الخاطئة لفئة من المعبرين، كما سيأتي.
فأولاً: يطلق على تفسير الرؤى: (التعبير)
كما في قوله تعالى: (إن كنتم للرؤيا تعبرون)، كما يطلق عليه (التأويل) -وهو
الغالب في النصوص الشرعية- كما في قوله تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ}
وقوله جل وعلا: { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} ولفظ (التعبير) أخص
من لفظ (التأويل) لكون التأويل يحتمل عدة معان.
قال الراغب في المفردات ص(320): "والتعبير
مختص بتعبير الرؤيا، وهو العابر من ظاهرها إلى باطنها نحو: (إن كنتم للرؤيا
تعبرون) وهو أخص من التأويل فإن التأويل يقال فيه وفى غيره"
ثانياً: تعبير الرؤى علم مستقل له قواعده
وضوابطه، سماه الله علماً، كما في قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ
رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } وقوله جلَّ وعلا: {
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الْأَحَادِيثِ }
قال الطبري: "{ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ }، يعني: من عبارة الرؤيا".
وإذا
أُطلق العلم في الكتاب والسنة فالمراد به العلم الشرعي، ولذا فهو من جملة
العلوم الشرعية الشريفة، التي يمكن أن تُتعلم وتكتسب، وليس كله مجرد إلهام
كما قد يعتقد البعض.
قال النووي تعليقاً على قوله صلى الله عليه
وسلم لأصحابه -كما في صحيح مسلم: (من رأى منكم رؤيا): "وفي الحديث الحث
على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها".
وقال
السعدي في بيان بعض العبر والفوائد التي اشتملت عليها قصة يوسف عليه
السلام: "ومنها: أن فيها أصلا لتعبير الرؤيا، وأن علم التعبير من العلوم
المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده...
ومنها: أن علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه".
وقال
ابن القيم في زاد المعاد (3/615-616) عند ذكر أحد شيوخه المبرزين في
التعبير وهو أبو العباس المقدسي المعروف بالشهاب العابر: "وهذه كانت حال
شيخنا هذا، ورسوخه في علم التعبير، وسمعتُ عليهِ عدة أجزاء، ولم يتفق لي
قراءةُ هذا العلم عليه لصغر السن واخترام المنية له رحمه الله تعالى".
ثالثاً: توارد علماء الحديث على عقد أبواب
للرؤيا في مصنفاتهم الحديثية، يذكرون فيه ما أُثر عن النبي صلى الله عليه
وسلم في ذلك، حيث أشار عليه الصلاة والسلام إلى أمور وآداب مهمة في هذا
الباب، يجب مراعاتها، والوقوف عندها، ومنها:
أ = أن الرؤيا، بشارة أو نذارة، ولا يترتب
عليها حكم شرعي، وأنها ثلاثة أقسام، ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من
الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم
ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس).
والذي يُعبر من هذه الثلاثة: الرؤيا الصالحة فقط، كما سيأتي.
ب = إرشاد الرائي إلى ما ينبغي فعله إذا رأى ما يحب أو يكره.
فعند رؤيته ما يحب:
1-يحمد الله عليها. 2-يستبشر بها. 3-لا يحدث بها إلا من يحب.
يدل
على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ
مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا).
وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة،رضي الله
عنه، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
(الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا
يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ).
وفي رواية لمسلم: (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب)
وعند رؤيته ما يكره:
1-يستعيذ من الشيطان ثلاثاً. 2-يستعيذ بالله من شر ما رأى.
3-يبصق عن يساره ثلاثاً. 4-يقوم فيصلي.
5-يتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر.
6-لا يحدث بها أحدا.
يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما
في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: (وَإِذَا رَأَى غَيْرَ
ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ
مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ).
وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة، قال
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ
وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ
تَضُرَّهُ).
وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها
فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه
الذي كان عليه).
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (...فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس).
