الاثنين، 7 مايو 2012

تحرير القول في حكم صلاة الجماعة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين : أما بعد :
هذا كلام مختصر في مسألة حكم صلاة الجماعة، وحيث إنّ هذه المسألة هي جزء من رسالتي  العالمية العالية، وقد طرح هذا الموضوع من خلال هذه المجموعة المباركة، أحببت المشاركة – وعلى سبيل العجالة - وقد
جردت الكلام في هذه الورقة من المراجع والأدلة إذ المقصود هنا هو الإشارة فقط.
وقبل البدء في بيان حكم صلاة الجماعة لابد من التنبيه على مسألة مهمة جداً وهي :
 أنه لابد من التفريق بين ثلاثة مسائل :
المسألة الأولى : حكم صلاة الجماعة، ونقصد بها هنا مقابلتها بصلاة المنفرد .
المسألة الثانية : حكم صلاة الجماعة في المسجد .
المسألة الثالثة : هل القول بأنّ صلاة الجماعة سنة، أو فرض كفاية يقتضي فعلها في البيت أو العمل وترك المسجد ؟
فلابد من التفريق بين هذه المسائل الثلاث، وهذا مالم يفعله جل من كتب في هذه المسالة ؟! ولهذا نجد انه قد وقع خلط كبير في ذكر الأقوال ولم يكن هناك تحرير علميٌ علمياً دقيق لأقوال الفقهاء في هذه المسألة ..
ومن نتيجة الخلط بين هذه المسائل الثلاثة، ما نراه ونسمع به من الخلل في طرح هذه المسألة العظيمة، فهناك من يتبى في طرحه لهذه المسألة الدعوة إلى التقليل من شأن ترك الصلاة جماعة مما أدى إلى التهاون في إداء الجماعة في المساجد، وفي المقابل فهناك من الدعاة والخطباء من يتشدد في حكم صلاة الجماعة في المسجد حتى يصف من فاتته بالنفاق ولولمرة واحدة ؟!

