من الأساليب النحوية التي استخدمها العرب للتعبير عن المدح ، أو الذم ،
أسلوب "
نعم وبئس " ، و " حبذا ولا حبذا " ، وغيرها من الأفعال
التي تسد مسدها كـ "
ساء ، وحسن ، وضعف ، وكبر " وما قام مقامها .
أولا ـ أفعال المدح :
خصص
النحاة للدلالة على المدح الأفعال الآتية :
1 ـ
نعم : فعل ماض جامد خصص لإنشاء المدح .
نحو
: نعم الحياة الآخرة . ونعم العمل العبادة .
في
المثالين السابقين يجد أن جملة المدح تكونت من فعل المدح " نعم " ، والفاعل "
الحياة " في المثال الأول ، و " العمل " في المثال الثاني ، والمخصوص بالمدح وهو
"
الآخرة " في المثال الأول ، " والعبادة " في المثال الثاني .
ومنه قوله تعالى : { ونعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها }1 .
2 ـ
حبذا : فعل جامد خصص لإنشاء المدح ، وهو مركب مع اسم الإشارة " ذا "
الذي يعرب فاعلا .
نحو
: حبذا الأمانة . وحبذا الإخلاص في العمل .
حب
: فعل المدح ، وذا اسم إشارة في محل رفع فاعل ، والإخلاص مخصوص بالمدح .
ومنه قول الشاعر :
يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
ومنه قول كنزة أم شملة وقد جمعت فيه فعلي المدح والذم حبذا ، ولا حبذا :
ألا حبذا أهل الملا غير أنه إذا ذكرت ميّ فلا حبذا هيا
ـــــــــــ
1 ـ
30 النحل .
ثانيا ـ أفعال الذم :
كما
خصص النحاة للدلالة على الذم الأفعال الآتية :
1 ـ
بئس : فعل جامد وضع لإنشاء الذم .
نحو
: بئس الخلق الخيانة . وبئس العدو إسرائيل .
بئس
: فعل ماض جامد مبني على الفتح لإنشاء الذم .
الخلق : فاعل بئس مرفوع بالضمة .
الخيانة : مخصوص بالذم ، وسنتعرض لإعرابه في موضعه .
ومنه قوله تعالى : { وبئس الرفد المرفود }1 .
2 ـ
لا حبذا : فعل جامد مركب من لا النافية السابقة للفعل " حب " ، وذا
اسم الإشارة فاعله .
نحو
: لا حبذا الإسراف . ولا حبذا الكذب .
لا
حب : فعل الذم ، وذا اسم إشارة في محل رفع فاعله ، والكذب مخصوص بالذم .
ومنه قول الشاعر ، وقد جمع بيت فعلي المدح والذم :
ألا حبذا عاذري في الهوى ولا حبذا الجاهل العاذل
3 ـ
من الأفعال التي تلحق بئس ، ولا حبذا ، الفعل " ساء " ، وهو جامد لإنشاء الذم .
نحو
قوله تعالى : { فساء مطر المنذرين }2 .
وقوله تعالى : { فساء صباح المنذرين }3 .
والمخصوص بالمدح في الآيتين محذوف تقديره في الأولى : مطرهم ، وفي الثانية : صباحهم
.
ثالثا ـ هناك بعض الأفعال القياسية وضعها النحاة للدلالة على المدح ، أو الذم غير
التي
ذكرنا آنفا ، وهي كل فعل ثلاثي على وزن " فَعُلَ " بفتح الفاء ، وضم العين .
مثل
: حَسُن ، وضعف ، وكبر ، وشرف ، وقبح ، وخبث ، وغرها .
ـــــــــــ
1 ـ
100 هود . 2 ـ 173 الشعراء .
3 ـ
177 الصافات .
نحو
قوله تعالى : { وحسن أولئك رفيقا }1 .
وقوله تعالى : { ضعف الطالب والمطلوب }2 .
وقوله تعالى : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم }3 .
وقوله تعالى : { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون }4 .
ونحو : شرف الصديق عليّ .
ونحو : قبح الرجل أبو لهب .
ونحو : خبثت المرأةُ حمالةُ الحطب .
فاعل نعم وبئس :
لفاعل نعم وبئس أربع حالات هي :
1 ـ
أ يكون معرفا بـ " أل " :
نحو
: نعم الصديق الكتاب . ومنه قوله تعالى : وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }5 .
وقوله تعالى : { نعم المولى ونعم النصير }6 .
وقوله تعالى : { والأرض فرشناها فنعم الماهدون }7 .
ومنه قول الشاعر :
نعم الفتى المريّ أنت إذا هم حضروا لدى الحجرات نارَ الموقد
فالوكيل ، والمولى ، والنصير ، والفتى ، جميها أفعال نعم معرفة بأل .
ومثال فاعل بئس : بئس القول الكذب .
ومنه قوله تعالى : { وبئس المصير }8 .
وقوله تعالى : { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان }9 .
