الاثنين، 14 مايو 2012

الإنسان أوردغان . . المصيبُ العَجلان

ويبدو لي ان اوردغان كان ينطلق من مثل هذا الكلام ، ويؤمن بهذه
المعاني حين اعطى لأميركا اشارة تطمين لا أعلم عنها شيئا ولكن أربكان
انتقدها وجعله من أجلها من أهل جهنم ، وأنا اتوقع الاخطاء من أوردغان،
ولا أراه بعين التقديس كما يراه كثير من الدعاة الترك والعرب ، واعترف

بفضله وصواب خطته عموماً من غير ان ازعم له عِصمة ، واستطيع ان
أقف عند بعض تصريحاته وأفعاله فأقول تخميناً أنها هي موضوع تفاهمه مع
أميركا ، وأنه قد أخطأ في ذلك ، ويبقى هو الثقة المبتكر لطريقة سلمية في
التغيير أغرتنا أن نقلدها ، وأنه هو ورهطه فقهاء في تنظير التغيير ، ولكنهم
استعجلوا فذهبوا في تطمين أميركا حبّتين زيادة.
==
الخطأ الاول: ذهابه الى خطأ حماس في قرارها رفض الصلح الدائم
وعدم اعترافها باسرائيل التي هي حقيقة واقعة ، وهذا أكبر سقطاته التي
ليس من الصعب ان نلمس فيها جانب إرضاء أميركا. وهو قد نَصَر غزة ،
ووقف مواقف جريئة ضد اسرائيل ، وقلص التعاون التركي الاسرائيلي في
الجانب العسكري والأمني ، ولكنه يريد كل ذلك على طريقة انور
السادات في ( حرب التحريك ) حين عبر القناة وحقق نصراً من أجل دفع
إسرائيل لقبول الصلح معه ، فهو يريد ان تكون حماس في موقف قوي
لاجبار اسرائيل على ان تخفف شروطها في الصلح ، بينما مشروع حماس
ان تسعى لهدنة طويلة لعشر سنوات من دون اعتراف باسرائيل ولا تنازل
عن حق عودة اللاجئين، وفقه الاستاذ القرضاوي في كتابه عن " الجهاد "
يؤيد مذهب حماس في الصلابة وضرورة عدم الصلح والاعتراف الدائم.
==
الخطأ الثاني: عرضه وتنفيذه لوساطة بين اميركا والفصائل الجهادية
العراقية لإنهاء القتال والالتحاق بالحكومة مقابل مناصب وامتيازات ، لكنه
لم يكن منحازاً للمقاومة بشكل حاسم ، فحصل تخدير للمجاهدين من
دون تحقيق نتيجة ، وهذه قضية لا يعرفها معظم الناس. واوردغان على
العموم يتخبط في العراق ولم يمارس دوراً قوياً في إسناد اهل السُنّة بمقابل
دور ايران الكاسح في اسناد الشيعة ، وأحد مظاهر تخبطه انه جعل السفاح
الطاغية الدموي المجرم محمد جواد المولى مستشاراً للحكومة التركية في
الشأن العراقي ، لأنه تركماني من اهل تلعفر في العراق غرب الموصل ،
مع انه هو الذي اسس ( فيلق بدر ) في ايران بالتعاون مع الحكومة
الايرانية، ومارس خطة تقتيل أعيان أهل السنة في العراق تحت رعاية
الاحتلال الاميركي ، وله تاريخ اسود ، وسبب ثقة اوردغان به انه تركماني
يظن فيه الإخلاص لتركيا ، مع انه مستعد لبيع ألف تركيا لصالح خطته
الطائفية ، مما يشير الى بقايا شعور قومي تركي في اوردغان، وقد بلّغناه
بحال المولى هذا وإجرامه ، ونصحناه بتركه وتعيين مستشار سني ، ولكنه
أعرض عن نصحنا ، ولذلك حصل نشاط اختراقي من الأحزاب الطائفية
العراقية للمجتمع التركي والى حد يشكل خطورة مستقبلية ، وعلى الاخص
حين نلاحظ وجود نصف مليون علوي في اسطنبول اصلهم من علوية
منطقة قره حصار في اقصى شرق تركيا ، واقامت الاحزاب العراقية معهم
الآن اقوى العلاقات وترعاهم وتبث دعوتها في صفوفهم ، واوردغان لا يأبه
ويستهين بالامر ، لضعف في وعيه التاريخي ، حتى انه ذهب الى
حسينياتهم في عاشوراء اواخر سنة ٢٠١٠ وخطب فيهم عن إيمانه بالدرس
الثوري في قصة مقتل الحسين رضي الله عنه ، تقرباً لهم وطمعاً بأصواتهم
الانتخابية ، فعاتبه في ذلك شيخه رئيس علماء الشرع الحنيف في تركيا
وأنكر عليه ان يبلغ هذا الحد في المداراة.
