الثلاثاء، 10 أبريل 2012

إلى روح غازي القصيبي





يتقلب رواد الإسلام السياسي في السعودية بين مواقف متناقضة وكل مرة يجدون ما يبررون فيه تناقضاتهم. قد يبدو هذا مقبولا لشاب يافع
يتلمس خطاه. لكنها بالتأكيد مكشوفة لمثقف مثل الراحل القصيبي.
 
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عبدالعزيز الخميس
عاصرت غازي القصيبي إبان عمله سفيرا سعوديا في لندن، وتابعت عن قرب المعركة التي أثيرت حوله من قبل الاسلامويين السعوديين وتعميدهم له كزعيم لتيار العلمانيين والليبراليين السعوديين، والحقيقة ان القصيبي لم يكن يوما ليبراليا، اذ أن من أهم شروط الليبرالية ان يتخلص صاحبها ويبتعد عن خدمة الانظمة التي لا تؤمن بالحريات السياسية.
من ابرز اعداء القصيبي ومتهميه كان الشيخ سلمان العودة الذي لم يبق وطلابه وتابعيه اي شيء حسن في القصيبي بل جعلوا منه مثالا صارخا للضحية التي ينهش اصحاب الاسلام السياسي في سمعتهم.
كان القصيبي - وهذه شهادة مني عبر موقف كان بيني وبينه واختلفنا بسببه - خادما مطيعا لقيادته ومنفذا لأوامرها وحريصا على النظام السياسي السعودي.
لم يكن يوما محبا للانظمة الغربية. وحتى علاقته مع البريطانيين اثناء عمله بينهم سفيرا كانت متوترة، ومشوبة بنوع فريد من التشنج من قبل سفير عربي بل وخليجي، إذ كان القصيبي يتعالى على البريطانيين ويعاملهم بشيء من الأنفة، ودائما ما يشكك في نواياهم ويعتبرهم براجماتيين يحتاجون الخليج والعرب اكثر مما يحتاجهم العرب.
كان ملتزما بالقضية الفلسطينية اكثر من بعض الفلسطينيين الذين يلتزمون حاليا بقضايا خليجية وكأن القضية الفلسطينية غير مهمة بالنسبة إليهم، بل أنتقد كثير من الفلسطينيين لأنهم ينضمون الى الادوات الاعلامية التي توجهها الانظمة الخليجية في صراعها بين بعضها البعض ومع الاخرين.
سخر القصيبي من الاندفاع القطري وعدائه للسعودية وكنا حين نزوره في اربعائيته في السفارة السعودية في لندن يسألنا عن اخر اخبار معارك الاعلام القطري ضد بلاده ثم يقهقه بصوت عال ويقول لا تردوا عليهم، دعوهم، يوما ما سيعودون الى أخًوتهم لكم، ما بين الخليجيين لا تمحيه الة دعائية فلسطينية او مصرية او غيرها مدعومة من قطر.
لا سبيل لقطر الا ان يهدأ غضب اميرها، وان تعرف ان الاميركيين لن يكونوا صمام امنها بل اخوتها في الخليج هم الدعامة والعمق الاستراتيجي للقطريين.
ذهبت السنون وغاب القصيبي عن المسرح السياسي والحياة لكن بقيت كلماته عن ان قطر ستعود لعلاقتها مع السعودية. وهذا ما حصل اسكتت قطر مدافعها الاعلامية واصبح النظام السعودي شقيقيا عملا وقولا، بعد ان كان نظاما عميلا وضد مصالح العرب.
ما يجعل روح القصيبي حاضرة في وقتنا الحالي ان موقفه من سلمان العودة واسلاميي الصحوة او السروريين كان صحيحا وقويا وواضحا. مات كالطود الرفيع وتغيروا وتنقلوا بين التيارات وتلونوا من طاعة ولي الأمر لمعاداته لطاعته ثم معاداته، بينما هو بقيت حروفه شاهدة على قوة الشخصية ووضوح الرؤية.
