الحمد لله الذي يعلم السر وأخفى، يحكم بالعدل، ويقضي بالقسط، له الكمال وحده، والصلاة والسلام على قرة العيون وحبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،
فإن الله عز وجل يقول في كتابه ( و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا ) .
وقد شكك في عقيدتي و في ديني بعض من لم يدقق فيما ينقل ويشيع، وبهتني بما لم أرد قوله، فنشر مقطعا باسم ( طارق السويدان و حرية التعبير ) وهو مقطع مدته لا تتجاوز أربعين ثانية من محاضرة طويلة مدتها أكثر من ساعة ونصف ، صحيح أنّه نقل المقطع بصوتي لكنّه جانبه الصواب حينما أوهم الناس أني أقول ماقلته في سياق منفصل عمّا يرتبط به في أول المحاضرة، فلو قال إنسان : إنّ الله عز وجل يقول ( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) لكان صادقا في قوله كاذبا فيما يزعم، فإنّ للآية تتمّة لا تصح إلاّ بها وهي ( لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى )
وقد شاع هذا المقطع وانتشرت تلك الشائعة، وأطلق البعض العنان لأحكامهم وآرائهم وتحليلاتهم، فكان من حقي ومن حق الناس علي أن أبين الأمر وأوضح القصد.
و إني لما رأيت ذلك أحببت أن أصدر بياناً أبين فيه رأيي الشرعي و الفكري في هذه القضية بتفصيل قريبٍ للأفهام مبتعداً قدر المستطاع عن التطويل الممل والاختصار المخل, رجاء أن يكون فيه تطميناً للمشفق وشفاءً للناقد.
اما الحاسد الحاقد -عفى الله عنه- فأمره الى الله
كما قال الأول:
كل العداوات قد ترجى إقالتها ... الا عداوة من عاداك عن حسد
أقول و بالله التوفيق:
منَ المولى عز وجل علي أن استعملني في العمل الدعوي الاسلامي مدةً تجاوزت الأربعين خريفاً، عايشت فيها كباحث مفاهيم الاسلام الكبرى و تعلمت خلالها كدارس مقاصد الشريعة العظمى، و من المفاهيم التي كانت و ماتزال تشكل تحديات عظيمة و تحمل في طياتها إشكالات عميقة داخل الفكر الاسلامي هو مفهوم "الحرية" و منزلتها داخل المنظومة الفكرية الاسلامية. و التي سأحاول جاهدًا من خلال هذا البيان تسليط الضوء على أهمية و مكانة هذا المفهوم ، كما سأبين قناعتي و ما توصلت إليه من نتائج من خلال بحث طويل في متاهات هذه القضية
وحتى أبين الأمر على حقيقته وأجليه لكل منصف وباحث عن الحقيقة فإني أقسم بياني وردي إلى نقاط عدة وعناوين رئيسة.
أولا : مقدمات هامة
1- أؤكد أنه ليس في بياني هذا تغيير لرأيي أو رجوع عما قلته سابقا، لكنه توضيح لسوء الفهم الذي وقع فيه البعض وكان سببه اجتزاء الكلام من سياقه وإخراجه عن مراده.
2- كما أؤكد أن الحوار الذي جرى ويجري حول أفكاري لم يضايقتي أبدا، بل أسعدني، لأن بداية النهضة تكون بحرية الفكر، ومقارعة الحجة بالحجة، وإعمال العقل، كما أن الحوار قد ساهم في نشر أفكاري، والحوار حولها قد ساهم في إنضاجها عندي ودفعني لزيادة البحث والتأصيل، لكن مايضايق المرء أن يتجاوز البعض أخلاق الحوار إلى التسفيه أو التفسيق بل حتى الوصول إلى التكفير والإساءات الشخصية التي يترفع عنها الفضلاء.
3- وإني حين طرحت كلامي طرحته بشكل علني فكان من حق الناس والعلماء أن يردوا أو يناقشوا بشكل علني ، ولا يحتاج الأمر نصيحة في السر فإن ماطرحته لم يكن سرا أو فعلا شخصيا، لكن كنت أتمنى أن لايرد أحد حتى يتثبت، ولا يطلق أحكاما حتى يتبين.
4- وكان من المحزن و المؤلم أن يتلقف بعض الدعاة والمشايخ غفر الله لي ولهم هذا المقطع من غير تبيّن و لا تثبّت، ومن غير أن يكلفوا أنفسهم عناء سماع المحاضرة كاملة، أوحتى الاتصال بي أو التواصل معي بأي طريق ممكن، وبعضهم تربطني به علاقات منذ عشرات السنين أو نلتقي في محافل عامة وخاصة، لكنهم تلقفوا هذا المقطع المجتزأ و بنوا عليه مابنوا من الأحكام والآراء، مع أن الواجب على الدعاة أن يثق بعضهم ببعض، وأن يحسن الجميع الظن بالآخرين، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان، وأن يتمثلوا قول الله عز وجل ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين )
5- والأغرب من ذلك أن البعض شكك في عقيدتي وفي إيماني مع معرفته بي ومع مشوار طويل في الدعوة إلى الله، علما أن عقيدتي واضحة جلية معروفة منذ أن نشرت كتابي ( مختصر العقيدة الاسلامية ) سنة 1976م.
