الخميس، 29 مارس 2012

ردا على د.السعيدي بيان لموقف حزب حركة النهضة التونسي من الشريعة


وردت بعض الأخطاء في رسالة د. محمد بن إبراهيم السعيدي: "لماذا يا حزب النهضة التونسي؟"، أود الإشارة إليها هنا:.

1-            فقد ذكر اسم د. محمد الحبيب بلخوجة، كأحد من يدعوهم لنصح الحزب، في حين أن
الرجل توفي منذ فترة، رحمه الله رحمة واسعة.

2-            ثم قال الدكتور: "كل الحجج التي تقدمها حركة النهضة حتى اليوم ليست مقنعة في تخليها بهذه السهولة عن المطالبة بتطبيق الشريعة ".. ووددت لو أن الدكتور عدد لنا "جميع" هذه الحجج التي يرى أنها غير مقنعة، حتى نتأكد من أنه اطلع بالفعل على جميعها، في حين أنه اكتفى بذكر أمرين فقط (مسألة التدرج، ومسألة عدم استعداد التونسيين) ورد عليهما كذلك بتبسيط شديد.

3-            كما وددت لو لم يوجه دعوة لبعض المفكرين والعلماء للتأثير على حركة النهضة للعدول عن هذا القرار، وكأن الحزب ليس له علماء أو دعاة، وليس لديهم استقلالية، وليس لديهم العلم الشرعي الكافي لتقدير المصلحة الشرعية، وأخشى أن يستشف من هذه الدعوة تقليل من علم أعضاء الهيئة التأسيسية لحركة النهضة الذين صوتوا بأغلبية 53 صوتا مقابل 13 صوتا لصالح "عدم الحاجة لتضمين صريح لمصدرية الشريعة في الدستور".. وأود أن أذكّر بأن أن الهيئة التأسيسية للحزب تتضمن عددا كبيرا من المفكرين والفقهاء والعلماء والدعاة والمحامين والمتخصصين في القانون الدستوري. كما أذكّر بأن آلية اتخاذ القرار في صلب الهيئة التأسيسية شورية، وقد حصلت استشارة داخلية واسعة في جميع مستويات القيادة والقواعد وفي مختلف مناطق البلاد، بل وحتى في صلب أعضاء الحزب خارج تونس، بحيث أن الرؤية الرسمية تحددت بعد استيفاء جميع الخيارات المتاحة وحجج وتبعات كل خيار من الخيارات القائمة.