تغيروا لأنهم حزبيون وطماعون في سلطة ورفعة بينما كان رجل علم وادارة يعرف جيدا ان المناصب تكليف لا تشريف. بالطبع لا ننسى انه ابن عائلة ثرية لذا لم يكن كسب الاموال هدفه، بل حسن القيام بالمهام ديدنه رحمه الله.
وصم القصيبي يوم ان أُبعد عن الوزارة بأبشع الصفات لمجرد انه نبه الملك فهد الى ان بعض ممن يحيط به ليسوا سوى منافقين لا يحسنون رؤية صالح البلاد والعباد، وابتعد الى البحرين ثم لندن حيث استراح وقتا لم يطول ليعرف النظام انه يحتاجه للمساعدة في اصلاح ما دمر خلال فترة مرض الملك فهد حيث عاثت الطفيليات المتملقة بخزانة الدولة.
في الوقت نفسه كان الحزبيون الاسلامويون يتغيرون ليصبح غازي القصيبي صديقاً حميماً لسلمان العودة، ووضع الشيخ الجليل يده في يد من كانت آلته الدعائية تقول عنه أنه العلماني ممثل الغرب الكافر في السعودية.
في شريطه المعروف "الشريط الاسلامي، ما له وعليه" يصف سلمان العودة علماء الشيعة بأنهم علماء ضلال، واليوم يستضيف العودة علماء مثل حسن الصفار وغيره، بل ويدعوهم لملتقى النهضة ويعتبرهم من ادوات النهضة.
في ذلك الشريط عاب العودة على القصيبي تعرضه للعلاقات الدولية، وامور التنمية وهو اليوم يتحدث عن الاسكان وغير ذلك. نسي أنه شيخ دين لا تنمية. وكأن العودة في تلك الايام وربما لا يزال يرحب بولايه الفقيه حيث هو وحده أعلم بصالح الناس. وهو يستمر في ميدان التطرق لكافة امور الحياة في ترسيخ لفكرة انه من المنادين بولاية الفقيه السني وابعاد الاخرين عن الشأن العام في اقصائية غريبة.
سبحان الله، ما ان يقترب الاسلاموي من السياسة حتى يصبح قافز حواجز بارع ومتنقلا بين المواقف السياسية.
ما يجعل السعوديون يحترمون الشيخ ابن باز رحمه الله، على رغم ان بعض مواقفه السياسية لا تروق للبعض، هو ان الشيخ ثابت والحركيين متحركون، وعلى الرغم من تبريرات الاسلامويين واستعمالهم المتزايد لما يسمونه بفقه المصالح، وحتمية التغير وعدم الثبات على موقف، بل وايضا تمييع الثوابت الخاصة بهم وصب الرصاص لتجميد الرؤى حول اعدائهم. لم ينفع كل هذا الجهد في ان ينفي عنهم صفة الميكافليين، حيث الغاية تبرر الوسيلة.
في التسعينات ومن على منبر عال أتهم الشيخ ناصر العمر القصيبي بانه علماني، وعلى الرغم من ان الاخير اصدر كتابا تحت عنوان "حتى لا تكون فتنة" ثبت فيه انه غير علماني وطالب العمر بالاعتذار. إلا ان الشيخ والى يومنا هذا لم ينبس ببنت شفة، وكأن كلامه مقدس ولا يستطيع نسخه وتبيين خطأه.
تعالوا الى الشيخ عايض القرني وكتابه "سهام في عين العاصفة" وما ذكره ضد القصيبي وردا على قول القصيبي ان الفتوى تتغير بتغير الأزمنة، والاتهامات الساخنة ضده، اين يقف القرني اليوم وكيف قفز الحواجز ببراعة ليصبح متبنيا للتغيرات ليست في الفتاوى بل والسياسة.
كم من شاب غرر به واتجه للتطرف ليجد من غرروا به يتغيرون ويصبحون من المشجعين للبس العقال وتغير العقول والفتاوى.
رحم الله القصيبي الذي ختم حياته بقوله:
أنا بين القبور ألمّ عمري
وأنتَ ذبالةٌ خلفَ الضبابِ
فرغتَ من العذاب، وعدتُ وحدي
أكابدُ ما تبقّى من عذابي.
عبد العزيز الخميس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..