08-10-1433 11:04 AM
عاجل (متابعات)-
تؤكد مؤلفة كتاب (هذه حقيقتي) ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي الهارب أن علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي، في ظل زين العابدين بن علي، لعب دوراً هاماً في إبعاد الرئيس التونسي السابق إلى السعودية، وأنه هو الذي أقنعه بضرورة الابتعاد «قليلا» عن تونس.
وهي تثير الكثير من الأسئلة عن حقيقة دوره، وهل كان متآمرا أم كان يريد إبعاد الرئيس التونسي السابق خوفا على حياته؟ أم كان يحضّر لوصول آخر؟. فلماذا جرى اعتقاله بعد رحيلهم إذن؟.
إنها تقدم بكل الأحوال توصيفا للعديد من الوقائع والشهادات عن دوره. هذا إلى جانب ذكر دور شخص آخر في «احتجاز» أفراد من أسرة «بن علي» وأسرة «الطرابلسي» كرهائن، وذلك الشخص هو سمير الترهوني، أحد عناصر كتيبة مكافحة الإرهاب.
وهي تطرح تساؤلات أيضا عن دور الجنرال رشيد عمار، قائد أركان الجيش التونسي وعن حقيقة دوره في ترحيل بن علي إلى السعودية.
وبعد أن تتعرض ليلى بن علي لما تسميه بمعاناة أسرتها وأسرة زوجها، تحكي عن بعض المنعطفات الأساسية في مسيرة حياتها.
غداة يوم 14 يناير من عام 2011. تلقى الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي معلومات في غاية الأهمية من مروان مبروك. وتحدد ليلى بن علي مفاد تلك المعلومات أن أحد مستشاري قصر الإليزيه، مقر الرئاسة الفرنسي، أبلغه أن أحد حراس الرئيس التونسي مكلف باغتياله.
هل كانت تلك المعلومات دقيقة؟ هكذا تتساءل زوجة الرئيس التونسي السابق. وتضيف تساؤلا آخر عما إذا كان الأمر يشكّل بالأحرى جزءاً من «سيناريو» مكرّس لإبعاد الرئيس التونسي السابق بن علي بأقرب وقت ممكن. وذلك بالاتفاق مع علي السرياطي الذي كان على علاقات وثيقة مع برنار سكارسيتي، مدير الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية؟
وتشير ليلى بن علي إلى أن ما تصفه بالانقلاب كان مبرمجا لصباح 14 يناير 2011. ومنذ الصباح أفرغوا قصر قرطاج وحضوا المتظاهرين على الخروج إلى الشوارع وجرت تعبئة وسائل الإعلام ورُفعت شعارات: «إرحل!». وسرت بالوقت نفسه شائعة في عموم تونس مفادها أن الجنرال رشيد عمار، قائد الجيش، رفض الأوامر الصادرة بإطلاق النار على الجماهير، مما جلب غضب الرئيس الذي استدعاه من أجل صرفه من الخدمة. «هذا كله لا أساس له من الصحة»، تقول ليلى بن علي، وتشير أن صلات بن علي كانت مع وزير دفاعه أولاً، وبالتنسيق معه كان يتم اتخاذ القرارات.
وتؤكد أنه كان ينبغي أن يذهب رشيد عمار إلى التقاعد منذ فترة طويلة، وأنه جرى الاحتفاظ به لضرورات المهنة، وأن بن علي لم يستدعه أبدا خلال فترة الاضطرابات، لا بقصد «صرفه» من الخدمة ولا لأي سبب آخر. وتنتهي إلى القول: «اقتناعي هو أن أولئك الذين حضروا الانقلاب، ذلك أنه ينبغي الآن تسمية الأشياء بأسمائها، لم يكونوا من وزارة الداخلية باستثناء بعض الذين جرى استغلالهم. ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك».
السرياطي والترهوني
وتعود ليلى بن علي للحديث عن ذلك الحلم الذي تراءى لها أثناء نومها، حيث كان علي السرياطي يجلس (في الحلم) بالسيارة إلى جانب بن علي وهي في المقعد الخلفي. وفجأة أخرج علي السرياطي مسدسا وصوّبه لرأس بن علي. عندها بدأت تصرخ ووجهت الكلام له قائلة: «لماذا تفعل ذلك؟ لا تقتله، أرجوك، لا تقتله». «ذلك الحلم ألحّ على ذاكرتي يوم 14 يناير»، كما تقول.
وتحدد ليلى بن علي القول أن علي السرياطي، كان «ثرثارا» ويحب تقديم نفسه بشخصية «من يعرف كل شيء» وأنه «يعرف كل الأسرار». وتشير أنه «منذ بعض الوقت كانت ردود أفعال السرياطي غريبة». وذلك ما تجده في طريقة معاملته لأسرتها وحديثه المستمر بالهاتف. وذات مرة توجه للرئيس التونسي السابق عند نهاية إحدى مكالماته وقال: «إنه يتجرأ على شتيمتي، يا سيادة الرئيس!». ولم يجب عندما سأله بن علي من يقصد بذلك. تعتقد ليلى أن المقصود كان أحد مرؤوسيه.