فليتهم - وهم العقلاء وظني بهم أنهم ماحركهم إلا الغيرة على دين الله عز وجل - اتبعوا أمر الله عز وجل ( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا ) أو قول الشاعر :
تمهل ولا تعجل بلومك صاحباً لعلّ له عذراً و أنت تلوم
6- وإنّي لا أحمل في قلبي مثقال ذرّة من بغض أو حقد على كل من أخطأ في حقي أو تعجل في الحكم علي، فأصحب الهوى أمرهم إلى الله، ومن تعجل فسامحه الله، وأما العلماء فهم أهلي وإخواني والعلم رحم بين أصحابه، وإنّ البعض إن قطع هذا الرحم فإني أرجو أن أصله بعون الله تعالى :
وإن الذي بيني و بين بني أبي و بين بني عمّي لمختلف جدا
فإن يكلوا لحمي وفرت لحمهم و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
و إن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووْا غيي هويت لهم رشدا
7- وأعلم أن لي إخوة صادقين وأحبابا مخلصين دافعوا وذبوا عني بحسن ظنهم وصدق أخوتهم، فأسأل الله أن يذب النار عن وجوهم وأن ينصرهم في موطن يحبون فيه نصرته، وأن يغفر لكل من أساء إلي بقصد أو دون قصد.
8- وإني إذ أشكو بعضا من عتب , لكني أؤكد احترامي وحبي لكافة العلماء الأجلاء والإخوة الدعاة الفضلاء، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عبدالعزيز عبدالله آل الشيخ بعلمه ( مفتي المملكة العربية السعودية ) وفقه الله تعالى لكل خير ونفع الذي كان منصفا في جوابه على من سأله فقال: ( إن كان يقصد كذا فالحكم كذا ) وهذا جواب دقيق، وفتوى رجل حكيم، ولأني لم أقصد ما ذهب إليه السائل، فإن الحكم بالتالي لاينطبق علي.
9- كما أتقدم بشكر خاص للشيخ نايف العجمي فإنه من القلة الذين رجعوا لكلامي وتثبتوا من آرائي, فكان نقاشه رصينا وطرحه عاقلا أديبا، فإني أسعد بهكذا نقاش حتى وإن لم يوافقني الرأي ورد علي بكل ماأوتي من قوة الدليل وقناعة الرأي، لكنه التزم ماأرشدنا إليه الإسلام من أدب الاختلاف، فكان راقيا مؤدبا يستحق الشكر.
ثانيا : مبادئ متفق عليها
لا أظن أن مؤمنا – سواء كان عالما أو غير عالم - يخالف أو يشكك فيما سأطرحه من مبادئ وثوابت لدى كل المسلمين، لكن دخول الشك في نفوس البعض تجاه إخوانهم يجعلنا نؤكد على هذه النقاط :
حرمة رد القرآن والسنة ووجوب التمسك بهما.
وجوب تطبيق حكم الله تعالى في كل جوانب الحياة
الاعتراض على الله أو على رسوله فيما أوحى له به كفر صريح وردة لاتقبل النقاش.
وهذه أمور ثابتة معلومة من الدين بالضرورة, أثبتها الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) وقال أيضا ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ), وهو القائل سبحانه ( وما كان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )
فمن شكك في هذا أو رد قول الله عز وجل الثابت فهو كافر بلاشك، بل مجرد الاعتراض على الله سبحانه وتعالى أو على نبيه في أمور الوحي خروج من الإسلام والايمان، لأن الإيمان يعني التصديق المطلق والإسلام يقتضي الاستسلام الكامل لحكم الله سبحانه.
لكني هنا أؤكد على أمر هام جدا، وهو أن بعض الناس يعطي فهمه لكلام الله القداسة نفسها التي يعطيها لكلام الله عز وجل، فالقرآن أمر وفهمي لبعض آيات القرآن أمر آخر، لايجوز أن أخلط هذا بهذا، وهذه إشارة أحببت أن أشير إليها مع أنها ليست في صلب موضوعنا لكنها تكشف لبسا يقع في الكثيرون.
ثالثا : حرية التعبير والاعتراض
1- أما المقطع المجتزأ المنشور والذي اتهمني فيه من نشره أني أجيز الاعتراض على الله سبحانه وتعالى وحاشا لمؤمن أن يقول ذلك، فردي على من فهمه على غير وجهه، وسمعه مجتزأ من سياقه، أني كنت أتكلم عن الدولة المسلمة التي أتمنّى أن تقوم، وعن شكلها وضوابطها ورؤيتها وطريقة قيامها وحكمها، وكانت حرية التعبير جزءا من هذه الرؤية، ولا شكّ أن حرية التعبير ومعها حرية الاعتقاد والدين مكفولة بنص القرآن و الأحاديث الشريفة وبواقع السيرة النبوية المطهرة.
