الجمعة، 25 مايو 2012

الإسلام الليبرالي.. هل هو مطلب أميركي؟

خطاب الديمقراطية' الذي تردده الأحزاب الأخوانية والسلفية هو مجرد رسالة طمأنة إلى الخارج، وبالذات، إلى الدول المؤثرة والمانحة التي لا تقدر دول 'الربيع' أن تعيش يوما دون مساعداتها، وهي دول تجعل قيم حقوق الإنسان شرطا لتقديم المساعدات والمنح.
بقلم: مختار الدبابي
أثارت النجاحات التي حققتها الأحزاب الإخوانية والسلفية في ثورات "الربيع العربي" مخاوف كثيرة ليس فقط لدى النخبة العربية التي تشرّبت قيم الغرب وتتمسك بتطبيقها في محيط عربي محافظ، وإنما ايضا لدى شريحة واسعة من المواطنين العرب لا تحضر تلك الحركات لديهم إلا في صورة مجموعات تمارس العنف وتضيق على حريات الناس.

في ذهن الغرب، كما في ذهن الكثير من العرب، فإن نجاح حركة إسلامية يعني آليا تطبيق الشريعة، والشريعة هنا هي حدود الجلد وقطع الأيدي وفرض الحجاب (وفي موضة جديدة للتشدد فرض النقاب كأصل لا محيد عنه في الدين)، ودعوة الناس إلى عدم الاقتراض من البنوك مطلقا بزعم ترك الربا ولا يهم إنْ كانت لهم خيارات بديلة أو لم تكن، المهم أن للمفتين الجدد خيارات بديلة ومريحة في حياتهم الخاصة.

لكن أصواتا في هذه الحركات الصاعدة سياسيا تحاول أن تقول إن الإسلام يمكن أن يكون شيئا آخر غير فتاوى المنع والتضييق على الناس دون مراعاة ظروفهم، فغيبت الحدود وخطاب الزجر وتعهدت بعدم المس بخصوصيات الناس ولا فرض نمط معين من اللباس عليهم..

نعترف أن كثيرين لم يصدقوا هذا الخطاب وأنهم يعتبرونه لعبة "تقية" ومناورة حتى تتمكن هذه الحركات من السلطة، ثم تدير الظهر لكل تلك الشعارات، وهم يقرأون تلك التصريحات "المدنية" على أنها محاولة لاستمالة المثقفين والإعلاميين والحقوقيين وتحييدهم في الصراع على تزعم ثورات "الربيع العربي".

والبعض يرى أن "خطاب الديمقراطية" هو مجرد رسالة طمأنة إلى الخارج، وبالذات، إلى الدول المؤثرة والمانحة التي لا تقدر دول "الربيع" أن تعيش يوما دون مساعداتها، وهي دول تجعل قيم حقوق الإنسان شرطا لتقديم المساعدات والمنح.

وفيما تشترك نخب عربية في اتهام الإخوان بممارسة التضليل للوصول إلى السلطة واختلاق "إسلام على المقاس الأميركي"، فإن دوائر خارجية (وخاصة الولايات المتحدة) بدأت تتعاطى بإيجابية مع هذا الخطاب وهي تراقب سلوك هذه الحركات وتصرفات قياداتها وقواعدها عسى أن يحمل هذا التوجه "بارقة أمل" في قيام "تجارب إسلامية" غير متنطعة تنظر أمام أنفها ولا تحلم بتغيير العالم فيما الأرض التي تقف عليها تعيش التخلف والفقر والأمية.

وقد رحبت واشنطن بـ "الربيع العربي" بما يعنيه من صعود الإسلاميين من خلال تقريرها السنوي حول حقوق الانسان الذي صدر الخميس 24 مايو الجاري، ورأت فيه "مصدر الهام" للعالم.

واعتبرت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي لوضع حقوق الانسان في العالم للعام 2011 ان "الرغبة في التغيير التي ظهرت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هي مصدر الهام". واضافت "لكن التغيير في غالب الاحيان يخلق عدم استقرار قبل ان يؤدي الى احترام اكبر للديمقراطية وحقوق الانسان".

ويعيد النقاش الذي يدور حول النهضة نقاشا سابقا حول ما اصطلح على تسميته بالإسلام الليبرالي منذ سنوات حين صعدت إلى الواجهة قضية الإصلاح في المنطقة العربية في عهد حكم جورج بوش الابن.

والإسلام الليبرالي، الذي اتهمه البعض بأنه صناعة أميركية في مواجهة الإسلام الأصولي الذي يحرض على الوقوف بوجه الامبريالية وضرب مصالحها، باعتقادنا هو حاجة عربية قبل أن يكون حاجة أميركية أو غربية.

فالحركات الأصولية التي حملت السلاح، أو التي يحرض خطابها على العنف والقتل وتكفير المختلف، بمن في ذلك العاملون في ساحة العمل الإسلامي الذين يختلفون معهم في الفهم، لم يجلب للعرب شيئا إيجابيا يُذكر، بل سمح لأميركا أن تضيّق الخناق على العرب وتدفعهم إلى معارك داخلية، ووسع دائرة العداء لهم والريبة منهم.

ويعيش المهاجرون العرب والمسلمون وضعا قاسيا في ظل صعود اليمين الغربي الذي هو في جانب منه ردة فعل على أصولية شرقية تمتعت رموزها وقياداتها بخيرات الغرب (اللجوء السياسي، الحرية، الأمن الشخصي..) ثم أصبحت تستهدف قيمه وتتدخل في حرياته أهله.