ج
= في الرؤيا الصالحة قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فَلَا يُحَدِّثْ
بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ) يعني بما رأى، وذلك خشية أن تعبر بما يكرهه
فيُحزنه ذلك ويضر به، أو أن تكون سببا في حسده والنكاية به إذا قصها على
عدو أو حاسد، ولذا قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام: {يَا
بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
قال أبو عبد الله القرطبي: "هذه الآية أصل في ألا نقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها".
وقال
ابن كثير: "خشي يعقوب، عليه السلام، أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته
فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدا منهم له؛ ولهذا قال له: { لَا
تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} أي:
يحتالوا لك حيلةً يُرْدُونَك فيها".
د = وفي الرؤيا السيئة قال صلى الله عليه
وسلم: (وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) لأن
الأصل فيها عدم التعبير، فهي تحزين من الشيطان، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم في ذكر أقسام الرؤيا : (ورؤيا تحزين من الشيطان) فهو يحب إحزان
المؤمنين كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ
لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا
بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
ولألا تفسر على ما يكره فيقع الحزن في قلبه، أو يقع التعبير إذا وافق الصواب فيلحقه ضرر بذلك.
وأما
الجزم بأن النهي في كلا الحالين -الرؤيا الصالحة والرؤيا السيئة- لألا
تعبر على ما يكره الإنسان فيقع الأمر على وفق التعبير، لأن الرؤيا إذا عبرت
وقعت كما في الحديث، فهذا فيه نظر، والحديث الوارد في ذلك فيه تفصيل ليس
هذا مجاله، والله أعلم.
رابعاً: أشار أهل العلم إلى أن المعبر لا
بدَّ من أن يكون ملماً بعدة علوم، كما قال ابن العربي في عارضة الأحوذي:
علم التعبير لا يكون إلا لمتبحرٍ في العلوم كلها، فتفسير الرؤيا لا يستمد
من بحر واحد؛ بل أصله الكتاب والسنة وأمثال العرب وأشعارها والعرف والعادة.
وقال ابن قتيبة في كتابه (تعبير الرؤيا): "وليس فيما
يتعاطى الناس من فنون العلم، ويتمارسون من صنوف الحِكم، شيء هو أغمض وألطف،
وأجل وأشرف، وأصعب مراداً، وأشد إشكالاً من الرؤيا؛ لأنها جنس من الوحي،
وضرب من النبوة....
ولأن كل عالم بفن من العلوم يستغني بآلةِ ذلك العلم
لِعلمه، خَلا عابر الرؤيا، فإنه يحتاج إلى أن يكون عالماً بكتاب الله عز
وجل، وبحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعبرهما في التأويل، وبأمثال
العرب، والأبيات النادرة، واشتقاق اللُّغة، والألفاظ المُبتذلةِ عند
العوام.
وأن يكون مع ذلك؛ أديباً لطيفاً ذكياً عارفاً بهيآت الناس وشمائلهم وأقدارهم وأحوالهم، عالماً بالقياس، حافظاً للأصول".
وبعد
هذا العرض الموجز أنفذ إلى ما أردت الحديث عنه مما يُعد نازلة في هذا
الوقت، وهو التوسع الكبير في تعبير الرؤى، حتى أضحت القنوات الفضائية -التي
توصف بأنها إسلامية، وغيرها- تتسابق إلى استضافة أولئك المعبرين، لكون ذلك
مصدر ربح وفير!!، بل ثمة قنوات تخصصت في هذا المجال، وليس موضع النقد مجرد
التأويل أو التعبير، فذلك علم شريف -كما تقدم- يمن الله تعالى به على من
يشاء من عباده، إنما محل النقد كون ذلك عبر القنوات الفضائية، وكون كثير
ممن تصدر لذلك غير مؤهلين، -راموا الشهرة أو التجارة، فاتخذوا التعبير حرفة
يكتسبون من خلالها- ولذا كثرت تجاوزاتهم ومخالفاتهم ، وسأشير إلى شيء من
ذلك، فيما يأتي.
