قبل يومين دخلت بقالة الحي وجمعت ما أحتاجه ثم وقفت أمام البائع الهندي للتسديد. دخل صبي سعودي إلى البقالة ووقف بجانبي ورمى على منضدة التسديد ثلاثة ريالات ثم راح ينقرعليها بأصابعه الغليظة بعصبية.كان كل شيء فيه يلفت
الانتباه، صبي ربما يكون عمرياً في مرحلة الصف الثاني متوسط، يترجرج من كثرة الشحوم، نصفه الأيمن على الأرجح همبرغر وكاتشاب والأيسر فشفاش وبيبسي. عندما قال للبائع: صديق، يالله بسرعة. سألته: خير؟ ماتشوف الناس اللي قدامك؟. رد علي بعينين غائصتين: كأنهما بذرتا بطيخ: مستعجل يا أخي. سألته: مستعجل على إيش؟ فقال: ماهوب شغلك.
فعلا ماهوب شغلي، لكن الموقف كان كوميدياً من الدرجة الأولى. صبي محلي بمواصفات خرتيت صغير بطران تفوح منه رائحة الهمبرغر والفشفاش وبائع هندي يشبه عصا الأثل تفوح منه رائحة الفلفل والكاري ويرتعد من الخوف ورجل سبعيني يعتقد أن له بحكم السن بعض الهيبة عند الجيل الصاعد. في النهاية يستسلم الهندي المرعوب لجبروت الصبي البطران ويخدمه قبلي وتطير هيبة شيباتي السبعينية في مهب الريح. عندما ينصرف الخرتيت الصغير يهز الهندي رأسه كالعادة من اليمين إلى اليسار ثم بالعكس بسرعة فائقة قائلاً: بابا هذا ولد مجنون، فيه ولد كذا كتير كتير، أنا لازم خلي يروح بسرعة بعدين إنتا يرتاح شويه. طبعا الهندي الداهية قصد أنه هو سوف يرتاح إذا أنجز متطلبات الخرتيت قبلي لأنني أنا الكبير في السن مقدور علي.
العبرة من هذه الأقصوصة الحقيقية هي التالي:
ذلك الصبي السعودي غير متناسب ولا متناسق ولا مقبول لا حضوراً ولا رائحة ولا تصرفاً. رأسه بدون مبالغة ليس أكبر من قدمه، لأن العضو المستخدم وهو هنا القدم ينمو بأسرع من العضو المعطل وهو هنا الرأس.. هذه واحدة. الثانية هي أن الصبي المكدوس قليل أدب ولا بد أن هذه هي البضاعة التي تزود بها في منزل أبيه، أي أنه ليس فقط ناقص تربية بل معكوس تربية. النقطة الثالثة هي أنه إرهابي التصرف، أرهب الهندي ولم أكن شخصياً مستعداً للدخول معه في أي سوء تفاهم، لكنه حصل بعقليته الإرهابية ومظهره الرهيب على ما يريد. نقطة رابعة هي أنه نعتني بالأخ حين قال أنا مستعجل يا أخي، ولا أستغرب أنه سوف يقول لوالده أيضا يا وليدي. الخامسة والأخيرة هي أن الهندي العصل خرج في النهاية هو الرابح الوحيد، أخذ الفلوس وصرف الخرتيت وجبر خاطري بهزتي رأس وكلمة بابا.
الموقف ذكرني برسالة يوتيوبية من أحد الأصدقاء تقدم دراسة مقارنة بين صبي تربى على الطريقة الغربية وآخر على الطريقة السعودية. الصبي الغربي يسأل بائعة الآيس كريم عن ثمن العبوة بالشوكولاتة فتقول: خمسة يورو. يسألها وكم هي بدون شوكولاتة فتقول: أربعة. ثم تستحثه ليستعجل لأن خلفه زبائن آخرين. يطلب عبوة بدون شوكولاتة وحين ينصرف تغرورق عينا البائعة بالدموع لأنه ترك لها خمسة يورو واحد منها إكرامية الخدمة. الصبي السعودي، ويظهر في الرسالة اليوتيوبية بفنيلة وسروال يسأل البائع الهندي بكم الهمبرغن؟ ويرد الهندي: صغير أربعة ريال كبير ستة ريال. يطلب أبو فنيلة وسروال همبرغركبير ويصرخ بالهندي ليزيد الشطة والكاتشاب. يحضر البائع الطلب وأثناء كتابة الفاتورة ثم العودة إلى منضدة الحساب تغرورق عينا الهندي بالدموع لأنه لم يجد النقود ولا الهمبرغر ولا الكاتشاب ولا الصبي. وليدنا أبو فنيلة وسروال أخذ البضاعة وانحاش.
ابتسموا فأنتم في وطن لا يعترف أهله بالحنشلة ويظنون أنهم محسودون على ما يتحلون به من مكارم الأخلاق
د. جاسر عبدالله الحربش
http://search.suhuf.net.sa/2012jaz/mar/26/lp3.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..