السبت، 17 مارس 2012

الابتعاث و إختلال التوازن بين المجتمع والمؤسسات الحكومية

يشكل الشباب الفئة العمرية الاكبر في المجتمع السعودي بالتالي فإن مستقبل المجتمع مرهون بطريقة الرعاية و التعليم التي تقدم لهم. و من الخطأ توقع إستمرار هؤلاء الشباب في تبني أنماط التفكير و المعيشة السائدة حالياً. لذا يكمن التحدي في التنبأ بالتحولات التي تمر بها هذة الفئة و الاعداد لها. و الشباب ثروة الوطن وهم الاغلبية والمستقبل سيكون بأيديهم وهم ايضاً الاكثر استقطاباً للأزمات وتعرضاً للتحديات. وبكل المقاييس يعتبرون الكتلة الحرجة التي تحمل أهم فرص نماء المجتمع وفي نفس الوقت وقود النزاعات بكل انواعها.
و مع نمط الحياة المتغير بوتيرة سريعة وغير مسبوقة اصبح في هذا الوقت الاصغر سناً ليس بالضرورة الاقل معرفة. فمع تطور وسائل الاتصالات الالكترونية و إنتشار مواقع التواصل الاجتماعية ، اصبح  الشباب (الاقل سناً) في المجتمع السعودي الاكثر نصيباً في تبني هذة الوسائل الحديثة و التعامل الكامل و السلس مع تطبيقاتها. على سبيل المثال نجد أن هناك الكثير من مختلف فئات المجتمع العمرية ممن يملكون أجهزة ذكية -البلاك بيري ، آي فون-  ولكن الشباب هم الفئة الاكثر إستغلالاً للتطبيقات التي توفرها هذة الأجهزة. أيضاً في المجتمع السعودي نرى تسابق من مختلف الشخصيات الاجتماعية للدخول في عالم تويتر و الفيس بوك هذا الامر يعكس رغبة هؤلاء الافراد بمختلف توجههاتهم الفكرية في كسب قطاع عريض من الشباب. الامر الابرز في هذا المضمار هو أن مواقع التواصل الاجتماعية اوجدت أرضية خصبة لما يمكن ان يطلق علية “إعادة بعث” لأفكار و لشخصيات إندثرت او تم الحد من تواجدها على الساحة الاجتماعية و الإعلامية. المهم في هذا الصدد ليس حصر التوجهات او المتغيرات، فما يمكن حصره الان يتغير غداً، بالتالي الامر الذي يجب ان تحرص علية مختلف الجهات ذات العلاقة هو توظيف طاقات شابة قابلة للتأقلم مع المتغيرات و لديها القدرة على مواكبة كل جديد. فالشباب بعبارة أخرى يمثلون ميزة تنافسية لأي جهة تتبناهم و تعطيهم الفرصة.
الابتعاث و الاجهزة الحكومية:
يدرس ما يزيد على مائة الف طالب وطالبة في جامعات حول العالم ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للإبتعاث الخارجي، و الذي يعتبر من اكبر برامج الابتعاث في تاريخ المملكة العربية السعودية من حيث عدد الطلاب و الطالبات. و يتميز البرنامج عن ما سبقه من حيث تنوع بلدان الابتعاث.
ومع بدء عودة خريجي و خريجات برنامج الابتعاث ودخولهم باعداد كبيرة ومؤثره لسوق العمل السعودي و مشاركتهم الفعالة في أنشطة المجتمع، يبرز السؤال المهم :
  • ما مدى إستفادة الاجهزة الحكومية من برنامج الملك عبدالله للإبتعاث الخارجي؟
كون برنامج الابتعاث استفاد منه خريجي الثانوية بشكل كبير فالتساؤل هنا لا يتعلق بإبتعاث موظفين على رأس العمل، ولكن بخصوص إستفادة الاجهزة الحكومية من فرصة إبتعاث حديثي التخرج من الطلاب.
فقط الجهات الحكومية (الغير تعليمية) التالية أعلنت عن برامج إبتعاث لخريجي الثانوية (للحصول على شهادة البكالريوس)  و الجامعات (للدراسات العليا):
  • التأمينات الاجتماعية
  • هيئة سوق المال
  • الهلال الاحمر السعودي
  • الهيئة العامة للطيران المدني
  • هيئة الغذاء و الدواء
بقية الوزارات و الهيئات لم يطرأ على خططها أي مواكبة لما يمكن تسميتة بـ”طفرة الإبتعاث” التاريخية التي تمر بها المملكة.