وقبل الحديث عن ذلك إليك أخي الكريم نماذج مما أمكنني تذكره مما رأيت وسمعت -ولا أقول: حُدثت- من حلقات يسيرة اطلعت عليها.
-سائلة: فضيلة الشيخ: رأيت في المنام ...
الشيخ!: أنتِ مصابة بمرض منذ خمس سنوات وأشهر.
السائلة: عفوا يا شيخ عندي مرض منذ عشرين سنة.
الشيخ: نعم بدايته منذ عشرين سنة، لكن شدته منذ خمس سنوات وأشهر كما قلت لك؟!.
-سائلة أخرى: رأيت يا شيخ في المنام ...
الشيخ: عندك مرض منذ سبع سنوات؟.
السائلة: لا يا شيخ منذ سنة فقط.
الشيخ: أنت لم تشعري به إلا منذ سنة فقط، لكن بداياته منذ سبع سنين كما قلت لك!!.
[لاحظ أخي الكريم: في المثال الأول حددت السائلة
موعداً أبعد من تحديده، وفي المثال الثاني حددت السائلة موعداً أقرب من
تحديده، وفي كلا الحالين يصر المعبر على صحة تعبيره، بأسلوب فيه تحايل
وتلبيس]
-سائلة أخرى: رأيت يا شيخ ...
الشيخ: أنت تحسنين الطبخ؟
السائلة: عادي مثل غيري.
الشيخ:
لا أنت تحسنين الطبخ وخاصة طبخ العريكة! وقد أُصبت بالعين، وسأصف لك رجلاً
تعرفينه، هو الذي أصابك بالعين، وأستحلفك بالله ألا تذكري اسمه على
الهواء!! لكن خذي من أثره وستشفين بإذن الله، هو طويل، كث اللحية، واسع
العينين، كثير الصمت، انطوائي، لا يحب الاختلاط بالناس، هل عرفتيه؟!!
السائلة: نعم يا شيخ!!!.
=شيخ آخر
-سائلة: رأيت يا شيخ ...
الشيخ: أنت لك أعداء كثيرون؟
السائلة: عفواً يا شيخ ليس لي أي عدو، علاقتي بالناس ممتازة.
الشيخ: ألا يوجد أحد من أسرتك أبدى إعجاباً ما في شيء من أمورك؟
السائلة: لا أتذكر شيئاً من ذلك.
الشيخ: إذاً فيك مس من الجن فعليك بالرقية!!!
-سائلة أخرى: رأيت يا شيخ ...
الشيخ: أنت مسحورة، والذي سحرك الشغالة!
السائلة: ما عندنا شغالة يا شيخ.
الشيخ: ما يلزم أن تكون عندكم شغالة، قد تكون شغالة أهلك أو أحد إخوانك.
السائلة: كلهم يا شيخ ما عندهم شغالات.
الشيخ: الرؤيا تشير أنك تتعرضين لسحر من جهة شغالة فستأتيكم شغالة وستحاول سحرك فاحذريها بارك الله فيك!!!
وبعدُ أخي الكريم إليك بعض ما سجلته من ملاحظات على معبري الفضائيات:
1-إصرار
عجيب على صحة التعبير، وكأنه وحي من الله تعالى، مع أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لشيخ المعبرين -أبي بكر رضي الله عنه- كما في الصحيحين من
حديث ابن عباس، عندما عبر رؤيا بين يديه ثم قال: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا)
قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي
أَخْطَأْتُ، قَالَ: (لَا تُقْسِمْ).
وكان ابن سيرين إذا عبر رؤيا قال: "إنما أُجيب بالظن، والظن يخطىء ويصيب".
وعن
قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ
مِنْهُمَا} قال "إنما عبارة الرؤيا بالظن فيحق الله ما يشاء ويبطل ما
يشاء".
2-زرع الوساوس والشكوك والأمراض النفسية في قلوب الناس، فهذا مصاب بالعين، وآخر بالسحر، وثالث بالحسد، ورابع بالمرض ...