ـــــــــــ
1 ـ
68 النساء . 2 ـ 73 الحج .
3 ـ
5 الكهف . 4 ـ 3 الصف .
5 ـ
173 آل عمران . 6 ـ 40 الأنفال . 7 ـ 48 الذاريات .
8 ـ
126 البقرة . 9 ـ 11 الحجرات .
ومنه قول الشاعر :
والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلا وأمهم زلاّء منطيق
فالمصير ، والاسم ، والفحل ، أفعال بئس معرفة بأل .
2 ـ
أن يكون مضافا إلى المعرف بأل :
نحو
: نعم عمل الطالب الاجتهاد .
فعمل : فاعل نعم مضاف إلى كلمة الطالب المعرفة بأل .
ومنه قوله تعالى : { ونعم أجر العاملين }1 .
ومنه قول الشاعر :
نعمت جزاء المتقين الجنة دار الأماني والمنى والمنة
ومنه قوله تعالى : { وبئس مثوى الظالمين }2 .
3 ـ
أن يكون ضميرا مميزا بنكرة ، أو بـ " ما " النكرة التامة بمعنى " شيء " نحو
: نعم صديقا المخلص . وبئس خلقا الأنانية .
ونحو : نعم ما محمد . أو : نعمّا محمد . بدغام ميم " نعم " في ميم " ما " .
ففاعل نعم وبئس في المثالين السابقين ضمير مستتر مميز بنكرة ، تقديره : هو صديقا .
ومنه قول الشاعر :
نعم امرءا هرم لم تعر نائبة إلا وكان لمرتاع لها وزرا
الشاهد : نعم امرءا هرم ، حيث جاء فاعل نعم ضمير مستتر تقديره : هو ، والتمييز :
امرءا ، وهرم مخصوص بالمدح .
ومنه قوله تعالى : إنها ساءت مستقرا ومقاما }3 .
وفي
المثال الثالث جاء فاعل نعم أيضا ضميرا مستترا ، ولكنه مميز بما التي بمعنى شيء ،
والتقدير : نعم هو شيئا .
4 ـ
أن يكون " ما " ، أو " من " الموصولتين :
ـــــــــــ
1
ـ 136 آل عمران . 2 ـ 151 آل عمران .
3
ـ 66 الفرقان .
نحو
: نعم ما قدمتَ الصدقةُ . وبئس من يسيء إلى وطنه مروج المخدرات .
فما
، ومن في المثالين السابقين أسماء موصولة ، وقع كل منهما فاعلا لنعم في المثال
الأول ،
وفاعلا لبئس في المثال الثاني .
ومنه قوله تعالى : { إن الله نعما يعظكم به }1 .
وقوله تعالى : { لبئس ما كانوا يصنعون }2 .
إعراب المخصوص بالمدح أو الذم :
1 ـ
الأصل في مخصوص نعم وبئس أن يتأخر عن الفعل وفاعله .
نحو
: نعم الخبر السار .
وفي
هذا التركيب للمخصوص وجهان من الإعراب :
أ ـ
السار : مبتدأ مرفوع ، والجملة من فعل المدح وفاعله في محل رفع خبر مقدم .
ب ـ
أو يعرب خبر مرفوع لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو السار .
2 ـ
إذا تقدم المخصوص على الفعل والفاعل . نحو
: محمد نعم الصديق .
محمد : مبتدأ مرفوع ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر .
أما
إعراب : حبذا الإخلاص ، ولا حبذا الكسل .
فهو
على النحو التالي .
حب
: فعل ماض مبني على الفتح لإنشاء المدح .
ذا
: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل .
الإخلاص : مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ، والجملة الفعلية قبله في محل
رفع
خبر .
ولتركيب لا حبذا نفس الإعراب ، غير أن " لا " تفيد النفي .
ـــــــــــــ
1 ـ
58 النساء . 2 ـ 63 المائدة .
تنبيهات وفوائد :
1 ـ
قد يأتي فاعل نعم ، أو بئس مضافا إلى المضاف للمعرف بأل .
نحو
: نعم حارس كرة القدم إبراهيم .
ومنه قول الشاعر :
فنعم ابن أخت القوم غير كاذب زهيرٌ حسام مفرد من حمائل
وقد
يضاف إلى نكرة .
نحو
: نعم رجل فضل خالد .
2 ـ
الأصل في فاعل نعم ، أو بئس إذا كان مميزا بنكرة أن يكون ضميرا مستتر ، غير
أنه يجوز أن يكون اسما ظاهرا .
نحو
: نعم القائد قائدا خالد بن الوليد .
نعم
: فعل المدح ، القائد : فاعل نعم مرفوع ، قائدا : تمييز منصوب بالفتحة .
خالد مخصوص بالمدح مبتدأ مرفوع ، والجملة الفعلية قبله في محل رفع خبر ، أو
خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو خالد ، ابن : بدل مرفوع ، وهو مضاف ،
الوليد مضاف إليه مجرور .