2- فأنا حينما أقول إنه يجوز لليهودي أن يمارس طقوسه في دولة الإسلام لايكون معنى الجواز هنا بمعنى الإباحة الشرعية أي إنّه يجوز للمسلمين أيضاً أن يدخلوا اليهودية و أن يمارسوا طقوسها، فهذا فهم سقيم ومنطق عقيم، لأنّ الجواز هنا بمعنى أنّي أدعه و شأنه حيث إن حرية الدّين مكفولة له في الإسلام , وإن كنت لاأقره على دينه ولاأعتبره صحيحا أو صوابا.
3- وكذلك حينما قلت إنّه يجوز الاعتراض على الله عز و جل وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم, أي إنّنا في دولة الإسلام لانتعرض لمن يعترض على الله عز وجل و على نبيّه صلى الله عليه وسلم بل ندعوه ونناقشه ونقيم الحجة عليه والا كيف سنهديه الى الاسلام.
4- وهذا لا يعني أنّه يجوز لنا نحن المسلمين أن نعترض على دين الله أو ذاته أو حكمه أو على نبيّه صلى الله عليه وسلم، حاشا لمؤمن أن يقول ذلك (إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا ) إنما كنت أقرّر مسألة الحريّة في بلاد الإسلام و ما ينبغي أن تكون عليه، وحينما قلت إنه لا توجد مشكلة لدي أن يعترض على الله من يريد أن يعترض، فقد كانت في سياق منظوري للدولة و تعاملها مع مواطنيها سواء من المسلمين و غير المسلمين، ففرق كبير بين الجواز بمعنى أنّه يباح لكلّ مسلم أن يفعل ذلك و العياذ بالله، وبين ترك الكفرة يعترضون من باب حرية التعبير طالما أنهم لايحاربون دين الله بالقوة ويمنعون نشره، فشتّان بين الكفر و نقل الكفر!! و قد كان اليهود يعترضون على الله عز وجل وعلى نبيّه صلى الله عليه وسلم ولا يحبسهم أو يقتلهم، وكان المنافقون يثيرون الشبه فينزل فيهم القرآن يدحض شبهاتهم و يفند افتراءاتهم من غير أن ينال أحدا منهم بعقوبة دنيوية، والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مليئان بمثل هذا من اعتراض وأسئلة تشكيكية وشبهات ضالة، ومع ذلك كانت الحجة والبرهان والدليل هم الرد الحاسم لا التسكيت والإخراس والقمع.
5- إن الفكر يواجه بالفكر لا بالقانون، والحجة تواجه بالحجة لا بالإكراه، وإن إقناع الناس واستمالتهم بالدليل الواضح والحجة الناصحة والعقل المستنير هو الذي يدوم، لا إجبارهم وإسكاتهم وإرهابهم، ونحن لانخشى من مواجهة الاعتراضات ولا الشبهات فعقيدتنا راسخة ثابتة ناصعة، وفكرنا قوي متين، وحجة الله بالغة، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه.
6- نحن دعاة إلى الله عز وجل ولسنا قضاة على الناس، ولو أنه كلما تكلم متكلم أو اعترض معترض أسكتناه بحد السلاح، وقمعناه بقوة الإكراه، لما كان لوجود الدعاة معنى، ولأمرناهم أن يستريحوا في بيوتهم ليكفيهم القانون إسكات وإفحام المعترضين والمشككين.
ثم إني أقول للناس عامة ولإخوتي الدعاة خاصة: كيف نعالج الشبهات إذا بقيت في أذهان الناس؟ وكيف تطمئن قلوبهم إذا كانوا يجدون الشبهة أو الشك ثم لايجدون من يلجؤون له في مناقشتها ودحضها والاستفسار عنها؟!
إن من لديه شك في أمر من أمور الإسلام فمن حقه أن يبدي هذا الشك وواجبنا نحن الدعاة أن نستمع له ثم نبين له الحق، وهذا أفضل بكثير من بقاء الشك في عقله والريبة في نفسه.
7- كما أن هناك فرقا شاسعا بين حرية التعبير التي أدعو وأؤمن بها, وبين حرية السب والشتم والاستهزاء، لأني تعريفي للحرية الذي أكرره دوما ( قول وفعل ماتشاء بأدب وبلاضرر ), فإذا أساء الإنسان الأدب مع الله أورسوله أوحتى مع الناس , أو استهزأ بدين الله أو المقدسات عندنا أومقدسات غيرنا , فإن صاحب هذا الفعل ينبغي أن يعاقب لأنه تجاوز الحرية إلى الإساءة والضرر, سواء كان من المسلمين أو غيرهم.
8- وأود أن أنبه هنا أن هناك فرق بين تقبل سماع الرأي الآخر واحترام قائله, وبين القبول بنفس الرأي و الإقرار به.
فيجب علينا طبقاً لمبدأ "الحرية" أن نتقبل وجود رأي فيه كفر صريح و لا يعني ذلك البته قبولنا للكفر فضلاً عن وقوعنا فيه و العياذ بالله.
