الجمعة، 30 مارس 2012

شعلة بأيدٍ سعودية


يكثر في هذه الأيام الجدل الواسع حول اختيار اللجنة الأولمبية المنظمة لأولمبياد لندن 2012، المذيعة السعودية ريما عبدالله، لحمل الشعلة الأولمبية خلال أولمبياد لندن إلى جانب ثمانية آلاف رياضي ورياضية،
وأكدت وكالة الأنباء الأميركية أن اللجنة المنظمة أبلغت ريما عبدالله بأنه تم اختيارها لحمل الشعلة الأولمبية، كما أُبلغت بالموقع والوقت الذي ستحمل فيه الشعلة، كما جاء في موقع «العربية نت».
وهذا ما يجعل القارئ يعود بذاكرته إلى اشتراط اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة المرأة السعودية في المنافسات الرياضية قبل حلول عام 2010 وإلا جمدت اللجنة عضوية المملكة، وأبدى المهندس محمود طيبة - رحمه الله - وقت ذاك وجهة نظر سديدة في مداخلة له في مجلس الشورى حين قال: «لا مشكلة في أن نقر إنشاء خمسة أندية نسائية في خمس مناطق... إذ نستطيع أن نضع الضوابط في حين لا تستطيع السعودية أن تفرض الضوابط الشرعية على المنافسات الدولية».

اللافت أنه لا يزال البعض يصر على إشراك المرأة السعودية في الأولمبياد أسوة بدول عربية وإسلامية سابقة ووفق ضوابط الشريعة السمحة، وأعجب من الكلمة الفضفاضة التي يحسبها البعض تأشيرة مرور ودليل جواز لكل عمل ينادون به، وأخشى أن نسمع قريباً بفتح حانات وفق الضوابط الشرعية، وتدريب راقصات على المقاييس الإسلامية، كما سمعنا بسمك مستورد ذبح حسب الشريعة الإسلامية، لأن كلمة الضابط الشرعي كلمة لا تستقيم في أي عبارة، وإلا غدا واضعها أضحوكة للمتخصصين لأن آخر العبارة ينقض أولها، ثم إن البلاد الإسلامية السابقة واللاحقة ليست الهيئة الشرعية التي يستند على عملها، فليس الكاتب كالإمام مالك ولا البلاد السابقة في المشاركة غير المحسودة على سبقها أهل المدينة، بل إن مشاركة الدول الإسلامية تعكس الضوابط الشرعية المستقبلية التي يحلم بها المنادون، وتعكس شرعتهم وحدهم لا الشرعة التي جاء الكتاب والسنة بتحديد معالمها، وجعل مسؤولية العلماء وحدهم بيانها.

ما كان للجنة الأولمبية أن تستخدم سياسة لي الذراع في عالم ينادي بالديموقراطية، ويتبنى حرية الرأي والفكر، أم أن صدقية هذه المصطلحات تتلاشى مع الشعوب الإسلامية، وتظل حقوق الاستخدام محفوظة للشعوب الغربية، وهل سيقتفي الاتحاد العالمي للسيارات أثر اللجنة الأولمبية في حظر تصدير السيارات للسعودية ما لم تسمح للمرأة بقيادة السيارة، ليعيش الاتحاد خسارات مادية، ويعجب المرء حين يرى اهتمام كثير من وسائل الإعلام والمثقفين بهذه القضية وكأن جميع مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية قد وجدت حلولاً جذرية، فالوضع في المنطقة يكتنفه الأمن، وغلاء الأسعار لم يعد له في أسواقنا أثر، ونسب البطالة متدنية في مجتمعاتنا، والانحرافات السلوكية غريبة على أبنائنا، وحالات الطلاق نادرة، والفساد الإداري معدوم، والتخلف التربوي والعلمي لا تعرفه محاضننا التربوية، وهدر المياه لا يشكل أزمة وطنية... إلى غير ذلك.

وهل أصبح الهدف من ممارسة الرياضة التتويجات والبطولات ودخول جنة الأولمبياد، أم إن ممارسة الرياضة تنطلق من وعي صحي تكاملي في فكر المجتمع الإسلامي الذي يحرص على الشمولية في الدعوة للمحافظة على صحة البدن الحسية والمعنوية باعتباره أمانة لدى صاحبه، الذي أمره ربه بالمحافظة عليه وعدم الإضرار به، وهذا ما لا يتفق مع بعض الرياضات التي لا تناسب الجنس الرقيق اللهم إلا عند من يؤمن بالمساواة التامة ويتبناها، وهل استطعنا أن نبث الثقافة الغذائية الصحية؟ وأن نشير إلى أهمية مشاركة المرأة الفاعلة في الأعمال المنزلية بدلاً من استقدام العاملات بأعداد مزعجة جعلتنا في مقدمة دول العالم في الاستقدام، وهل المشي أصبح ثقافة مجتمعية؟

إن عالم اليوم عالم يقوم على صراع القوى، فأميركا تنافس على تفوقها الجوي، وأوروبا تفخر باتحادها المحكم، والهند بمفاعلاتها النووية، واليابان بتقدمها التكنولوجي... وفي صراع القوى يقدم كل بلد ما يرفعه إلى مصاف الأقوياء، ونحن نقدم نساءنا مربيات الأجيال ومصانع الرجال للنط والخط ولعب كرة القدم حتى لا نعيش العزلة الأولمبية!

د. نوال العيد
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/380135

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..