حدثان ثقافيان بارزان شهدتهما العاصمة الرياض قبل أسبوعين، ما يزالا
حديث الساحة الفكرية المحلية، والعجيب أنهما تزامنا في ذات الأسبوع، وتمايزا في الإقبال
على فعالياتهما؛ فقد خلت
الأولى من الحضور، فيما اكتظت الثانية بالمتابعة الكثيفة،
وغصّت قاعات المحاضرات إلى آخرها بنخب شرعية جادة.
الحدث الأول هو (ملتقى المثقفين السعوديين الثاني)، وكان يمكن أن
يمرّ بهدوء لولا أن فجّر الحديث حوله أستاذنا الكبير صالح الشيحي أحد أبرز وأقدم كتّاب
هذه الصحيفة؛ بتغريدة دوّت في كل الاتجاهات، وما يزال الحدث متفاعلاً بشكل هائل؛ بسبب
مكانة ومصداقية الشيحي وشعبيته.
الحدث الثاني كان ندوة (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) والتي أقيمت
في جامعة الإمام برعاية من ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز، وحظيت كلمته بمتابعة
واسعة وردود أفعال كبيرة تخطت حدودنا، وتناولتها بعض وكالات الأنباء العالمية، إذ راهن
البعض أن خطاب سموه سيتغيّر إذ تسنّم ولاية العهد، ووهموا بأن التأكيد على تمسّك هذه
الدولة وولاتها بالإسلام والسنّة سيلين ويضعف، وسيكون ثمة خطاب متميّع نقدّمه للغرب
والعالم، غير أن سموه كان واضحاً –وضوح مواقفه دوماً- وأعلنها كرابعة النهار؛ بالتأكيد
على أن: "هذه الدولة ستظل-بإذن الله- متبعة للمنهج السلفي القويم، ولن تحيدَ عنهُ
ولن تتنازل، فهو مصدر عزّها وتوفيقها ورفعتها، كما أنّه مصدر لرقيّها وتقدّمها؛ لكونه
يجمع بين الأصالة والمعاصرة".
تناول ثلة من المثقفين الكلمة، غير أنّ مقالة زميلنا العزيز د.زياد
الدريس في صحيفة (الحياة) الأربعاء الماضي، وكانت بعنوان (السلفية:هل هذا وقتها؟) اعترض
فيها على اختزال المملكة وهي حاضنة الحرمين وقبلة كل المسلمين، في إطار ضيّق تدعى السلفية.
بالطبع لقيت مقالته حفاوة كبيرة من بعض الإعلاميين والمثقفين وبقية الطوائف الأخرى
بوطننا الغالي، وفهموا منها أنّ الزميل العزيز يناوئ السلفية ككل، لذلك احتفوا بالمقالة
وشرّقوا بها وغرّبوا في منتدياتهم ومواقعهم الخاصة، في مقابل هؤلاء شنّ كثيرٌ من الشرعيين
على سفيرنا العزيز باليونسكو، وردّوا عليه بقسوة بالغة، ظناً منهم كذلك بأنه يعرّض
بالسلفية، والحقّ أنّ زياداً غفر الله له، لم يوضح قصده -وهو الخرّيت صاحب الكلمة المجنّحة-
بالشكل الذي يعطي صورة كاملة لما يريد أن يوصله، ولولا مناقشة شفاهية بيني وبينه، لذهبت
فيما ذهب إليه جلّ من قرأ المقالة.
حبيبنا زياد وقع هو في مطبّ المصطلح، فما الذي تعنيه السلفية، وهل
هي مذهب خاص، أم نوعٌ من الحزبية الضيقة، ويقيناً بأن الزميل الخلوق وضع الأخيرة نصب
عينه وهو يكتب مقالته، ولو كان الأمر كذلك، لكنا كلنا معه، بيد أنّ السلفية التي عناها سمو الأمير نايف قطعاً ليست
هذه المتحزّبة، فالسلفية بما يعرّفها علماؤنا وولاتنا، والتي قامت عليها هذه الدولة
هي المقصودة من تلك الكلمة، فالشيخ ابن باز-رحمه الله- قال: "عقيدة السلف, هي
عقيدة الدولة السعودية, وحقيقتها: التمسك بالكتاب والسُّنّة وما كان عليه سلف الأمة،
في العقيدة والأحكام، حسبما دلّ عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم، وما درج عليه الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان. ويسميها بعض الناس:
العقيدة الوهابية، ويحسب أنها عقيدة جديدة، تخالف الكتاب والسنة. وليس الأمر كذلك،
وإنما هي العقيدة التي درج عليها سلف الأمة".
وبالمناسبة، ما قاله سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز في ندوة السلفية
الأخيرة هو تأكيد لما كرّره دوماً أخوته الملوك من قبل، وما قاله أبوهم الملك المؤسّس
يرحمه الله تعالى، فباني وموّحد هذا الوطن الغالي الملك عبدالعزيز
هو من قال في خطابه في منى عام 1365هـ : "إنني رجل سلفي، وعقيدتي سلفية؛ التي
أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة". وهو الذي قال: "وأفخر بأنني سلفي محمدي،
على ملة إبراهيم الخليل، دستوري القرآن، وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد، فإما حياة
سعيدة على ذلك، وإما موتة سعيدة".
هذه هي السلفية التي عناها سمو الأمير نايف يا أبا غسان، وليست
تلك المتحزّبة أو الضيقة التي هاجمت، بل وأزيدك يا سفيرنا الوضيء بنصّ من كلام الملك
عبدالعزيز– رحمه الله- وهو يشرح بالتفصيل
ما تعنيه هذه السلفية أو الوهابية بما يحلوا لبعض المناوئين أن يرمونا بها، إذ يقول في الحفل الذي أقيم في القصر الملكي بمكة المكرمة في غرة ذي الحجة
1347هـ:
"يسمّوننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا (الوهابي)، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأٌ
فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثّها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد،
أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح
التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح.
ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلُّهم محترمون
في نظرنا. هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، يدعو إليها، وهذه
هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عزّ وجل، خالصة من كلِّ شائبة منـزّهة
من كلِّ بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه
من مِحنٍ وأوصاب. إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة. إننا لا نبغي
(التجديد) الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله تعالى، وهو ناصرنا. فالمسلمون
لا يعوزهم التجدد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح ".
يحفظ الله بلادنا منارة للسنّة المطهرة، وفناراً عاليا للتوحيد
الصحيح، ووفّق قادتنا الذين ما فتئوا يؤكدون منهج هذه البلاد وما قامت عليه، رضي من
رضي بذلك، وسخط من سخط؛ فالمملكة ستظل حاملة لواء الدين ومنهج السنة والسلفية والتوحيد.
بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
إعلامي
وكاتب سعودي
2/15/ 1433 هـ
1430
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..