السبت، 12 مايو 2012

موقف الليبرالية العربية من محكمات الدين


موقف الليبرالية العربية من محكمات الدين
 قد مركز البحوث والدراسات بمجلة البيان ندوة فكرية بعنوان " الليبرالية ومحكمات الدين" بحضور عدد من طلبة العلم والمفكرين حيث أدير النقاش حول دراسة تحليلية نشرها
المركز بعنوان " موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين" للباحث صالح الدميجي.

وحضر الندوة عدد من الأكاديميين و علماء الشريعة والمثقفين أبرزهم الشيخ جعفر شيخ إدريس و الشيخ عبدالله الصبيح و الدكتور أحمد الزهراني و الدكتور محمد الوهيبي بالإضافة إلى الشيخ أحمد اللهيب و رئيس قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الخرطوم الدكتور محمد عبد الكريم الشيخ.
استهل الباحث حديثه بذكره أن موقف الليبرالية من محكمات التدين موضوع متشعب، ولذا جعل حديثه مجرد إثارة لبعض الإشارات المتعلقة بأمرين: المحكمات – الليبرالية وموقفها من المحكمات.
وبعد أن ذكر أن المحكمات هي ما ثبت بنص قطعي وكانت دلالته قطعية عرض لآيتين دلَّتا على وجود هذه ثنائية المحكم والمتشابه، فمنها آية آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، أما الآية الثانية فقوله تعالى في بداية سورة هود :{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} .
ثم بين أن الآيات المتشابهات عند ردها إلى المحكمات يعود القرآن كله محكما بينا ظاهرا عند أهل العلم والإيمان، أما من كان في قلبه زيغ فإنه يبقى متتبعا لهذه المتشابهات حتى لا يستقر له أصل يعتمد عليه .
وذكر أن العلماء قد تنوعت عباراتهم في تفسير المحكمات، وأن من أقربها تعريفهم المحكم بأنه ما عرف تفسيره وتأويله . أما المتشابه فما لم يمكن أحدا أن يعلمه وهذا قال به جمع من أهل التفسير، أما القول الثاني فهو أن المحكم ما لا يحتمل وجها واحد والمتشابه ما يحتمل أوجها متعددة، فإذا أبعدت الوجه المشتبه وبقى وجها واحد يوافق المحكم عاد النص المشتبه كونه محكماً .
ويوضح الدميجي بعض التفسيرات لمعنى المحكم، ثم يضيف :"الآيات المحكمات تمثل جل القرآن وهي الأصل لغيره، ومن خصائصها أنها حجة تدفع الخصوم وأهل الزيغ، والآية بينت أن أهل الزيغ يتتبعون المتشابه، وواضح من الآية كيف يُتَعامل مع أهل الزيغ ، وهي أن يُقابلون بالمحكمات حتى يبطل ما عندهم من المتشابهات".
ومن خصائص المحكمات كما يرد في دراسة الدميجي أنها عاصمة من الضلالة، فبحسب قوله:" إن من يرجع أحكامه إلى المحكم يضمن أن لا يزل ولا يخطئ" كما يذكر أن من خصائصها كونها محفوظة وغير منسوخة .
ويطلق على الحكم بأنه محكم بحسب الدراسة إذا اكتسب القطيعة في ثبوت الدليل و دلالته.
ويقول: "العناية بالمحكمات مهم جدا، وذلك لأن الناس فيها على قسمين منهم من غلب وجعل القرآن كله أو الأدلة كلها من المحكم، وبالتالي ضاق صدره عند خلاف الآخرين معه في دلالات هذه النصوص ولاشك أن هذا تضييق لما وسعه الله عز وجل".
ويتابع قائلا: "و الصنف الآخر الذين وصفوا الآيات والأحكام بالمتشابهات فجعلوا القرآن والسنة كلها من هذا النوع إلا ما ندر، ويأتي على رأس هؤلاء الاتجاه الليبرالي الذي اشتغل على هذه المتشابهات و ترك المحكمات فلا تجد في كلامهم إلا تلك النصوص المتشابهة, وينطبق عليهم الوصف في الآية أنهم من الذين زاغت قلوبهم والعياذ بالله".
و من تفسيرات الدراسة للحراك الليبرالي ضد الدين الإسلامي أنها ترى أن الخطاب الليبرالي اتجه لضرب هذه الثوابت وجعلها هدفه المشروع، و للاستدلال على ذلك فإن هذا المنطلق يتحدث عنه أحدهم قائلا :" لا توجد أصول دائمة وأبدية "ويقول آخر: "قواعد الدين ثابتة وظروف الحياة متغيرة وعند التقاء المتغير بالثابت لابد أن يثبت المتغير أو يتغير الثابت، و ظروف الحياة متغيرة لا تثبت، وبالتالي لابد أن يتغير هذا الثابت حتى يتماشى مع مستجدات الحياة ومتغيراتها".
ويقول الباحث : "إن أحدهم جعل الإيمان بالعقائد الدينية القطعية هو عائقا للتنوير ولا يمكن أن يتقدم ويتنور الإنسان إلا بترك هذه العقائد القطعية وإبقاء الأمور كلها في مجال الظن".
ويتابع : "من هذه النقطة تتبين أهمية مثل هذا الموضوع، موضوع بيان المحكمات وموقف الليبرالية والاتجاه الليبرالي من هذه المحكمات".