3-إفشاء
العداوة بين الناس لا سيما الأقارب، وذلك عندما يُشعر المعبر السائل بأن
الذي أصابه بالعين قريبه، وربما حدده كأن يقول ابن عمك، أو أختك أو نحو
ذلك.
4-كثيراً ما يقول أحدهم: ضع يدك على بطنك،
أو صدرك، وقل: حسبي الله على من آذاني، أو سحرني، أو حسدني ... فيفعل
المتصل، فيسأله بعد ذلك المعبر: حصل عندك خوف ورعشة وخفقان؟ فيقول: نعم،
فيقول المعبر مسروراً: هذا دليل صحة ما أقول من أنك مصاب بالسحر أو العين،
فعليك بالرقية...
وأقول: بطبيعة الحال أن كثيراً ممن يوهم
بأنه مسحور أو معيون ويطالب بهذا الفعل أن يحصل عنده هذه الأعراض مهما كانت
قوته، لأنك فاجئته بأمر عظيم، بل إني أقول: لا يبعد أن يتلبس الجن به في
مثل هذه الحال، لأنه يعيش خوفاً شديداً، وانهياراً واضحاً، وتلك حال يسهل
على الجان النفوذ من خلالها كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى.
5-تعبير بعضهم كل رؤيا، مع أن النبي صلى
الله عليه وسلم أخبر أن الرؤيا ثلاث -كما تقدم- والذي يعبر منها قسم واحد،
وهو الرؤيا الصالحة، فحديث النفس لا يعبر، والتي من الشيطان لا تعبر أيضاً.
وفي صحيح مسلم عن جابر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال لأعرابي جاءه فقال: إني حلمت أن رأسي قطع فأنا
أتبعه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في
المنام).
وفي رواية قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج
فاشتدت على أثره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (لا تحدث
الناس بتلعب الشيطان بك في منامك).
والعجب لا ينتهي عندما ترى بعض هؤلاء
المعبرين يعبرون كل رؤيا، وابن سيرين رحمه الله -كما أُثر عنه- يُسأل عن
مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: "اتق الله وأحسن في اليقظة،
فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم" فهل تجاوز هؤلاء علم ابن سيرين في
التعبير؟!.
6-يتشبه بعض هؤلاء المعبرين بالكهنة والعرافين ومدعي
علم الغيب، وربما كان لهم رئي من الجن، فتجد أحدهم يحدد مكان ما يزعم أنه
دليل السحر بشكل دقيق، ويجزم بذلك، كأن يقول -كما سمعت ورأيت-: تجد في بيتك
يمين باب الرجال للخارج عند العتبة حشرات -ويحدد نوعها- تخرج من الأرض
بشكل كبير!!
وربما وصف شخصاً كأنه يراه على أنه العائن أو الساحر، وقد قال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من تكهن أو تكهن له).
ولست
أنكر هنا أن الرؤيا -كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم- (جزء من ستة
وأربعين جزءاً من النبوة) وأنها قد تكشف عن أمر مستقبل، إنما الإنكار
متوجه للمبالغة في التحديد مع الجزم بذلك من قِبَل المعبرين، وأيضاً فليس
كل من صدق في حديث عن غيب كان ذلك من أجزاء النبوة، أو كان دليلاً على
صلاحه واستقامته، وإلا لكان الكهان كذلك.
7-من مساوئ التأويل عبر القنوات الفضائية
أن المعبر قد يستفصل في الرؤيا وحال الرائي، وقد يكون ذلك محرجا للسائل،
كأن يكون الاستفصال متعلقاً بأسرار معينة، وربما تفاصيل زوجية خاصة، لا
يحسن أن يسمعها كل أحد، وقد رأيت من يسأل المرأة عن معاشرة زوجها لها،
فتصور موقفها عندما تسأل وهي بين أهلها أو أقاربها، أو كونهم يسمعون ذلك،
كيف أثره على ذلك البيت، علماً أن الرؤيا تخص الرائي دون غيره، فليست
كفتاوى العبادات أو المعاملات التي قد يستفيد منها السامع، وعليه فلا حاجة
إلى أن تكون عبر الفضائيات.
