الجمعة، 4 مايو 2012

صلاة الجماعة في أماكن التجمعات

هذه المسألة من المسائل التي اختلفت فيها فتاوى العلماء، نظراً لاختلافهم في وجوب الصلاة جماعة في المسجد، والمسألة تدور حول وضع الجماعة إذا سمعوا الأذان من مسجد، ولكنهم
يصلونها جماعة بدون الذهاب للمسجد للحاجة إلى ذلك، والحاجة متنوعة فمنها:
حاجة عمل كمن يعمل عملاً ولا يسمح له بمفارقته، ومثل ما هو حاصل في دوراتنا حيث إن الذهاب للمسجد يستغرق وقتاً ثم إن الدورة تكون متواصلة وقتاً ليس باليسير، ولعل استعراض أقوال أهل العلم في هذا الأمر يوضحه بشكل جلي:
القول الأول: وجوب الصلاة جماعة في المساجد، وأن التارك لحضور الجماعة في المساجد آثم.
ومن أدلتهم:
1-                   استدلوا: بقول النبي r «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»، وكلمة «قوم» جمع تحصل بهم الجماعة، فلو أمكن أن يصلوا في بيوتهم جماعة لقال: إلا أن يصلوا في بيوتهم، واستثنى من يصلي في بيته، فعلم بهذا أنه لا بد من شهود جماعة المسلمين.
2-                   حديث أبي هريرة قال: أتى النبي r رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله r أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب).
القول الثاني:  وذهب بعض أهل العلم إلى أن كونها في المسجد من فروض الكفايات، وأنه إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وجاز لمن سواهم أن يصلي في بيته جماعة، وهذا قول في مذهب الحنابلة كما حكاه عنهم الحجاوي في زاد المستقنع([1]).
ومن أدلتهم:
1-                    أن النبي r قال: «جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا»  فالأرض كلها مسجد، والمقصود الجماعة، والجماعة تحصل ولو كان الإنسان في بيته، لكنها في المسجد أفضل.
2-                    وأنها ( صلاة الجماعة) من شعائر الإسلام الظاهرة، وما زال المسلمون يقيمونها في المساجد، ولو تعطلت المساجد، لم يتبين أن هذه البلد بلد إسلام، فكما أن الأذان من شعائر الإسلام الظاهرة، وتقاتل الطائفة إذا لم تؤذن، وهو فرض كفاية، فكذلك الصلاة في المساجد، فإذا صلى في المسجد من تقوم بهم الكفاية، فالباقون لهم أن يصلوا في بيوتهم.
القول الثالث: أنه يجوز أن يصلي الجماعة في بيته ويدع المسجد، ولو كان قريباً منه، ولكن المسجد أفضل بلا شك، وإنما لو فعلها في بيته فهو جائز، وإذا قلنا بأنها تنعقد باثنين ولو بأنثى فيلزم منه أن يصلي الرجل وزوجته في البيت، ولا يحضر المسجد، وهذا مقتضى كلام الحجاوي من الحنابلة.
ومن أدلتهم:
1-                    أن النبي r قال: «جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا»  فالأرض كلها مسجد، والمقصود الجماعة، والجماعة تحصل ولو كان الإنسان في بيته، لكنها في المسجد أفضل([2]).

القول الرابع:
التفصيل في ذلك حسب الحالات: حيث إن الصلاة في مكان العمل، أو التجارة، أو الدراسة جماعة او الاجتماعات لا تخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى : أن لا يكون هناك مسجد قريب يمكن الوصول إليه ويسمعون نداءه .
فهنا الصلاة صحيحة ، ولا حرج عليهم إن شاء الله تعالى .
الحالة الثانية : أن يكون هناك مسجد قريب يسمعون نداءه ويستطيعون الوصول إليه بلا مشقة .
فهنا لا يجوز لهم الصلاة في مكان عملهم أو دراستهم وتجب عليهم الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين ؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الجماعة وعدم الترخيص فيها إلا من عذر ، ولا عذر هنا .
الحالة الثالثة : أن يكون هناك مسجد قريب يسمعون نداءه ، إلا أن الوصول إليه فيه خطورة عليهم إما لبعد وخطورة الطريق وخاصة على طلاب المدارس لتفلتهم ولصعوبة ضبطهم فإنهم إذا خافوا على أنفسهم من الطريق ولم يكن لديهم وسيله للوصول إليه إلا بقطع ذلك الطريق ونحو ذلك ، فإن هؤلاء يعذرون بترك الصلاة في المسجد جماعة ، ولهم أن يصلوا جماعة في مكان عملهم ، أو مدرستهم ، ويدخلون في أصحاب الأعذار الذين نص الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على عذرهم بترك الجماعة في المسجد .
مع التنبيه : على أنه لا يتوسع في هذا حتى لا تترك الجماعة الواجبة ، وتهجر المساجد .
وأصحاب هذه الحالة لا يصلون في أماكنهم إلا بعد سؤال من يوثق بعلمه ودينه([3]).


