الحمدالله رب العالمين وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
الآيات المتعلقة بالموضوع /
قوله
تعالى (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ
بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
وقوله تعالى (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (:
ما من والٍ إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر،
وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وُقي شرها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه
منهما) صحيح سنن النسائي للألباني رحمه الله -4212-
كان أحد الحكام العرب في العصر الحاضر جالساً في مجلسه , فدخل عليه رجل يبكي , فسأله الحاكم : لماذا تبكي ؟ , قال الرجل : جلالتك
لم أجد احداً يأخذ الزكاة مني ! ( في اشارة منه أنه لا وجود لأهل الزكاة
في بلدك لكون خيرات الحاكم قد عمت البلاد بأكمله ) فتبسم الحاكم لأنه
استطاع أن يرضي شعبه !! وقد كانت هذه التمثلية تحت إخراج البطانة الفاسدة
التي ارادت أن تصور لهذا الحاكم أن الشعب بخير فأنخدع بهذه التمثلية وشعبه
كان فعلاً يتضور جوعاً !!
هذه
القصة لم تظهر إلا بعد تساقط بعض حكام العرب ! قصة مؤلمة جداً تصور لنا
كيفية تعامل الباطنة الفاسدة مع الحاكم فهي لا تحجب الناس عنه فقط بل تصور
له أمور لا صحة لها , فأحد الحكام هرب و قد أصيب بصدمة كبيرة جداً !! كيف
لهذا الشعب الذي كان يهتف لي ويقدسني ويتجمهر في كل مكان عندما أجوب أنحاء
البلاد ويرفع شعارات الولاء لي ؟ كيف له أن يطالب بإسقاطي , وآخر في
المستشفى يبكي ويتسائل ؟ كيف لشعبه العظيم الذي كان يحترمه ويقدره وينشر
اخباره ويتابع اهتمامته ويتجمهر عليه في كل مكان أن يسقطه من الحكم , وأخر
يطلب من الحكام الذين سقطوا بأن يأتوا عنده لكي يعطيهم المكان الآمن وعندما
سئل : هل يمكن لشعبك أن يخرج عليك أو أن ينتزع منك عرشك , فضحك كثيراً
وقال وبكل ثقة : شعبي يحبني لا يمكن أن يخرج علي أو يسقط عرشي فما هي أيام
إلا ونراه جثة يتلاعب بها الأطفال والنساء وكبار السن الذين هم أضعف الناس
قوة !! وآخر نراه في مقاطع الفيديو وهو يؤدي صلاة الضحى والشعب حوله ويدخل
ويجد المسجد مليئ بالمصلين الذين تم تفتيشهم آلالاف المرات قبل دخول المسجد
وتم أخذ العهود والمواثيق منهم بأن من تعرض للحاكم بشيء أو سأله أو نطق
بكلمة فإنه سيسجن مدى الحياة مع التعذيب المستمر فيدخل الحاكم ويصلي ويخرج
وهو سعيد ويرى الجماهير السعيدة التي تهتف له ظاهراً , وفي الباطن تتمنى أن
تفتك به , ونراه الآن يدك شعبه بالصواريخ ويقتل منهم بشكل يومي العشرات
منهم .
أما
بطانة هولاء الحكام فهم أذكياء , فسرعان ما أن بدأت الثورات حتى هربوا إلى
خارج البلاد واختفوا عن الأنظار نهائياً مع أن أكثر الشر الذي كان في
البلاد كان منهم والحاكم قد يكون مفسد لكن فيه رحمة وفيه شفقة على الشعب
لكن البطانة تصوره بصورة سيئة جداً وتجعله مفسداً وتنزع منه أي رحمة أو
شفقة وإن كان رحيماً بالشعب ولا يحب الفساد فإن البطانة الفاسدة تغيب عنه
الحقائق و تفسده وتجعله فاسداً فعندما يحدث أي شر في البلد فإنه يُنسب إلى
هذا الحاكم؟ وعندما يأتي الناس ليتكلموا مع الحاكم تجد
البطانة تضع ألف حصن وألف جندي وألف سؤال قبل دخول الناس إليه وربما منعوا
الناس من الدخول وقالوا الحاكم لا يريد مقابلة أحد وهم يكذبون في ذلك , كما
في كتب التاريخ حيث يحكى أن رجل أراد مقابلة السلطان فمنعته البطانة من
المقابلة فجلس يراقب جدول أعمال السلطان فعرف أنه يخرج في الضحى خارج قصره
فقام الرجل وأذن للصلاة فلما سمعه الحاكم ! سألهم عن الوقت فقالوا له : أنه
وقت الضحى فقال لهم : لماذا يؤذن هذا الرجل قالوا له : لعله مجنون ! فتركه
, فلما جاء الغد قام الرجل ورفع الآذان مرة أخرى وكرر الأمر عدة الأيام
حتى أمر الحاكم جنوده بالقبض على هذا الرجل فأتو بالرجل بين يدي السلطان
فسأله السلطان عن سبب رفع الآذان في هذا الوقت فأخبره الرجل أنه يحاول أن
يقابله فلم يستطع إلا بهذه الحيلة فقضى له حاجته وخلى سبيله .
فكما
نرى فإن الدخول إلى بعض الحكام يحتاج إلى حيلة حتى يصل إليه الناس وإلا
فلن يستطيع أحد الدخول عليه لأن بطانة السوء تحيط به وتفسده ولا تخبره
بمعاناة الشعب أو مشاكلهم أو همومهم بل تخبره دائماً بأنهم بخير وعافية
والبطانة الفاسدة تقوم بتشويه صورة الحاكم أمام شعبه فالحاكم يظن أن شعبه
بخير ويحبه والشعب يظن أن الحاكم فاسد ويكرهونه ولكن يخافون من سطوة السجن
والعذاب فيبقون على حالهم عقود من الزمن يخرج فيها أجيال تربيت على أن
انكار المنكر جريمة كبرى يُعاقب عليها القانون ومصيرها السجن والتعذيب
المستمر حتى الموت ! .
البطانة
الفاسدة غالباً تكون متسترة ولا يعلم أحد بأمرها حتى يسقط الحاكم فعندما
ينتهي الشعب من الحاكم الفاسد التفتوا إلى بطانته فإذا وجدوهم وحققوا معهم
وجدوا أن جميع المشاكل في بلدهم كانت من البطانة الفاسدة نفسها
وهناك مثل فارسي يقول ( إن أكل ملك من بستان أحد الرعية تفاحة واحدة أقتلعت الحاشية هذا البستان من أصوله !! )
ومن
تأمل قصة الوزير الرافضي ابن العلقمي لعنه الله عرف حقيقة البطانة الفاسدة
التي تسببت في قتل الخليفة العباسي وقتل مليون أو أكثر نفس بريئة في بغداد
بسبب ان البطانة الفاسدة مهدت الطريق للتتار لكي يدخلوا إلى بغداد من دون
معوقات حيث تم اضعاف الجيش وفتح الأبواب للتتار الذي دخل وسفك الدماء حتى
اصبحت الدماء تسير في شوارع بغداد فإنا لله وإنا إليه راجعون
هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
سامي بن خالد المبرك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..