الأربعاء، 28 مارس 2012

الغنوشي، أو كيف تتحول من الأخوانية إلى الليبرالية في أقل من عام

زعيم حزب النهضة هو العضو الجديد في نادي الليبراليين العرب، وتقلباته هي التذكير الحي على تقلبات الأخوان حسب المصالح.
ميدل ايست أونلاين
سبحان المولى الذي اذا اراد شيئا قال له كن فيكون، وان اراد كشف مسار شيء بيّن
تفاصيله عارية للناس فيعتبرون ويعلمون ان الله حق.
هذه ليست مقدمة لخطبة عصماء، بل هي قراءة لتحولات عهد وعالم.
قد بينت الاحداث الاخيرة لكل عالم وجاهل مدى تلون وتقلب وتغير من احتكروا الهداية والدين ووضعوا انفسهم سدنة لباب الخلاص من درن العلمانية والالحاد والتغريبية.
مرت عقود تم فيها أسر توجيه الدين في كتل واحزاب سياسية ترفع شعار ان الاسلام هو الحل. وتم تصوير الاخرين انهم علمانيون ملحدون. وشنت الحملات على جميع المخالفين لها تحت دعاوى انهم حراس الفضيلة، وبناة تطبيق الشريعة، ودعاة ان تكون دساتير الدول العربية تنص على ان الاسلام هو المصدر التشريعي الوحيد للدستور.
وبعد تلك العقود، وبعد ان خطفت العقول، وتم تجنيد الشباب، واستغلت الاموال والاراض الخليجية، أتى زمن الحقيقة: أستلم الاخوان الحكم واصبحوا قادة دول وواضعي دساتير جديدة.
وسقطت ورقة التين عن جسد التنظيم ليتبين للعالم ان هذا التنظيم الاخواني او ذاك ليس مهم لديه ان يكون الدستور اسلاميا، بل يمكنه تجاوز هذا البند الذي روج له عقودا، وكان سبب اختيار الناس له.
تعالوا نبحر قليلا في عالم التناقضات. أول هذه التناقضات تقلب رأي الشيخ راشد الغنوشي، الذي احترمه كثيرا فقد عاصرته في لندن معارضا اسلاميا مهما.
قال الغنوشي أن العلمانية ليست إلحادا. وعد البعض ذلك تطورا في خطاب الحركة النهضوية. لكن الحقيقة ان الغنوشي يعرف ومنذ زمن بعيد وهو استاذ فلسفة ان العلمانية لا تعني الإلحاد بل تعني فصل الدين عن السياسة.
نسي الغنوشي أن حزبه أستعمل مصطلح العلمانية ليتهم منافسيه في الانتخابات بأنهم ملحدون ولا يصح اسلاما انتخابهم. وبعد ان انتهت المهمة يقول الزعيم ان العلمانية ليست الحادا. اتهم الغنوشي ايضا خلال اقامته في لندن الدولة التونسية بأنها على عهد الجاهلية، وان بورقيبة ملحد وكافر. لكنه ما أن حل في تونس حتى صرح بأن الاسلام لم ينقطع في تونس، وان تونس طبقت وتطبق الاسلام في بعض من قوانينها التي وضعها بورقيبة (الكافر، والملحد).
اين هي تلك الدولة الجاهلية، واين هي تلك القوانين الكافرة؟ هي الان كما كانت ولا تزال، لم يحدث إلا ان تم تعليق بطاقة تعريفية جديدة لها بأسم الإسلام "المودرن".
سبحان الله. اصبح في استطاعة المواطن التونسي - حسب كلام الغنوشي - ان يكون مسلما وعلمانيا في آن. وكان الغنوشي قد قال "الشعب لو يخيّر بين الاسلام وبين العلمانية يختار الاسلام". وهو الذي جعل من بورقيبة عدو الاسلام، بينما بورقيبة كان يجتهد فكريا مثلما الغنوشي يبدع هذه الايام.
لماذا هذا التغير في خطاب الغنوشي؟ السبب ببساطة يكمن في ان الغنوشي كان يعيش خطاب المعارضة، وخطاب المعزول عن الواقع على ارض وطنه، وخطاب المعزول عن قواعد حركته، وخطاب المضيّق عليه أمنيا. فشغله الشاغل هو توسيع هامش الحرية له ولحركته لا للغير.
لو قرأنا البنود التي تضمنها خطاب الغنوشي خلال مؤتمره الصحفي المنعقد في الثاني من مارس الحالي لوضح لنا انه لم يدعُ لمؤتمر صحفي الا لأنه يريد إيصال رسالة. هذه الرسالة تتضمن تنازلات دعتها الحاجة السياسية.
هنا يتبين فداحة ان يربط الدين بالسياسة، لأن اي تنازل سيحسب على الدين وتعاليمه وعلمائه، وهنا تتراجع رويدا أهمية الدين في حياة الانسان وخاصة الشباب الذين يرون علمائهم يتخلون يوما بعد اليوم عن التزاماتهم، ويغيرون الخطاب حسب المقتضى المصلحي السياسي.
كمواطن سعودي اعرف جيدا فداحة تلك التنازلات ليس لأنني ضدها بل على العكس انا اقف معها وبقوة. لكن اعرف جيدا ان استعمال الدين في السياسة يسيء للدين.
