الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
لقد كنت من البداية مطلع على ما تكتبه الكاتبة في جريدة الرياض حصة آل الشيخ وما تنشره بين الفينة والأخرى حول القضايا الشرعية والاعتراض على الكتاب والسنة بسبب الجهل منها تارة والهوى تارة أخرى، حتى وقعت فيما لا يحمد عقباه، وغردت في الحساب المنسوب لها في التويتر بتغريدةٍ أقامت الدنيا عليها، وما ذاك إلا أن الله تعالى جازاها على سوء أقوالها السابقة في الصحف، ولله الحكمة البالغة وله الأمر كله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وما
إن أحست بشناعة الفعلة حتى بادرت بالاعتذار وبينت أنها لم تقصد ما بدر
لأذهان الناس، ومن ثم تم حذف الحساب المنسوب لها، وأعلنت من خلال موقع سبق
أن الحساب لا يمت لها بأي صلة وأنها لا تملك في التويتر أي حساب وأنها تبرأ
إلى الله تعالى من ما قيل في تلك التغريدة الفاسدة.
ولم
يقف الأمر عند ذلك بل إن بعض طلبة العلم والفضل جيش الناس عليها مطالبين
بمحاسبتها على ما كتبت في التويتر وتطبيق حد الردة عليها كما يزعمون، بل
وصل الامر إلى التطاول على أسرتها بأكملها والتهكم والاستهزاء والهمز
واللمز.
ولي هنا عدة وقفات حول الموضوع:
1-
التغريدة المذكورة سواءً كانت المغردة حصة آل الشيخ أو كان غيرها كفر وردة
عن الإسلام إن كان قائل ذلك معتقداً تشبيه الخالق بالمخلوق في شيء لا يليق
عند بني البشر فضلاً عن خالق البشر تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
أما
من قال ذلك جاهلاً أو متأولاً فيبين له الحق، فإن أصر بعد ذلك حكم بردته،
فيستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل مرتداً عن دين الإسلام. والملاحظ أن هذا
التفصيل غاب عن الكثير من طلبة العلم والفضل الذين حكموا مباشرةً على قائل
تلك التغريدة بالكفر والردة.
وأنا
أذكرهم بما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من
أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه فأيس
منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح".
فقول
من أضل ناقته "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" كفر وردة معلومة من الدين
بالضرورة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه لم يكفر بقوله ذلك
لأنه أخطأ من شدة الفرح.
2-
أول ما نزلت التغريدة على صفحات التويتر بادر من كتبها بالاعتذار وبيان
مقصده، ومن ثم حذف الحساب المنسوب لحصة آل الشيخ، ومع ذلك لم يقف أي واحد
من طلبة العلم والفضل ببيان أن ذلك يحمل على ظاهرة ويقبل اعتذاره، كما في
الحديث السابق "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه"، وإنما فرحوا بهذا
الذنب وطاروا به وشرقوا وغربوا، وهذا يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه
طالب العلم من الفرح بتوبة المخطئ والمسيء.
3-
أصدرت الكاتبة حصة آل الشيخ -هداها الله- بياناً نشر في صحيفة سبق
الإلكترونية وفي جريدة الوطن بينت فيه أنها لم تفتح حساباً في موقع التواصل
الاجتماعي (التويتر) من قبل، وأن الحساب المنسوب لها فيه لا يمت لها بأي
صلة، وأنها تبرأ إلى الله تعالى من ما كتب وقيل في حق الله تبارك وتعالى.
ومع
ذلك لم يقبل طلبة العلم والفضل ومن يشار لهم بالبنان بهذا الأمر واستمروا
في المطالبة بمحاكمتها، علماً أن هؤلاء يعلمون علم اليقين أن من تاب قبل أن
يقدر عليه في الحدود تاب الله عليه ولا يقام عليه الحد عند جمهور أهل
العلم، والدليل حديث سارق رداء صفوان لما جاء به للنبي صلى الله عليه وسلم
وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده حداً، قال صفوان: "أتقطعه من أجل ثلاثين درهما أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال صلى الله عليه وسلم: فهلا كان هذا قبل أن تأتينيبه".
ومن
المعلوم لدى الجميع أن مواقع التواصل الاجتماعي مجال خصب للكذب وانتحال
الأسماء المزورة وانتحال الشخصيات، لكن أحد من طلبة العلم والفضل لم يشر
إلى ذلك، ولا وضعه في حسبانه، وأتذكر من قرابة الشهر خرجت تغريداتٍ نارية
من حساب الشيخ عبد العزيز الطريفي ومن بعد صلاة الفجر وهو يغرد بكلام يحسب
عليه، وما لبث الشيخ أن أصدر بياناً يقول فيه: (إن حسابي مخترق وحسبي الله
على من أخترقه)، ماذا لو كان الشيخ الطريفي هو من غرد بتلك التغريدات ولما
أحس أنها تضره خرج بفكرة (حسابي مخترق)!!
