مهدي خلجي
http://arabic.washingtoninstitute.org/templateC05.php?CID=3229&portal=ar
الاثنين 12 آذار/مارس, 2012
"قد يزيد آية الله خامنئي من نقاط ضعفه في أوقات الأزمة من خلال إضعاف مؤسسات الجمهورية الإسلامية وتعزيز سلطته."
في
الوقت الذي يتركز فيه اهتمام المجتمع الدولي على
برنامج طهران النووي،
ينشغل السياسيون الإيرانيون بصورة أكثر بسياسات بلادهم التي أصابها الخلل
بشكل متزايد. ويبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي يقوض الكثير من المؤسسات
الحكومية، ومن بينها رئاسة الجمهورية، مما يجعله متحملاً للمسؤولية بشكل
مباشر. ومن بين المؤشرات القوية على هذه العملية هو مدى مواجهة البرلمان
للرئيس محمود أحمدي نجاد.
«مجلس الشورى الاسلامي» يستجوب أحمدي نجاد
في
عام 1981، أمر المرشد الأعلى روح الله خامنئي البرلمان بطرد أول رئيس
للجمهورية الإسلامية. إلا أن «مجلس الشورى» لم يستخدم سلطته منذ ذلك الحين
حتى لمساءلة الرئيس، ناهيك عن تهديد منصبه.
لقد
اتسمت السنوات الأخيرة بخلافات حادة بين «مجلس الشورى» وأحمدي نجاد وزادت
حدة بمرور الوقت. ففي العام الماضي على سبيل المثال، تجاهل أحمدي نجاد
الموعد القانوني الذي كان مقدساً في السابق لتقديم ميزانية الدولة، لذا أقر
«مجلس الشورى» ميزانية مرحلية فقط تغطي شهرين بينما ناقش كيفية تغيير
الإنفاق على مدار السنة بالكامل. وهذا العام قدّم أحمدي نجاد الميزانية في
وقت متأخر حتى عن العام الماضي، مما أثار حفيظة «مجلس الشورى». وقد أخبر
عضو البرلمان المحافظ نصر الله كاماليان زملاءه قائلاً "لدينا أقل من عشرة
أيام قبل بدء السنة الجديدة ومجلس الوزراء لا يكترث بميزانيته المقبلة ولا
يبذل أي جهود لإرسال برنامج الموازنة. ونظراً للمصالح الوطنية، لا أستطيع
أن أذكر في جلسة علنية الأسباب التي تقف وراء سلوك [الرئيس] ".
وبعد
طلبات عديدة من «مجلس الشورى»، وافق أحمدي نجاد في النهاية على حضور جلسة
برلمانية سوف يجيب خلالها على الأسئلة، رغم أنها لن تكون "استجواباً"
رسمياً بموجب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور. ويُفترض أنه لم يرضخ إلا
تحت ضغط من خامنئي. ومن المقرر أن يُعقد هذا الاجتماع في 14 مارس/آذار،
علماً بأنه قد تم تأجيله عدة مرات وربما يتم تأجيله مرة أخرى، على الرغم من
أن هذا التاريخ يحمل مزايا بالنسبة لأحمدي نجاد لأن جلسة البرلمان هي
الأخيرة قبل حلول السنة الفارسية الجديدة. ونظراً لأنه لن يتم نشر أية صحف
أثناء عطلة رأس السنة الجديدة التي تستمر لمدة أسبوعين، لن تكون هناك فرصة
كبيرة أمام وسائل الإعلام لإطلاع الجمهور على الاجتماع ونتائجه.
