السبت، 21 أبريل 2012

الجفري وبعده مفتي مصر وصلاة خاشعة في القدس!!


بشرنا الشيخ حبيب الجفري في حوار تلفزيوني بأنه صلى صلاة خاشعة في المسجد الأقصى، فيما علمنا أن مفتي مصر (علي جمعة) قد أدى ركعتين في المسجد، لكن أحدا منهما لم يخبرنا ما الذي ستفعله صلاته للمسجد المحاصر بالمستوطنات والمهدد بجحافل المتطرفين اليهود. وكان لافتا حديث الجفري عن الأسف بسبب عدم وجود مصلين في المسجد، لكنه تجاهل على ما يبدو ما جرى للمنطقة المحيطة بالمسجد من عمليات تهويد وتهجير للسكان الفلسطينيين، فضلا عن حقيقة أن الوصول إلى المسجد دونه خرط القتاد بالنسبة لأهالي الضفة الغربية، لاسيما الشباب منهم، خلافا لأمثاله من زوار الخارج المرحب بهم إسرائيليا تبعا لما تعنيه زيارتهم من كسر للحاجز النفسي وتشريع للاحتلال. ولم ينس الجفري القول إنه لم يحصل على تأشيرة إسرائيلية تبعا لترتيب زيارته (كذلك زيارة الشيخ علي جمعة) من قبل السلطات الأردنية.

أعاد علينا الجفري بالطبع خلاصة الفتوى التي صاغها وزير أوقاف السلطة (محمود الهباش) حول أن الدعوة النبوية لزيارة القدس كانت إبان وجوده تحت حكم الرومان، فضلا عن زيارة البيت الحرام وهو تحت ولاية المشركين.

لقد قلنا مرارا إننا إزاء قضية سياسية وليست فقهية تقليدية. والقضية السياسية كما يعرف أهل العلم إنما تعالج ضمن نظرية درء المفاسد وجلب المصالح. وفي تقدير الرافضين أن مفاسد فتح الباب أمام زيارة المسلمين للقدس هي الأكبر.

هل إن تشريع المحتل بالحصول على تأشيرته لدخول المدينة أمر يسير، بما ينطوي عليه من تطبيع وتحويل لمسار علاقة العرب والمسلمين من علاقة بمقدسات ينبغي تحريرها إلى علاقة سياحية؟!.

أما البعد المالي المتعلق بدعم المقدسيين فيبدو واهيا هنا، ليس فقط لأن دعمهم يمكن أن يتم بغير الطرق السياحية عبر الدعم المباشر، بل أيضا لأن عوائد السياحة إنما تصب في جيب المحتل، لاسيما أن المجموعات السياحية لا تتوقف في القدس إلا لساعات ثم تذهب نحو الساحل الفلسطيني والمدن الأخرى المحتلة عام 48 وفنادقها ومنتجعاتها السياحية!!.

الأسوأ بالطبع هو الحديث عن حماية المدينة التي لا تبدو مقنعة بحال، لأن المحتل يمنع الشبان الفلسطينيين من الوصول للمسجد أيام الجمع، أو في المناسبات التي يتعرض فيها لهجمات المتطرفين اليهود. وليس ثمة عاقل يعتقد أن زيارة القدس والأقصى (من سياح العرب والمسلمين) ستحول دون تهويدها. وإذا صحَّ ذلك، فمن سيمنع المحتلين من منعها. ونتذكر مثلا كيف أصبحت الزيارات بالغة الصعوبة إبان انتفاضة الأقصى بعد مشاركة شابين بريطانيين من أصول باكستانية في تنفيذ عملية عسكرية ضد الاحتلال، كما رأينا منع المتضامنين الأجانب من الدخول قبل أيام، بل إن الشيخ الجفري نفسه قد منع من دخول الخليل لزيارة الحرم الإبراهيمي.

لا ننسى في المقابل ما يمكن أن ينطوي عليه فتح الباب على مصراعيه للزيارة من منح المحتل فرص تجنيد العملاء وإحداث الاختراقات في المجتمعات العربية والإسلامية، هو الذي يعرف عنه التمرس في هذا المضمار. ونتذكر هنا أن نظام كامب ديفيد نفسه قد تحفظ عمليا على فتح ذلك الباب خوفا من البعد المشار إليه.

مع ذلك لا بأس من مناقشة الأمر في البعد الآخر الذي تحدث عنه الجفري ومن قبله الهباش. ومن ثم السؤال: أين التشابه بين واقع الدول في العهد القديم وبين واقعها الراهن؟ هل كان زائر القدس في عهد الرومان (هذا قبل فتحها) بحاجة إلى تأشيرة منهم، أم أن سيولة البشر بين الحدود كانت عادية للجميع؟! ثم إن القدس لم تكن في حينه من ديار المسلمين ثم احتلت وسيطرت عليها دولة أخرى.

أما المقارنة مع زيارة المسجد الحرام، فلا مقارنة أيضا، لأن الأخير لم يكن قد تحرر ثم احتله المشركون، وإنما كان تحت ولايتهم، وكان المسلمون يعودون إلى ديارهم التي أخرجوا منها، وهنا نذكِّر بأن الشيخ القرضاوي قد استثنى الفلسطينيين من فتوى الزيارة للقدس وخصَّ بها العرب والمسلمين (نكرر استثنى الفلسطينيين لمن سيرددون أسئلة دأبوا عليها عند التطرق لهذا الأمر).

نشير هنا مرة أخرى إلى أن رفض الزيارة ليس موقف العلماء ومنهم علماء الأزهر، فضلا عن الشيخ القرضاوي المستهدف بالهجوم بسبب تأثيره الواسع، بل هو رأي البابا شنودة أيضا الذي أكدته من جديد الكنيسة القبطية بعد وفاته، وبالطبع في سياق من رفض التطبيع، كما أنه رأي مشايخ الداخل الفلسطيني، وفي مقدمتهم رابطة علماء فلسطين، والشيخ عكرمة صبري الذي ندد بزيارة الجفري ومعه جهات فلسطينية كثيرة باستثناء جماعة السلطة (وحركة فتح مع الأسف الشديد)، وكذلك رأي الشيخ رائد صلاح وإخوانه في الحركة الإسلامية عام 48، والذين لا يمكن لأحد المزايدة عليهم في حب الأقصى والحرص على حمايته، ومعه القدس وسائر المقدسات. وبعد ذلك كله هو رأي الأحزاب والنقابات المناهضة للتطبيع بشتى ألوانها في العالم العربي.

سؤال على الهامش: لماذا تمنع سلطات الاحتلال الشيخين رائد صلاح وعكرمة صبري من زيارة المسجد الأقصى، بينما ترحب بزيارة الشيخين الجفري وعلي جمعة (أجيبونا يا دعاة التطبيع أو السياحة “المجاهدة”؟!).

وحدهم رموز التنسيق الأمني وحملة بطاقات الفي آي بي من المحتل وحدهم الذين لا يجدون غضاضة في التشجيع على التطبيع عبر الدعوة لزيارة العرب والمسلمين. ولو كانوا مخلصين للقدس وأقصاها لسمعنا دعواتهم لإطلاق انتفاضة عارمة ضد تهويدها تلتحم بها جماهير الأمة من الخارج ليكون التحرير وليس السياحة والتطبيع والاختراق.
التاريخ : 20-04-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..