وأيضاً فإن تقبل وجود من يحمل هذه الأراء لا يعني بأي وجه من الوجوه عدم مدافعتها بالفكر والحجة والمجادلة بالتي هي أحسن.
فالاعتراض على الله و رسوله كفر لا شك في ذلك, إلا أننا أمرنا بالدعوة الى الله و مقارعة الحجة بالحجة مع الكفار، كما أمرنا بكشف شبهة من له شبه من أهل الاسلام
9- بل أعتقد جازماً أن لا معنى للإيمان بالله بلا حرية، فالإيمان قبل كل شيء هو قرار و اختيار، و لا اختيار لمضطرٍ فاقدٍ للحرية ، فلا إيمان بلا حرية . كما أن هذه رسالة للعالمين بأن الاسلام دين العقل و العلم و إني مؤمن إيمان عميق بأن الاسلام سينتصر دائماً في أجواء حرية الفكر.
ان الحرية هي جوهر العقيدة الاسلامية فقد نص علمائنا "أنه لا يصح إيمان المقلد" فكيف يصح "إيمان المكره و المجبر و المضطر" .
ان الحرية مبدأ شرعي و حق مقدس من ضربه أو حاربه فقد ضرب أساس الدين و حارب جوهر الإيمان.
10- وكم يؤلمني أن الحرية الفكرية تحارب باسم الدين , مما يجعل الناس يتخوفون من حكم الاسلاميين, وحق لهم ذلك , بينما (لا اله الا الله) هي أساس الحرية , فبدونها سيعبد النسان غير الله تعالى أو سيعبد هواه (أفرأيت من اتخذ الهه هواه).
11- وألخص رأيي بأنه على الصعيد العملي أعتقد أن للأنسان الحرية في أن يعمل ما يشاء ما لم يتجاوز ما اتخذه المجتمع من أنظمة تكفل أمنه و استقراره.
أما في مجال الفكر فلا أرى للحرية فيه حدود الا الادب وعدم الإيذاء اللفظي.
أما ما عدا ذلك فللإنسان أن يعبر عما بدا له من قناعات وان خالفت قناعات المجتمع ,بل و ان خالفت الدين السائد و المذهب القائم, وواجبنا أن نسمع له ونعمل على اقناعه بالدليل والبرهان لا بالتهديد والقانون
رابعا : الحرية حق مقدس
1- الحرية في الإسلام حق محفوظ ومكفول لكل إنسان، بل إن الإسلام جاء ليحرر الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، فليس لأحد أن يحتكر على الناس آراءهم، ولا أن يجبرهم على مايكرهون، بل إن قولة الفاروق عمر ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) أصلت هذا المبدأ وذهبت مثلا في كل لسان، لأن الإنسان مولع بحريته، وحرية فكره ورأيه ومعتقده، وهذا ما أثبته له الإسلام ( فمن شاء فلؤمن ومن شاء فليكفر )وهي وان جاءت للتهديد بالعقوبة في الاخرة فقد ذكر أكثر من عالم أنها تؤصل كذلك لحرية العقيدة في الدنيا ,وجاءت ايات أخرى تؤصل حرية اختيار العقيدة تجاوزت مائتي اية منها (لست عليم بمسيطر) و ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) وغيرها كثير, بل لا أظن أحدا من العلماء يجيز اجبار أي انسان على العقيدة, فهي مسألة محسومة.
2- لذلك فإني حينما أدافع عن الحرية فإني أنطلق من قاعدة إسلامية ومنطق ديني قبل أي أمر آخر، بل إن الإسلام لاينتشر ولايزدهر ولايطبق إلا في أجواء الحرية، ولاتبعدوا النظر، فقد حكمتنا دكتاتوريات كثيرة زعم بعضها أنهم يحكمون بالإسلام كصدام حسين وغيره، فهل كان للإسلام وجود في ظل تلك الدكتاتوريات؟ وهل كان له تأثير أو كان له عبق؟ وهل يمكن تطبيق الشريعة الحقة في ظل حكم ديكتاتوري أم أن الشريعة سيتم تطبيقها بشكل مشوه؟ , وهذا مفهوم قولي (الحرية قبل الشريعة) الذي اعترض عليه البعض لأنهم سمعوه مجتزءا من سياقه.
خامسا : التكفير
1- إن تكفير المسلم أمر خطير جدا، ورميه بالخروج من الدين لايكون إلا بكفر ظاهر محقق وواقع، ويجب على الناس عامة والدعاة خاصة التحقيق والتدقيق والتثبت قبل أن يطلقوا أحكام الكفر.
2- أنا أتكلم هنا من باب النصيحة لكل مسلم وليس في ما وقع لي خاصة، مع أني وجدت من يرميني بالكفر لمجرد عدم قبولي بالقتل حدا للردة، بل إن هناك من المتسرعين من يكفر الناس على أقل من هذا الخلاف!!
