تركي السديري والديوان الملكي
والمسافة بين ملعب الصائغ وقصر اليمامة
ملعب الصائغ لمن لا يعرفه ملعب لكرة القدم أنشأه في عام 1378هـ أربعة
من رواد كرة القدم في المملكة العربية السعودية أحدهم محمد بن عبد الله الصائغ الذي
سُمّي الملعب باسمه فيما بعد -رحمهم الله جميعاً- كانت
تقام عليه مباريات كرة
القدم قبل أن تبنى الملاعب والمجمعات الرياضية الحديثة في الرياض. في مدرجات ملعب
الصائغ الشرقية والجنوبية بدأ الاستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض التدرب
على الكتابة والانفعالات الصحفية ، وفي أجواء تلك المدرجات تشكل فيما أظن قدر غير
يسير من رؤاه وتصوراته وربما سماته الشخصية. من الهتافات التي كان يرددها بعض
مرتادي تلك المدرجات هتاف تقول كلماته : "عليهم عليهم ، عليهم عليهم".
كان ذلك الهتاف وما يرافقه من تصفيق وصفير وتلويح بالغتر والشمغ والطواقي والأعلام
أشبه ما يكون بحفلة زار.
تذكرت ذلك المشهد وأنا أقرأ ما كتبه الاستاذ تركي السديري في جريدته
الرياض تحت عنوان "منطق براهين تخلف" وما واكبه وشابهه من كتابات تتابعت
خلال أيام قليلة لبعض "الكتاب" حول حديث فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان
الذي أدلى به لإحدى المحطات الإذاعية المحلية ووجه فيه انتقادات شديدة لمتنفذين
يرى أنهم يقفون وراء مشروع تغريبي يستهدف المملكة ويسعون إلى إحلال القوانين
الوضعية محل أحكام الشريعة.
كلام الشيخ حفظه الله والوسيلة التي استخدمها لنشره محل خلاف كبير بين كثير من محبيه قبل شانئيه ،
وفي رأيي أن الشيخ تعجل بشكل لا يليق بمثله سواء أكان ذلك فيما يتعلق بمضمون ما
قاله أم بالطريقة والوسيلة التي نشره بها ، ومن معرفتي بفضيلة الشيخ وبطيبته وصفاء
سريرته فإنني أعتقد أنه استثير من قبل بعض المندفعين من أهل الغيرة الدينية الذين
تنقصهم الحكمة والمعرفة الحقيقية بالواقع ، وليته تروّى واستشار من هم أعلم منه
بواقع الدولة قبل اندفاعه حفظه الله.
لست ممن يعتقدون إن هناك مشروعاً تغريبياً يستهدف المملكة ، بل إنني
لست ممن يعارضون كل تغريب ، ففي الغرب أمور كثيرة جداً أرى أن من أوجب واجباتنا أن
نتعلمها وأن نستفيد منها في جوانب كثيرة من حياتنا. كما إنني لا أعتقد أن هناك أي
مسعىً على الإطلاق من قبل أي أحدٍ ممن له قيمة واعتبار لإحلال القوانين الوضعية
محل الشريعة في المملكة. وكل ما تشهده ساحتنا الثقافية والإعلامية من جدل حول
مسألة التغريب أو القوانين الوضعية ، هو في نظري ومع احترامي الشديد لكل المشاركين
فيه ، جدل لا مبرر له على الإطلاق ، وما أحوجنا إلى توجيه الجهود والأوقات المهدرة
فيه إلى ما ينفعنا وينفع الناس ويمكث في الأرض.
في هذه العجالة سأقصر حديثي على ما كتبه الاستاذ تركي السديري في
مقاله المشار إليه والذي عنوانه "منطق براهين تخلف" ، وما كتبه بعض الكتاب
الآخرين والطريقة التي علقوا بها على ما ذكره فضيلة الشيخ عبدالمحسن حفظه الله . يؤسفني
القول: إنني لم أطلع على أي مقال مما كتبوه اتسم بالموضوعية وركز على مناقشة
مضامين حديث فضيلة الشيخ عبدالمحسن وتبيين خطئه أو أخطائه أو صوابه فيه ، ويؤسفني
بشكل أكبر أنني لم أر أو أسمع عن أي صحيفة أو وسيلة إعلامية أعدت تقريراً
إعلامياً مهنياً عن القضايا التي أثارها فضيلة الشيخ ، حيث إن كل ما اطلعت
عليه مما كتب إنما كان هجوماً شخصياً رخيصاً على شخصه تجاوز في هبوطه وبدائيته ما
كان يردده بعض مرتادي مدرجات ملعب الصائغ الشرقية والجنوبية في حالات انفعالهم
الشديد.