سر مبهم
وتؤكد ليلى بن علي أن أحد الأسرار المبهمة بالنسبة لها يتمثل دائما بإلحاح السرياطي على ابتعاد بن علي. وهل كان الأمر خوفا على حياة الرئيس وبدافع المحبة والإخلاص حياله؟ أم كان من أجل تحضير المكان لآخر؟ أو لأسباب أخرى؟
خطة المراحل
وتروي زوجة الرئيس أنهم عندما كانوا بجانب الطائرة تلقى السرياطي اتصالا هاتفيا سأله المتحدث: لماذا لم تقلع الطائرة حتى الآن؟ كان على الطرف الآخر دون شك الجنرال رشيد عمار أو وزير الدفاع. وكان من الواضح أن مهمة صعود بن علي ورفقته إلى الطائرة ومغادرتهم تونس موكلة للسرياطي. لكن ليلى بن علي تتساءل أنه إذا كان الأمر كذلك لماذا جرى اعتقال مدير الأمن الرئاسي لدى بن علي؟. وتقدم فرضيتين: الأولى هو أنه كان يلعب «دوره» ولكن آخرين انقلبوا عليه، والثاني هي أن اعتقاله يعود إلى «خطأ في الإخراج».
وتشرح أن السرياطي عمل حسب خطة «المراحل» الغالية على التونسيين. المرحلة الأولى إقناع الرئيس التونسي السابق بإبعاد عائلة الطرابلسي إلى الخارج ثم إقناعه بإرسال زوجته والأطفال للاستراحة في السعودية ثم مرافقتهم إلى المطار ثم مرافقتهم بالاعتماد على «سيناريو الكارثة» في البلاد. ولقد وثق فيه بن علي و»وقع في الفخ». وإلا «ما كان له أن يغادر». هكذا صعد إلى الطائرة بدون نظارتيه وبدون أمتعة ودون جواز سفر، وحتى دون أدويته.
وكان السرياطي هو نفسه الذي تولى شخصيا استقدام أفراد الأسرة كلها إلى سيدي بوسعيد صباح 14 يناير 2011. وأسئلة كثيرة هنا: لماذا أخفى السرياطي على الرئيس التونسي السابق أن الحرس الرئاسي غادر قصر قرطاج فجر ذلك اليوم؟ ولماذا لم يخبره أن رجال الشرطة سلّموا أسلحتهم للجيش؟
وتنقل ليلى بن علي عن شاهد تقول إنها «لا تستطيع ذكر اسمه، قال إنه تحادث هاتفيا مع السرياطي بعد إقلاع الطائرة مباشرة وسمعه يقول له: «لقد وضعته للتو في الطائرة»، وكان يقصد الرئيس السابق بن علي. وعلى خلفية اعتقاده أن «الشاهد» أغلق هاتفه سمعه يقول لصحبته: «هيا يا شباب يمكننا الآن أن ندق الكؤوس، فالرئيس غادر». وبعد مغادرة بن علي لم يتوجه السرياطي إلى القصر الرئاسي للدفاع عنه ولكنه ذهب إلى صالة شرف المطار حيث جرى اعتقاله بأمر من وزير الدفاع بينما كان الأكثر إلحاحا هو اعتقال سمير الترهوني.
كان هذا الأخير مجرد عنصر في كتيبة مكافحة الإرهاب. لكنه تباهى بعد 14 يناير أنه هو الذي قرر اعتقال أفراد أسرتي بن علي والطرابلسي. وافتخر أمام وسائل الإعلام أنه المسؤول عن «أخذهم رهائن» وبـ»مبادرة منه».
وتشير ليلى بن علي أنه هو الذي اعتقل إحدى بنات الرئيس السابق من زواج سابق ثم أفرج عنها. وتنقل عنه قوله: «لو كان الأمر يخص نسرين، ابنة ليلى، كنت سلخت جلدها». وتشير أن الترهوني والسرياطي كانا على خلاف كبير.
فسمير الترهوني تصفه أنه كان «جاهلا ومجنوناً بالعظمة، ويشبه رجال العصابات، ووقحاً ومنفراً» ولم يكن يروق للسرياطي الذي عمل تحت أمرته في الأمن الرئاسي فصرفه من الخدمة حيث ذهب الترهوني للعمل في كتيبة مكافحة الإرهاب.
شهادات متقاطعة
وتوجّه ليلى بن علي الانتباه إلى ما تسميه «نقطة أخرى هامة «تقدمها بالاعتماد على عدة شهادات تتقاطع ومفادها أن عندما علم وزير الدفاع بالوضع في مطار «العوينة» طلب من رشيد عمار تفريغ المطار وتوقيف نشاط عناصر كتيبة مكافحة الإرهاب بأي ثمن وإعلانه عن رفضه لـ»احتجاز الرهائن» وضرورة إخراجهم من هناك.
لكن الجنرال رشيد عمار لم ينفّذ أوامر وزيره. وهذا يعني برأي ليلى بن علي أنه كان على علم بما يجري، أو أنه كان يخشى معركة دموية بين الحرس الوطني مدعوما من كتيبة مكافحة الإرهاب وبين قواته. بكل الأحوال ترى أن كل شيء يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن ما جرى يوم 14 يناير 2011 كان «مبرمجا» منذ أيام عديدة.
وفي يوم 15 يناير 2011 تحدث محمد الغنوشي مع بن علي في الهاتف وخاطبه «السيد الرئيس» كالعادة. ولكن عندما أعلن بن علي أنه عائد توسل له رئيس الحكومة قائلا: «خاصة ليس الآن: وينبغي الانتظار بعض الوقت».
في اليوم التالي طلب بن علي من الغنوشي تزويده ومن معه بجوازات السفر وبالأدوية. وأكد برسالة لفؤاد المبزع عن غضبه وانزعاجه لقبوله بشغل منصبه على رأس الدولة، مؤكدا أنه لا يزال هو رئيس الدولة الشرعي لتونس طالما أن الدستور لم يتغير.
