في
المدارس كنا نعمل صحفا حائطية ونعلقها في جدران المدرسة وكل موادها مأخوذة
من القصاصات المرمية على أرصفة الشوارع . وفي عالمنا الآني قنوات فضائية
تلفزيونية حائطية لا مكان لها بين القنوات المؤثرة علميا وفكريا , يديرها
ويشرف عليها ويعمل فيها كل من يفتقد إلى الموهبة والعلم الحقيقي والإبداع ,
لكنهم وجدوا ضالتهم في واقع يكثر فيه الجهل والأمية وتنتشر الأحقاد
ويسهل زرع الفتن بين أفراده بسبب ضعف المخرجات التعليمية التي لا تشحن
العقول بالعلم والفكر النافعين بقدر ما تغرس الشعور بالكراهية ضد كل ما
ينير عقل الإنسان وينفعه .
استمعت
إلى ثلاثة عاطلين عن العلم يعملون في احد تلك القنوات الحائطية وكان احدهم
عاملا مستقدما من احد الدول العربية تلبس بثوب سعودي وشماغ حمراء ولحية
كثيفة واخذوا ينثرون قذفهم ضد شرف المواطنين وكرامتهم وإيمانهم دون أن
يخشوا طائلة قانون أو يد عدالة وكأنهم في عصر الغاب وليس في قرن النور
والحريات وربيع الثورات .
لكن
الأكثر استغرابا ليس أولئك الثلاثة المرحون القابعون في قناتهم الحائطية
الذين يستمدون فكرهم من بقايا محاكم التفتيش ويتكون أنصارهم ومعجبوهم من
عدة أشخاص يندسون في غرف القناة الحائطية كي ينوعوا اتصالاتهم ليثبتوا أن
للحائط جمهور يتكلم , وإنما أولئك الناس في نجران الذين لايزالون يمنحون
عقولهم للجهلة وأشباه المتعلمين أن يتحدثوا باسمهم ويتظلموا بالطرق
التقليدية البالية التي تعتمد على كتابة المعاريض
والتشكي والتظلم في الوقت الذي أصبح هناك عشرات المحامين والقانونيين
القادرين على انتزاع الحقوق بطرق حضارية تستند إلى نظام الدولة التي ينتمون
إليها . حينها يكتشف الناس حقيقة القانون والأنظمة ومدى تفاعله مع قضايا
الإنسان واستجابته لمظالمه بما يشعر الجميع أنهم تحت سقف قانون لا يحابي
أحدا على حساب العدل الذي هو أساس الملك .
تجاوز
الموظفون الثلاثة في قناتهم الحائطية كل حدود الأدب والدين والقانون
والمواطنة وهم يشككون في عقائد الناس ومذاهبهم وطهرهم وعفتهم, وكأنهم
أولياء
الله وأوصياؤه في أرضه بينما هم يخاالفون سنته وآياته البينات التي لا
تجيز لهم أن يقسروا أحدا على إتباع ملة الله فكيف بهم وهم يقسرون الناس أن
يتبعوا ملتهم ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) . و (لكم دينكم ولي دين ) .
ومخالفين قول رسول الله الواضح وهم يشككون في عقائد الآخرين بما يوحي
بكفرهم ( من كفر من يقول لا اله إلا الله فقد كفر ) . ومخالفين لكل
القوانين والسنن العالمية والحضارية التي توافق عليها دولتهم في هيئة الأمم
المتحدة والقاضية باحترام حرية الإنسان فكرا ورأيا وعقيدة.
والغريب
أن الموظفين الثلاثة في تلك القناة لم يستحوا وهم يكذبون باسم الله وعلى
الهواء مباشرة ويعرفون أنهم يكذبون حين اتهموا اعرق واشرف القبائل في عرض
نساءهم الذين يقدمونهم كما يقول المرحون الثلاثة كمقبلات لشيخهم كي يفعل
بهم كيفما يريد كأسوأ وأخطر قذف يمكن أن يقال ضد إي إنسان على وجه الأرض
أيا يكن دينه أو عرقه أو جنسه . والاتهام هنا يحوي على اساءات كثيرة ليست
ضد المتهمين وإنما ضد الدين والمذهب الذي يمثله أولئك الموظفون في القناة
الحائطية , لأنه لو صح قولهم في من يتهمونهم بالدياثة فيجب إقامة الحد حسب
نظام الدولة وهو حد الزنا
وليوضع النجرانيين في حفرة مثلما وضعهم اليهودي ذو نواس في حفرة الأخدود
وليأت كل أبناء الشعب السعودي ليرجمهم بالأحجار أو يحرقونهم . وان اتضح أن
ما تقوله القناة الحائطية وموظفوها والعامل الأجنبي المستقدم من مصر هو
باطل وغير صحيح فيما يخص قذف شرفهم بالدياثة فعلى الدولة أن تثبت بقضائها
وقوانينها وعدالتها أنها ليست دولة غاب وإنما دولة قانون تقتص من الظالم
للمظلوم وان يقام حد القذف ورمي المحصنات المؤمنات الذي يعتبر من كبائر
الإسلام الذي ترفع الدولة شعاره على القاذفين المفترين المفرقين بين
المواطنين والمثيرين للفتنة في زمن لا
يحتمل الوطن إثارة الفتن والنزاعات الطائفية .
