بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين, أمَّا بعدُ:
لقد ابتلينا من
خلال ما يُسمى بـ” تويتر” بضُلَّال يدعون إلى بدعهم, و
يشيعون ضلالاتهم
عن طريق تغريدات – بل نهيق- على مدار الساعة, ويَطلبون الشهرة من خلال سب الله
ورسوله ومحاولة لتحريف دين الإسلام, فيتهافت لهم الناس – بحسن ظن- متابعين لهم
لينظروا ما خلفهم من الضلال وظلم, وما فطنوا أن الأمر أمراً منكراً, وأن عملهم
رفعاً لأسهمهم, وفتحاً لباب التأثر بهم, واغتروا بأنفسهم وأن حصانتهم تمنعهم من
التأثر بهم, وتناسوا أن قطرات الماء المتتالية تخرق صلابة الصخر, فما بالك بفتن تَمُوجُ
مَوْجَ الْبَحْرِ؟ أتنكتُ في القلب نكتٌ سوداء تخرق القلب أم أنها أمواج تتلاطم
وتضطرب [في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها
فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها] فأين ستجد قلبك من بين هذه الظلمات !!
أخرج الإمام
مسلم في صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل عن الفتن ثم قال: أيكم سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟
قال حذيفة: فسكت
القوم، فقلت: أنا.
قال: أنت لله
أبوك
قال حذيفة:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ
قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ
أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ،
عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ،
مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا
أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ » ومعنى عوداً عوداً: أي أن الفتن تُعاد وتكرر شيئا بعد شيء على
القلوب كأعواد خيزران تضرب ظهر بني آدم, ولا يزال الظهر يميل ويميل مع الضرب حتى
يسقط, فذاك الران الذي قال الله [كلا بل ران على
قلوبهم ما كانوا يكسبون], قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن المؤمن إذا
أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه, فإن تاب ونَزَع واستغفر صُقِل منها، وإن زاد
زادت حتى يغلَّف بها قلبه» فالشبهات التي تتردد مع التغريدات هي ظُلمة تَغشى القلب
حتى تكتمه وتغطيه فلا يُمييز القلب بعد ذلك الحق من الباطل وبسببه تغلق الأذان
والعيون [ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى
الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ] وهذا هو سبب الغفلة وكيف يعقلون و[ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ] !!
وأهل الضلال إما
أن يزيدوا أو ينقصوا في الدين, والنقصان بترٌ واضح والزيادة على الكامل تشويه يؤدي
إلى النقصان, كأصابع اليد خمسة كاملة, فنقصها عيب وزيادتها نقصان, وبسبب هذا حُذّر
من مجالستهم, ففي الحديث « فإذا رأيتم الذين
يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سَمّى الله فاحذروهم » وقال ابن مسعود:”إياكم وما يحدث الناس من البدع, فإن الدين لا يذهب من
القلوب بمرة, ولكن الشيطان يحدث له بدعاً حتى يخرج الإيمان من قلبه, ويوشك أن يدع
الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام, والحلال والحرام, ويتكلمون في
ربهم عز وجل, فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب, قيل يا أبا عبدالرحمن: فإلى أين؟
قال: إلى لا
أين, يهرب بقلبه ودينه لا يُجالِسُ أحداً مع أهل البدع.
ورُوي عن ابن
عباس وأبو عبد الله الملائي والحسن البصري وإبراهيم النخي أنهم قالوا:لا تجالس أهل
الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. وقال مجاهد: لا تجالسوا أهل الأهواء , فإن لهم
عرة كعرة الجرب. وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء , ولا تجادلوهم , فإني لا
آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم , أو يلبسوا عليكم ما تعرفون.
فهجر المبتدعة
وعدم متابعتهم هو إحياء لسُنة مهجورة قد أجمع عليها الصحابة, فـ « المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» وقال الله تعالى: [وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً
جَمِيلاً] وقال سبحانه: [وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى
مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] وقال تعالى : [ وَقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ
بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ]، وهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا, وأمر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بهجر الذي كان
يسأل عن مشكلات القرآن, فقال: لا يكلمه أحد.