بعض الفتاوى المعاصرة في هذه المسألة:
1-            السؤال: فضيلة الشيخ! يبعد المسجد من مقر العمل قرابة أربعمائة متر، فبعض الإخوان في العمل قالوا: نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛ لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه، فهل هذا العمل صحيح؟ الجواب: الذي نرى أنه لا بأس به أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل، أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون، وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم، فالمهم إذا كان هناك مصلحة أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج (ابن عثيمين الباب المفتوح 64).
2-            سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا خرج جماعة إلى ضواحي المدينة للنزهة ويسمعون الأذان من أطراف المدينة فهل تلزمهم الصلاة في المسجد أو يصلون في مكانهم‏؟‏ فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أما على المشهور من المذهب من أن الواجب صلاة الجماعة في مكانهم، وأما على رأي من يرى أنه يجب على الإنسان أن يصلي في المسجد، وأن الجماعة لابد أن تكون في المسجد كما هو القول الراجح؛ فالظاهر أن هؤلاء لا يلزمهم صلاة الجماعة في المسجد إذا كانوا إنما يسمعون صوت المؤذن بواسطة مكبر الصوت؛ وأنه لولا المكبر ما سمعوا، فالظاهر أنه لا يجب عليهم حضور الجماعة في الحال، لأن هذا السماع غير معتاد ولا ضابط له، ولا يقول قائل إن عموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر‏)‏ يتناول ما سمع بواسطة المكبر وما سمع بدون المكبر؛ لأن خطاب الشارع يحمل على المعهود المعروف، والحقيقة أن سماع المكبر لا ضابط له، فبعض المكبرات يكون صوته عاليا يسمع من بعيد، وبعضها دون ذلك، والمرجع في هذا إلى ما كان معروفا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو السماع بدون مكبر، والله أعلم‏.‏ (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين).
3-            مسألة: الدوائر الحكومية التي فيها جماعة كثيرة، ولهم مصلى خاص يصلون فيه، والمساجد حولهم، فهل نقول لهم: اخرجوا من هذه الدائرة جميعا، وصلوا في المسجد، أو نقول: صلوا في مكانكم ولا حرج عليكم؟ الجواب: الذي نرى أنه إذا كان المسجد قريبا، ولم يتعطل العمل بخروجهم للمسجد، فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد، أما إذا كان بعيدا أو خيف تعطل العمل؛ بأن تكون الدائرة عليها عمل ومراجعون كثيرون، أو كان يخشى من تسلل بعض الموظفين؛ لأن بعض الموظفين لا يخافون الله، فإذا خرجوا إلى الصلاة خرجوا إلى بيوتهم، وربما لا يرجعون، ففي هذه الحال نقول: صلوا في مكانكم، لأن هذا أحفظ للعمل وأقوم، والعمل تجب إقامته بمقتضى الالتزام والعهد الذي بين الموظف والحكومة. فهذا هو التفصيل في هذه المسألة، ولهذا ينبغي ـ إن لم نقل يجب ـ أن يجعل هناك مسجد في الدوائر الكبيرة يكون له باب على الشارع تقام فيه الصلوات الخمس، حتى يكون مسجدا لعموم الناس ويصلي فيه أهل هذه الدائرة([4]).
4-            إننا نبعد عن مسجد القرية ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد؟ الجواب: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من دون مكبر لقربه منكم فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم، لقول النبي r: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له، إلا من عذر)، وجاءه رجل أعمى فقال يا رسول الله: ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، فقال: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب، فالواجب عليكم أن تصلوا مع الجماعة في المسجد إذا كنتم تسمعون النداء، تستطيعون الذهاب إليه، أما إذا كان بعيداً عنكم يشق عليكم الذهاب إليه، لبعده أو لأن أحدكم مرضى أو عاجزون لكبر السن أو نحو ذلك فاتقوا الله ما استطعتم، الحاصل أن الواجب عليك الصلاة مع الجماعة، ما دمتم تسمعون النداء العادي خلو الأصوات تسمعون النداء، أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا يشق عليكم السعي إليه، ولا تسمعون النداء فلا مانع أن تصلوا في محلكم ولا حرج في ذلك([5]).