3- والتكفير أمر خطير جدا وتبنى عليه أحكام في الدنيا والآخرة , فلا ينبغي لأحد أن يتبرع بإطلاقه كيفما شاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح ( من قال لأخيه ياكافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه )
4- التكفير يفتح الباب لاهدار الدماء , ومن ثمة يفتح الباب على مصراعيه لانتشار الارهاب, وهذا مما شوه الاسلام وجعله يختطف من قبل المجموعات الضالة التي استباحت دماء المسلمين وغير المسلمين .
سادسا: حد الردة
1- لست فقيها لكني أستطيع بفضل الله تعالى التمييز بين أراء الفقهاء وأدلتهم, ولي اطًلاع من فترة طويلة على اراء القفهاء على المذاهب الأربعة , ولكني يهمني فقط القضايا الفقهية التي لها ارتباط بالقضايا الفكرية, ومن هنا كان اهتمامي بحد الردة لارتباطه الوثيق بقضية الحرية.
2- أتبنى رأي بعض العلماء الذين قالوا أن قتل المرتد على إطلاقه ليس هو الحد الشرعي الوحيد والثابت والمعتبر، فبعض العلماء يرى أن حد المرتد يدخل في باب السياسة الشرعية التي يرجع أمرها للحاكم , وأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( من بدّل دينه فاقتلوه ) هو من باب السياسة الشرعية التي لا تحمل صفة الحكم التعبدي الشرعي الدائم كالصلاة و الزكاة و غيرها، بل كان في ذلك الوقت مصلحة في قتل المرتد لردع ضعاف النفوس و خمد فتنة المنافقين .
3- و الآن ربمّا تغيرت المصلحة و أصبحت في ترك هؤلاء و ما يعتقدون لأنّ حرية الرأي و التعبير هي مصلحة للدعوة الإسلامية قبل أن تكون مصلحة لأي فتنة، والمرتد (رغم كفره) يجب أن يحاور ولا يترك أبدا, وأن يعرض عليه الرجوع إلى دين الله بكل الطرق الدعوية والمنطقية الممكنة.
4- كما أن بعض العلماء يرى أن العلة في قتل المرتد هي الحرابة (أي رفع السلاح ضد الدولة)، ولذلك فهم يرون قتل الرجل المرتد وعدم قتل المرأة المرتدة (لأنها أبعد عن حمل السلاح) كما هو الرأي المعتمد لدى الأحناف (الذي سأعرضه في البند السابع) , ولذلك القول بان الأمر مجمع عليه فيه نظر شديد.
5- ثمّ إنّ هذا الجدل هو رأي فقهي , وأنا أعلم أن رأيي يتبناه الأقلية من العلماء, وأن أكثر العلماء على خلاف ما قلت , لكنّ ما المشكلة أن يختلف العلماء في حكم فقهي؟ خاصة أنّ لهذا القول أنصاراً من السلف الصالح والتابعين , ومؤيدين من العلماء المعاصرين ممن ألف في ذلك كتبا وجاء بالأدلة على ماذهب إليه مما سأفصله لاحقا في البند السابع .
6- ويعلم العلماء والدعاة قبل غيرهم أن اجتماع المذاهب الأربعة على شيء لايمنع من مخالفته، و إن كان اجتماعهم في الغالب صواباً ومظنة للحق ,فما بالكم بقضية اختلفت فيها المذاهب الأربعة .
فكما أنهم اتفقوا على اعتبار الطلقات الثلاث في المجلس الواحد صحيحة و معتبرة وتحرّم المرأة على زوجها، وخالفهم في ذلك الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى واعتبرها كلها طلقة واحدة مادام الطلاق في المجلس نفسه، بناء على مذهب سعيد بن المسيب، ثم وجد العلماء المعاصرون والقضاة المتأخرون المصلحة في اعتماد رأي الشيخ المبدع ابن تيميّة رحمه الله تعالى لما فيه من المصلحة العامّة، ولم ينكر أحد عليه ذلك، فلربما أخذ بقول الأقليّة (مثل رأي الأقلية في حد الردة) ما دام له وجه فقهي، وأثارة من دليل، ومصلحة عامة، و توجيه لا يخالف عموم الأدلة وثوابت الدين .
سابعا: النقاش العلمي لحد الردة
الأمر الآخر الذي أو أن أشير إليه في هذا الإطار هو قضية حد الردة و كيفية انسجامه مع ما قررناه من تقبل الشريعة السمحاء للإراء المخالفة و حمايتها لهم. و الحقيقة أن هذه القضية بالذات هي التي كانت محور أغلب الانتقادات التي وجهت لي.
1- تحقيقاً للمناط وتحريرًا لمحل النزاع ... أود أولاً أن أشرح - بتبسيط - تعريف المرتد وماهية حد الردة كما جاء في المدونات الفقهية
المرتد هو كل من كان مسلماً ثم كفر صراحة بالإسلام من خلال إنكار الله عز وجل أو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أو انكر معلوماً من الدين بالضرورة كإنكار فرضية الصلوات الخمس أو حرمة الزنا أو غيره من المكفرات
و تجدر الملاحظة هنا أن الفقهاء بين متوسع و متحفظٍ في أسباب الكفر، و لو قارن أحد بين كتب المالكية "المتوسعين" و الشافعية "المتحفظين" لوجد مصداقا لما ما أشرنا إليه
2- أما "حد الردة" عند من يقول به من الفقهاء فهو القتل ، بعد الاستتابة أو دونها على خلاف بين الفقهاء وبحسب سبب الكفر في كل حالة.