هذا من الناحية الشكلية. أما ناحية المضمون، فقد تعجبت كثيرا من وصف الدكتور السعيدي لقرار النهضة بأنه "قرار خطير لا يمس ضرره تونس وحدها بل يتعداها إلى بقية نشاطات العمل الإسلامي الساعي إلى تطبيق شريعة الله تعالى في كل مكان..". وأتساءل: ما هو وجه الخطورة التي رآها الدكتور في قرار النهضة؟ أخشى ألا يكون الدكتور مطلعا على موقف الحركة بالدقة والتحري المطلوبين من شخص مثله.
وهنا تذكير بموقف حركة النهضة الرسمي، مع بيان بعض الحجج التي ساقتها وأرجو بعد بيانه أن يقول لنا الدكتور السعيدي أين وجه الخطورة التي يراها:
1-الخيارات المتاحة:
-        عندما يتم التنصيص على مصدر للتشريع ويوصف بكونه "الوحيد" أو "الأصلي" أو "الأعلى" أو "الأساسي" فإن ذلك يمكّن من الطعن في أي قانون وإن كان صدوره سابقا على سن الدستور، وهو ما يعني إمكانية مراجعة المنظومة القانونية القائمة حتى جعلها موافقة للمصدر المميز.
والجهة الفاعلة في هذا الشأن هي المحكمة الدستورية التي ستنعكس هذه المهمة على تركيبتها، إذ يجدر أن يكون من ضمن "قضاتها" مختصون في الشريعة وعلومها.
-        وحين يتم التنصيص على مصدر بكونه "أصلي" أو "أساسي" (أي دون ألف ولام التعريف) فذلك يفتح مجالا لمزاحمته من قبل مصادر أخرى قد يتم التنصيص عليها صراحة بنفس الصفة في الدستور، أو قد يضيفها التأويل القانوني من قبل المحكمة الدستورية.
-        وحين يتم التنصيص على مصدر بوصفه مصدرا للتشريع دون تمييزه بصفة محددة فذلك يثبت مصدريته ولكنه يجعله أيسر مزاحمة من قبل غيره من المصادر.
2-الصيغ المقترحة:
-        "لا يمكن سن قانون يتعارض مع ثوابت القرآن والسنة"
-        "لا يمكن سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام"
-        "الشريعة المصدر الأساسي للتشريع"
-        "المصدر الأساسي للتشريع القرآن والسنة"
-        "الفقه الإسلامي مصدرٌ للتشريع"
-        "الشريعة مصدرٌ للتشريع"
-        عدم التنصيص، والاكتفاء بالفصل الأول من الدستور وصيغته: "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".
3-قرار الحزب:
إن الهيئة التأسيسية لحركة النهضة المنعقدة يومي 24 و25 من شهر مارس لسنة 2012 في دورتها الواحدة والعشرين إذ تتابع باهتمام وحرص الحوار الوطني والمجتمعي الدائر حول قضايا الدستور، فإنها تؤكد إلتزامها بما جاء في برنامجها الإنتخابي بصفة عامة وخاصة من "أن تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها وتحقيق اهداف الثورة أولويتها"، وأن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية "تنطلق في برامجها من احترام الثوابت الوطنية وفي مقدمتها تعاليم الإسلام ومقاصده وتراثه الحضاري". وتعتبر أن صيغة الفصل الأول من دستور 1959 التي تنصّ على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، و العربية لغتها، والجمهورية نظامها" واضحة ومحل توافق بين كل مكوّنات المجتمع، وهي تحفظ الهوية العربية الإسلامية للدولة التونسية، وتؤكد مدنيّتها وديمقراطيتها في ذات الوقت، حيث أنها تنصّ على ان الإسلام هو دين الدولة بما يقتضيه ذلك من دلالات.
والهيئة تدعو أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الى ضرورة مراعاة الدستور الجديد في مفاصله المختلفة لخصائص هوية البلاد وحفظها وتذكّر ان تحقيق اهداف الثورة في تنمية جهوية عادلة ومقاومة الفقر والبطالة وإجتثاث جذور الفساد والإستبداد تتطلب توحيد كل قوى شعبنا وتعبئة طاقته وتظافر جهوده من أجل ذلك.
قال الله تعالى " وَ أَوْفُوا بٍالعَهْد إن العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاَ". (الاسراء آية 34)
4-تعليل القرار:
وردت في تعليل القرار تصريحات عديدة من قبل قيادات الحزب، ومن بينهم الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحزب، وحمادي الجبالي الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، والصحبي عتيق رئيس لجنة صياغة توطئة الدستور في المحلس التأسيسي، وفتحي العيادي رئيس الهيئة التأسيسية للحزب، وعامر العريض نائب المجلس التأسيسي، ود. عبد المجيد النجار نائب المجلس التأسيسي، وغيرهم.

وهذا بيان لعدد من التعليلات أسوقها في غير ترتيب مقصود:

1.       كلنا في النهضة نؤمن بالشريعة.. ولا أحد منا لا يؤمن بالشريعة الإسلامية.. لأن الشريعة هي اسم ثان لوصف الإسلام.. ولكن هذا المصطلح ملتبس على الناس.. وطالما أنه ملتبس، فقد ارتأينا عدم إدراجه حتى لا نضطر بعض التونسيين للقول بأنه "ضد الشريعة"..

2.       الشريعة كما نراها في حركة النهضة: هي عقيدة الإسلام، وعبادات الإسلام، وأركان الإسلام، وأخلاق الإسلام، وقوانين الإسلام.. وليست الشريعة كما يتصوره (أو يصوّره) البعض: نظام عقوبات زجرية ضد الناس، أو يتم تخويفهم بها.

3.       مبادئ الحركة إسلامية ولن تحيد عن هذا أبدا.. ولا اجتهاد في ما فيه نص قطعي الدلالة والثبوت.

4.       هناك العديد من الدول التي تنص على الشريعة ولكن هذا لم يمنع إنتشار الفساد الأخلاقي والمادي وطغيان الحاكم وحاشيته. لذا فوجود النص لوحده لا يكفي.