رأينا علمائنا في السعودية ممن قادوا عمليات المطالبة والاحتجاجات بسبب ما رأوه من تغريب ونهاية لدولة الاسلام يتسابقون للانغماس فيما حذروا منه. رأينا من ينادي بالجهاد يلاحق الجهاديين ليسلمهم لأقرب نقطة شرطة. وتعرفنا على من كان آل سعود عنده خارجين عن الملة، ثم لم يلبث أن اصبحوا عنده اولياء امور المسلمين الاقحاح.
البنود التي تضمنها مؤتمر الغنوشي الصحفي تصلح لزعيم حزب ليبرالي لا اسلامي، وهو اعلان عريض لهزيمة الفكر الاخواني وتخليه عن أهم ثوابته لصالح الليبرالية.
تكاد لعبة حزب العمال مع الليبراليين في التسعينات تكون حاضرة في مشهد تونس حيث قام حزب العمال بتبني ما يدعو له الحزب الليبرالي في بريطانيا لتساعده في التخلص من تقليديته وتدني جاذبيته لدى الشباب البريطاني وهذا ما يحدث في تونس.
ينادي الغنوشي بأنه لا توجد علمانية واحدة بل علمانيات مختلفة. ويطالب ببناء علمانية عربية ذات روح اسلامية. يتحدث الغنوشي عن عدم تدخل الدولة في فرض العبادات على الناس، او فرض نظرة دينية معينة، وكأنه يغمز على قناة السلفيين الذين فاجأوه بضجيجهم.
يقول الغنوشي بصراحة: "في الصناعة أو الزراعة لا نلتجئ إلى الدين وإنما إلى الاجتهاد البشري والأمر كذلك في ممارسة السياسة أي شؤون الحكم". كلام موزون وطيب لكن هذا كلام شهر مارس، بينما كلام شهر فبراير الذي قبله يقول الغنوشي انه ضد تحييد المساجد عن السياسة وتهميشها.
هل هناك تعارض بين ان تستعمل المساجد في السياسة وبين فرض نظرة دينية معينة، ناهيك عن سياسية معينة؟ بالطبع الغنوشي لا يريد ان يخسر المساجد فهي منصات اطلاق الصواريخ التحريضية على المخالفين ومواقع التجنيد للانصار.
في بداية التسعينات نصح الغنوشي خلال لقاءه مع أحد اعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية يحي بوكليخة إبان انسداد الافق امام الجبهة بعد فوزها بالانتخابات وطلب بوكليخة عدم الاصطدام مع الجيش وانتهاج سياسة المراحل في الصراع السياسي، قال الغنوشي لبوكليخة: "أنتم مخطئون، إن الديمقراطية لا توصلكم للحكم.. وإن الغرب لا يحبنا". بعد كل هذا الذي الدم الذي سال في الجزائر ثبت لنا ان الغنوشي هو المخطئ وليس بوكليخة، فالديمقراطية توصل للحكم والغرب يشجع الغنوشي كي يحكم.
بالطبع الانسان يتغير وقناعاته تتحول مع تطوره الفكري والسياسي. والغنوشي مثال جيد على ذلك. فقد كان ناصريا وبعد ان عاش هزيمة 1967 وجد ان "الاسلام هو الحل".
والتغير والتطور أمران محمودان اذا كانا في نواح تعود بالخير على الانسان ومجتمعه، لكن المشكلة هي ان هناك من دفع دم وحياة ومعاناة من أجل ان يكتشف الشيخ الغنوشي ان هناك علمانية غير ملحدة، وان التشريع يمكن ان لا يكون مصدره الاسلام فقط.
وكذلك ان في القران آيات تورث المرأة بالتساوي مع الرجل، وانه لا مانع من بيع الخمور وارتداء السائحات البكيني على شواطئ أمة الاسلام وانه يحق للمسلم تغيير دينه.
منْ يقرأ كل هذا - واذكره انها من طروحات حزب اسلامي - سيقول لي لا تهرف بما لا تعرف. لا يمكن ان يكون هذا الا برنامج حزب ليبرالي "منشكح".
ما يحمله الغنوشي من افكار "اخوانية" حديثة لا تنفع لدول كالسعودية او الامارات او الكويت. فهذه الدول لم تمارس العلمانية في نظامها السياسي بل تراوح بين الاسلامية بمفهومها السلفي التقليدي والعشائري مع حريات عرفية حسب العقد الاجتماعي المحلي بتجليات التجديد التي جاء بها العصر الحديث.
ايضا في مصر التي قام اخوانها بتقديم تنازلات سياسية تتعلق بالعلاقات مع اسرائيل وغير ذلك من شد وجذب مع المجلس العسكري بناء على مصالح الجماعة وليس المجتمع، كل ذلك يعني ان الاخوان ليسوا منهجا فكريا واحدا ولم يكونوا طوال عمرهم الا باحثين عن التمويل ومهاجمين لكل من لا يمول حركتهم وبناء قاعدة اكثرها من المهمشين الذين لم يجدوا خيارا معارضا أفضل من هؤلاء.
نعود للغنوشي حيث يمكننا ان نلخص الأمر في ان الغنوشي بتنازلاته ولبرلته لخطابه الاسلامي والذي يصطدم حاليا مع كل طروحات الاخوان والسلفيين في نواح عديدة من العالم العربي يقوم بالسير في طريق لا بد وان ينتهي به الى ان يكون ليبراليا ذا ذائقة اسلامية وليس إسلاميا ذا ذائقة ليبرالية.
ومرحبا به في نادي الليبراليين العرب.
عبد العزيز الخميس
 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..