و سبق أن صرحت بكل وضوح بموقفي الفكري و الشرعي "الرافض" رفضاً قطعياً لحد الردة كعقوبة للأفكار , وذلك بناء على فهمي لكتاب الله و سنة رسوله و قواعد الشرع الكبرى. و كررت في أكثر وسيلة إعلامية مسموعة و مقروءة أدلة كثير معتبرة في رفض حد الردة وحتى لا أكرر المكرر أود أن ألخص ما ذكرته من أدلة فيما يلي.
3- أما كتاب الله تعالى فلم ترد فيه آية واحدة في حد الردة رغم حديث القران في عدة ايات عن الردة والمرتد, بل جاءت عشرات الآيات فيه مؤكدة للحرية المطلقة في الدخول في الدين و الخروج منه . و إني لأسأل كل صاحب ذائقة أصولية : أيستقيم عنده أن يأتي الكتاب العزيز بحدود للسرقة و الزنا و هي دون الشرك بكثير ولا يذكر بيان شافٍ لحد الردة ؟ بل ألا يرى الفقيه الخبير و الأصولي النحرير أن ورود أيات كثيرة عديدة في الكفر والايمان مع ذكر الجزاء الأخروي فقط إشارة الى ماذهبنا اليه؟
4- أما السنة فهي المعول عند من يرى بالحد و قد وردت في "حد الردة" أحاديث في الصحاح و غيرها و أغلبها اما معلول سندًا أو متنا و تفصيل هذا يحتاج الى بحث موسع يضيق عنه المقام. و الرد عليها بشكل عام و موجز من وجوه : أولاً يغلب على الاثار الواردة العموم والاحتمال, و الدليل كما هو معلوم اذا تطرق اليه الاحتمال كساه ثوب الإجمال و سقط به الاستدلال.
ثانيا: عدم اطراد الفعل النبوي في اقامة حد الردة , وعدم الاطراد (أو النقض) أحد قوادح العلة عند الأصوليين.
وأخيرًا مخالفتها للصريح الواضح في كتاب الله عز وجل من التأكيد المستمر و المتكرر على حرية المعتقد.
5- أما قواعد الشرع الكبرى فإن من المعروف لكل من درس العقيدة الاسلامية أن أساس الايمان هو التصديق القلبي و القناعة العقلية (ويظهره اللسان ويصدقه العمل) , وأنه لا يصح إيمان المقلد و المكره.
و أنا هنا أتسائل كيف يحل هذا الاشكال عند القائلين بحد الردة؟ وهل طلب الشارع الحكيم منا إجبار الناس على الايمان ؟ و هذا تساؤل مشروع و اشكال حقيقي بين الدرس العقائدي الاصلي و الدرس الفقهي الفرعي, ولا تجد عليه جواباً يرتاح له العقل الا التكلفات البعيدة و المماحكات العديدة.
ان المنسجم مع القواعد الكبرى في العقيدة الاسلامية أن الله أراد للبشر الحرية في الاختيار بين الايمان عن قناعة و الكفر "فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" كما أشرت سايقا.
6- ومع هذه الادلة والبراهين ظل أقوام من أهل العلم و الفضل - هدانا الله و إياهم - يرمون قولي بالضلال و الخلو من الأدلة و البراهين. و قالوا - غير مقتنعين بآيات الله الواضحات- من سبقك الى هذا من سلف الأمة ؟ بل غالط البعض و اتهموني بمخالفة اجماع الامة .. و لم ينصف البعض حين اتهموني بالجرأة على الدين .. حيث جعلوا فهمهم مكان الدين فصار كل مخالفٍ لهم مخالفاً للدين.
7- وأما دعواهم الإجماع على حد الردة فدعوى تحتاج الى نظر. و أما أن لي سلف في هذا الامر فنعم فبفضل الله قد سبقني الى هذا كثير و لن أتكلم هنا بما ورد عن بعض السلف من آثار تفهم منها مخالفتهم لمفهوم "حد الردة" و ضوابطه كالذي ورد عن عمر و علي و ابن عباس رضي الله عنهم و النخعي رحمه الله، إذ أن تأويل الشراح لكلامهم و سيرهم خالط الاثار فما عاد يتبين لنا الأثر من كلام الشارح.