المسألة الأولى : حكم صلاة الجماعة، ونقصد بها هنا مقابلتها بصلاة المنفرد .
اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن صلاة الجماعة فرض عين، ولكنها ليست بشرط لصحة الصلاة، فتصح صلاة من صلى وحده بغير عذر، مع الإثم بترك الجماعة، وهذا قول في مذهب الحنفية، ووجه عند الشافعية، وهو رواية عن أحمد هي المذهب عند الحنابلة، وبه قال عطاء، والأوزعي، وأبوثور.
القول الثاني: أن صلاة الجماعة فرض كفاية.
وهذا قول عند الحنفية، وعند المالكية، وعند الشافعية، ورواية عن أحمد.
القول الثالث: أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة، وليست بواجبة .
وهذا قول في مذهب الحنفية، وهو مذهب المالكية، ومذهب الشافعية، ورواية عن أحمد.
القول الرابع: أن صلاة الجماعة فرض عين، وهي شرط لصحة الصلاة، فلا تصح صلاة من صلى وحده دون عذر، وهذا القول رواية عن أحمد، اختارها ابن عقيل، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
المسألة الثانية : حكم أداء صلاة الجماعة في المسجد .
أختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنّ أداء صلاة الجماعة في المسجد سنة، وهذا هو قول الحنابلة على الصحيح من المذهب.
القول الثاني :  أنّ أداء صلاة الجماعة في المسجد واجب على القريب، الذي يسمع النداء وهذا قول الحنابلة رواية عن الحنابلة، الهو أختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وابن باز وابن عثيمن وعليه الفتوى ، وهو ظاهر عند المذاهب الثلاثة، على خلاف بينهم في كونه واجب على الكفاية أم على الأعيان.
 وعند التأمل في الأقوال السابقة، وعرض أدلتها، والمناقشات الواردة عليها، والإجابات عنها، وما يرد عليها، يظهر  - والله أعلم - رجحان القول الأول وهو القول بوجوب صلاة الجماعة وجوبا عينيا، إلا أنها ليست بشرط لصحة الصلاة، فتصبح صلاة من صلى وحده من غير عذر مع الإثم بترك الجماعة، وذلك لقوة أدلة هذا القول وصراحتها، ولأن النبي - r - لم ينقل عنه أنه صلى الفرض منفرداً؛ وهذا يؤيد هذا القول، بل حتى في مرضه حرص على أن يصليها مع الجماعة، وأيضاً هو الذي تجتمع به الأدلة . والله اعلم .
وسواءً قلنا بأنّ الصلاة في المسجد واجبة أم سنة، فلابد من الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية وهذا غالباً مايغفل عنه مايتحدث عن هذه المسألة، وهو أنّ العلماء وإن اختلفوا في حكم صلاة الجماعة إلا أنهم متفقون على مشروعية الجماعة للصلوات الخمس فى المساجد ، وأنها أفضل من صلاة الفذ .كما اتفقوا على أنها من أوكد العبادات وأجل الطاعات وأعظم شعائر الإسلام !!
قال ابن هبيرة: "وأجمعوا على أن صلاة الجماعة مشروعة، وأنه يجب إظهارها في الناس، فان امتنع من ذلك أهل بلد قوتلوا عليها ".هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... والمقصود هنا أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلوات الخمس فى المساجد هى من أعظم العبادات، وأجل القربات، ومن فضل تركها إيثارا للخلوة والانفراد على الصلوات الخمس فى الجماعات، أوجعل الدعاء والصلاة فى المشاهد أفضل من ذلك فى المساجد، فقد انخلع من ربقة الدين واتبع غير سبيل المؤمنين..".
ولهذا فقد يشكل على البعض: بأنه إذا كانت صلاة الجماعة سنة عند بعض الفقهاء، فكيف يقال: بأنه لا يجوز تركها عند جميع العلماء الا بعذر، والسنة يجوز تركها بغير عذر.
والجواب عنه: بأن القصد تعظيم أمر الجماعة، لما ورد في بيان فضلها، والتشديد في تركها، كما في حديث ابي هريرة – t– قال: قال رسول الله r: "أن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب الى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ".
 وبوب البخاري على هذا الحديث بقولة: باب وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن البصري: "إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة، لم يطعها "[رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، كتاب الاذان – باب وجوب صلاة الجماعة، ص ( 138) ].
وورد نص صريح في النهي عن ترك الجماعة إلا بعذر يبيح التخلف عنها، فقال النبي r: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر" .
قال بعض أهل العلم: "هذا على التغليظ والتشديد، ولا رخصة لاحد في ترك الجماعة إلا من عذر ".
ثم إن الجماعة قد تجب عند من يرى سنيتها بأمر الإمام، فإن قول من قال بأن صلاة الجماعة سنة، لا يعني أن تركها غير مذموم.
جاء في مجموع فتاوى يقول شيخ الاسلام ابن تيمية  23 / 253: "ومن قال إنها سنة مؤكدة، ولم يوجبها، فإنه يذم من داوم على تركها، حتى إن من داوم على ترك السنن التي هي دون الجماعة، سقطت عدالته عندهم، ولم تقبل شهادته، فكيف بمن يداوم على ترك الجماعة "؟! فإنه يؤمر بها باتفاق المسلمين، ويلام على تركها، فلا يُمَكّنُ من حكم، ولا شهادة، ولا فُتياً مع اصراره على ترك السنن الراتبة، والتي هي دون الجماعة، فكيف بالجماعة التي هي اعظمُ شعائر الاسلام".
 قلت: ومن خلال هذه النقول يتضح لنا عدم جواز ترك صلاة الجماعة عند جميع العلماء الا بعذر، وأن القول بالسنية لا يعني التساهل بهذه الشعيرة كما فهمه من لا علم عنده ! .
وبهذا يتبين لنا خطأ وجهل من جعل الخلاف في صلاة الجماعة وسيلة للتهوين من شأنها، وأنّ الأمر سيان سواءً صلاها في البيت أم في العمل أم في كتبه ؟!
وبهذا يتبين لنا القول الحق في المسألة الثالثة : هل القول بأنّ صلاة الجماعة سنة، أو فرض كفاية يقتضي فعلها في البيت أو العمل وترك المسجد ؟


بقلم /
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
المدرس في المعهد العمي في حائل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..