وبمجرد
انعقاد الاجتماع، سوف يقتصر «مجلس الشورى» على طرح عشرة أسئلة تم بالفعل
الإفصاح عن محتواها، وتتعلق أربعة منها بالاقتصاد وهي: لماذا لم يُطبق مجلس
الوزراء قانون تمويل مترو الانفاق في طهران والمدن الكبرى الأخرى؟ ما
السبب - إن لم يرجع ذلك إلى سوء الإدارة الاقتصادية - وراء تدني معدل النمو
في 2011 إلى أقل بكثير من الثمانية بالمائة التي استهدفتها الحكومة؟
(يدّعي المسؤولون أن معدل النمو بلغ 4.5%، لكن "صندوق النقد الدولي" يشير
إلى أن هذا المعدل بلغ 3 بالمائة فقط، حتى بعد مراجعة اتجاه الصعود). كيف
أنفقت الحكومة في العام الماضي 150 مليون دولار كانت مخصصة للارتقاء
بالمؤشرات الثقافية للبلاد؟ لماذا لم تُطبق الحكومة شروط برنامج إصلاح
الإعانات لتعويض القطاعات الزراعية والصناعية على تكاليفها الإنتاجية
المرتفعة؟
وتتعلق
الأسئلة الست الأخرى بالنزاعات السياسية: لماذا رفضت الحكومة تطبيق
القانون القاضي بإنشاء وزارة للشباب والرياضة؟ لماذا أحجم أحمدي نجاد عن
الظهور في مكتبه أو الوفاء بأي من واجباته لمدة أحد عشر يوماً عندما أعاد
خامنئي تعيين وزير الاستخبارات الذي طرده الرئيس؟ لماذا أنكر أحمدي نجاد أن
"«مجلس الشورى» يمثل المرجعية العليا لكل الأمور"، كما قال الخميني ذات
مرة؟ لماذا تم طرد وزير الخارجية منوشهر متقي أثناء تواجده في مهمة في
السنغال؟ لماذا قال الرئيس إنه يجب التعامل مع مسألة حجاب المرأة من خلال
جهود ثقافية بدلاً من قوة القانون؟ لماذا قال رئيس موظفي الرئاسة إن أولوية
الحكومة هي نشر "مدرسة الإسلام الإيرانية"؟
ورغم
أنه من غير المحتمل أن يكون لأسئلة البرلمان أي تداعيات عملية، إلا أن
مواجهة الرئيس بهذه الطريقة لها معنى رمزي قد يُضعفه. ويبدو أن ذلك يلائم
جدول أعمال خامنئي. وفي الواقع أعرب المرشد الأعلى عن اهتمامه بتغيير
الدستور لكي يستبدل الانتخابات الشعبية المباشرة للرئيس بانتخابات من قبل
«مجلس الشورى». ومن غير المرجح أن يحدث هذا التغيير في أي وقت قريب، لكنه
يُظهر رغبة خامنئي في تقييد صلاحيات الرئيس.
انتخابات «مجلس الشورى»
أدار
خامنئي الانتخابات الأخيرة بطريقة تجعل «مجلس الشورى» أكثر ولاءاً له وأقل
ودية لأحمدي نجاد. وإلى جانب عدد قليل من الإصلاحيين والمرشحين الموالين
للرئيس الإيراني، كانت المنافسة الرئيسية بين أولئك الذين كانوا يعارضون
أحمدي نجاد أثناء فترة ولايته الأولى ("الجبهة المتحدة") وبين من أصبحوا
معارضين للرئيس الإيراني أثناء فترة ولايته الثانية ("جبهة الاستقرار").
وقد تم إقصاء مرشحي أحمدي نجاد المفضلين عن طريق «مجلس صيانة الدستور» أو
لم يتم انتخابهم (على سبيل المثال شقيقته بارفين).
لقد
منحت الانتخابات خامنئي أسباباً إضافية للثقة ليس فقط لأنه تمكن من منع
الإصلاحيين والفصائل الموالية لأحمدي نجاد من الحصول على عدد كبير من
المقاعد، لكن أيضاً لأنها كانت أول تصويت خالي من الأحداث منذ انتخابات
الرئاسة المزورة في عام 2009. وهو يرى أن هذه الحقيقة أعادت شرعية النظام
الديمقراطية التي تعرضت للإضرار.