9-وأيضاً مما يعين على التعبير الصحيح معرفة حال
الرائي، وهذا قد لا يتسنى للمعبر من خلال الفضائيات، فالرؤيا المعيَّنة قد
يراها اثنان ويختلف تعبيرها بناءً على اختلاف حال الاثنين.
قال البغوي في شرح السنة (12/224): "وقد يتغير التأويل عن
أصله باختلاف حال الرأي، كالغل في النوم مكروه، وهو في حق الرجل الصالح قبض
اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر: يصيب
سلطانا، فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين قال: رأيت في المنام
كأني أؤذن، قال: تحج.
وسأله آخر، فأول بقطع يده في السرقة، فقيل
له في التأويلين، فقال: رأيت الأول على سماء حسنة، فأولت قوله سبحانه
وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} ولم أرض هيئة الثاني ، فأولت
قوله عز وجل: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ
لَسَارِقُونَ} ".
وقال علي القاري في مرقاة المفاتيح:
"والحاصل أن الرؤيا مختلفة باختلاف الرائي، فإنه قد يكون سالكا من مسالك
طريق الدنيا، وقد يكون سائراً في مسائر صراط العقبى، فلكل تأويل يليق به،
ويناسب بحاله ومقامه، وهذا أمر غير منضبط، ولذا لم يجعل السلف فيه تأليفا
مستقلا جامعا شاملا، كافلا لأنواع الرؤيا، وإنما تكلموا في بعض ما وقع لهم
من القضايا".
10-مما يثير الشكوك حول أولئك المعبرين:
ترويجهم لأنفسهم، وإصرارهم على صحة تأويلهم، وتباهيهم بذلك، واشتراط المال
على التأويل -وذلك باتفاقهم مع شركات الاتصالات، أو ملاك القنوات-، ودفاعهم
عن متصليهم، فهل عُهد مثل ذلك عمن عُرف بالتعبير من المتقدمين؟!.
قيل لأحدهم: ما بال أكثر المتصلين من النساء؟ فأجاب: النساء أدق فهماً، وأكثر تركيزاً، وأشد عناية بالتفاصيل...!!
قلت: أما العناية بالتفاصيل فقد صدق، وأما غير ذلك فيشاركها الرجال أيضاً.
وأختم بتذكير إخواني من المعبرين بتقوى
الله تعالى، فالتعبير فتوى كما في قول الله تعالى: {قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي
فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } ولا يجوز أن يتصدر للفتوى إلا متأهل، وقد قيل
للإمام مالك: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: "أبالنبوة يلعب؟!".
وقال السعدي: "تعبير المرائي داخل في
الفتوى، لقوله للفتيين: {قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }
وقال الملك: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } وقال الفتى ليوسف: { أَفْتِنَا
فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ } الآيات،.فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير
علم".
وليتق الله ملاك القنوات الفضائية ممن
تستضيف أمثال هؤلاء، فلم يقتصر الأمر على مجرد الجرأة على التعبير، بل
تجاوزه إلى مفاسد كثيرة، كتشكيك الناس في أنفسهم ومن حولهم، وإفساد ذات
البين، ونحو ذلك.
وأذكر إخواني السائلين عن التعبير ألا
يتعلقوا كثيراً بالرؤى، فإنها ليست معصومة، وهي أنواع -كما تقدم- وقد يصعب
التمييز بينها، كما أوصيهم ألا يسألوا كل من تصدَّر، وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم مبيناً الشروط التي ينبغي توفرها في المعبر: (ولا تحدثوا
بها إلا عالماً أو ناصحاً أو لبيبا) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وحسنه
الحافظ في الفتح.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (لا
تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) أخرجه الترمذي وقال:"حديث حسن صحيح"
وقال الألباني: "إسناده على شرط الشيخين".
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
سليمان بن محمد الدبيخي http://lojainiat.com/main/Conten
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..