الأحد، 6 مايو 2012

الثورات العربية وقود الطموحات القطرية

سياسة قطر الخارجية:''قطر بلا حدود''......
بدأ أمير قطر قبل نحو عام وبشكل غير مسبوق في المنطقة بالتدخل في السياسات العربية عبر الربيع العربي. غير أن هذا الدور الجديد للإمارة الصغيرة لا يروق للجميع، وفق ما تراه شتيفاني دوتزر.

يوم سقوط نظام العقيد معمر القذافي حصل مشهد يجدر ذكره، إذ لم يقم الثوار الليبيون برفع علمهم على مقر
القذافي السابق وحسب، بل ورفعوا العلم القطري أيضاً. قبل هذه اللحظة لم يكن العلم ذو اللونين البني والأبيض معروفاً خارج منطقة الخليج. أما الآن فقد أصبح هذا العلم يظهر في أماكن غير متوقعة، مثل شبابيك مساكن اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يتحدثون متحمسين عن قيام قطر بتحمل تكاليف إفطارهم في شهر رمضان من العام الماضي، وبتمويل الصراع ضد بشار الأسد بصورة لا تضاهيها أي دولة أخرى.

وبالفعل فإن سوريا تقف على رأس سلم الأولويات القطرية حالياً، إذ كانت قطر الدولة العربية الأولى التي سحبت سفيرها من دمشق الصيف الماضي، وقامت في الخريف الماضي بالدعوة إلى فرض عقوبات على سوريا، والآن تدعو إلى تدخل عسكري في البلاد. وكما كان الحال في ليبيا، فإن مبالغ تقدر الملايين بدأت بالتدفق من الدوحة لدعم الثوار مالياً وعسكرياً. وكما في ليبيا، فإن القوى العلمانية العربية بدأت تتهم قطر بدعم التيارات الإسلامية المحافظة. وفي نفس الوقت تتمتع قطر بحظوة كبيرة غير معهودة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أثنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على قناة الجزيرة، فيما بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بتصوير قطر على أنها قدوة للمنطقة بأكملها. أما القاعدة الأمريكية الضخمة الواقعة في الصحراء خلف الدوحة فهو أمر لا يثير أي انتقادات داخل الإمارة.

وسيط غير محايد

اجتماع لمجموعة الاتصال الخاصة بليبيا في الدوحة: أموال بالملايين تتدفق من قطر من أجل دعم الثوار في ليبيا وسوريا مالياً وعسكرياً.

قد يبدو في الأمر تناقضاً عندما تدعم السياسة الخارجية لدولة عربية التيارين الأمريكي والإسلامي في نفس الوقت، إلا أنه ومن وجهة النظر القطرية لا يوجد هناك أي تناقض. ويعتبر سلمان الشيخ، مدير معهد بروكينغز في الدوحة، قطر دولة "قادرة على محاورة الجميع بشكل فريد من نوعه"، مضيفاً أن "السياسة القطرية لا تتبع منطق (إما أن تكون معنا أو ضدنا)"، وموضحاً أن هذا هو سر نجاح الدولة كوسيط في لبنان أو السودان.

لكن قطر تخلت منذ العام الماضي عن دورها المحايد نوعاً ما، إذ شهدت علاقاتها مع إيران فتوراً، وبدأ نفوذها المتزايد يقسّم العالم العربي، فالثوار السنة في كل من سوريا وليبيا يدينون لها بالشكر والعرفان وينظرون إليها على أنها نصير المضطهدين. أما القوى العلمانية فتنظر إلى السياسة القطرية بعين الشك، بينما يشعر العديد من الشيعة في لبنان والبحرين بالارتياع. إن اختلاط الدوافع الاستراتيجية والأمنية والأيديولوجية في السياسة الخارجية القطرية لا يزال مثار خلاف، إذ يعتبر غيدو شتاينبيرغ، من المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية، أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، براغماتياً، ولهذا السبب بالذات يمكنه أن يكون مؤيداً للغرب وللإسلاميين في ذات الوقت، دون أن يرى في ذلك أي مشكلة. ويتابع شتاينبيرغ بالقول إن "الشيخ حمد يتبنى موقفاً إيجابياً للغاية تجاه الحركات الإسلامية، يعكس موقف الشيخ يوسف القرضاوي بالضبط، الذي يقيم في قطر منذ سنة 1961 وأصبح عملياً البوق الديني والسياسي للدولة القطرية".