مسيرة حياة
بعد حديث ليلى بن علي تحت عنوان «عائلة تعيش الرعب» عن المتاعب والاعتقالات التي شهدتها أسرتها وأسرة زوجها، حيث يوجد في السجن العسكري لـ»العوينة» قسم مخصص لأسرتي «بن علي» و»الطرابلسي»، وعن المحاكمات «الصورية» وعمليات التشهير الإعلامية، تنتقل إلى الحديث عن مسار حياتها منذ «الطفولة» و»لقائها مع الرئيس التونسي السابق» و»حياتها كسيدة أولى» وأخيراً «حياتها كزوجة وأم».
هكذا نعرف أنها من مواليد 24 أكتوبر من عام 1956 في مدينة تونس. وأن أسرتها تتألف من خمس بنات وخمسة فتيان. وتعترف أنها تقدمت ثلاث مرات للحصول على الشهادة الثانوية - البكالوريا- لكنها فشلت في المرات الثلاث.
وهي تدحض جميع ما قيل عن حصولها على شهادات جامعية وأطروحات دكتوراه «محاباة لها». وتؤكد قولها «لم أحصل أبدا على الشهادة الثانوية، ولا أحمل شهادة جامعية ولا دكتوراه، ولم يرني إنسان وأنا أبرز مثل الشهادات».
وتعلن أنها تزوجت مرة أولى عندما كانت شابة بالغة ومن شاب كان يقطن مقابل مدرسة «مونفلوري» الثانوية، وكانت ترقبه كل يوم وهو يخرج ويدخل إلى بيته ثم «تزوجته بعد عامين». كان عمرها 22 سنة، لكنها لم تنجب أطفالا وانتهى الأمر بالفراق والطلاق.
وتروي ليلى بن علي كيف أوقفتها سيارة شرطة عام 1984 بسبب قيادتها سيارتها بسرعة. وكان ذلك لقاؤها الأول مع زين العابدين بن علي. وحصل «المكتوب»، كما تقول بعد ذلك اللقاء الذي كان يشغل بن علي أثناءه منصب المدير العام للأمن الوطني.
والتقيا مرة أخرى بعد أشهر من جديد قدمته بعد ذلك لأسرتها، وتزوجا لتصبح «السيدة بن علي». وبعد 7 نوفمبر 1987 أصبحت «السيدة الأولى» بعد أن خلف زوجها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
وتروي مؤلفة هذا الكتاب، ليلى بن علي، أنها عانت من دسائس ومؤامرات عدد من الذين كانوا حول الرئيس التونسي، حاشيته لفترة من الزمن، مثل كمال لطيف الذي تصفه بـ"المتعطّش للسلطة".
وتؤكّد ليلى بن علي زيف الصورة التي حاول البعض رسمها لها، والتي تدور في مجملها حول أنها كانت صاحبة الكثير من القرارات، على رأس هرم السلطة، من تعيين المسؤولين أو صرفهم من الخدمة. وتشرح أنه لا وجود في الحقيقة والواقع لما عُرف في القاموس الشائع بـ"حاكمة قرطاج"، والتأكيد أن هذا ليس أكثر من "أسطورة".
وتقدّم ليلى بن علي نفسها على أنها ظلّت تحتفظ ببساطتها وبقربها من الشعب، ولم تنس أبدا الأحياء الشعبية التي وُلدت فيها. وبالتالي بقيت قريبة من هموم التونسيين العاديين. مع التأكيد على أن مشاركتها في الحياة العامّة كانت عبر الجمعيات الخيرية التي أسستها أو ساهمت في الإشراف عليها.
ما تؤكّد المؤلفة عليه أيضا العلاقة المميزة التي أقامتها مع زوجتي الرئيسين الفرنسيين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي؛ ذلك خلافاًللعلاقة السيئة التي ربطتها مع سهى عرفات، زوجة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
في الفترة الأولى، اختار بن علي وليلى الطرابلسي مقر إقامتهما الرئاسية في الجناح المعروف باسم "دار السلام" في قصر قرطاج، بينما احتفظت الزوجة الأولى للرئيس بالقسم الرئيسي من القصر. استمرّ ذلك الوضع لعدّة سنوات لكن دون أن تلتقي ليلى بن علي، كما تشير، بتلك الزوجة التي كانت تعتبر أنها أخذت مكانها ولم تسامحها على ذلك أبدا.
وتنقل ليلى بن علي أنه بعد وصولهم إلى السعودية سرت شائعة مفادها أن بن علي يعاني من " موت سريري" . فاتصلت عندها زوجته الأولى "نعيمة" للاطمئنان ومعرفة حقيقة الأمر .ليلى هي التي أجابت على الهاتف، وحاولت أن تتحدث معها بلهجة التصالح، مؤكّدة أن الأمر لا يتعدّى مجرّد شائعة . لكن عندما عرفت الزوجة الأولى صوتها بادرتها بالقول": هذا أنتِ ليلى الطرابلسي، سبب جميع آلامي". فهمت ليلى، كما تقول، أنها لن تغفر لها أبدا، وسوف تكرهها حتى آخر دقيقة في حياتها.