وفي
الواقع ربط خامنئي بمهارة بين الانتخابات وشرعية النظام، بحيث تعتبر
مقاطعتها عملاً تخريبياً. ومن ثم، فإنه في حين قاطع العديد من الإصلاحيين
وقادة "الحركة الخضراء" المعارِضة عمليات التصويت، أدلى الرئيس الإصلاحي
السابق محمد خاتمي بصوته في هذه الانتخابات. كما أشار خامنئي إلى أن
العقوبات الدولية على إيران تهدف إلى تعميق الفجوة بين الشعب والحكومة
وتثبيط همة الشعب وإثنائه عن المشاركة في الانتخابات. وبدوره، فإنه استغل
معدل المشاركة المرتفع الذي تحدثت عنه التقارير للقول بأن الغرب فشل في
تحقيق هدفه الرامي إلى إثارة المشاعر المناهضة للحكومة.
«مجلس تشخيص مصلحة النظام» الآخذ في الاختفاء
ينص
دستور إيران على أن يتولى «مجلس تشخيص مصلحة النظام» تسوية الخلافات بين
«مجلس الشورى» و«مجلس صيانة الدستور» واتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة
المؤسسات الحكومية على أداء المهام المنوطة بها بشكل فعال. إلا أن فترة
الخمس السنوات للأعضاء الحاليين في «مجلس التشخيص» قد انتهت، وتم إقصاء
رئيسه أكبر هاشمي رافسنجاني من مركز السلطة الإيرانية ولن يُعاد تعيينه.
وكلا التطورين أسهما في التهميش التدريجي لـ «مجلس التشخيص». وفي مقابلة
أُجريت مؤخراً مع الموقع الإيراني "داي نيوز" ("أخبار اليوم")، أوضح
رافسنجاني كيف أن خامنئي أضعف هذا «المجلس». كما صرح بأن أحمدي نجاد - الذي
من المفترض أن يحضر جلسات «مجلس التشخيص» - قد حضر فقط اجتماعات قليلة
لهذا «المجلس» خلال السنوات السبع الماضية. ومن ثم، لم يتمكن «مجلس تشخيص
مصلحة النظام» من أداء مهامه بشكل صحيح منذ عام 2005.
وخامنئي
مسؤول أيضاً عن اختيار رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» الجديد والأعضاء
الجدد قبل انتهاء فترة ولايتهم الحالية. ويُرجح أنه أرجأ تلك التعيينات حتى
الأيام الأخيرة من السنة الفارسية حتى لا تتمكن وسائل الإعلام من مناقشة
التداعيات المترتبة على العزل الحتمي لرافسنجاني. إن المرشح الأوفر حظاً
ليحل محله هو رئيس القضاء الإيراني السابق محمود هاشمي شهرودي. وكان المرشد
الأعلى قد عيّن شهرودي بالفعل رئيساً لـ "المجلس الأعلى للتحكيم وتسوية
العلاقات" بين "فروع الحكومة الثلاثة"، وهي هيئة أنشأها خامنئي بشكل غير
دستوري. ويبدو أن ذلك المجلس يمتلك نفس الصلاحيات التي يمتلكها «مجلس تشخيص
مصلحة النظام» المفوض بحكم الدستور، مثل حل الخلافات بين الرئيس وفروع
الحكومة الأخرى. إلا أنها ظل حتى الآن هيئة صورية إلى حد كبير.
الخاتمة
على
مدى العقدين الماضيين عمل خامنئي على إضعاف المؤسسات السياسية للجمهورية
الإسلامية من أجل تعزيز سلطته الاستبدادية. وهو يرى أنه ينبغي إدارة الدولة
من قبل مؤسسات خاضعة لسلطته بصورة مباشرة، وعلى رأسها "فيلق الحرس الثوري
الإسلامي" ووكالات الاستخبارات والسلطة القضائية. إلا أن ثقته بنفسه وحالة
الخلل الوظيفي التي تعاني منها المؤسسات البرلمانية والرئاسية ومؤسسات
سياسية أخرى قد تجعله في النهاية أكثر ضعفاً في وقت الأزمة، لأن الجمهور
سيُحمّله مسؤولية أي قرارات يتم اتخاذها، بما في ذلك تلك التي يُنظر إليها
على أنها أفضت إلى حدوث الأزمة.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على السياسات الإيرانية والجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..