ديمقراطية غائبة

بحسب خبراء الشرق الأوسط يتبنى أمير قطر مواقف مشابهة لتلك التي يتبناها يوسف القرضاوي، الذي يعيش في قطر منذ سنة 1961 وأصبح عملياً البوق الديني والسياسي للنظام الحاكم.

يعتبر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الدوحة قومياً عربياً، وهذا قد يكون مؤشراً على أن القومية العربية، التي سادت في الماضي، قد استبدلتها تيارات الإسلام السياسي المختلفة، وأن نهجي التفكير هذين لم يعودا متنافسين، بل يختلطان بشكل مستمر. وفي الثورات العربية تقوم قطر بدعم الإسلام السياسي بمختلف صوره، من حزب النهضة التونسي حتى الحركات السلفية. والوحيدون الذين لا يعولون على الدعم القطري هم الشيعة، الذين لا تنظر لهم قطر كمصلحين، بل كعملاء لإيران. وعندما قمعت البحرين المحتجين الشيعة فيها بكل وحشية، حافظت قطر على صمتها، فالدولة الداعمة لمحركي الثورات حريصة على الحفاظ على الوضع كما هو في جوارها.

وبينما تحاول قطر إسقاط الأنظمة الدكتاتورية في كل مكان، فإن النظام الذي يحكمها بعيد كل البعد عن الديمقراطية. هذا ويصف سلمان الشيخ، الذي عمل في السابق مستشاراً لسيدة قطر الأولى، نظام البلاد بأنه مزيج من النظامين التقليدي والنيابي. ويشرح الشيخ بالقول: "الأمير يعلم أن عليه مناقشة قراراته مع العائلات والعشائر الأخرى في البلاد. هذا النظام فعال، لأن عدد السكان الأصليين قليل ولأن عائلته تتمتع بشرعية كبيرة بينهم. ومقارنة مع دول عربية أخرى، لم تشهد قطر مطالب بنظام نيابي أقوى. الرخاء والاستقرار بالنسبة للسكان أهم من كل شيء".

موقع حساس بين السعودية وإيران
في خريف العام الماضي قامت قطر بخطوة تحسدها عليها كل نقابات العالم، إذ تم رفع أجور موظفي الدولة والشركات الكبرى بنسبة 60 بالمائة، ومنتسبي الجيش والشرطة بنسب تتراوح بين 100 و120 بالمائة. ويبدو أن هذه الخطوة قد أثمرت، إذ لم تخرج في الدوحة أي مظاهرات أو احتجاجات أو حتى انتقادات علنية للحكومة. العاصمة القطرية تزدهر، والهدف الرئيسي للسياسة القطرية هو أن يبقى الحال كذلك.



موقع حساس في منطقة الخليج: إذا ما هوجمت إيران، ستكون حماية حقول الغاز القطرية إحدى المشكلات العديدة لكن عندما تلعب قطر دوراً كبيراً في السياسة الخارجية، فهي تقوم بذلك لأنها تعلم أن استقرارها ليس أمراً بديهياً، لأنها واقعة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهو موقع حساس للغاية. وبينما يناقش العالم البرنامج النووي الإيراني، تجوب حاملات الطائرات الأمريكية والغواصات الإسرائيلية الخليج، وإذا ما هوجمت إيران، فإن حماية حقول الغاز القطرية ستكون إحدى المشاكل العديدة. وما هو أخطر من ذلك أن 94 بالمائة من القوة العاملة في قطر تتكون من أجانب، وإذا ما أرادوا العودة إلى أوطانهم، سيشكل ذلك كارثة بالنسبة للبلاد. لكن في الدوحة لا يريد أي أحد التفكير في ذلك، لأن قطر مشغولة بأمور أخرى، إذ تشهد البلاد كل أسبوع تقريباً مؤتمرات دولية ولقاءات بين ممثلي الحكومات والثوار، بينما تعزز قطر صورتها كدولة صغيرة، لكنها قيادية ولا يمكن تخطيها في المنطقة. أما في غرفة أخبار قناة الجزيرة، يرسم أحد المحررين الصورة التالية لقطر: "إن قطر عبارة عن مفترق طرق يجب على أي صراع عربي المرور به. وعندها يتحدد ما إذا كان سيستمر". إنها كلمات كبيرة عن بلد صغير، إلا أنها قد لا تكون مبالغة.


شتيفاني دوتزر


ترجمة: ياسر أبو معيلق

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..