بين قوسين
وتفتح ليلى بن علي قوسين للحديث عن كمال لطيف، الذي تصفه بـ"المتعطّش للسلطة" وأنه لم يكن يفقه شيئا بالسياسة، لكنه لازم بن علي مثل "ظلّه" كرجل تنفيذ بعض المهمّات حتى إبعاده عام 1992. وتنقل عنه قوله غداة رحيلهما إلى السعودية ما مفاده "أنا من صنع بن علي يوم 7 نوفمبر وأنا الذي كنت وراء نهايته".
ثم تعود ليلى بن علي للحديث عن سيرة حياتها، وكيف أن دائرة المقرّبين من كمال لطيف أرادوا دفع الرئيس التونسي السابق للتخلّي عنها عبر إقحامه بعلاقات نسائية أخرى. وتروي أنها تلقت من الزمرة نفسها في مطلع عام 2000 رسالة مفادها: "سوف نتوصل بالنهاية إلى طلاقك من الرئيس مهما كان الثمن. وسوف نجد له أجمل امرأة (....) وسوف تنتهين وحيدة ومهجورة". وقد أجابتهم بالتالي :" في اليوم الذي يجد زوجي امرأة مثلي ويحبها كما يحبّني، أنا من سيذهب . لكن عليه أن يطلب منّي ذلك".
وتذكر ليلى أنه جرى خلط متعمّد بينها وبين "ليلى الطرابلسي أخرى"، وإشاعة أنها عملت مصففة للشعر في مدينة تونس. والقصة كما ترويها هي أن سيدة تدعى رضوى المجري أطلقت على نفسها اسم ليلى الطرابلسي، بعد أن كانت قد عاشت في طرابلس بليبيا كزوجة لأحد أبناء عم القذافي المدعو قذّاف الدم أنجبا طفلين ثم عادت إلى تونس وفتحت "صالونا للحلاقة". من هنا قامت أسطورة "ليلى بن علي، المهنة مصففة شعر".
تذكر ليلى بن علي في هذا السياق الكثير من الأحداث والوقائع والمؤامرات والدسائس التي دبّرها كمال لطيف ضدها ومن أجل إبعاد بن علي عنها.
أسطورة حاكمة قرطاج
وبعد أن تتحدث عن حياتها كأم وزوجة، تكرّس العديد من الصفحات للحديث عمّا تسميه "أسطورة حاكمة قرطاج"، أي ما يعني علاقتها مع السلطة ومع عالم السياسة ومع الشعب التونسي ومع العالم الخارجي. وتبدأ بالإشارة أنه منذ وصولها إلى قصر قرطاج سرت أقاويل تؤكّد أنها هي صاحبة القرار فيه. وأنها هي التي تعيّن جميع العاملين من الحرّاس وحتى أعلى المراتب وأيضا صرفهم من الخدمة. مقابل هذا كلّه تؤكّد ليلى بن علي اليوم قولها :" إنني لم أقم أبدا في أي يوم بتعيين أو صرف مسؤول".
وتضيف في هذا الإطار أنها ما كان لها أن تتدخّل بمثل تلك الأمور، فالجنرال بن علي مشهور عنه قوّة شخصيته، ولم يفسح المجال لأحد أن يقرر بمكانه في مجال السياسة، وخاصة لم يترك ذلك الأمر لزوجته. وهي تنفي تماما كل ما قيل عن تدخّلها بكل صغيرة وكبيرة بشؤون الحكم وصولا إلى القول إنها ضغطت على المدرسين من أجل تأمين نجاح ابنتيها. وتشير إلى أنه لو كان ذلك الأمر صحيحا كان منها أن تتدخل لتأمين نجاح بنت أختها منيرة، التي حصلت على الشهادة الثانوية في المحاولة الثالثة.
أرادت ليلى بن علي الاحتجاج ضد تلك الأكاذيب. لكنها لم تفعل ذلك بناء على نصائح زوجها، وعلى رأي نيكولا ساركوزي الذي أشار أيضا بعدم رفع قضية للقضاء ضد الصحافي الفرنسي نيكولا بوو الذي أصدر كتابا تحت عنوان "حاكمة قرطاج"، وقد اتصل ساركوزي هاتفيا ببن علي بذلك الخصوص. وتشير ليلى بن علي إلى أنها ترى في ذلك مفارقة، فالرئيس ساركوزي كان أكثر الرؤساء لجوءاً للقضاء في ظل الجمهورية الفرنسية الخامسة.
إن ليلى بن علي حسب تأكيدها لم تكن "حاكمة " في قصر قرطاج وهي تشدد على أن قول ذلك لا يتعدّى كونه "أسطورة". لكنها تؤكّد أيضا أنه كان من حقّها كزوجة رئيس دولة أن تساهم في الحياة العامّة لبلادها. ولا تخفي مع ذلك أنها لم تكن تحبّ ذلك ولا تمقت شيئاً أكثر من الاحتفالات الرسمية، على الرغم من ظهورها عند تأسيس منظمّة النساء العربيات ومساهمتها لاحقا في الحملة الانتخابية لزوجها، دفعها إلى ذلك أولئك الذين كانوا يريدون التقرّب منها ومن الرئيس التونسي السابق.
ولا تتردد اليوم في القول إنها أخطأت عندما قبلت إلقاء خطابات عامّة، ولم تتنبّه إلى أن الصحف تفرط في الحديث عنها وعن نشاطاتها. وباختصار حرص البعض على استعراض أخبارها . كان ذلك في العام الذي سبق " الثورة" ـ القوسان من عند ليلى بن علي ـ حيث ترى أن ذلك كان "يشكل دون شك جزءا من مخططهم". وما توازى، كما تقول، مع إطلاق الشائعات ضد أفراد أسرتها، عائلة " الطرابلسي".
