تاريخ الخبر :09/05/2012
زيد بن علي الفضيل
منذ أن فاجأ الحبيب علي الجفري العالم بزيارته
للمسجد الأقصى، ثم تلاه فضيلة الدكتور علي جمعة، والساحة تعجُّ بالكثير من
الآراء المعارضة والمؤيدة، الرافضة والمبررة، الناظرة إلى الأمر من زاوية
دينية بحتة أو من زاوية سياسية، حتى بات النقاش فيه أهم من النقاش في
قضايا الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما يرضي الصهاينة ويزيد من راحتهم، ويتيح للمتصهينين العرب فرصة سانحة لخلخلة الإجماع العربي في موضوع المقاطعة، حيث عملوا على استغلال الثغرة التي فـُتحت بحسن نية وبمقصد حسن من الشيخين ومن وراءهما، لتعزيز ثقافة قبول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ وتزامنًا مع ذلك بدأنا نسمع كلامًا من قبيل: أن مقاطعة زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه لن تفيد المسلمين في شيء، وأن ذلك سيكون مدعاة لليهود لإزالة بنيان المسجد الأقصى كلية، وأن في زياراتنا للأقصى سبيل للمحافظة عليه، ومدعاة لمساعدة إخواننا في القدس الشريف، وأن في تفعيل ذلك إحياء لسنة نبوية، إلى آخر ما يتم صياغته في هذا الأمر من حجج ودلائل.
وواقع الحال ومع قبولي مبدئيًا ببعض ما يتم سوقه من حجج في هذا الباب، انطلاقًا من حسن ظن، لكني في المقابل لا أستسيغ تسطيح فكرة الصراع بين العرب والمسلمين مع الكيان الصهيوني الغاصب إلى هذه الدرجة، لتصبح القضية لدينا هي كيفية المحافظة على بناء حجري وحسب، والأدهى أننا لم نفطن إلى ذلك إلا بعد عقود طويلة من الاحتلال، التي صاحبها الكثير من التدمير والإزالة لكثير من المواقع الإسلامية والمسيحية، وعديد من الأحياء العربية في القدس الشرقية بخاصة، والأهم أنه قد صاحبها الكثير من القتل وسفك الدماء وهتك الأعراض وإزهاق الأرواح، وكل ذلك لم يحرك ساكنًا في صدور الغيورين على الأقصى طوال تلك السنين، ولم ينطلقوا لتحقيق حلم الصلاة في المسجد الأقصى خلال تلك الفترة، حين كان هناك روح فلسطينية تتطلع للحياة بكرامة وصدق.
والسؤال: متى كان الحجر أقدس من الإنسان في تشريعنا الديني وقيمنا الأخلاقية؟ أليس نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم هو القائل: "لئن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم"، فكيف إذا كان الحال مع دماء المسلمين، ودماء غيرهم من المسيحيين، التي أريقت وسفكت في كل أرض فلسطين، وفي القدس الشريف بخاصة، وتسفك اليوم في غزة المحررة، ودون أن يتحرك المشايخ الأفاضل عمليًا، ويتوجهوا إليها بزيارة ربانية لإنقاذ أكباد الأيامى، ونجدة المكلومين المحاصرين من قبل العدو الصهيوني أمام مرأى ومسمع العالم.
أيها السادة لسنا في حاجة إلى تعريفنا بقيمة مقدساتنا، لكون ذلك مما هو مترسخ في أفئدتنا منذ نعومة أظافرنا، كما أنكم لم تعلمونا تقديم الحجر على البشر، وذلك حق قرره الله ومارسه تطبيقًا نبيه الخاتم عليه أفضل الصلاة والتسليم، فكيف بكم اليوم وقد تكالبتم على هدم ما نرجو بقاءه من صروح المقاومة الهزيلة، بحجة دينية غير مبررة، وكأن الأمر مقتصر على ذلك وحسب، متناسين أن إشكالنا اليوم مع الكيان الغاصب يتمحور في شقِّه الثقافي أكثر من شقِّه الديني.
فاليهود من الناحية الدينية أعداء لأمتنا الإسلامية بنص الآية الكريمة في محكم التنزيل: {لتجدن أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون}، حيث وصف الله في هذه الآية طبيعة العلاقة مع اليهود بالفعل المضارع المستمر مع لام التوكيد بقوله: "لتجدن"، للدلالة على استمرارية العداوة إلى أن يرفع الله الأرض ومن عليها، وبالتالي فلا إشكال في ذلك إلا عند من لا يؤمن بيقينية الكتاب ومصداقيته، وهذا لا تثريب عليه إن روَّج لقطع ثقافة المقاطعة، وعمل على تكريس حالة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بحجج مختلفة، أحدها ما سبقت الإشارة إليه، إذ ليس بعد الكفر ذنب كما يقال.