فيلزم المؤمن
إلغاء متابعة أهل الضلال, هو طاعة لله ورسوله كما سبق وكما أخرج مسلم في مقدمة
صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: « سيكون في آخر
أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آبائكم فإياكم وإياهم » وذلك لاجتناب
شبهاتهم, ولبعث اليقظة في نفوس المسلمين, ولقمع وزجر المبتدعة لعلهم يستيقظون من
غفلتهم, ولابد من التنبيه على أمر يقع فيه كثير من الناس من خلال متابعة أهل
الضلال والبدع بقصد معرفة طرق الشر والرد عليها وما عَلِمَ أنه مساهم في زيادة عدد
هؤلاء, فإذا تابعته أنت ثم تابعه من بعدك ثم من بعدك ووصل إلى ألف ثم إلى عشرة
ألاف متابع وهكذا, فإنك أحد عناصر تحقيق مرادهم وهي الأكثرية في المتابعة, وهذه
الطريقة تفتح بابا للمبتدعة للدخول من خلاله وكسب متابعات أكثر, وبهذا يبدأ ضربك
بسياط الشبهات حتى تسقط, ثم إنه “لا خير لك في صحبة من تحتاج إلى
مداراته”. قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص:لا تجالس مفتونا, فإنه لن يخطئك منه
إحدى اثنتين, إما أن يفتنك فتتابعه, وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه.
وقال ابن بطة
في الإبانة 1/390 :” إني فكرت في السبب الذي أخرج أقواما من السنة والجماعة،
واضطرهم إلى البدعة والشناعة، وفتح باب البلية على أفئدتهم وحجب نور الحق عن
بصيرتهم، فوجدت ذلك من وجهين: أحدهما: البحث والتنقير، وكثرة السؤال عما لا يغني،
ولا يضر العاقل جهله، ولا ينفع المؤمن فهمه. والآخر: مجالسة من لا تؤمن فتنته،
وتفسد القلوب صحبته”.
{ فاعتبروا يا أولي الأبصار } فإننا في زمن ابتغيت فيه الفتنة وقُلبت الحقائق { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور} فقد صُوّرا المعروف
منكراً والمنكر معروفاً, سموا الإجماع شذوذا والشذوذ اجماعاً, الربا فائدة,
والعُري الحضارة, والجهاد إرهاباً, والكذب ذكاء, والسرقة دهاء, وغيرها الكثير, فلا
تغتر بنفسك فتهلك واحذر مسالك الشيطان واجتنبها, فإن العقل لا يُميز كل شيء أمامه,
ولا يعرف ما خلفه إلا باستدارة, بل حتى الحواس كالبصر لا تفرق بين السراب والبحر,
ثم إن المؤثرات تدور بالعقل وتُغيّر الأفكار, فالعقل زمن الخوف مستسلم وحين الأمن مع
طول الأمل مُستكبر, وهذا ما حصل مع كفار قريش { فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }.
فانتبه فأنت في
عافية في هذه الأمور فلا تبتلي نفسك بالفتن وابتعد عن أهل البدع فإن العقل ضعيف
والسلامة عافية, وقد رُوي بإسناد ضعيف في فتن نعيم بن حماد من حديث حذيفة بن
اليمان مرفوعا « تكون فتنة تعرج فيها
عقول الرجال حتى ما تكاد ترى رجلا عاقلا ».
فإن كنت تغرد
مع الطيور فلا تكن مع الغربان والبُوم فإن صوتها مستقبح, والطيور المغردة تهجر ما
لا يناسبها من الأماكن وتحلق مهاجرة {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ
إِلَّا الرَّحْمَن إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} فإن كنت دخلت
“عالم تويتر” لتحلق باحثا عمّا يفيدك ومُغرداً بما ينفعك وينفع من حولك,
فأعلم أنه قد وجب عليك هَجر أماكن الضلال, وفلا يكن الطير خيراً منك فهو فوق ما
سبق يُغرد تسبيحاً لله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ
يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} فاتق الله فيما تقول.
اللهم إنا نعوذ
بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أنس بن عبد الله المزروع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..