وتؤكّد في هذا الإطار أنها لم تدفع زوجها أبدا للاحتفاظ بالسلطة . بل على النقيض من ذلك نصحته بمغادرتها قائلة له :" دعنا نهتم بأطفالنا ونعش حياتنا بهدوء مثل جميع البشر".
وتضيف أنها تكشف اليوم عن سر هو أن بن علي كان يحضّر بالفعل لخلافته. وأنه وجد الشخص المؤهّل وبدأ تحضيراً للمنصب الرئاسي. ذلك الشخص لم يكن سوى آخر وزير للخارجية في عهده، أي "كمال مرجان". وتؤكّد ليلى بن علي أنه لم يكن محض صدفة أن يعيّنه بن علي في مناصب وزارية عدّة مهمة، إذ كان يريده أن يتمرّس في جميع الميادين ويكتسب خبرة واسعة.
الشعب... وليلى
"لم تجعلني حياتي كسيدة أولى أنسى حياة الشعب، ولم أنس أبدا في حدائق قرطاج ذاكرة الأحياء الشعبية التي وُلدت فيها"، هكذا تبدأ ليلى بن علي حديثها عن علاقتها بالشعب التونسي. وتؤكّد أن هذا الانتماء دفعها للاهتمام بالعمل الاجتماعي التطوعي. هكذا أطلقت مشروع "بسمة" لذوي الاحتياجات الخاصّة ثم مشروع "سعيدة" لمكافحة السرطان. وتشير أنها كانت تستغل الأوقات التي كان فيها بن علي طيّب المزاج كي تطلب منه التدخّل لمساعدة صاحب حاجة طُلبت منها.
وتعيد ليلى بن علي اهتمامها بالنشاطات الاجتماعية إلى أنها لا تهتم بحياة المظاهر الحضرية، وأنها تفضل المنزل على الصالونات. كما تشير إلى أنها لم تكن تلتقي بزوجات الوزراء سوى نادرا في المناسبات الرسمية. وتؤكّد هنا قولها: "لو أنهم تركوني أعيش بهدوء فربما كنت رضيت بحياة بسيطة بعيدة عن المظاهر. وكنت أوليت اهتمامي لزوجي وأطفالي بعيدا عن صخب السياسة ورعبها. وأدرت أمور بيتي كزوجة جيّدة وأم جيّدة". وبشكل عام تدافع ليلى بن علي عن تعلّقها بالحياة البسيطة على غرار ما تعوّدت في طفولتها.
علاقة ليلى بن علي بزوجات الرؤساء
تعود ليلى بن علي هنا إلى شهر أبريل من عام 2008 عندما جاءت كارلا ساركوزي، زوجة الرئيس الفرنسي بزيارة رسمية إلى تونس، ولم تستطع استقبالها في المطار. وقيلت تفسيرات كثيرة عن سبب غيابها عن استقبالها وتذكر منها قول بعضهم إنها كانت تغار منها وقال آخرون إنها لم تتدخل لدى زوجها، الرئيس ساركوزي، لمساعدة ابن أخيها عماد في قضية تتعلّق بيخت. ما تؤكّده ليلى بن علي هو أنّها تكنّ الإعجاب لكارلا، ليس فقط لجمالها ولكن أيضا لذكائها. وتعيد سبب عدم استقبالها في مطار تونس لوفاة والدتها عشية اليوم الفائت وأنها كانت تعيش حالة حداد.
لكنها تعترف بالمقابل أن إعجابها، هي وزوجها، كان يتجه صوب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وزوجته برناديت. وتشير إلى أنه كان لهذا الثنائي علاقات وثيقة مع رؤساء الدول العرب وخاصة الرئيس المصري السابق حسني مبارك . وكانت برناديت قد دعت ليلى وزوجها للعشاء بقصر الإليزيه عند زيارتهما لباريس.
وتذكر زوجة الرئيس التونسي السابق أن زوجة الرئيس شيراك أشارت إلى أن زوجها يحب بعض أطباق الطعام وخاصّة "رأس العجل" وأن طريقته في السير والتحيّة فيها "شيء عربي"؟ وقالت على سبيل الدعابة: "ليس مستغرَبا أن تكون إحدى جدّاته الأوائل قد عاشت مغامرة ما مع أحد العرب في الكوريز". والكوريز هي المنطقة الفرنسية التي ينحدر منها جاك شيراك.
وتذكر ليلى بن علي "سريعا" أن علاقات تونس مع فرنسا أثناء رئاسة زوجها كانت جيّدة مع الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي .الأول، شيراك، تحدّث عن "المعجزة التونسية"، والثاني، ساركوزي، عن "أشكال التقدّم " التي حققتها بلاد "يطيب العيش فيها". لكن فرنسا سرعان ما غيّرت مواقفها عند رحيل بن علي عن تونس. ولم تذكر حكومتها أنهما لا يمتلكان، الرئيس وزوجته، مسكنا ولا حسابا مصرفيا في فرنسا.
مع سهى عرفات
تقول ليلى بن علي إنه كان أكثر فائدة لها الاهتمام بجمعياتها الخيرية من مشاركة سهى عرفات في مشروع كانت هي المستفيدة الرئيسية منه، ومع ذلك خرّبته. وبعد أن تشير إلى أن سهى وصلت إلى تونس خلال عقد التسعينات وبعد الرئيس ياسر عرفات بفترة طويلة.