==
الخطأ الثالث: إعراضه عن اختراق ايراني قوي للمجتمع التركي مدفوعاً
بشعور عداوة صفوية تريد أن تنتقم من فعلة السلطان سليم في كسر شوكة
الشاه اسماعيل الصفوي بمعركة تبريز ، وأخطر هذا الاختراق سعي إيران
الدائب لبناء تنظيم لحزب الله في شرق تركيا بخاصة ، وبناء الحسينيات
ومراكز التبشير الخمينية في اسطنبول ومدن اخرى ، واسناد ساسة يوالونها،
حتى أن رئيس المعارضة الآن هو شخص علوي ، وذكر اوردغان ذلك ،
ولكن بأنفاس الاشارة الى خطر بشار الاسد وليس بأنفاس الاشارة الى خطر
ايران ، وهو في تهاونه هذا على أشد الخطأ ، وسيندم لاحقاً، لأن العامل
التاريخي والبدعي هو الذي يقود الموقف الايراني لا الدبلوماسي ، وكما ان
اميركا ساعدت ايران على اختراق منظومة الأمن الاستراتيجي العربي فانها
تريد أن تساعد أيضاً وبموازاة ذلك على ان تخترق ايران منظومة الامن
التركي ، لغايات بعيدة تريدها اميركا كان الرئيس نيكسون قد نبّه إليها
وكتب في مذكراته ان أكبر خطأ ارتكبته السياسة الاميركية أنها لم تستثمر
الخلاف الشيعي لأهل السنة ، واوصى الرؤساء من بعده ان يستدركوا
ويستثمروه ، وأنا لا استبعد ان تكون اميركا اوحت الى اوردغان ان يسلك
دبلوماسياً مع ايران ، وتخدعه بأن القصد هو احتواء ايران بينما هي تريد ان
يتحقق هذا الاختراق ، واوردغان يظن انه يرضي اميركا بذلك وفي نفس
الوقت يقوم بتحييد إيران ، فيحقق مكسبين وليس مكسباً واحداً ، ذاهلاً
عن النوايا الحاقدة التي تضمرها إيران.
==
الخطأ الرابع: تأخره في اكتشاف ضرورة إزاحة القذافي وتصريحه بأن
القتال في ليبيا خلاف بين أشقاء ومحاولته الصلح ، ومهما قيل انه يداري
الاستثمارات التركية في ليبيا بذلك: إلا أّن خاطراً يقع في القلب أنه إنما
يقف هذا الموقف الوسط لانه كان يلمس ان اميركا في المرحلة الاولى من
الثورة الليبية ما كانت ترغب في ازالة القذافي نهائيا ، وإنما تقليم اظافره
والضغط عليه وتحصيل تنازلات منه وعبودية تامة لها ، ولم يستدرك
أوردغان إلا قرب نهاية الثورة بعدما بات من المرجح سقوط القذافي.