على أنّ الإشكال الحقيقي في صراعنا المحموم متمثل اليوم في الجانب الثقافي بأبعاده المتنوعة، وهو ما يسعى الصهاينة إلى تذويبه بيننا، وفي حينه ستكون فرصتهم أكبر في البقاء بين ظهرانينا كأمة عربية (بمسلمينا ومسيحيينا)، ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيكون لهم قصب السبق في تسيُّد الحالة الثقافية وتشكيلها بالصورة التي تخدم وجودهم، وتـُنهي من وجودنا، لنستيقظ وقد أصبح أبناؤنا جميعًا عبيدًا بين أيديهم، يلهون بهم من بعد انتهاء أعمال السخرة الواجبة عليهم. وكل ذلك بسبب تراخ قام ويقوم به شيوخ أفاضل ممن تدركهم غفلة الصالحين.
أولئك الذين انساقوا لزلزلة ثقافة المقاومة في نفوس أبنائنا بقصد أداء شعيرة ليسوا مكلفين بها شرعًا، وهدموا أسوار المقاطعة بحجة مساعدة من لم يعد موجودًا في مكانه، وسارعوا إلى شرعنة التطبيع لأجل إدرار المال على مجتمع يتوهمونه في أذهانهم، ونسوا أن السائح المسلم بالدرجة الأساسية سيكون متوجب عليه أن يصرف الآلاف المؤلفة من العملة الإسرائيلية الشيقل ابتداء بالمطار، وسائق التاكسي، وأجرة النـُّزل، وحساب المطاعم والتموينات، ناهيك عن المردود الثقافي والسياحي العام، علاوة على القيمة السياسية التي ستجنيها حكومة الكيان الغاصب، وكل ذلك من أجل أن نضع بضع دولارات في يد عجوز متوجهة ببصرها إلى السماء، تستشرف لقاء حبيبها وهي رافعة جبينها، ضاحكة مستبشرة، لا تأبه لذلك الشيء الذي أرهق كاهل كفها عن مناداة حبيبها، لتنفض يديها متخلصة من كل ما يخدش كبرياءها وصمودها الأزلي .
إنه الإنسان الفلسطيني الصامد، الذي ما انتظر أن تأتيه طعنته من علماءٍ تأمل فيهم النصرة، ورجا منهم كشف الكرب بعزة وكرامة، وانتظر منهم العمل بجد على فك الحصار عن أهله وبنيه في غزة وغيرها، وأرخى سمعه مع كل صباح منتظرًا سماع هديرهم الصاخب في كل عواصم العالم من أجل وقف نزيف الاستيطان الغاشم. فتلك هي قضيته اليوم أيها الشيوخ الأكارم، وتلك هي قضيتنا نحن معه، فهل هي قضيتكم أيضًا؟
قضايا الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما يرضي الصهاينة ويزيد من راحتهم، ويتيح للمتصهينين العرب فرصة سانحة لخلخلة الإجماع العربي في موضوع المقاطعة، حيث عملوا على استغلال الثغرة التي فـُتحت بحسن نية وبمقصد حسن من الشيخين ومن وراءهما، لتعزيز ثقافة قبول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ وتزامنًا مع ذلك بدأنا نسمع كلامًا من قبيل: أن مقاطعة زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه لن تفيد المسلمين في شيء، وأن ذلك سيكون مدعاة لليهود لإزالة بنيان المسجد الأقصى كلية، وأن في زياراتنا للأقصى سبيل للمحافظة عليه، ومدعاة لمساعدة إخواننا في القدس الشريف، وأن في تفعيل ذلك إحياء لسنة نبوية، إلى آخر ما يتم صياغته في هذا الأمر من حجج ودلائل.
وواقع الحال ومع قبولي مبدئيًا ببعض ما يتم سوقه من حجج في هذا الباب، انطلاقًا من حسن ظن، لكني في المقابل لا أستسيغ تسطيح فكرة الصراع بين العرب والمسلمين مع الكيان الصهيوني الغاصب إلى هذه الدرجة، لتصبح القضية لدينا هي كيفية المحافظة على بناء حجري وحسب، والأدهى أننا لم نفطن إلى ذلك إلا بعد عقود طويلة من الاحتلال، التي صاحبها الكثير من التدمير والإزالة لكثير من المواقع الإسلامية والمسيحية، وعديد من الأحياء العربية في القدس الشرقية بخاصة، والأهم أنه قد صاحبها الكثير من القتل وسفك الدماء وهتك الأعراض وإزهاق الأرواح، وكل ذلك لم يحرك ساكنًا في صدور الغيورين على الأقصى طوال تلك السنين، ولم ينطلقوا لتحقيق حلم الصلاة في المسجد الأقصى خلال تلك الفترة، حين كان هناك روح فلسطينية تتطلع للحياة بكرامة وصدق.