5.       التعويل على القانون أنه سينشر الاسلام والفضيلة هو تعويل واهٍ.. نعتبر أن الإسلام مبني على الحرية لأننا لا نريد إنتاج منافقين. وبالتالي يجب أن يمثل القانون القيم السائدة في المجتمع. ولا قيمة لقانون اذا لم يرتكز على رأي عام واسع.

6.       مبدأ التدرج في تنزيل الأحكام مبدأ ثابت في السنة النبوية.

7.       فرض تشريع من التشريعات دون أن يكون المجتمع مستعدا لتقبله ربما يؤدي إلى رفضه بما يخالف المصلحة. نرى هذا من حادثة منع الخمر في المدينة حيث لم يقع فرض منعه من أول وهلة، ولكن حكمة الله ومعرفته بعباده أدت إلى أن المنع سبق بتهيئة وبتدرج وبصنع ما يمكن أن نسميه بالمصطلح العصري "رأي عام" مطالب بالمنع ومستعد لتنفيذ الأمر دون إكراه في حال تنزيل التشريع. وهذا مثبت في سورة البقرة حيث وصل الرأي العام الإسلامي إلى درجة من الاستعداد للمنع والتشوف له وذلك في آية (يسئلونك عن الخمر والميسر)

8.       يجب أن نتذكر أن النهضة حظيت بحوالي 42% فقط من الأصوات

9.       التكليف في الإسلام هو حسب الوسع والاستطاعة والقدرة. لذا، فما لم نستطع تنفيذه في الحاضر فلسنا مطالبين به شرعا في هذا الوقت، وإنما علينا العمل على صنع رأي عام يفهم الشريعة فهمها الصحيح بما هي عدل ورحمة وأخوة ونظام.

10. تبنى الدساتير على الإجماع والوفاق وليس على مبدأ الأغلبية لكي يقبل عموم الناس بالقوانين المنبثقة عن الدستور.

11. هناك إجماع في الشعب التونسي حول البند الأول الذي يحدد هوية الدولة ولغتها ولكن ليس هناك إجماع على موضوع الشريعة بسبب حملات التشويه والمفاهيم المغلوطة عن الشريعة.

12. نسبة كبيرة من التشريع التونسي الموجود حاليا، وكذلك المجلة القانونية الموجودة مستمدة أصلا من الشريعة الإسلامية بشهادة خبراء التشريع.

13. إذا كان الإسلام هوية الدولة فإن الشريعة جزء من الإسلام لذا لا يجب بالضرورة التنصيص على الخاص إذا كان مشمولا في العام.

14. موضوع التنصيص على الشريعة من عدمه يندرج ضمن ما يعرف بالسياسة الشرعية حيث تقدير المصلحة هو المحدد الأساسي للاجتهادات والخيارات.

15. ليس من الحكمة تقسيم الشعب التونسي بين مناصر للشريعة ومعارض لها، ولكن الحكمة في التروي وأخذ الوقت الكافي في نشر الفهم الصحيح للدين والشرع.

16. الثورة التونسية لم تأت على خلفية المطالبة بضرورة تطبيق الشريعة، والثورة لم ترفع شعار تطبيق الشريعة.. وإنما أتت بمبادئ العدالة والمساواة والحرية والكرامة والتشغيل.. وجميع هذه المبادئ محل إجماع.. مثلما أن إسلام الدولة كان محل إجماع من قبل، ولم يأت أحد للتشكيك فيه.. فلماذا ندخل مسألة جديدة (مسألة الشريعة) ليست محل إجماع، بل قد تشق المجتمع إلى نصفين؟ وإذا كانت فهوم الإسلام مختلفة بيننا، فلنترك المجتمع التونسي يتفاعل داخليا في مناخ من الحرية، وسيفرز لنا وينتج (من خلال مؤسساته المنتخبة) ما هو الإسلام الذي يرتضيه..

17. معركة التونسيين حاليا ليست في معرفة هل هم مسلمون أم لا، أو هل أن الشعب مسلم أم لا.. وإنما لدينا أولويات قامت عليها الثورة، وذكرها رئيس الحكومة حمادي الجبالي: السكن الاجتماعي، التكوين المهني، التشغيل، مستوى عيش رفيع، المشاريع الكبرى، العدالة الانتقالية، والأمن.