وتؤكّد أن والدتها ريموندا الطويل سعت إلى دفع عرفات للزواج منها إلى أن فعل ذلك. وتنقل عنه ليلى بن علي أنه كان يردد باستمرار:" خطأ حياتي أنني تزوجت هذه المرأة. أنا متزوّج وكان علي أن يبقى زواجي من القضية الفلسطينية وحدها".
عند وفاة عرفات في باريس انتقلت ليلى بن علي، كما تروي، إلى العاصمة الفرنسية كي تكون إلى جانب سهى وتواسيها. لكنها تصفها بالقول: "سهى امرأة ذكيّة ومراوغة وتمتلك ذاكرة فيل. انتهازية جدا وتجيد التواصل مع الآخرين، ولديها صداقات عديدة في مختلف أنحاء العالم وقائمة عناوين تجيد استخدامها ببراعة".
وتستعرض ليلى بن علي قضية المدرسة التي أسستها سهى مع سيدة اقترحتها زوجة الرئيس التونسي آنذاك مشيرة إلى أنها ساعدتهما بإقراض المال لكنها لم تكن شريكة بنسبة 50 بالمئة، حسب رواية سهى. وعلى خلفية طريقة تسيير المدرسة إداريا وماليا وتربويا انفجر الخلاف مع سهى في شهر يوليو 2009.
وتشير ليلى بن علي إلى الاتهامات التي كررتها سهى عرفات أخيرا أمام قنوات تلفزيونية عربية حول طردها من منزلها في تونس ولكن بـ"روايات مختلفة"، كما تقول زوجة الرئيس التونسي السابق. وتنتهي إلى القول: "لقد نُزعت عنها الجنسية التونسية، هذا صحيح، ولكن ليس عن ابنتها. وذلك تكريما لذكرى ياسر عرفات وكدليل على دعم القضية الفلسطينية".
عرفت تونس سيلاً من الاتهامات الموجّهة إلى عائلتي بن علي والطرابلسي بالنهب المنظّم للبلاد واقتسام ثرواتها. وهذا ما تجد فيه ليلى بن علي القليل من الصحّة والكثير من الأكاذيب والافتراءات والقضايا «المفبركة». وتحاول ليلى بن علي أن تبرز، بالمقابل، ما تعتبره العديد من الوجوه المضيئة لفترة حكم زوجها في ميادين مختلفة، مثل الصحّة والتربية، بالإضافة إلى الانجازات الهامّة على الصعيد الاقتصادي، كما تدلّ حالة البلاد عندما رحل عنها.
وإذا كانت ليلى بن علي تعترف بـ»فرط شهيّة» بعض أفراد أسرتها لكسب المال وزيادة ثرواتهم دون تقديم حساب لأحد والتصرّف على هواهم، فإنها تركّز على القول أن الرئيس السابق بن علي كان بعيدا عن ذلك، بل حاول منعه ومحاربته.
وهي تحمّل رجال السياسة والقضاة وغيرهم قسطا من المسؤولية بصمتهم وعدم احتجاجهم على ما كان يجري أمامهم من ممارسات سيئة.
وتشير ليلى بن علي إلى أن زوجها هو الذي أطلق سراح الرئيس الحالي المنصف المرزوقي من السجن، بعد وصوله إلى السلطة، وهو الذي أنقذ زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي من حبل المشنقة.
واجه أبناء عائلة الطرابلسي سيلا من الاتهامات بأنهم قاموا بعملية نهب منظّم للبلاد وباقتسام ثرواتها. وهذا ما تردّ عليه ليلى بن على، ليلى الطرابلسي، بالقول إن من يسمع قول الوشاة عن العائلة يعتقد أنه لم يعد في البلاد مصنع أو مؤسسة أو قطعة أرض أو فندق لا يعود لعائلة الطرابلسي أو أن لهم حصّة فيه.
إن قبول مثل هذا القول يعني، برأي ليلى بن علي، نسيان أنه توجد في تونس قوانين، وأن هناك من يقومون بالسهر على تنفيذها.
كما يعني الجهل الكامل بالحالة الاقتصادية الجيدة، التي ترك فيها بن على البلاد، والتي تثير «حسد» المنطقة كلّها. «إن اقتصاديي العالم كلّه يقرّون أن النتائج جيدة « في مختلف الميادين، كما تؤكد زوجة الرئيس التونسي السابق.
إطلاق العنان
ما تؤكّده ليلى بن علي في هذا السياق هو أنها لا تريد الدفاع عن محصّلة فترة حكم بن علي، ولا أن تحل محل محاميّ الدفاع عن أهلها. ما تريده تحدده بالقول أن لا يعمي الحقد العيون بحيث يمكن الوقوع في الظلم. ولا تنفي أنها ساعدت أفراد أسرتها لتحسين أحوال معيشتهم «ولكن من كان يمكن أن يفعل غير ذلك لو كان في مكاني؟»، هكذا تتساءل ليلى بن علي.
ولا تنفي زوجة الرئيس التونسي السابق أن بعض أفراد أسرتها، وخاصة من بين الأكثر شبابا، بالغوا في ترك العنان لشهيتهم إلى الربح، ورفضوا قبول أن هناك ما يمكن أن يحدّ منها. ولم يكن ذلك يمر دون نقاشات حامية، عندما كانت ليلى بن علي تشير إلى ما يسببونه لها من متاعب، كما تكرر القول. وتذكر أن بن علي كان قد منع ابن أخيه من العمل لمدة تفوق السنة في مجال الاستيراد والتصدير بعد خصومة مع رجال الجمارك.
