الاثنين، 28 مايو 2012

الطرح العاطفي حول القبة الخضراء

اطلعت على ما كتبه أخونا وأستاذنا الحبيب عبد الرحمن بن محمد الأنصاري بعنوان "أيها المتنطعون: لماذا حديثكم الآن عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبته الخضراء؟"..
ولا أخفيكم أنني صدمت من الطرح العاطفي في هذا الموضوع الذي يجب أن يكون الحديث عنه شرعيا صرفا.. فالعاطفة في هذه الأمور خطرة للغاية، وهي التي جعلت أجداد المشركين يتعلقون بتماثيل الصالحين دهرا فيعبدها أحفادهم. ولا أظن أن حبيبنا الأنصاري سيتلقى هذا التشبيه خطأً فيقول إنني أشبّه المدافعين عن القبة بالمشركين أو أشبّه القبة بالأصنام.. فوجه الشبه هنا هو العاطفة التي قد تؤدي إلى تقديس المكان والبنيان.
ولطالما تعجبت من بعض الإخوة الذين يتعلقون بالآثار والاماكن تعلقا عاطفيا ويدافعون عنها دفاعا محموما، ولولا خشيتي من الاتهام لقلت إنهم في الحجاز أكثر منهم في غيرها، وقد يُردّ ذلك لكثرة المواقع المأثورة فيها.
يظهر لي- والله أعلم- أن دوافع هذه النزعة تكاد تنحصر في عاطفتين؛ إحداهما عاطفة الحنين إلى الأيام الخوالي، فيكون الموقع أو البناء مما كثرت مشاهدته أيام الطفولة والشباب وانطبعت عليه المواقف والذكريات، فيمسي في أيام الكهولة وقد اختلط بالمشاعر التي تثير في النفس الطرب والحنين باعتباره "معادلا موضوعيا" لتلك المراحل اللذيذة من العمر أو باعثا لذكريات الأحباب، ثم يفضي الأمر إلى شيء من التعلق بذلك المكان، ومن هذا الباب يتغنى كثير من الشعراء بالأطلال. ولو تأملت قليلا لوجدت أن جل من يبالغون في التمسك بالبقايا والآثار هم من الكهول.
وقد يكون لنزعة التعلق هذه سبب عاطفي ديني، فنحن نحب نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته وأمهات المؤمنين.. أحببناهم منذ عرفنا هذه الدنيا، وانغرس حبهم في نفوسنا على مستوى الوعي واللاوعي، فإن وجدنا شيئا من المحسوسات يربطنا بهؤلاء الذين نحبهم ونتعبد الله بحبهم تعلقنا به دون أن نشعر، وقد تختلط لدينا مشاعر التعلق تلك بمشاعر التدين ونحن على ملة التوحيد، رغم أن التعلق بالأماكن ينافي صفاء التوحيد. فتأمل خداع النفس وتلبيس الشيطان هنا.
ووالله إن نفسي لتنقبض عندما أرى هذا التعلق المحموم بالأماكن، خصوصا وأن تحليل تلك المشاعر واضح، فما خلقنا لها وما خلقت لأجل أن نتعلق بها. وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقبيل الحجر الأسود مشهور.
غير أنني هنا لا أنادي بهدم القبة أو إبقائها، فالحكم في ذلك للشرع ابتداءً وانتهاءً، وإنما لفت انتباهي اندفاع أخينا عبد الرحمن بكل هذا الحماس رغم أن الأمر كله يردّ للحكم الشرعي، وإذا نزعنا عاطفة التعلق بالمكان فإنني لا أجد ما يدعوه للتشدد في معارضة هدمها، فلا هدمها يعد نقصا في الدين أو نقصا في حب حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بقاؤها يعد زيادة في التدين أو في محبته صلى الله عليه وسلم، فما المشكلة إذن؟
وأود أن أهمس في أذن حبيبنا عبد الرحمن فأقول: كن على ثقة بأن من يطالب بهدم القبة امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكون أقل حبا له ممن يسعى للإبقاء على تلك القبة، فليكن مدارنا الحكم الشرعي ولا شيء سواه.
ولعله يتفضل علينا، حفظه الله، بتوضيح أمرين: الأول، كيف يكون هدم القبة "ثلما في فهم الدين ومقاصده"، ونحن هنا نتحدث عن هدم القبة وليس عن شيء آخر. والثاني، تخريج الحديث الذي أورده على أنه صحيح (إن مدفن الأنبياء حيث تقبض أرواحهم)، وقد بحثت عن النص فلم أجده، وإنما وجدت حديثا ضعّفه الألباني هذا نصه (ما قبض من نبي إلا دفن حيث يقبض).

  رشود التميمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..