والسؤال: متى كان الحجر أقدس من الإنسان في تشريعنا الديني وقيمنا الأخلاقية؟ أليس نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم هو القائل: "لئن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم"، فكيف إذا كان الحال مع دماء المسلمين، ودماء غيرهم من المسيحيين، التي أريقت وسفكت في كل أرض فلسطين، وفي القدس الشريف بخاصة، وتسفك اليوم في غزة المحررة، ودون أن يتحرك المشايخ الأفاضل عمليًا، ويتوجهوا إليها بزيارة ربانية لإنقاذ أكباد الأيامى، ونجدة المكلومين المحاصرين من قبل العدو الصهيوني أمام مرأى ومسمع العالم.
أيها السادة لسنا في حاجة إلى تعريفنا بقيمة مقدساتنا، لكون ذلك مما هو مترسخ في أفئدتنا منذ نعومة أظافرنا، كما أنكم لم تعلمونا تقديم الحجر على البشر، وذلك حق قرره الله ومارسه تطبيقًا نبيه الخاتم عليه أفضل الصلاة والتسليم، فكيف بكم اليوم وقد تكالبتم على هدم ما نرجو بقاءه من صروح المقاومة الهزيلة، بحجة دينية غير مبررة، وكأن الأمر مقتصر على ذلك وحسب، متناسين أن إشكالنا اليوم مع الكيان الغاصب يتمحور في شقِّه الثقافي أكثر من شقِّه الديني.
فاليهود من الناحية الدينية أعداء لأمتنا الإسلامية بنص الآية الكريمة في محكم التنزيل: {لتجدن أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون}، حيث وصف الله في هذه الآية طبيعة العلاقة مع اليهود بالفعل المضارع المستمر مع لام التوكيد بقوله: "لتجدن"، للدلالة على استمرارية العداوة إلى أن يرفع الله الأرض ومن عليها، وبالتالي فلا إشكال في ذلك إلا عند من لا يؤمن بيقينية الكتاب ومصداقيته، وهذا لا تثريب عليه إن روَّج لقطع ثقافة المقاطعة، وعمل على تكريس حالة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بحجج مختلفة، أحدها ما سبقت الإشارة إليه، إذ ليس بعد الكفر ذنب كما يقال.
على أنّ الإشكال الحقيقي في صراعنا المحموم متمثل اليوم في الجانب الثقافي بأبعاده المتنوعة، وهو ما يسعى الصهاينة إلى تذويبه بيننا، وفي حينه ستكون فرصتهم أكبر في البقاء بين ظهرانينا كأمة عربية (بمسلمينا ومسيحيينا)، ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيكون لهم قصب السبق في تسيُّد الحالة الثقافية وتشكيلها بالصورة التي تخدم وجودهم، وتـُنهي من وجودنا، لنستيقظ وقد أصبح أبناؤنا جميعًا عبيدًا بين أيديهم، يلهون بهم من بعد انتهاء أعمال السخرة الواجبة عليهم. وكل ذلك بسبب تراخ قام ويقوم به شيوخ أفاضل ممن تدركهم غفلة الصالحين.
أولئك الذين انساقوا لزلزلة ثقافة المقاومة في نفوس أبنائنا بقصد أداء شعيرة ليسوا مكلفين بها شرعًا، وهدموا أسوار المقاطعة بحجة مساعدة من لم يعد موجودًا في مكانه، وسارعوا إلى شرعنة التطبيع لأجل إدرار المال على مجتمع يتوهمونه في أذهانهم، ونسوا أن السائح المسلم بالدرجة الأساسية سيكون متوجب عليه أن يصرف الآلاف المؤلفة من العملة الإسرائيلية الشيقل ابتداء بالمطار، وسائق التاكسي، وأجرة النـُّزل، وحساب المطاعم والتموينات، ناهيك عن المردود الثقافي والسياحي العام، علاوة على القيمة السياسية التي ستجنيها حكومة الكيان الغاصب، وكل ذلك من أجل أن نضع بضع دولارات في يد عجوز متوجهة ببصرها إلى السماء، تستشرف لقاء حبيبها وهي رافعة جبينها، ضاحكة مستبشرة، لا تأبه لذلك الشيء الذي أرهق كاهل كفها عن مناداة حبيبها، لتنفض يديها متخلصة من كل ما يخدش كبرياءها وصمودها الأزلي .
إنه الإنسان الفلسطيني الصامد، الذي ما انتظر أن تأتيه طعنته من علماءٍ تأمل فيهم النصرة، ورجا منهم كشف الكرب بعزة وكرامة، وانتظر منهم العمل بجد على فك الحصار عن أهله وبنيه في غزة وغيرها، وأرخى سمعه مع كل صباح منتظرًا سماع هديرهم الصاخب في كل عواصم العالم من أجل وقف نزيف الاستيطان الغاشم. فتلك هي قضيته اليوم أيها الشيوخ الأكارم، وتلك هي قضيتنا نحن معه، فهل هي قضيتكم أيضًا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..