المسافة الفلكية بين وصف الديوان الملكي للشيخ عبدالمحسن في بيان
اعفائه ب "فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان" ، ووصف الاستاذ تركي السديري
للشيخ عبدالمحسن في مقاله المشار إليه ب "المدعو عبدالمحسن العبيكان" هي
في حقيقة الأمر المسافة التي تفصل بين المدنية والحضارة من جهة وبين البدائية والانحطاط
من جهة أخرى. لم تكن مسؤولية الاستاذ تركي السديري المهنية تقتضي أن يستعيد هتافات
ملعب الصائغ ولا أن يدخل في حفلة زارٍ ويقرع طبول البذاءة ، وإنما كان واجبه
المهني يفرض عليه أن يبادر بإجراء حوار عاجل مع فضيلة الشيخ عبدالمحسن ويحاصره
بالأسئلة المناسبة التي تبيّن إما صحة وواقعية ما ذكره أو خطأه وعدم وجود أساس له
، وفي أقل الأحوال كانت المهنية تقتضي أن يكون مقاله موضوعياً يناقش مضامين ما
قاله الشيخ دون اللجوء إلى عبارة "المدعو" ودون ما تضمنه مقاله من
تجاوزات لا تليق بأي أحد على الإطلاق. المشاركون في حفلة الزار الذين كانوا يظنون
أنهم يدافعون عن الدولة بقرع طبولهم وترديد هتاف "عليهم عليهم" لم
يكونوا في حقيقة الأمر يدافعون عن الدولة وإنما كانوا يسيؤون إليها ويشوهون صورتها
، بل ويسيؤون إلى الوطن وإلينا جميعاً وللأسف الشديد ، وهم حين أمعنوا في التقليل
من شأن فضيلة الشيخ ووصفوه بالحمق والتقلب وقلة الكفاءة والانتكاس والارتداد، لم
يدركوا أنهم في حقيقة الأمر إنما كانوا يهاجمون ويسفهون الدولة التي عينته قاضياً وعضواً
في مجلس الشورى وأخيراً مستشاراً في الديوان الملكي برتبة وزير.
إنني لا يساورني أدنى شك في أنهم جميعاً لو أدركوا تلك الحقيقة لما
كتبوا ما كتبوه لسبب بسيط وبسيط جداً وهو إنهم لا ينطلقون من أساس متين من المهنية
الإعلامية ، وإنما يستلهمون مواقفهم من إرث هتاف "عليهم عليهم". ما الذي
منع كل أولئك الذين هاجموا فضيلة الشيخ ببذائة وسوقية أن يبيّنوا له ولنا
بموضوعيّة ورصانة أن تخوفاته لا أساس لها أو مبالغ فيها في أقل الأحوال ؟ وأن
الطريقة التي عبر بها عن مرئياته والوسيلة التي استخدمها لم تكن مناسبة دون تعييره باجتهادات سابقة له أو نعته بأوصاف
بذيئة ؟ . إننا جميعاً معرضون للخطأ ، وسيوجد في كل وقت من يتجاوز حدود المقبول ،
فهذي سنة الحياة ، وواجبنا أن نعامل المخطئين برفق وأن نبيّن لهم خطأهم بحكمة
ومنطق وحجة دون أي انتقاص أو تقريع دع عنك
إسفاف وبذاءة.
من المفارقات العجيبة في مقال الاستاذ تركي السديري أنه يتهم فضيلة
الشيخ عبدالمحسن بأنه كان يحلم ويأمل بموقع لم يكن مؤهلاً له. وإلى جانب أن القفز
إلى تحديد نوايا الناس خسيسة من أردأ الخسائس ، فإنني أعتقد أن الاستاذ تركي
السديري آخر من يحق له أن يتحدث عن الأهلية والكفاءة ، فما أكثر ما سمعت حتى من
أقرب زملائه في مهنته من يتساءلون عن المؤهلات التي أهلته ليكون رئيس تحرير مؤبد لصحيفة
الرياض ورئيساً مؤبداً لهيئة الصحفيين في المملكة. بل إن من المفارقات الأعجب أن
الاستاذ تركي السديري الذي قاد حملة الزار ضد فضيلة الشيخ عبدالمحسن كان من
المفترض أن يكون أكثر الناس رفقاً وتلطفاً مع المخطئين لأنه من أكثر المنتمين إلى
الساحة لإعلامية ارتكاباً للأخطاء ، بل والأخطاء الشنيعة على وجه الخصوص. كنت
أتوقع قبل أن يكتب ما كتبه عن فضيلة الشيخ عبد المحسن أن يستحضر مقاله الفضيحة
الذي نشره قبل أقل من ثلاث سنوات بعنوان "لماذا لا يعود لبنان إلى
سوريه" ، ذلك المقال الأهوج والرديء الذي أحرج به الدولة وأساء إلينا جميعاً
وإلى أغلبية اللبنانيين والذي كان يجب أن يستقيل من منصبه بسببه لو توافر لديه
الحد الأدنى من المهنية والشعور بالمسؤولية.