18. هذا الموقف دليل على تمسك النهضة بمبدأ احترام الأقليات وحقوق الأجيال اللاحقة، وأنها لا ترغب في استغلال أغلبية نسبية وظرفية تتمتع بها اليوم من أجل فرض توجهات دائمة على أقلية قد تكون ظرفية ولا على الأجيال اللاحقة.

19. هذا الموقف دليل احترام من النهضة لناخبيها وتمسكا بخياراتها وقيمها ووعودها.. فمن أهم ما يميز كل من يتخذ من الاسلام مرجعية، هو ثقة الناس في صدقه وفي التزامه بخلق العدل عند الحكم والتواضع عند القوة والعفو عند المقدرة والوفاء بالوعد حتى عندما تتوفر له فرص التنكر له. والسياسة ليست غدرا ولا كذبا ولا خيانة ولا قهرا كما يريد أن يسوق لها بعض العلمانيين.. وبما أن النهضة لم تجعل من تطبيق الشريعة أحد بنود برنامجها السياسي ولم تدع خلال حملتها الانتخابية لإفرادها بأحد بنود الدستور، بل اقتصرت على الدعوة لاحترام الهوية العربية والاسلامية والتأكيد على مبادئ الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية واحترام حقوق الانسان، فإن تغيير المواقف اليوم لا يخدم قضية الاسلام ولا صورة النهضة ولا مقدار ثقة الشعب فيها.. حتى وإن كان ثمن ذلك حنق عدد من الإسلاميين الآخرين، أو بعض قواعد الحزب.

20. بيننا وبين ناخبينا ميثاق وبرنامج.. وبرنامج حركة النهضة أعلنّاه قبل انتخابات 23 أكتوبر الفارط، ولم يشر لتضمين الشريعة في الدستور.. ولا يمكننا أن نتراجع عن تعهداتنا لناخبينا.. والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"..

21. موقفنا هذا فيه خير كثير.. فبه ربحت تونس، وربحت الديموقراطية، وربح التوافق، وربح الإسلام.. لأننا حمينا جزءا من الشعب التونسي (قد يصل إلى 40 أو 50% من الشعب) من الاضطرار لإعلان رفضه للشريعة (عن جهل وعدم معرفة) والقول بأنه "ضد الشريعة".. وهي كلمة كبيرة لو اضطررناهم لقولها وهم لا يدركون معنى الشريعة ودلالاتها.. وهؤلاء يحتاجون لوقت كي يفهموا أن "الشريعة هي الإسلام" و"الإسلام هو الشريعة".. ونحن غير متعجلين في هذا الموضوع.

22. تنوي النهضة اقتراح التنصيص على مبادئ الإسلام في توطئة الدستور ليكون الدستور مستلهما من مبادئ الإسلام، ومن أهداف الثورة، ومن مبادئ الحداثة.

23. لا أحد ينكر أن هناك نسبة كبيرة من الشعب تطالب بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع وهذا من حقها الديني والديمقراطي.. ولكن لا ينكر أحد أن هناك نسبة من الشعب التونسي التي لديها تخوفات من هذا الأمر بسبب عدم الفهم الصحيح لمبادئ الشريعة السمحة بسبب حملات التشويه المتواصلة. لذا فالأولوية ليست في فرض الشريعة على هذا الجزء من شعبنا لأنه (لا إكراه في الدين) ولكن الأولوية هي في إيجاد أرضية دنيا مشتركة بين شعبنا والعمل على إشاعة الفهم الصحيح للشريعة.