==
وخطأ خامس يمازجه صواب ، أو صواب يحمل في ثناياه احتمالات
الخطأ ، وهو موقفه المتحمس في إسناد الثورة السورية على حكم النصيرية
وبشار الأسد ، وهو موقف جريء نلمس واقعيته من أنه مشتق من حالة
خلاف قديم بين تركيا وسورية ، ومن انه يتخلص بذلك من امتداد
الالتفاف الايراني بعد العراق ليطوّق تركيا من جنوبها بحكم اسناد ايران
لسورية ، فكأنه طوق ايراني من الشرق والجنوب به وبالتهديد اليوناني
تكون تركيا محاصرة لولا الثغرتين جهة البحر الاسود والبحر الابيض، وفي
موقف اوردغان ايضا مقدار من صدق الرغبة بدافع إيماني لاسناد الاحرار
العرب ، ولكن الخوف في ان يكون كل ذلك بسبب انه يلمس اندفاع
اميركا في طريق إزاحة حكم الاسد لإتاحة صلح بين سورية واليهود لا
شروط فيه ، لذلك ننتظر ونحكم على ما يكون من تصرف اوردغان بعد
زوال الأسد ، فإن كان سيتحمس لإغراء سورية الثورية بعقد معاهدة السلم
مع اسرائيل فمعنى ذلك أنه هو سفير اميركا للثوار وتريدهم أن لا يجفلوا
منها فترسل لهم صديقاً وديعاً ينجز المهمة بعدما لمست من ان ضغطها
المباشر يخيف الثوار وغيرهم ، ويشهد لهذه السفارة أن وزير الخارجية
الاول في حكومة اودرغان قبل أحمد داود كان قد زار دمشق مراراً وعلناً
ساعياً في صلح مع اسرائيل ولكن الدعاة العرب من عادتهم النسيان
والتأويل ، ثم سننتظر مرة اخرى لنرى إن كان اودرغان بعد الصلح السوري
الاسرائيلي سيسعى في مد قناة المياه من سد أتاتورك الى اسرائيل لانقاذها
من العطش ، فإنّ سد أتاتورك أنما تم انشاؤه من أجل هذا الغرض ، وهو
أمام قرار استراتيجي أبرمه مجلس الامن التركي سابقاً بحجز المياه وإيصالها
الى اسرائيل ، فإن لان ولم يقاوم وروى عطش اسرائيل: فاعلموا ان مقالة
أربكان في وجود تعهدات أوردغانية لاميركا مقالة صحيحة ،
فإن استثمرالظروف الجديدة وتغيُّر المعادلات الاقليمية والدولية: فيكون الدليل في
ذلك على أنه تاب ورجع الى الأصل وأنه كان متأولاً ومرناً أمام ضرورة ،
والايام هي التي ستصدّق او تكذّب الظنون ، وبعض الظن إثم ، ولكن
بعض الظن حزم أيضاً ووعي ونباهة ، وعيبنا اننا نقع في تقديس المصلح
المحسن ، واوردغان بطل ، ومحسن كبير ، وسياسي بارع ، وتنموي
ناجح ، وأحد مناقبه: أنه بنجاحه أوقد شعلة الربيع العربي وكان أحد
الاسباب في اتقادها ، وانا معجب به ، وله مبايع ، ولكنه قبل كل ذلك
إنسان يمكن أن يقترف الخطأ اذا اجتهد ، وانتصارات اميركا في تحرير
الكويت ثم في احتلال العراق: جعلته يصدق مقولة ان اميركا دولة لا تُقهر
وأنها سيدة العالم ويجب التفاهم معها ومسايرتها الى حدٍ ما وما كانت
الازمة المالية قد حدثت لتعظه، وما كان الجهاد العراقي قد حقق النصر
بعد على الجيش العاتي ليفهم ان التطمين درجات ، وان درجته الدنيا
جائزة شرعاً وسياسة ، وان فقه الدعوة يقول بها ، ولكن تحول التطمين
الى وعود والتزامات فيه بأس ونظر

محمد أحمد الراشد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..