بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
30 الحجة 1431 هـ صحيفة الوطن
مع كامل احترامي وتقديري للزملاء الذين كتبوا في قضية العاملة المنزلية الإندونيسية سومياتي سلام التي شوهتها ربة المنزل السعودية في المدينة المنورة، وانحازوا بكون الحادثة
فردية، وأنها لا تمثل المعاملة المتسامحة التي تلقاها هاته العاملات في مجتمعنا؛ إلا أنني أميل بوجود ثقافة مجتمعية عريضة؛ فيها شيء من العنصرية واللا إنسانية تجاه الخدم والخادمات للأسف الشديد، عبر ما يتواتر إلينا من أخبار، وما نشاهده في محيطنا الاجتماعي القريب، معترفاً بوجود تعامل كريم من شريحة كبيرة من عائلاتنا تقوم بمعاملة الخدم بطريقة إنسانية، إلا أن نسبة من تمتهن كرامة أولئك الخدم الأكثر.
أي مصيبة أو بلاء يحدث في بيوتاتنا؛ تنصرف أذهاننا إلى أنهن السبب في ذلك، وأرجوكم تابعوا أطفالكم كيف يعاملون العاملات المنزليات لديكم، وانتبهوا إلى البنت اليافعة إذا أضاعت قرطها أو شيئاً من أغراضها بسبب إهمالها؛ تتهم منْ مباشرة؟ دعوكم من سيدات البيوت اللواتي يتفنن ويوغلن في الشك بهن، عبر الريبة وسوء الظن، وأنهن يقمن بإغواء أزواجهن أو سحرهن، فتقابل الزوجات ذلك بسادية الأنثى المأزومة عبر إيذاء نفسي رهيب لتلك العاملات.
وفوق كل ذلك، تُحبس هذه العاملة داخل البيوت مدة مكوثها وعملها، دون أن تحظى بأي يوم إجازة، ولا مواعيد عمل لها؛ فهي لا تخضع لنظام عمالي يحدد لها مواعيد العمل، فهن تحت تصرف كل أفراد الأسرة من صغيرها لكبيرها، من الصباح حتى ساعات الليل الأخيرة، فيستخدمها الصغير والكبير، والذكر والأنثى دون أي شعور بأن هذه الخادم إنسانة لها طاقة محددة، وإن تأخرت بسبب إعيائها نالتها الشتائم والأذى النفسي غالبا، وتمتد أحيانا إلى الأذى الجسدي.
صحيح؛ هناك شريحة لا يستهان بها من هؤلاء العاملات يقترفن الأخطاء، ويمارسن السحر، وأذية وإهمال الأطفال، ولا يؤدين عملهن بشكل مثالي، كل هذا صحيح؛ ولكن ليس من الموضوعية التحجج بذلك للاعتذار عن حالة إنسانية شوّهتها نفس مريضة بتلك الصورة المؤلمة التي رأينا، بل أذهب لأكثر من ذلك بوجود حالات أكثر شناعة، ولكنها لم تظهر، بسبب عدم وصول أصواتهن للمجتمع، وإلا فما تفسير أن نسمع كل أسبوعين أو ثلاثة، بخبر انتحار أو موت لعاملة منزلية مسكينة رمت بنفسها من الطوابق العليا لتهرب من كفيلها، فتلقى حتفها، بطريقة بشعة للأسف؛ إلا أن الأمر وصل بها لحالة اليأس والمجازفة حدّ الموت؛ على البقاء في تلك البيئة.
آن الأوان فعلا أن يتدخل المسؤولون الحكوميون، وعلى رأسهم وزير العمل معالي المهندس عادل فقيه؛ ليحسموا هذه القضية المتشابكة والمعقدة، ويوقفوا مسلسل الاعتداءات الوحشية التي تمارس بحق فئة ضعيفة اضطرها العوز والحاجة إلى أن تتغرب عن بلادها؛ طلباً للقمة عيش كريمة في بلادنا، بلاد الرسالة ومهبط الوحي.
يا معالي المهندس اتق الله في هؤلاء الضعفاء والمساكين، وقم شخصياً بتحرير نظام يحكم الطرفين؛ العائلة السعودية التي دفعت ما يقارب العشرة آلاف ريال لاستقدامها، وتلك العاملة التي جاءت طلباً للقمة عيشها، وأنصف الاثنين عبر نظام محكم لا يظلم فيه أحد، بحيث تسترجع العائلة ما دفعته من أكلاف، ويكون من حقّ هذه العاملة التوقف عن العمل، إن رأت حيفاً أو جوراً، أو أية معاملة غير إنسانية، وليوضع لها رقماً مجانياً تتصل مباشرة به ليسمع المجتمع شكواها.
آن الأوان فعلا أن تهتم شخصياً –كوزير للعمل وقبل ذلك كإنسان مسلم- لبلورة مشروع متكامل يحكم هذه القضية، وقد صرّح عضو مجلس الشورى السعودي عبدالوهاب آل مجثل بأن هناك نظاماً درسه مجلس الشورى ورفع منذ سبعة أشهر تقريباً إلى هيئة الخبراء في مجلس الوزراء لإقراره، والى الآن لم يبتّ فيه؛ فلعلك تهتم -معالي الوزير- بالدفع به وإقراره، فقد شوّهت هذه الحوادث التي نسمع عنها صورة بلادنا، وشكراً لكل الشرفاء الذين كتبوا مساندين للعاملة المسكينة سومياتي سلام وغيرها، ولست مع القائلين بأن كتاباتهم شوّهت صورة بلادنا؛ بل عدم وجود نظام عادل يحكم الملف برمته؛ هو من شوّه صورتنا، والدفاع عن بلادنا لا يكون باتهام العمالة بالأخطاء والجرائم التي ترتكبها، بل بلوم أنفسنا نحن، ولوم المسؤولين الذين ائتمنهم والدنا خادم الحرمين وأقسموا أمامه على العمل لما فيه صالح الوطن والمواطن؛ في تقصيرهم بواجباتهم حيال المجتمع، فأي فجيعة عندما يتحدث مسؤول أمني عن أن أغلب العمالة المنزلية التي تأتينا؛ هم خريجو سجون أو ملاهٍ ليلية، ثم يأتي هذا المواطن المسكين وزوجته المعلمة التي اضطرت لاستقدام هذه العاملة، ليتفاجآ بأن العاملة من أرباب السوابق للأسف.
لا يكفي بالتأكيد هذا النظام الذي ننتظره، بل لا بدّ من العودة إلى التعامل النبوي الرفيع مع الخدم، فنحن ندعي دوماً أننا مجتمع محافظ، وأننا وطن التوحيد والرسالة، وللأسف الثقافة المحمدية في التعامل مع الخدم غائبة عن كثير من الأسر، تأملوا هذه الإنسانية التي تتجسّد في خلقه عليه الصلاة والسلام مع الخدم، في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته لِمَ تركته؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ولا مسست خزًا قطّ ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكًا قطّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
بل أمرنا سيد ولد آدم بعدم تكليفهم ما لا يطيقون، فهم بشر لهم حدود وطاقة لا يمكنهم مجاوزتها، فقال عليه الصلاة والسلام في حق العبيد: "إخوانكم، خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فأعينوهم" رواه البخاري.
تعميم هذا التعامل والتوجيه المحمدي الرفيع، وتجذيره في محيطنا الاجتماعي مطلب ملحّ وضرورة، فلا يكفي النظام -على أهميته- في حلّ هذه القضية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..