في هذة التدوينة سنتناول أهمية مواكبة الوزارات و الهيئات الحكومية المختلفة لمرحلة الابتعاث، و الاثار السلبية التي قد تنتج أو تتفاقم نتيجة لعدم إعتماد برامج ابتعاث من قبل هذة الاجهزة.
المجتمع بعد الابتعاث:
قد يبالغ البعض في التهويل من سلبيات الابتعاث و ربط الظواهر السلبية المستجدة بالدراسة بالخارج، و هذا التوجة قد يكون نتيجة لـ:
  1. إعتقاد مسبق بسلبية الدراسة في الخارج و خصوصاً لخريجي المرحلة الثانوية
  2. قصور في إدراك إنعكاسات تجربة الابتعاث على الشباب السعودي في هذا العصر و التي تختلف بشكل جذري عن برامج الابتعاث في فترة ما قبل ثورة الاتصالات
        في هذا الوقت تبرز اهمية العامل البشري الشاب المدرب على التعامل مع الكم الهائل من المعلومات و القادر في نفس الوقت على التأقلم و التفاعل السريع مع المتغيرات. ومن شأن عدم تحرك الاجهزة الحكومية في إستحداث برامج إبتعاث خاصة بها او الاستفادة من مخرجات برنامج الملك عبدالله، أن يزيد التحدي التي تواجهه هذة الاجهزة في مواكبة إنعكاسات ثورة الاتصالات. هذة المتغيرات السريعة جعلت الكثير من الاجهزة الحكومية في موقع ردة الفعل و بكل شفافية يمكن القول أن هناك فقدان للسيطرة في بعض الجوانب. فإعلامياً أصبح النشر اللكتروني بكل أنواعة حقيقة على الارض و أغلب الخبرة التراكمية التي تتمثل بكوادر وزارة الاعلام غير قابلة للتعاطي مع المتغيرات الجذرية في العمل الأعلامي. فمتابعة مايسمى بالخطوط الحمراء اصبح عباءً و بدون تبني طاقات و كوادر جديدة من جيل الشباب لن تتمكن هذة الاجهزة من تسيد الساحة عبر صناعة الحدث. فالانشغال بإطفاء الحرائق و لملمة المواضيع تشكل الحيز الاكبر من وقت وزارة الاعلام.
وحيث تعتبر البطالة من اكبر التحديات التي يواجهها المجتمع السعودي، فإن هذا التحدى لن يزول قريباً خصوصاً في ضل التوسع الكبير في قطاع التعليم العالي و إفتتاح العديد من الجامعات الحكومية و الخاصة. و لكن بالنظر لسوق العمل من زاوية العرض و الطلب فإن فرصة الاجهزة الحكومية عالية في إستقطاب طاقات شابة مميزة. فبالمقارنة بين المميزات الوظيفية التي يقدمها القطاع الحكومي و القطاعات الاخرى نجد أنه في حالة توازن العرض و الطلب في سوق العمل فإن القطاع الحكومي لايملك مقومات المنافسة.
أهمية برامج الابتعاث للأجهزة الحكومية
يمكن إختصار أهم نتائج برامج الابتعاث في مجالين:
1) التخصصات العلمية   و  2) القدرات الشخصية.
  التخصصات العلمية
يقدم برنامج الملك عبداللة للابتعاث دفعة للتنمية البشرية للشباب السعودي بتوفير فرص دراسية في مجالات مهمة و حيوية في الهندسة و الطب و غيرها من التخصصات المهمة. وتبرز اهمية الدراسة في الخارج في توفر برامج تخصصية دقيقة و مجالات جديدة. التخصصات الدقيقة بدأت كفروع علمية جديدة نتيجة للإكتشافات العلمية مثال تقنية النانو. أما المجالات التخصصية الجديدة فهي ما يسمي بـ“Interdisciplinary”   وهي تخصصات تجمع مابين علمين قائمين وهذة التخصصات مهمة ولكن الاقبال عليها قليل. و أسباب عزوف طلاب برنامج للأبتعاث عنها يكمن في عدم معرفتهم بحاجة سوق العمل لها و كون التوظيف يكون في جهات محدودة. فالتخصص في  – علوم الحاسب الالي Computer Science  يفتح مجالات العمل أمام الخريج  و بالتالي لا يوجد مخاطرة بعكس تخصص (Forensic Computing – العلوم الجنائيه للحاسب الالي او علوم جنائية رقمية) المهم و المطلوب في ضل تزايد وتيرة الجرائم الالكترونية، و لا يوجد له بديل في الجامعات السعودية ولكن التخصص فية يعتبر مخاطرة.