ومنه قول الشاعر :
نعم الفتاة فتاةً هندُ لو بذلت رد التحية نطقا أو بإيماءِ
3 ـ
ذكرنا سابقا أن فاعل نعم أو بئس يكون " ما " الموصولة ، ونستدل على ذلك من
الفعل الواقع بعدها ، والذي يكون مع جملته لا محل له من الإعراب صلة ما .
نحو
: نعم ما يؤديه المؤمن الصلاة في أوقاتها .
فما
موصولة ، وهي فاعل نعم ، ويلاحظ أنها جاءت متلوة بفعل ، والفعل وما في حيزه لا
محل له من الإعراب ، كما ذكرنا سابقا . غير أنه لا يشترط بمجيء الفعل بعدها أن تكون
موصولة ، فقد يتلوها الفعل ، وتكون نكرة موصوفة ، وتعرب عندئذ تمييزا ، وفاعل نعم ،
أو
بئس ضمير مستتر .
نحو
: نعم ما حثهم على العمل النصح السديد .
وقد
تكون أيضا في هذا الموضع كافة لا عمل لها ، وهي تشبه " ما " المتصلة ببعض
الأفعال التي ركبت معها على صورة معينة لا تفارقها .
مثل
: قلما ، وطالما .
وفي
هذه الحالة لا تحتاج نعم ، أو بئس إلى فاعل ، أو مخصوص ، وتكون " ما "
حرفا مصدريا . نحو : نعما يقوم به العامل المخلص .
4 ـ
وقد تأتي " ما " بعد نعم ، أو بئس متلوة بمفرد سواء أكان اسما ، أم ضميرا .
نحو
: بئس ما عملٌ بلا نتائج مجدية .
ومنه قوله تعالى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي }1 .
ففي
المثال الأول تكون " ما " نكرة تامة ، وتعرب تمييزا ، وهي مركبة مع الفعل تركيب
"
حبذا " ، وفاعل نعم ، أو بئس ضمير مستتر ، والمخصوص بالمدح ، أو الذم
الاسم الذي يليها وهو " عمل " .
والتقدير : بئس الشيء عمل .
وفي
المثال الثاني تكون "ما " معرفة تامة ، وتعرب فاعلا ، والمخصوص " هي " .
والمعنى : نعم الشيء هي .
وعندما نعتبر " ما " نكرة تامة تكون بمعنى " شيء " ، وعندما تكون معرفة تامة تكون
بمعنى " الشيء " . وفي الحالتين لا تحتاج إلى صلة .
5 ـ
وقد تأتي " ما " بعد نعم ، أو بئس غير متلوة بشيء ، فتكون في هذه الحالة معرفة
تامة أيضا ، وتعرب فاعلا ، لنعم ، أو بئس ، والمخصوص محذوف .
نحو
: فاز المتسابقون فوزا نعما .
فـ
" ما " في المثال السابق معرفة تامة ، في محل رفع فاعل ، ومخصوص نعم محذوف ،
والتقدير : نعم الشيء الفوز .
وقد
تكون " ما " في المثال السابق نكرة تامة ، وتعرب عندئذ تمييزا ، وفاعل نعم
ومخصوصها محذوفان .
ـــــــــــ
1 ـ
271 البقرة .
نحو
: فاز المتسابقون فوزا عظيما .
والتقدير : نعم هو شيئا الفوز .
6 ـ
تأتي " ما " نكرة تامة متلوة بجملة فعلية .
نحو
: نعما يوصيكم به .
فما
نكرة في محل نصب تمييز ، موصوفة بالجملة الفعلية بعدها ، ومخصوص نعم
محذوف ، والتقدير : نعم شيئا يوصيكم به ذلك القول .
وجاز أن تكون " ما " فاعلا ، والجملة بعدها صفة لمخصوص محذوف .
والتقدير : يوصيكم به نعم الشيءُ شيءٌ .
7 ـ
أرى من الأفضل في " ما " أن تكون نكرة تامة في كل الحالات في محل نصب على
التمييز ، ولا داعي لتشتيت الذهن ، وجعلها مرة نكرة تامة ، وأخرى معرفة تامة ،
وثالثة موصوله ، فإذا جاء بعدها جملة كما مر معنا أعربت الجملة صفة لها .
8 ـ
قد يحذف المخصوص فهم من سياق المعنى .
نحو
قوله تعالى : { نعم العبد إنه أواب }1 .
فحذف المخصوص " أيوب " لدلالة سياق الكلام عليه في أول القصة .
ومنه قوله تعالى : { والأرض فرشناها فنعم الماهدون }2 .
والتقدير : نعم الماهدون نحن .
وقوله تعالى : { فنعم عقبى الدار }3 . والتقدير : عقباهم .
ــــــــــــ
1 ـ 30 ص . 2 ـ
48 الذاريات .
3 ـ 24 الرعد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..