أما
كون أولئك العاملون في تلك القناة الحائطية يملكون الحق في امتلاك قناتهم
الفضائية المثيرة للفتن ويمارسون تحديهم للمواطنين المختلفين معهم مذهبيا
كي يأتوا لمبارزتهم في الوقت الذي لايحق لأولئك المواطنين أن يملكوا قناة
أو مدرسة أو جامعة كي يتحدثوا أو يدرسوا ما يؤمنون به من فكر أو إيمان ,
فانه يثير الاشمئزاز والقرف , علما انه ليس من حق احد في أي مكان في هذا
العالم أن يقصي الناس عن التعبير عن فكرهم أو إيمانهم ولا الحق أن يقسر
أحدا
كي يأتي إليه ليفسر ما يؤمن به , لأن الإيمان الحر حق الهي قبل أن يكون
حقا بشريا متعصبا تقوده قناة ليس لها من علم سوى إثارة الكراهية والفتنة
والأحقاد , والمؤمن مكرها ليس مؤمنا , مثلما يكون الكافر مكرها ليس كافرا .
والأجدر
بأولئك المبارزين مادام أنهم يعشقون المبارزة ويعتقدون أن لديهم ما
ينتصرون به على محاوريهم أن ينزلوا عند رغبة من يدعو إلى مبارزتهم ممن
يخالفهم النهج كالشيخ حسن المالكي والدكتور عدنان إبراهيم قبل أن يدعو إلى
مبارزة من يطمئن إلى ما يؤمن به سواء كان على ضلال أو
إيمان . علما أن ما يراد مناقشته هو نفس الفكر والمسائل التي نوقشت كثيرا
منذ آلاف السنين وحتى ما كانت تبثه قناة المستقلة قبل سنوات قليلة , ولم
يعد هناك ما يستحق النقاش في الوقت الذي تهتم الشعوب المتحضرة بالعلوم
العظيمة والاختراعات والذهاب إلى الكواكب والحريات ومظالم الناس ومحاربة
الفساد والغش والتزوير وبناء الصروح العلمية .
إن
إشغال الناس بما تبثه تلك القنوات الحائطية ومذيعوها العاطلين من كل عمل
إبداعي سوى بث الفرقة والفتنة : يدل على فراغ فكري وانهيار قيمي وحضاري
وإفلاس
على كل المستويات الحضارية والأخلاقية , والدليل أننا كنا قبل اسبوعين
وعلى كافة مستويات شرائح الوطن نناقش جميعا معضلة الفساد في الوطن وضياع
المشاريع وملايينها المسروقة ... وأصبحنا بفضل القناة الحائطية نشهد توترا
نراه كالشرر في عين طفل يقال له انه ثمرة جماع نجس وقد كانت أمه تقدم كهدية
مجانية بانتظار بركات الشيخ الذي يحق له إن يمارس كل العهر مع امهات
الشرفاء الذين سجد رسول الإسلام لله مستبشرا عندما اسلموا ... لنصبح فجأة
أمام حقيقة أن التاريخ يعيد نفسه في شكل مسيلمة آخر ... حيث ادعى مسيلمة
الأول النبوة , ويدعي مسيلمة الثاني أو الثالث أو
الرابع : عهر الطاهرين وكفرهم .
صحيح
أننا نتألم ونستغرب انه حتى هذه اللحظة لا تزال القناة الحائطية تبث
سمومها, ومذيعوها يتمتعون بكامل الحصانة والحرية وقد سمع الناس قذفهم
المسيء ضد شرائح كبيرة من أبناء الوطن ... ونستغرب أن تستمر في سوءها
وكأنها تمثل جهة رسمية . ... بانتظار أن تصل الجموع النجرانية لتقدم شكواها
وتظلمها ولتثبت أدلتها وكأن تلك القناة المثيرة للفتنة لاتبث أمام عيون
وزارة الثقافة والإعلام التي لاتتوانى في وقف كل من يكتب خبرا بسيطا قد
يسيء إلى ذات فرد ربما يحضى
بحصانة لا تحضى بها منطقة هامة بكل سكانها تمتد على حدود ألفي كيلو متر مع
دولة يثور شعبها ضد الظلم والجور والاستبداد المتراكم.