24. مشكلة بعض الإسلاميين الداعين لتضمين الشريعة كمصدر أساس ووحيد في الدستور أنهم ينظرون بعين الريبة للعلمانيين واحتمال توظيفهم لتغييب مصدرية الشريعة لتمرير قوانين أو ممارسات تهدد وضع الإسلام في البلاد.. وينسون (أو يتجاهلون) في نفس الوقت ضرورة النظر بعين الريبة لاحتمالات أن يؤدي هذا التضمين لخلق وضع يسمح بزيادة التشدد أو التطرف الديني.. ومشكلة بعض العلمانيين الرافضين لتضمين الشريعة كمصدر (لا نقول أساس ووحيد، بل حتى عبارة "مصدرا من مصادر") في الدستور أنهم ينظرون بعين الريبة للمتشددين الدينيين واحتمال توظيفهم لمصدرية الشريعة لتمرير قوانين أو ممارسات تهدد وضع الحريات لغير المتدينين.. وينسون (أو يتجاهلون) في نفس الوقت ضرورة النظر بعين الريبة لاحتمالات أن يؤدي هذا التغييب لخلق وضع يسمح بتمرير قوانين تخالف الإسلام وثوابت القرآن والسنة.. لذلك نرى أن من واجب كلا الطرفين أن ينظر بموضوعية وتوازن، وأن يتفهم تخوفات الطرف الآخر..

25. القضية ليست في كون الشريعة الإسلامية متضمنة وحافظة لجميع الحقوق والحريات الكونية، وبالتالي لا حاجة للقول بغيرها.. في اعتقادي أن الإسلاميين يجب أن ينظروا للموضوع من زاوية أنه لا مشاحة في الاصطلاح.. وبالتالي فإذا كان لفظ "الشريعة" يؤدي إلى جدل وتجاذب كبير، فيمكن الاستغناء عنه مع المحافظة على تضمين جوهر الشريعة الإسلامية، كمرجعية دستورية.. وبالتالي، نميل إلى عدم الإصرار على استعمال مصطلح الشريعة، والاكتفاء بالمرجعيات التي ستتضمنها توطئة الدستور، والتي يوجد حولها توافق وطني، وهي أربعة: 1- أهداف الثورة (فَلَوْلا الثورة لما كنا هنا)، 2- منظومة القيم الإسلامية، 3- مخزون التجربة الإصلاحية التونسية، 4- منظومة القيم الكونية

26. حول خيبة أمل بعض الإسلاميين من موقف النهضة من مسألة الشريعة ووصمها بمصطلح "إسلام لايت" نقول له: هذا الإسلام اللايت هو الذي صمد في السجون لأكثر من 20 سنة.. وهذا الإسلام اللايت هو الذي صمد في الغربة.. وهذا الإسلام اللايت لم يذهب ولم يجر وراء بن علي، ليطلب ما يطلب.. وهذا الإسلام اللايت هو الذي شارك في هذه الثورة مع الآخرين، حين غاب عنها بعض الذين يزايدون الآن على الحزب في التمسك بالإسلام.. ونقول لهم: هذا نوع من التكفير أن يقال لنا: "إسلامكم إسلام لايت".. وهو أيضا خداع للناس بالقول أن هذا "إسلام قوي" وذاك "إسلام ضعيف".. والله تعالى يقول: "هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى".. فنرجو ألا ندخل عنصر التخوين (فلان خائن، وفلان كافر) لأن هذا عنصر مدمّر.. بل يجب أن يحترم بعضنا البعض، ويكفي القول: "نحن مختلفون في الرأي"، لأننا لسنا مختلفين في الإسلام، ولسنا مختلفين على الإسلام، وإنما نحن مختلفون حول تنزيل الإسلام في الواقع: هل ننزّله بقوّة الدولة، وندمّر تماسك المجتمع التونسي، وندخله ربما في حرب أهلية؟ أو نقول إن الإسلام يتنزل على قدر فهم المجتمع؟ فلنعط إذن للمجتمع التونسي الوقت لفهم الإسلام.. وعلى قدر فهمه للإسلام، وما دامت الدولة ديموقراطية، فسيترجم ذلك مستقبلا..

27. موقف حركة النهضة يرفع من مصداقيتها لدى المتشككين والمرتابين في صدق توجهها المدني والديموقراطي، والباحث عن الوفاق الاجتماعي وعدم التفرد بالقرار أو توظيف أغلبيتها.. وهو في نفس الوقت يضع حسابات بعض السياسيين المتربصين بها في التسلل، لأن الجميع كان ينتظر أن تعلن عن تضمين الشريعة حتى يبدأوا حملتهم الدعائية ضد النهضة ويظهروها بمظهر "الشعبوية" (populism) إلى غير ذلك من الاتهامات الجاهزة.


محمد بن جماعة
1420

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..