أهلية الاستاذ تركي وكفاءته تجلتا بوضوح تام في العنوان العجيب لمقاله
" منطق براهين تخلف" الذي علق عليه فضيلة الدكتور محمد النجيمي مصيباً
بقوله: ينبغي أن تضاف بعد هذا العوان عبارة "مافي كلام معلوم" ، واقترح أن
يتعلم الاستاذ تركي السديري اللغة العربية في معهد تعليم اللغة العربية لغير
الناطقين بها في جامعة الإمام أو جامعة الملك سعود ، كما
تجلتا في قوله: "في كل الأحوال ما يحدث هو جهل في جهل ، ولا تستطيع أن تحصل
على إجابة مقنعة عندما تطلب البرهنة إسلامياً على عدم توظيف المرأة مثلاً.. ولماذا
لا تسير وحدها في الشارع؟" ، ومن حقنا جميعاً أن نسأل المثقف الكبير تركي
السديري مَن مِن جن المسلمين قبل إنسهم على امتداد التاريخ الإسلامي ينسب إليه
القول: إن المرأه لا يجوز لها أن توظف في أي عمل أو إن المرأة لا يجوز لها أن تمشي
وحدها في الشارع ؟ . إن هذا غيض من فيض فما أكثر الأعاجيب في مقال الاستاذ تركي التي
تبيّن علمه وأهليته لو تم تتبعها واحدة واحدة.
قبل أيام نشر الأديب والإعلامي المبدع الدكتور محمد الحضيف أستاذ
الإعلام في جامعة الملك سعود مقالاً قال فيه: إنه أثناء دراسته في أمريكا كان يدهش
من الدور الذي كان يقوم به أساطين الإعلام في أمريكا من أمثال وولتر كرونكايت وتد
كابل وبوب ودوارد وأمثالهم في قيادة حوارات قومية متماسكة وعقلانية لأشد الأزمات
الوطنية الأمريكية ، وكيف إن أولئك الأساطين تحولوا إلى أيقونات وطنية يتعلم منها
الشباب ليس فقط كيف يحاورون ويدافعون عن آرائهم بأدب وحجة ومنطق ، وإنما أيضاً كيف
يتخلون عن شخصنة القضايا من أجل صالح الوطن والأمة.
ما أحوج الاستاذ تركي السديري ومن هم على شاكلته ممن ابتليت بهم الساحة
الإعلامية لأن يتعلموا من سير أولئك الإعلاميين الكبار، وما أحوجهم لأن يدركوا أن
المملكة ولله الحمد قد تجاوزت بكثير زمن ملعب الصائغ وهتافات مدرجاته الشرقية
والجنوبية ، وما أحوجنا قبل ذلك وبعده لأن يكون رؤساء تحرير الصحف وكتاب المقالات في
مهبط الوحي وقبلة الإسلام والمسلمين في
مستوى قيم وطنهم وآماله والتحديات الكبيرة التي يواجهها .
د. أحمد بن عثمان التويجري
والله لو رايتك لاقبلن راسك ....
ردحذفافخر بان صاغت انامل سعودية تلك الاحرف
احسنت
ردحذفولكن تساؤل بسيط ماسبب التأخر في المقال؟ الموضوع له اكثر من اسبوعين؟
مقال يكتب بماء من ذهب لله درك ورحم الله أما أنجبتك وحفظك الله مدافعا ناصحا مصلحا متفتحافكم نحن بحاجة ال ىمثل هذه العقول
ردحذفللأسف اغلب الصحف السعوديه تفتقد المصداقيه والمهنيه !!!
ردحذف