ويرى الباحث أن ما يؤكد أهمية طرح موضوع بيان المحكمات وموقف الليبرالية من هذه المحكمات خطورة أنصار هذا التيار وتواصل معتنقيه وأتباعه العمل من أجل زعزعة هذه الثوابت، ويضيف الدميجي أن الأمر ليس اتفاقا و بقدر ماهو تنظيم ظاهر لكل ذي بصيرة في التواصي على زعزعة هذه الثوابت بين حين وأخر.
ويقول أيضاً: "يعتقد أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وجدت مراكز وبحوث واستخبارات تدعم هذه التوجهات، أيضا لخطورة هذا الأمر وضرورة كشف الليبرالية من المحكمات أنهم يلبسون على الناس ويصبح كأن الذي على الحق قد تشدد في دين الله عز وجل وكأنهم الذين فهموا نصوص القرآن والسنة، ومما يؤكد أهمية هذا الموضوع بأن أدعياء الليبرالية يرددون كثيرا بأنهم لا يختلفون مع علماء الإسلام في أصل الدين وإنما يختلفون معهم في فهمه وفي حقيقته وفي فهم نصوص الكتاب والسنة فإذا كشف موقفهم من هذه المحكمات تبين بطلان مثل هذه الدعوة".
ويرى أن ما يدلل على أهمية هذا الموضوع اندفاع هذا الخطاب وأربابه نحو ميادين الأحكام الشرعية والأديان تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير ونسبية الحق والحقيقة، وتاريخية المعنى والتشريع فأوجدوا من الإسلام نسخة مشوهة لا تربطها برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أي رابط.
و يعلق على ذلك: "من هنا لابد أن يعتني بهذا الموضوع ويكشف حتى لا يقع الناس فريسة لمثل هؤلاء الأدعياء خصوصا في مثل هذه الأزمان المتغيرة والمتقلبة التي حار فيها الحليم فكيف بغيره".
موقف الليبرالية من الدين
وتقول الدراسة في توضيح مواقف الليبرالية من الدين:" إذا كانت الليبرالية تقدس من شأن الفرد وتمنع أن يكون هناك من يتحكم فيه من خارجه وتتحرر من جميع القيود وجميع الحدود، فمفهوم الدين يختلف عن ذلك بكثير، ففيه ذل وخضوع وانقياد لله عز وجل، و لا يقبل للإنسان الدين الذي يريده الله عز وجل منه إلا إذا جاء ذليلا خاضعا متعبدا لله عز وجل".
و يوضح الدميجي قائلاً: "من الأمور المختلفة بين الدين والليبرالية أن الدين مرجعيته غيبية ومرجعيته الوحي والكتاب والسنة، وأما الليبرالية فلا تثق إلا بالعقل البشري المادي الذي ينكر هذه الغيبيات". ويضيف :" إذا نظرنا لليبرالية فإننا سنجدها قائمة على خصائص منها الفردية، والعقلانية فإن هذه الخصائص مضادة تماما لدين الله عز وجل في التوظيف الذي وظفت به في الفكر الليبرالي .. فالفردية تعنى بذاتية الإنسان، وأن الإنسان ليس له عناية إلا بنفسه و لا يثق إلا بشيء من داخل نفسه".
ثم تحدث الباحث عن تفسير الليبرالية لظاهرة الوحي، ويقول :"فيما يتعلق بمفهوم الوحي والنبي صلى الله عليه وسلم وخَتمِ رسالته نجد لدى التيار الليبرالي انحرافا كبيرا في ما يتعلق بهذه الأمور، فكثير منهم ينكر ما جاء به الوحي إما بتأويله بتفسيرات تصل إلى حد الإنكار وإما بالإنكار صراحة، وأما بما يتعلق بالنبوة فإنهم قد جعلوا لها معاني تخرجها عن حقيقتها".
وذكر أنهم يرون أن تفسير ختم النبوة بانتفاء مجيء الرسل بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام تفسير قديم، وذكروا أن المقصود الختم من الخارج وليس من الداخل، بمعنى أن العقل البشري كان بحاجة إلى النبوة والرسالة حتى اكتمل ونضج وبلغ سن الرشد ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فلما بلغ العقل سن الرشد فإن محمدا عليه الصلاة والسلام قد أعلن أن النبوة قد ختمت بمعنى أن البشر لم يعودوا بحاجة إلى الوحي بل إنهم بحاجة إلى العقل البشري الذي يكفيهم في معاشهم.
و يؤكد الدميجي أن الليبرالية في العالم العربي لديها انحرافات كبيرة في تفسير نصوص الوحي في القرآن الكريم، وذهبوا كذلك إلى بشرية القرآن الكريم ونصوصهم واضحة بأنهم لا يرون هذا القرآن أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وليس من كلام الله عز وجل.
ويختم الدميجي حديثه عن دراسة بذكر أنهم ناقشوا قضية الفرق بين القرآن الشفهي والقرآن المكتوب، وقالوا أن المكتوب يخالف الشفهي وأن الوحي عندما تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كان مشافهة ولما أريد كتابته قد تغير وتبدل، ويعمدون في هذا الأمر إلى نظريات أخذوها من الغرب هي بعيدة كل البعد عن الواقع الذي كان عليه كتابة الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..