و لكنني سأتكلم بما يوافق كلامي من مذهب آلامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه حيث عندهم أن الإجماع في حد الردة ليس كما هو مدعى, بل هو خاصٌ بالرجل المحارب, وقد خالف الامام أبوحنيفة الجمهور في المرأة فقال لا حد عليها. و خلافه في المرأة هو المفتاح الذي يدلنا على مذهبه الحقيقي في حد الردة و سأنقل أولاً عدة نقولات من عيون كتب المذهب ثم اتبعها بملخص رأيهم و ما يمكننا الاستنتاج منها:
8- قال الامام المرغيناني في كتابه العظيم الهداية أحد أهم كتب المذهب الحنفي :
"(وأما المرتدة فلا تقتل )
وقال الشافعي: تقتل لما روينا ; ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل من حيث إنه جناية متغلظة فتناط بها عقوبة متغلظة, وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها.
ولنا (أي الأحناف): { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل النساء } ، ولأن الأصل تأخير الأجزية (أي تأجيل العقوبة) إلى دار الآخرة, إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء (أي الاختبار في الدنيا) ، وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو الحراب (أي رفع السلاح) ، ولا يتوجه ذلك من النساء ; لعدم صلاحية البنية (أي لأن جسد المرأة أقل صلاحية للقتال)، بخلاف الرجال"
9- قال الامام الكبير الكمال بن الهمام أشهر محققي الحنفية في كتابه فتح القدير "شرح الهداية" تعليقاً على كلام صاحب الهداية:
" وثبت تعليله صلى الله عليه وسلم بالعلة المنصوصة كما قدمناه في الحديث من عدم حرابها, فكان مخصصا لعموم ما رواه بعد أن عمومه مخصص بمن بدل دينه من الكفر إلى الإسلام .
وما ذكر المصنف من المعنى بعد هذا زيادة بيان ، وهو أن الأصل في الأجزية بأن تتأخر إلى دار الجزاء وهي الدار الآخرة فإنها الموضوعة للأجزية على الأعمال الموضوعة هذه الدار لها ، فهذه دار أعمال وتلك دار جزائها .
وكل جزاء شرع في هذه الدار(الدنيا) ما هو إلا لمصالح تعود إلينا في هذه الدار , كالقصاص وحد القذف والشرب والزنا والسرقة شرعت لحفظ النفوس والأعراض والعقول والأنساب والأموال ، فكذا يجب في القتل بالردة أن يكون لدفع شر حرابه (قتاله) لا جزاء على فعل الكفر ; لأن جزاءه أعظم من ذلك عند الله تعالى , فيختص بمن يتأتى منه الحراب وهو الرجل .
ولهذا { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء } ، وعلله بأنها لم تكن تقاتل على ما صح من الحديث فيما تقدم ; ولهذا قلنا : لو كانت المرتدة ذات رأي وتبع تقتل لا لردتها بل لأنها حينئذ تسعى في الأرض بالفساد"
10- وقال الامام الموصلي الحنفي و هو من أعيان أئمة الحنفية في القرن السابع الهجري في كتابه الشهير (الاختيار في تعليل المختار) :
" وإنما لا يقتل (المرتد) لأن كل من لا يباح قتله بالكفر الأصلي لا يباح بالردة, لأن إباحة القتل بناء على أهلية الحراب (القتال) على ما عرف " أي لأن الكافر لا يقتل الا اذا حمل السلاح , فكذلك المرتد لا يقتل الا اذا حمل السلاح.
وقال أيضاً :
"وقد بينا في أول السير أن السبب الموجب للقتل أهليته للقتال ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام نبه على أنه السبب بقوله (لما رأى امرأة مقتولة رغم أنها كانت في ساحة المعركة):
" ما لها قُتلت ولم تقاتل"
11- وينتج لنا من كلام أئمة المذهب ما يلي :
أن العلة في حد الردة عند الحنفية في كما هو مصرح بكلامهم هو الحرابة (أي القتال) أو مظنة الحرابة و ليست الكفر.
وانظر عبارة ابن الهمام الواضحة في ذلك " يكون لدفع شر حرابه لا جزاء على فعل الكفر" فهو في الحقيقة حد حرابة لا حد ردة , والتشابه بين حد الردة عند الحنفية و بين من يقول بحد الردة هو تشابه لفظي لا حقيقي.
أما حد الحرابة فهو محل اتفاق لمن يهدد أمن و استقرار المجتمع.
12- وجاء في كلامهم أيضا التأكيد على القاعدة التي قررنها من قبلُ في الحرية الفكرية و الدينية, وأن الله أراد هذه الدنيا دار ابتلاء و اختبار لا دار جزاء, والجزاء على الكفر انما هو جزاء أخروي فقط كما هو موافق للآيات المحكمة في كتاب الله.
هذا الفهم لحد الردة أجده متسقاً تمام مع كتاب الله و سنة رسوله و القواعد الكبرى في الشريعة السمحة, كما أنه موافق لسماحة الدين و المنطق العقلي عندي
13- كما أن كثيراً من العلماء المعاصرين قد قالوا بذلك منهم مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده والشيخ العلامة الأزهري الكبير عبد المتعال الصعيدي صاحب كتاب (الحرية الدينية في الاسلام) والشيخ محمد رشيد رضا صاحب (تفسير المنار) والشيخ يوسف القرضاوي والدكتور طه جابر العلواني صاحب كتاب (الردة) والدكتور عبد الرحمن الحللي صاحب (كتاب حرية الاعتقاد في الاسلام واشكاليات الجزية والردة والجهاد) وهو كذلك الرأي المعتمد لدى اغلب علماء الازهر الشريف المعاصرين , كما أن عدم قتل المرتد هو الرأي المعتمد اليوم لدى الأزهر الشريف.