لا أتهمه ولكن أتساءل فقط؟
وهذا سماحة المفتي له حساب في التويتر باسمه ويغرد على لسانه والمفتي ينفي هذا الحساب
4-
لجئ البعض من طلبة العلم والفضل للمقارنة بين حصة آل الشيخ وحمزة كشغري
على أساس أن كلاً منهما أساء في حق دينه، فحمزة أحيل للمحكمة، وحصة لم يصدر
في حقها شيء.
والحق أن بينهما فرق لا يخفى على أحد فضلاً عن طالب العلم؛ فحمزة لم ينكر التغريدة التي صدرت منه ولم ينفي الحساب
بل أغلق حسابه وهرب خارج المملكة وجاءت الدولة به من ماليزيا، حتى تاب عند
القاضي، أي بعد أن قدر عليه بخلاف حصة آل الشيخ على فرض أنها هي من قال
هذه التغريدة فهي أعلنت براءتها من القول المنسوب لها، ولم تهرب.
ثم
جاءت الكاتبة حصة آل الشيخ لسماحة المفتي وأقسمت عنده أن الحساب في
التويتر لا يخصها وأنها لم تكتب شيئاً ووعدت بعدم الكتابة في الصحف
مستقبلاً، ومثل هذا لم يحصل من حمزة كشغري عفى الله عن الجميع.
5-
تغافل بعض طلبة العلم والفضل عن تغريدة للمدعو عبد الله بن سلمان العودة
استهزئ فيها بحديث نبوي وبأسلوب ساخر، وكان ذلك وقت الحملة التي شنت على
حصة آل الشيخ ولم نرى من أنكرها ولا من تكلم فيها ولا من دافع عن سنة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم، فيوحي لك الأمر أن القضية هوى فقط.
وكذا
عائض القرني وصف الصحابي الجليل أبو سفيان بن حرب وأبنه معاوية كاتب الوحي
بأنهما يسرقان من بيت مال المسلمين، وقال ذلك على محضر من الناس وفي بيت
من بيوت الله، ولم نرى من دافع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا
من ذب عنهم، فأين كان الشيخ الطريفي ولم تغافل عن هذا الكلام.
وهذا
محمد العريفي ينسب كلاماً لله تعالى ويقول ضاحكاً في المسجد (هذه سورة
التفاحة)!!، فأين كان الدكتور عبد العزيز الفوزان وأن بكائه ونحيبه غيرةً
لله تعالى، لكن لا نقول إلا ما يرضي الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون.
6-
لما صرح سماحة المفتي في قناة المجد ودعا الناس للتثبت على أساس أن من
اتهمت بتلك المقولة نفتها نفياً قاطعاً، ثارت الثائرة عليه، وبدأ البعض
بالقدح واللمز والهمز لسماحته مع أن سماحته تكلم بكلام مؤصل شرعي معتمد على
قول الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنواإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، والمؤمن يفرح بأن المسلم لا ينسب لنفسه الشر وإنما يلتمس له العذر.
أما
حمزة كشغري فقد هرب من المملكة وقبض عليه فكان تصريح سماحة المفتي واللجنة
الدائمة واضح في وجوب معاقبته لأنه لم ينكر ما ثبت عليه ولم يتبرأ مما نسب
إليه إلا بعد القبض عليه.
7-
عمد البعض هداهم الله للحديث عن أسرة الكاتبة حصة آل الشيخ والقدح فيها،
ولم ينبه طلبة العلم والفضل إلى أن المعيار بهذه الطريقة معيار خاطئ، إذ
نوح عليه السلام له ابن هالك (عمل غير صالح)، وإبراهيم الخليل عليه السلام
أبوه من عبدة الأوثان، ولوط عليه السلام كانت زوجته من القوم الضالين،
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عمه أبو لهب، ولم يكن ذلك معياراً في القدح
في هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ولا يصح ذلك كمعيار صحيح لمحاسبة الناس.
لكن
المؤسف أن يتحدث بعض طلبة العلم والفضل عن أسرة كريمة مشهود لها بالخير
كأسرة آل الشيخ، ويجدون في ذلك مطعناً ومدخلاً، فهذا الدكتور سعود الفنيسان
وهذا الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ما برِحَا يغردان عن تلك الأسرة
الكريمة، وأقول لهما كفوا عن آل الشيخ جُشائكم.
ألم تكتفوا بتصريح الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حول موضوع حصة آل الشيخ وهو من ذات الأسرة الكريمة!!
ألم تكتفوا بتصريح سماحة المفتي في قناة المجد وهو من كبار أسرة آل الشيخ!!
لكن الأنصاف عزيز، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
عبد الله بن محمد الجنوبي
أخصائي صعوبات تعلم
أخصائي صعوبات تعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..