كما أن الأصولية العربية لا تحمل برامج ولا مشاريع مرتبطة بالأرض والناس وتريد أن تجبرهم على أن يعيشوا مثلما عاش العرب في قرون قديمة، وهذا الانغلاق هو الذي أدخل الرعب على قلوب فئات كثيرة من الشارع العربي فصارت تخاف المشاريع الإسلامية ولا تثق فيها حتى لو كان الخطاب وسطيا معتدلا.

وباعتقادنا أن الانتخابات التي جرت وتجري هنا وهناك فرصة لمختلف الأوساط العربية، بما في ذلك النخب العلمانية، كي تدعم صعود قطب إسلامي ليبرالي في مواجهة منظومات السلفية والأصولية المنغلقة، والأسباب الداعمة لهذا كثيرة منها؛

* أن الإسلام السياسي أصبح قوة شعبية على الأرض، وهو مرشح للحكم في عدد من الأقطار سواء عبر الديمقراطية أو الانقلابات أو الثورات العنيفة، وأفضل طريقة في التعاطي معه هي استدراجه إلى المشاركة في الحياة السياسية بغايات ثلاث؛

الغاية الأولى دفعه إلى الخطأ ليكتشف المنتمون إليه وعامة الناس أن هذا التيار ليس معصوما من الخطأ حتى وإنْ زعم أنه يمتلك الحقيقة والتأويل الوحيد للدين، وهي حالة ستدفع به إلى التراجع والانكفاء والنزول إلى الأرض.

الغاية الثانية أن إحساسه بالخطأ وعدم القدرة على تقديم الحلول لحياة إنسانية معقدة، لا وجه للمقارنة بينها وبين حياة القرن الأول والقرون التي تلته، سيدفعه إلى القبول بالمشاركة في الحياة السياسية كطرف عادي وليس كحامل للواء الحقيقة، ومن هنا يسهل التعاطي معه ونقده وتقليص حجمه وتأثيره.

الغاية الثالثة منع التحالف بين المنظومات الإخوانية والسلفية، فهذا التحالف لن يقود إلا إلى المزيد من التشدد وتبني الفتاوى الجاهزة خاصة أن التيارات الإخوانية ذات الصبغة البراغماتية لا تهتم كثيرا للتأصيل ولا تقدر على منافسة "التأصيل السلفي" الذي تتفرغ للتسويق له فضائيات كثيرة.

التحالف بين الفريقين سيقوي حظوظ الإسلام السياسي الأصولي (خط جبهة الإنقاذ الجزائرية) في السيطرة على الحياة السياسية العربية، مع ما يعنيه من تضييق على الحريات ومحاربة قوت الشعوب خاصة في البلدان الفقيرة مثل تونس ومصر التي تنبني اقتصادياتها على السياحة والاستثمارات الخارجية.

* لقد جربت غالبية الأنظمة العربية المواجهة الأمنية مع التيارات الإسلامية، بل وتورطت فيها الولايات المتحدة عبر منظومة الحرب على الإرهاب، والنتيجة أن هذه التيارات ازدادت قوة تنظيمية وشعبية وتعمق شعورها بامتلاك الحقيقة حتى صار جزء منها يمارس الإرهاب ويؤصله في الدين، وأضاعت الأنظمة الكثير من الوقت في معركة خاسرة كلفت الشعوب أموالا طائلة وعدنا جميعا إلى نقطة الصفر.

وهكذا، إذا أردت أن تنتصر في مواجهة التنظيمات الإسلامية، خاصة السلفية، فعليك أن تترك الحرية الكاملة لها لتتكلم وتمارس وتخطئ وتشطح ويكون الحكم بينك وبينها هو القانون، وهذه هي الديمقراطية في عمقها.

لا بد من استدراجها للصراع الفكري والثقافي ودفعها إلى مغادرة دائرة استعمال الآيات والأحاديث والأحكام الفقهية الجاهزة (كذاك الشعار الذي رفعه سلفيو تونس منذ أيام بالقيروان حين رددوا "لا دستور ولا قانون قال الله قال الرسول)، وجرها إلى القضايا اليومية والمستجدات الكثيرة التي تعيشها الشعوب والتي لا تحتاج إلى أصول أو قياس وإنما إلى علم وكفاءة.

* ومن باب المعاملة بالمثل، فالديمقراطية تعني، أيضًا، أن تأخذ الدولة نفس المسافة مع المجموعات العلمانية واليسارية، فلا يعقل أن تواجه السلفية مواجهة أمنية قوية وتضيّق عليها أبواب الكلام، بالمقابل تتمتع المجموعات العلمانية بالحرية الكاملة في الإعلام وتستأثر بالأماكن الهامة في الدولة لتمرر أفكارها وبرامجها مع أن الكثير منها لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية.

وتصبح الدولة التي تحارب السلفية مختطفة بيد سلفية أخرى، والسلفية هنا تعني إسقاط قيم وقراءات ونصوص فقهية أو فكرية قديمة على اللحظة الراهنة، بقطع النظر عن الخلفيات الفكرية والدينية.

وهذا العدل مهم لأنه ينزع عن السلفية العربية إحساسا عميقا بالمظلومية والاستهداف ما يزيد من غرورها وتعاليها وتوهم امتلاكها التفسير "الأصح" للدين بما يجيز لها أن تتكلم باسمه وتقسم الناس وفقه.

إن الإسلام الليبرالي المدني المؤمن بالشراكة والوفاق والذي يجعل هدفه خدمة الناس وخلق شروط الاستقرار الاجتماعي أقرب إلى النجاح في المنطقة العربية لكونه يحقق معادلة صعبة ومعقدة وهي الارتكاز على الهوية في بناء التنمية.

مختار الدبابي

محلل سياسي وإعلامي - تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..