فأين الاجماع بعد كل هذا؟.
14- أخيراً و ليس أخراً .. فإني أعلم أن متلقي هذا الكلام مني هو أحد رجلين منصف و جاحد٠
أما المنصف فلعله يقنع بما فيه من الأدلة من منقول و معقول و فروع و أصول و أنه منطلق من الحرص على الموافقة للنقل الصحيح و العقل الصحيح,
أو أنه اذ لم يقنع بكلامي هذا فيحسن بعده الظن بي و أنني ما قلت ما قلت الا عن بحث ودراسة لا عن هوى و غواية. أما الجاحد فلن يقنع بما أقول و إن كان حقاً صراحاً فلا أملك له الا الدعاء بالهداية و الرشاد.
ثامنا : التثبت قبل الحكم
1- أكرر شكري لمن كتب ردودا علمية على آرائي وأثرى فكري وفكر الناس بحوار رصين ومنهج علمي وبأسلوب راق ومؤدب.
وأسال الله أن يغفر لمن أساء الظن أو أساء الأدب.
لكني أعود وأدعو الناس عامة للتثبت وأدعو العلماء خاصة لذلك فهم القدوات للناس.
فأولى الناس بالتثبت هم العلماء وقد فعل هذا معي الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز والشيخ العلامة ابن عثيمين رحمهما الله تعالى اللذان استمعا مني عندهما بلغهما كلام عني و قبلا قولي بل وأكرماني أكرمهما الله تعالى يوم يلقيانه.
2- لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم من زيد ابن أرقم رضي الله عنه (وهو شاب عمره 16 سنة) أن رأس المنافقين ابن أبي سلول قد قال (لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل ) سأل زيدا :
لعلك غضبت عليه (أي لعلك في نفسك شئ عليه)
لعله اخطأ سمعك أي قد تكون غير دقيق في النقل
فلعله شبه عليك (أي قد تكون أخطات الفهم)
كما أرسل إلى عبدالله المنافق يسأله عن صحة هذه المقولة , كل هذا وهو يعلم إيمان هذا الشاب وكذب ذلك المنافق لكن ذلك لم يمنعه ذلك من التثبت.
3- فهذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التثبت قبل الحكم, وهذا مع رأس المنافقين فما بالكم مع غيره .
وغفر الله تعالى لمن اجتزأ كلامي ونشره في اليوتيوب , وغفر الله تعالى للعلماء الذين حكموا بناء على هذا الكلام المجتزأ.
وان قال قائل أنه كان الأولى بي أن أحذر من ذلك, فأقول حتى القرآن لم يسلم من الاجتزاء ، يقول أبو نواس
ما قال ربك ويل للأولى سكروا بل قال ربك ويل للمصلينا
4- وأنا عاهدت ربي سبحانه أني رجاع للحق بإذن الله تعالى، وخاضع للنصوص الشرعية والأدلة المنهجية المقنعة، وقرأت وسأقرأ أي رد علمي ونقاش جاد يصلني، وسأعيد النظر فيما أرى مرة واثنتين وأربعا، فليس يضير المرء أن يرجع إلى الحق إن رآه في غير ماهو عليه، وبل يضيره اتباع الهوى والشهوات والتكابر عن الحق.
5- وأؤكد أن الهجوم الشخصي وسوء الأدب لا يقنع أحدا ولاينفع أحدا ولايهدي أحدا.
وأذكر أن الذين تم جلدهم لقذفهم أم المؤمنين عائشة في حادثة الإفك كانوا صحابة كرام (رضي الله عن كل الصحابة فكلهم عدول والطعن في أي منهم في دينه لا يجوز), بينما الذين نجوا من حد القذف (وكانوا هم سبب الفتنة) كانوا من المنافقين، فقد ينقل الإنسان الصالح الإشاعات ويقع في الإثم بسبب سوء الظن مع أن الأصل حسن الظن وحفظ اللسان.
6- وإنّي باذن الله تعالى وتوفيقه لن أبرح مكاني في الدعوة والعمل والسير قدما فيما ييسره الله تعالى لي، وماكتبت هذا حبا في المجادلة ، ولكني رأيت الأمر انتشر حتى صار من حق إخواني وأحبابي أن أبين لهم مقصدي , وحتى يتبين أهل العلم ممن حجزهم ورعهم من أن يحكموا قبل أن يتبينوا.
والحمدلله الذي لايقضي إلا بالخير.
ويسعدني تلقي المزيد من الحوار والنقاش حول هذا الموضوع الهام .
رزقنا الله جميعاً حسن الظن بكل مسلم و ألهمنا طريق الحق و الرشاد و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
د. طارق محمد السويدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..