وتميّز ليلى بن علي بين ما كانت تراه في البداية من حقوق أفراد العائلتين الرئاسيتين، بن علي والطرابلسي، بامتلاك منزل وتطوير نشاط يسمح لهم بالعيش الكريم وبين البعض منهم الذين كانوا يفعلون ما يحلو لهم دون اطلاعها على مشاريعهم أو على عدد السيارات التي يمتلكونها أو حصّتهم من الأسهم في الشركات أو ما يحصلون عليه من تسهيلات لدى البنوك والإدارات.
«اعترف أن الأبواب كانت تنفتح أمامهم بسبب قرابتهم لي. وأنا على اقتناع أنه في كل مرّة يطلبون موعدا مع مسؤول كان يتم استقبالهم بالترحيب»، كما تقول ليلى بن علي.
وتعترف بأنها لم تكن تعرف تفاصيل الأعمال التي كان يقوم بها أخوها بلحسن ولكنها تعتقد أنه فعل كل شيء ضمن القواعد ومراعاة القوانين ودفع الضرائب المترتبة، مثل أي مواطن آخر.
وتشير إلى أن زوجها الرئيس التونسي السابق لم يكن يرغب التدخّل في المسائل العائلية، كما لم يكن يريد أن يتدخّل الأهل بالقرارات السياسية. ولم يكن يتحادث مع أصهاره وأخوة زوجته سوى نادرا، ويحرص على أن لا يزوروه فجأة في المنزل أو يأتوا بدون موعد إلى قصر قرطاج. وكان يصغي فقط لأعضاء حكومته ولمستشاريه.
في المحصّلة تؤكّد ليلى بن علي أنها لم تكن هي والرئيس على إطلاع بتفاصيل ما يفعله أفراد عائلتيهما.
وكانوا هم بالمقابل يحافظون على أسرارهم، على اعتبار أنها مجال حياتهم الخاصّة التي لا يُفترض أن يطّلع عليها الآخرون، وحتى الرئيس وزوجته التي تؤكّد أنها لم تكن تعرف عنهم شيئا وعمّا يفعلون بشكل دقيق وحقيقة ما يملكون:» هذا سيثير دهشة أكثر من إنسان، لكن هذا هو واقع الحال» تقول ليلى بن علي. وتضيف:» لا أشعر بالخجل من أن أعيد القول إن أخطاء جسيمة جرى ارتكابها من قبل بعض أفراد عائلتي».
ولكنها ترى أنها لا تتحمّل المسؤولية وحدها فرجال السياسة لم تصدر عنهم أية شكوى وليس هناك رجل قضاء احتج .ثمّ كانت هناك جحافل تطلب مشاركة أفراد عائلتي بن علي والطرابلسي في جميع أنواع المشاريع، باعتبارهم بمثابة ضمان.
وتشير إلى أن الانتهازيين حولهم كانوا يُعدّون بالمئات لكن الكثيرين منهم «يديرون لهم ظهورهم اليوم».
دور الصحافيين الأجانب
أمام حملات النقد التي تعرّض لها بن علي من قبل وسائل الإعلام الغربية طلب من نظيريه الفرنسي والأميركي معرفة ما يعيبه عليه بالتحديد الصحافيون في بلديهما.
وأشار إلى أنه كانت توجد في تونس ثمانية أحزاب معارضة، ولا يمكن إضافة غيرها بسبب كلفة ذلك، فالحكومة هي التي تتولّى تمويل أحزاب المعارضة المسموح بتأسيسها.
وتشير ليلى بن علي إلى أنه «على حدّ علمها» كان الأصدقاء الفرنسيون يعترفون بالجهود التي قدّمتها تونس في ظل بن علي بمجالات الصحّة والتربية وحقوق المرأة. وكانوا قد « كشفوا» أن استقلال المنظمات غير الحكومية ليس سوى «أسطورة». وغالبيتها مثل المنظمات العاملة في حقل حقوق الإنسان تخدم القوى الكبرى.
والأمر نفسه بالنسبة للصحف. وتنقل ليلى بن علي عن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران قوله ذات يوم لنظيره التونسي بن علي ما مفاده:» وسائل الإعلام لا توفّر سوى أولئك الذين يرضخون لها». هذا ما تعلّق عليه بالقول» لم يكن هذا ـ للأسف ـ طبع زوجي».
وتعترف ليلى بن علي «ضمنا» بأن هامش حرية التعبير في تونس كان محدودا في ظل حكم زوجها، وأن ذلك كان خطأ.
وتقول:» ربما كان قد ربح بترك الصحافة تعبّر بحريّة أكثر، لا سيما أن ذلك لم يكن يشكّل تهديدا عليه . وهناك بلدان كثيرة تصرّفت بتلك الطريقة نجحت في التغلّب على خصومها».
وتحدد ليلى بن علي القول إن مراسلي الصحافة كانوا يأتون بكل حريّة إلى تونس. وإذا كانوا يعملون تحت إشراف الوكالة التونسية للإعلام الخارجي، فإن ذلك لم يكن بغية «التجسس» عليهم، ولكن من أجل تسهيل مواعيدهم المهنية . والتأكيد بهذا الصدد أنه لم تكن هناك أيّة تعليمات رسمية بمراقبتهم المستمرّة. وإذا حصل ذلك فمردّه إلى العادات المتأصلة لدى بعض رجال الشرطة التونسيين، الذين يمارسون بدافع ذاتي عملية مراقبة الآخرين.