An interdisciplinary field crosses traditional boundaries between academic disciplines or schools of thought, as new needs and professions have emerged
القدرات الشخصية
تجربة الغربة و البعد عن النسيج الاجتماعي له اثر ايجابي في تأهيل الشباب و تعزيز قدراتهم و بث روح الثقة فيهم. فمن سلبيات التكافل الاجتماعي في الوطن، نشأة نسبة كبيرة من الشباب على الاعتماد على الاخرين في تشكيل شخصيتهم  و تبوأ مكانتهم الاجتماعية . و من خلال الابتعاث يعتمد الشاب على نفسة و يمر في مرحلة إكتشاف لمواهبة و قدراتة الشخصية الامر الذي ينعكس ايجابياً على أدائه العملي.
طرق إستفادة الاجهزة الحكومية من الابتعاث
هناك ثلاث طرق يمكن للاجهزة الحكومية العمل بها للإستفادة من برنامج الحرمين الشريفين للأبتعاث الخارجي. هنا شرح لكل طريقة مع الايجابيات و السلبيات لكل منها:
                              I.            إستحداث برامج إبتعاث لكل جهة حكومية
                           II.            أستقطاب خريجي برنامج برنامج الملك عبدالله للابتعاث بعد التخرج
                        III.            أستقطاب طلاب برنامج برنامج الملك عبدالله للابتعاث خلال مرحلة دراستهم (قبل التخرج)
الطريقة الاولي:
                                          I.            إستحداث برامج إبتعاث لكل جهة حكومية
  الإيجابيات:
*    أن فكرة الابتعاث مع إحتساب الخدمة ستجذب شباب و شابات للعمل في الاجهزة الحكومية
*    القدرة على فرز المتقدمين من قبل الجهات المنفذة للبرنامج
*    يمكن تحديد التخصصات المطلوبة مسبقاً
*    متابعة المبتعث و توجيهه خلال الابتعاث
*    الاستفادة من المبتعث خلال فترة الابتعاث. مثال لو فرضنا وجود مبتعثين من وزارة الدفاع فإنة بالأمكان جعلهم يتدربون خلال الاجازات الصيفية في الشركات والجهات الامريكية التي يربطها مع الوزارة مشاريع مشتركة.
السلبيات:
*    على الرغم من جاذبية فكرة الابتعاث و إحتساب الخدمة، إلا ان فرصة إستقطاب شريحة عريضة من مختلف فئات المجتمع أمر صعب. فهناك حواجز نفسية و إجتماعية تجعل بعض فئات المجتمع تعزف عن التقديم على الجهات الامنية على سبيل المثال. هذا العزوف سببه سمعة آلية القبول في الكليات الامنية و العسكرية، و التي أصبح القبول فيها أمر مستحيل في نظر الاغلبية.
*    تأخر الاستفادة من مخرجات البرنامج
*    العبء الاداري الاضافي لمتابعة برنامج الابتعاث
*    إبتعاث طلاب بعد مرحلة الثانوية فيه صعوبات منها:
  • عدم الحصول بعض المقبولين على فيزا
  • عدم تجاوز اللغة
  • الفشل الدراسي
هذة المعوقات قد تكون نتيجة لعدم شفافية آلية القبول او تقدم من يحظون بمكانة إجتماعية و نفوذ، مما يجعلهم أقل حماس للدراسة من غيرهم من الشباب الطامح الى بناء حياة كريمة. ويعتبر برنامج الملك عبدالله للأبتعاث الخارجي من البرامج التي حظت بسمعة ممتازة من حيث تكافئ الفرص و تحقيق العدالة الاجتماعية، و علية يمكن القول ان المبتعثين يمثلون مختلف أطياف المجتمع.
