الحديث عن التوحيد
والإيمان، الإسلام والإحسان.
حفظ الله علينا ديننا وأمن أوطاننا، وجنبنا أسباب الزيغ والضلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..