الأربعاء، 7 مارس 2012

إلا الإمارات يا العوضي

تعليقات د. العوضي وتأييده فتوى الددو إنما تضافان إلى سهام تطلق على الإمارات ودول الخليج عموما للنيل من استقرارها وهدم نظام الدولة فيها.
سحب الجنسية من مطلقي هذه السهام هو أقل إجراء قانوني يتخذ بحقهم. ففي قول الله تعالى الكفاية: '... ويسعون في الأرض فساداً...'
ميدل ايست أونلاين

بقلم: محمد صالح السبتي

على موقعه في تويتر ذكر د. محمد العوضي فتوى للشيخ محمد حسن الددو منتقدا قرار دولة الامارات إسقاط الجنسية عن بعض المارقين، وقد ذكر الددو - فيما ذكر - أن هذا السحب من التعدي لحدود الله والظلم السافر لعباد الله مستشهداً ببعض الآيات التي حملها على غير محملها ووافقه في ذلك د. محمد العوضي.
ولأن د. العوضي كويتي الجنسية وأنا أيضاً كويتي فقد ارتأيت الرد عليه لما فيما ذكره من تعدٍ سافرٍ على الغير وتدخلٍ في شئونه وهو الأمر الذي تقوم قائمتنا ان فعله غيرنا بنا، ولكنا نستسهله ان فعلناه نحن بغيرنا.
ردي سيكون على عدة محاور...
أولها: رأى الشيخ محمد حسن الددو ووافقه د. العوضي ان اسقاط الجنسية من الأمور المبتدعة والمخالفة للشرع وأنه محرم وان اسقاط الجنسية هو المفهوم الحديث للنفي من الأرض شرعاً واستدلا بقوله تعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض" إنما هو خاص – كما ذكروا – فيمن قطع الطريق ورفع السلاح على المسلمين.
وأقول: أن في ذلك لي لظاهر النص ومعناه ليوافق مرادهم وإلا فان الآية واضحة وكذا أقوال المفسرين أنها تشمل أكثر وأكبر مما قالاه.
يقول الامام ابن كثير في تفسيره "وقال عكرمة والحسن البصري: أنها تشمل الرجل المسلم ان قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله..."
وفي تفسير القرطبي "أنها عامة فيمن أفسد في الأرض أو ابتغى فيها فساداً..."
ولسنا نريد التوسع في الشرح إذ أن النص يغني عن كثرة الشروح ففي قول المولى عز وجل كفاية "... ويسعون في الأرض فساداً..."
وأي فساد أعظم حين يبتغي نفر من الناس هدم نظام الدولة والسعي الى تقويضه وشتم حكام البلاد والنيل منهم وتأليب الناس على ذلك.
ثم كيف أفتى الشيخ الددو بما أفتى؟ وهل اطلع على ما جناه هؤلاء النفر وما ذكروه بحق بلادهم وحكامهم وهل وقف على حقيقة الأمر؟ أم أنها مجرد فتوى تصدر دون تمحيص كما هو الحال في معظم فتاوي بعض المشايخ التي ما أنزل الله بها من سلطان؟
وثانيها: وبعيداً عن الجانب الديني، فنحن اليوم نعيش دول القانون الذي يحكم البلاد والعباد وقد صدرت مثل هذه المراسيم متوافقة مع صحيح القانون إذ تنص المادة (15) من القانون رقم 17/1972 (قانون الجنسية وجوازات السفر الاماراتي) على أنه "تسقط جنسية الدولة عن كل من يتمتع بها في الحالات التالية... – ب – إذا عمل لمصلحة دولة معادية..."
كما نصت المادة (16) من ذات القانون على أنه "تسحب الجنسية عن المتجنس في الحالات التالية – 1 – إذا أتى عملاً يعد خطراً على أمن الدولة وسلامتها أو شرع في ذلك..."
وللعوضي أقول: إن قانون بلدك ينص على ذات المعنى فقد نصت المادة (13) من القانون رقم 15 لسنة 1959 بشأن الجنسية والجوازات على أنه "يجوز بمرسوم سحب الجنسية الكويتية... في الحالات التالية... – 4 – إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك..."
وسؤالنا للشيخين: لماذا اختار المسئولون في دولة الامارات هؤلاء النفر دون بقية المواطنين لاسقاط الجنسية عنهم؟ هل يعقل أن تتجه إرادة الدولة لاختيار بعض الاشخاص دون البقية لاسقاط الجنسية؟ أم أنهم أتوه ما يستحقون عليه هذا الاجراء.
وثالثها: للدكتور العوضي أقول:
إن الإمارات اليوم توجه اليها سهام الغدر فلا تكن من ضمن هذا السهام... فقد توجهت قبلها سهام مشابهة للبحرين ومثلها للكويت. والامارات اليوم تحتاج منا الى وقفة جادة للذود عنها لا للوقوف مع الغادرين. إن الدور الايراني في المنطقة لم يعد خافياً على أحد من المتابعين والمطلوب منكم ومنا جميعاً التنبه الى هذا الدور فقد استلمت ايران العراق وهي تعبث به فساداً وتثير الفتن بالبحرين والكويت وغيرها من الدول... إلا الامارات يا د. العوضي فقد كانت الامارات وما زالت محل أنظار الجميع ليس في منطقتنا فقط بل محل أنظار العالم... تطوراً وتنمية وفكراً... ولهذا يراد لها الشر... فلتكن مع الذائدين عن حياضها لا مع من ينوي الشر بها.
رابعها: وعلى ذكر الحريات التي يتباكى عليها بعض المتفذلكين... فانها دعاوي باطلة بكل المقاييس الشرعية والقانونية والعقلية والمنطقية... فلا توجد حريات مطلقة بلا أي حدود... بل الحريات يجب أن لا تتعدى القانون والشرع والعرف.