الطريقة الثانية:
                                       II.            أستقطاب خريجي برنامج الابتعاث بعد التخرج
  الإيجابيات:
*    تجاوز عبء متابعة المبتعثين خلال الدراسة
*    سرعة الإستقطاب و الإستفادة من الخريجين
*    إمكانية إستقطاب شباب و شابات من فئات مختلفة من المجتمع السعودي
*    التوظيف يكون حسب التخصصات المطلوبة
السلبيات:
*    عدم توفر خريجين في تخصصات دقيقة
* المنافسة مع القطاعات الاخرى على الخريجين المميزين
الطريقة الثالثة:
                                    III.            أستقطاب طلاب برنامج برنامج الملك عبدالله للابتعاث خلال مرحلة دراستهم (قبل التخرج)،
ويتم عن طريق تحويل إبتعاث الطلبة من وزارة التعليم العالي الى الجهات الحكومية الاخرى . الايجابيات هي:
*    يتم ضم الطلبة بعد تجاوزهم عدد ساعات معينة ( 30 ساعة)  و بمعدل عالي
*    يتم توجيه الطلاب الى تغيير تخصصاتهم العامة مثال ( Computer Science ) الى تخصصات فرعية دقيقة (Bioinformatics )
*    تقليل العبء الاداري لمتابعة المبتعثين
*    رفع معدل نجاح المنضمين لكل جهه حكومية كونهم تجاوزوا اللغة و تأقلموا مع أجواء الابتعاث
*    خلال فترة الابتعاث و قبل التخرج يعتبر الانضمام الى اي جهة حكومية بمثابة الانجاز من ناحية الطالب (حصول على وظيفة قبل التخرج)
*    الدخل الاضافي و إحتساب الفترة المتبقية من الدراسة ضمن الخدمة عامل جذب كبير
*    لذا يمكن إستقطاب كفاءات عالية قد يصعب توظيفهم بعد التخرج جراء المنافسة القوية من القطاعات الاخرى
*    يمكن تحديد التخصصات التي يجب يدرسها الطالب كشرط للقبول (و تحويل البعثة)
*    متابعة المبتعث و توجيهه خلال الفترة المتبقية من الابتعاث
*   الاستفادة من المبتعث خلال الفترة المتبقية من الابتعاث
*    سرعة الاستفادة من المبتعثين مقارنة بالطريقة الاولى
* هذة الطريقة بدأت بعض الجامعات السعودية و عدد محدود من المستشفيات في تطبيقها مع مبتعثي برنامج  الملك عبدالله للإبتعاث الخارجي.
من خلال إستقطاب الطلبة المبتعثين و تحويل إبتعاثهم الى الجهات الحكومية و توجيههم الى تخصصات دقيقة و غير متوفرة في الجامعات السعودية، يتم تحقيق هدفين مهمين الاول الحصول على كفاءات عالية للعمل في القطاع الحكومي كما تم التطرق الية آنفاً و  الثاني هو تحقيق مردود عالي لبرنامج خادم الحرمين الشريفين عن طريق توفير كفاءات سعودية في تخصصات يصعب توجة الطلاب للدراسة بها من غير تحفيز ورعاية من جهة العمل.
المكاسب الاستراتيجية للأجهزة الحكومية من الأبتعاث
  •  ضبط التوازن بين قدرات الاجهزة الحكومية و النمو السريع للمجتمع السعودي.
 بزيادة حصة الاجهزة الحكومية من المبتعثين تتجدد و تنمو الموارد البشرية لهذة الاجهزة بطريقة متوازية مع القطاعات الاخرى و مع المجتمع ككل.
  •  رفع كفاءة الاجهزة الحكومية في التعاطي مع تحديات المرحلة
داخليا تحتاج الاجهزة الحكومية الى زيادة كمية و نوعية في الموظفين لتلبية الطلب المتزايد على خدماتها و لمواكبة التحول السريع نحو الحكومة الإلكترونية و ما يتبع هذا التحول من تحديات أمنية و فنية  للأنظمة  والمعلومات. كما يعتبر وجود المبتعثين في مختلف دول العالم فرصة ذهبية للأجهزة الحكومية ذات العلاقة للأستفادة من تجربة المبتعثين في تعزيز قدراتها بتدريبهم لدي الشركات و المؤسسات الدولية التي تربطها بالمملكة مصالح و إتفاقيات.
  • إضافة نوعية لكادر الاجهزة الاحكومية – الجديدة و المرتبطة بفئة الشباب
جهات حكومية استحدثت مؤخراً مثل وزارة الاسكان و مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة  بحاجة لكوادر مدربة و قادرة على العطاء لمدة طويلة، و هناك بالطبع جهات بحاجة مساسة لتغيير جذري في طواقمها بتوظيف شباب مطلع و قادر على دفع عجلة التغيير لكي تتواصل بفعالية مع الغالبية الشابة في المجتمع مثل الرئاسة العامة لرعاية الشباب،.

-------------

عثمان محمد الذواديمتخصص في استراتيجيات التسويق الاجتماعي
مرشح دكتوراة - تسويق
جامعة جنوب اللينوي - الولايات المتحدة الامريكية

Posted: مارس 14, 2012 in الابتعاث

الوسوم:, , , ,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..