5-                   وقال الشيخ ابن باز : الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه . . .أما من كان بعيدا عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة . . . فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم اهـ ([6]) .
6-                   نص السؤال : أنا موظف بإدارة حكومية تبعد عن المسجد حوالي خمسين مترا تقريبا، ولكننا نؤدي صلاة الظهر جماعة بهذه الإدارة وكذلك صلاة العصر والمغرب، ولي زملاء آخرون يداومون في فترة مسائية فهل يجوز ذلك بصفتنا بدوام رسمي أو أنه لابد من أداء الصلاة بالمسجد؟ نص الجواب : الحمد لله الصلاة في المسجد مطلوبة وواجبة على المسلم الذي يسمع النداء، فيجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين إلا إذا كان ذهابه من الدائرة الحكومية يقتضي أن الموظفين يتفرقون ولا يصلون وإذا صلوا جميعا في الدائرة انتظم حضورهم جميعا وأداؤهم للصلاة جماعة، فنظرا للمصلحة الشرعية فلا بأس أن تصلي الجماعة في الدائرة إذا كان في هذا ضمان لصلاتهم جميعا. فعلى كل حال إذا أمكن ذهابهم جميعا إلى المسجد فهذا أمر واجب ولا يجوز لهم أن يتركوه، وأما إذا ترتب على ذهاب بعضهم إلى المسجد تكاسل الآخرين وتركهم لصلاة الجماعة فإن من الأفضل – أو قد يكون من الواجب – صلاتهم في الدائرة لأجل المصلحة الشرعية وهي ضبطهم لأداء الصلاة جماعة. والله تعالى أعلم. المنتقى من فتاوى الفوزان.
7-                   سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ( رحمه الله تعالى ) : أحيانا نكون عدة مسؤولين مجتمعين في اجتماع عمل ، ثم يحين وقت الصلاة ، فيقول بعض الإخوة : نحن جماعة ، لنصل في مكان الاجتماع ، فما حكم ذلك ؟ فأجاب : الواجب إذا كان حولهم مسجد أن يذهبوا إلى المسجد ، لأن القول الصحيح من أقوال أهل العلم وجوب الجماعة في المساجد ، فإن لم يكن حولهم مسجد فإنه لا حرج أن يصلوا في مكانهم ، وكذلك إذا كان خروجهم إلى المسجد يخل بالعمل الواجب عليهم بمقتضى الوظيفة ، أو كانوا يخشون على مقر العمل إذا خرجوا وتركوه ، فإنه لا بأس أن يصلوا جماعة في مكان عملهم .
·       الخلاصة:
أن الصلاة جماعة في مكان يجتمع فيه الناس غير المسجد جائزة ولا يأثمون بذلك، والأولى أن تكون في المسجد، وصحيح أن المساجد بنيت للصلاة، وهذا يقال لو تعطلت المساجد من هذه الشعيرة العظيمة، أما والمساجد قائمة فيها الجماعة فلا يقال ذلك لأنها ليست شرطاً لصحة الصلاة على القول الراجح، فلو صلى طائفة من الناس في بيتهم أو سوقهم فصلاتهم صحيحة والنبي r صحح صلاة المرء في بيته وسوقه، ومنع بعض المصلين من حضور المسجد بسبب أعمال يقومون بها كمن يأكل الثوم والبصل، وقد رأينا فتاوى العلماء السابقة التي فيها نوع مراعاة لبعض الأحوال.


الدكتور/ محمد علي الأخرش

([1])  انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين  4/146.
([2])  انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين  4/146.
([3])  فقه القضايا المعاصرة في العبادات" للشيخ الدكتور بكر بن عبدالله أبو زبد رحمه الله.
([4]) الشرح الممتع لابن عثيمين.
([5]) الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
([6]) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (12/58) الإسلام سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..