وقد دفعت الكويت ثمناً غالياً من تأخر عجلة التنمية والتشريع بل لا أكون مبالغاً ان قلت أن هذا الثمن شمل حتى أخلاقنا وأعرافنا حين ابتلانا الله بقوم يدعون الثقافة وينادون بالحريات المطلقة فهدموا كل حصن في المجتمع ولم يعد للمجتمع حصن يحتمى به من غول هذه الدعاوي الباطلة.
خامسها: وايضاحاً للموضوع... أهدي لكما مقال قديم لي بعنوان "نقض مفهوم الحريات المشينة في ميزان حديث السفينة":
روى البخاري من حديث النعمان بن بشير أن رسول الله (ص) قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم إستهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا إستقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا؟ فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخــــذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعا ".
هذا حديث عظيم وفيه من الفوائد ما لا يحصى، وساقتصر في مقالي هذا على ذكر بعض فوائده ولطائفه النبوية:...
1 – يشبه النبي (ص) المجتمع بالسفينة التي تمخر بالبحار وهو إشارة الى الأخطار التي قد تحيط بالمجتمعات، وأن المجتمع كله بلا أي إستثناء مسئول عن سلامة هذه السفينة، سوا أكانت هذه الأخطار داخلية أم خارجية... وسواء كانت عسكرية أم أخلاقية أم مادية أو غيرها... فأي خلل في سلامة السفينة قد يؤدي الى هلاك الجميع.
2 – حين إستهم هؤلاء النفر على أماكن جلوسهم في السفينة كان الهدف من هذا الإستهمام هو إستغلال الجزء المخصص للإقامة والإنتفاع بما لا يضر الآخرين وهو إشارة الى تقسيم المنافع والحقوق والواجبات في المجتمعات وضابط هذا كله الحفاظ على الكيان العــام، فلكل فرد في المجتمع دور يؤديه وعلى عاتقه تقع واجبات، وله حقوق كذلك، ولكل هذا ضوابط وأسس لا يمكن أن يكون الواجب والحق إلا بهما.
3 – هناك فئة من ركاب هذه السفينة فهموا هذا الإستهمام فهماً خاطئًا. فهم ووفق المفهوم الصحيح تملكوا حق إنتفاع الجزء السفلي من السفينة لكن عقلهم السقيم أوقعهم في اللبس المشين ومظاهر هذا اللبس:
أولاً: أنهم فهموا من واقعة الإقتراع وتخصيص الجزء الأسفل من السفينة للانتفاع به وكأنه تفويض بأن يفعلوا ما يشاؤون دون قيد أو ضابط... وهذا منتهى الإنحراف في الفكر.
ثانياً: أنهم ولمجرد إحساسهم بمضايقة أو تضايق أصحاب الجزء العلوي من السفينة راحوا يفكرون بحلول قد تكون أسوء حالاً مما تضايقوا منه بل أشد فتكاً وهلاكا... ولعل المشكلة في إحساسهم ونفسياتهم وعقولهم لا في الوقائع المادية أصلاً، وكثيراً من الناس إنما جاءتهم الهلكة والدمار من إفهامهم السقيمة للواقع.
ثالثاً: لم تعرف من الحديث ما إذا كانت هذه السفينة تبحر في ماء مالح أو نهر حلو... فحتى لو كان ما يراه هؤلاء صحيحاً... فلعل الحل الذي إقتنعوا به للحصول على الماء يجلب لهم ماءً مالحاً لا يستفيدون منه... وما إذا كان الماء حلواً فمن المؤكد أنهم سوف يهلكوا قبل حتى أن يرتشفوا شربة من ماء حين يخرقون السفينة ففي كل الحالات هم هلكى... لكن العقل السقيم يعميك وبوردك المهالك.
4 – يضرب النبي (ص) مثلاً حسياً مادياً للاشارة الى المثال المعنوي ليبين لنا (ص) حدود الحرية والمرض الذي قد يصيب عقول البعض من الناس في فهم الحريات.
5 – كما أن في الحديث إشارة واضحة للفئة العاقلة في المجتمع بالأخذ على يد أي فئة قد تضل طريقها وهذا الأخذ إما أن يكون بمقارعة الحجة بالحجة وإلا فإن بعض المواقف تحتاج الى الشدة لمنع من يخيل له عقله المريض أنه مصلح، ولو ترك أمثال هؤلاء وما يشاؤون لهلكت المجتمعات وغرقت السفن.
6 – اليوم تظهر بيننا فئات في المجتمع هم كأصحاب الجزء الأسفل من السفينة أصابهم عوار الفهم الخاطئ لمبدأ الحريات والإصلاحات فراحوا ينادون بمبدأ الحريات المطلقة التي لا قيد عليها ويستندون في ذلك الى شبهات فكرية ليست بالبعيدة عن تلك الشبهات التي إستند اليها أصحاب الجزء الأسفل من السفينة... ليست هناك حريات عامة أبداً لا في القانون ولا في الشرع ولا في المنطق والعقل... كل عام له ما يخصصه وكل مطلق له ما يقيده... قد يكون ظاهر كلام هؤلاء منمق ومقنع ومؤثر لبعض الناس... لكنه في الحقيقة هدام لكيان المجتمعات، فتاك بقواعد إستقرارها... لن أخوض في المفهوم الصحيح للحريات وفق القواعد القانونية ولعلي أتناوله في مقال آخر... لكني أظن أن المبادئ أضحت واضحة جلية وفق هذا الهدى النبوي.
محمد صالح السبتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..