لكننا
نقول : إذا صح ما قاله مذيعو القناة الحائطية المتمشيخون عن أهل نجران :
فعلى القضاء أن يطبق حد الزنا عليهم وبأسرع وقت ممكن . وإذا لم يصح فعليه
أن يقيم حد القذف وحد رمي المحصنات المؤمنات, وعقوبة الكذب والإساءة للمذهب
الذي يدعي أولئك المفترون الانتماء إليه, لأنهم في افتراءهم يستندون إلى
نقاوة ما يؤمنون به,
فإذا اتضح أنهم يكذبون فأنهم يسيئون إلى مذهبهم قبل أن يسيئوا إلى من
يخالفهم وعلى كل حر وشريف ومؤمن ينتمي إلى مذهبهم أن يدعو إلى معاقبتهم
وإقامة الحد الشرعي عليهم .
أما
الذين ذهبوا من أهل نجران لتقديم معاريض شكاويهم للملك والأمراء , فأننا
مع احترامنا لهم نلوم تصرفهم ذلك ونتهمه بالغباء , لأن لدى الدولة سلطات
تشريعية وتنفيذية ووضعت أنظمة وقوانين , ولا داعي للذهاب لغير تلك الجهات
التي يجب أن تأخذ دورها وتقوم بإحقاق الحق وتطبيق العدالة
بدون محاباة لأحد , كي نثبت للعالم أننا دولة قانون وعدالة وليس دولة فئة
أو طائفة , وليعلم كل مفتر وكل ظالم أن الأوطان لا تدوم وحدتها وأمنها
واستقرارها بالظلم والافتراء والقسر والإقصاء والوصاية على فكر الناس
وإيمانهم .
من
يعرف هذه المنطقة وأهلها: يعرف أنها مدينة الطهر وليست وكرا للدياثة ...
ومصنعا للشهامة والكرامة والشموخ وعشق الحرية, منذ أن اختارت أن تموت حرقا
على يد اليهودي ذو نواس دفاعا عن حريتها واختيارها ... مرورا بعداء كل ذي
نواسي الهوى وحتى آخر اعتداء على عفة أهلها
وطهرهم في تلك القناة الحائطية .
هذه
المنطقة التاريخية : كانت ولا تزال رمزا للتعايش بين الأديان والمذاهب وكل
الشرائح المتعددة ... تفرش قلبها لكل حر شريف ينزل إليها ... وترفع قبضتها
بكل إباء .. وقوة .. وتحد .. ضد كل حاقد وكاره وخائن لقيم العدالة والحرية
... .
هنا
: يقف الطفل ... كالجبل . مناديا بحرية الإنسان أينما كان ... فكرا ..
ورأيا .. وإيمانا ... ويرفض أن يكون عبدا لمن يريد أن يقصيه عن اختياره
.... أو يقسره ضد ارادته.
هنا
: يتعانق الشموخ والإيمان والرجولة .... معاهدين الله أن لايسجدوا لصنم
بشري أو حجري ,,, وان الحرية حق مقدس لكل الناس وخط أحمر لمن يريد أن يجعل
من قداستها سجنا للتعدد كي يطغى اللون الواحد .. والفكر الواحد
...والاستجداء .. والخوف الذي لامبرر له .
هنا
: يقف التاريخ ... مناديا كل الشرفاء من أبناء وطني ... أن يتحدوا ضد
الجهل والطغيان والفساد ... وضد أعوان الجهل وأعوان الطغيان وأعوان الفساد
...
مللنا
.... السكوت أمام هجمة القبح التي تجتاح وطننا من أفواه المعقدين
والمعتوهين وتجار الفضيلة .. في وقت نحن أحوج فيه إلى التطلع نحو المستقبل
كي نبني وطنا من علم ونور وحضارة وحرية .
وقبل
أن اختم مقالتي ... اسأل كل حر شريف في هذا الوطن : هل يقبل المواطن
المصري في بلده مصر... أن يأتي إليه سعودي كي يمارس دور مثير الفتنة بين
مواطنيه عبر قناة فضائية مصرية ؟!
ثم
أسألكم
: ما دوركم ... في محاربة هذا الجهل المستفحل بينكم ... أم أنكم قد رضيتم
أن يباع وطنكم في سوق الجاهلية .. وينتحر مستقبل أجيالكم على أعتاب سكوتكم
المخجل ؟!
نكون .. جميعا .. أو لا نكون ... أحرارا وليس عبيدا ... تلك هي المسألة .. والمعضلة .
نحن
لسنا في عصر الكنيسة , ومحاكم التفتيش .. حتى وان لايزال بيننا من يريد أن
يفتش عقل الإنسان وروحه , كي يحكم عليه بالكفر والهرطقة , وإذا كنا حقا
نعشق هذا
الوطن ونحرص على وحدته ونغار على مستقبله ... فلنرفع الصوت معا وعاليا بكل
تياراتنا المختلفة : ضد الإقصاء .. والقسر .. والفساد ... والظلم ..
والانحياز ... واحتكار الحقيقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..