هؤلاء غيّروا مواقفهم
طويلة هي قائمة أولئك الذين يتباهون اليوم بأنهم أبطال الثورة، والذين كانوا في الأمس ينتظرون للفوز بمقابلة في قصر قرطاج. هذا ما تؤكّده ليلى بن علي وتقدّم الأمثلة على ذلك.
وتذكر أوّلا عبد السلام جراد الذي كان رئيس الاتحاد العام للعمال التونسيين. لقد برز كأحد الثوار غداة 14 يناير 2011 . وكان قبل يومين، كما نقرأ، يكيل المديح لبن علي في مكتبه مثل قوله :»إننا نحبّك، سيادة الرئيس .الدم الذي يجري في عروقك هو دمنا نفسه».
ومثال آخر تضربه ليلى بن علي هو المنتج السينمائي الشهير طارق بن عمار، الذي كان يدخل بحرية عندما يريد إلى مكتب الرئيس، واستفاد كثيرا من عطايا النظام لتعزيز استثماراته المتنوعة .
لكن منذ عشية رحيل بن علي وزوجته قام بتنظيم نقاش تلفزيوني حول مظاهرات سيدي بوزيد على شاشة القناة الخاصّة التي يشغل منصب أحد مديريها.
وتتوقف زوجة الرئيس التونسي السابق طويلا حول «فبركة البراهين» ضد عائلتها وعائلة بن علي. ذلك مثل العملية المصوّرة لفتح الخزانة الفولاذية في قصر سيدي بوسعيد بواسطة جهاز التحكّم من بعد. وتؤكّد أن تلك الخزانة كان قد جرى خلع قفلها ولم يكونوا يستطيعون فتحها بواسطة جهاز التحكّم حيث تؤكد ليلى بن علي أنها هي التي كانت تعرف مكان وجوده.
وتشير ليلى بن علي إلى أن ظلما كبيرا طال أفراد أسرتها وأسرة زوجها، وأنهم توجهوا برسائل لمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ولمنظمة العفو الدولية ومنظمة «هيومان رايتس « وللسفارات الغربية الموجودة في تونس وللرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بواسطة المحامين. وقدّموا قائمة بأسماء المعتقلين من العائلتين، مع توصيف المعاملة السيئة التي يتعرّضون لها، لكن «لم يرفع أحد أصبعا صغيرة» للمطالبة بالبحث عن الحقيقة واحترام حقوق الإنسان.
المرزوقي والغنوشي
وتكرّس ليلى بن علي بعض السطور للرئيس التونسي الحالي منصف المرزوقي ولزعيم حزب النهضة الحاكم راشد الغنوشي .
وتؤكّد أنه لم يصدر أي حكم بالإعدام على المرزوقي في عهد بن علي «على عكس ما يزعم اليوم»، على حد قولها. وتضيف أن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة هو الذي سجنه ليطلق سراحه بعد 7 نوفمبر ليخرج إلى فرنسا، وأنه كان يستطيع العودة إليها متى شاء.
بالنسبة للغنوشي تقول إن الرئيس الأسبق بورقيبة الذي «جعلته الشيخوخة مستبدا» أراد التخلّص في فترة 1986 ـ 1987 من زعيم الحركة الإسلامية التونسية، وكان يردد يوميا :»أريد أن تجلبوا لي رأسه على طبق».
وتؤكّد أنه كان يتصل برئيس وزرائه آنذاك، زين العابدين بن علي، ليتحقق من تنفيذ الأمر. وتشير إلى أن بن علي كان يدرك أن بورقيبة يريد استخدامه ضد «السلفيين» فلجأ إلى سبل مختلفة لتأجيل الأمر، موحيا للرئيس بالتحدث مع وزير العدل.
وتنقل ليلى بن علي أنه عندما عاد بورقيبة للإلحاح بالقول:» أريد رأس الغنوشي» كان بن علي يُبدي إذعانه شكليا ويجيب :» سوف أجلبه لكم، سيادة الرئيس».
وفي يوم الخميس 5 نوفمبر 1987، أمر بورقيبة بشنق عدوّه بعد يومين .
تجدر الإشارة هنا إلى أن موعد الانقلاب ضد بورقيبة كان مخططا له بمنتصف ذلك الشهر فقدّمه بن علي إلى اليوم السابع منه «من أجل تجنيب الغنوشي حبل المشنقة»، كما نقرأ. وبهذا المعنى ترى ليلى بن علي أن زعيم حزب النهضة كان وراء «تسريع» وصول بن علي إلى السلطة، وأن بن علي هو الذي أنقذ حياته.
وبعد أن تتوقف ليلى بن علي قليلا للترحّم على موتى أسرتها، أمّها التي وافتها المنيّة قبل أسبوع من رحيلها إلى السعودية، وأخيها عادل الذي صرعه مرض عضال بعد 17 يوما من رحيلها، وأحد أخوة زوجها في الفترة نفسها بالمرض نفسه، وصديقتها منذ الطفولة سميرة، وبعد هذا تكرّس الصفحات الأخيرة من كتابها للحديث عن حياتها مع أسرتها في المملكة العربية السعودية.
تقول إنها حيث هي الآن تمضي وقتها في العناية بزوجها وأطفالها. الابن الأصغر محمد، الذي لم يتفوّه بكلمة واحدة يوم رحيلهم من تونس، حيث «كان يسجّل بصمت كل ما يجري حوله»، بدأ منذ اليوم التالي بالرسم ولا يزال مستمرا في ذلك، و»يحلم بالعودة إلى تونس». والابنة الشابة حليمة تعيش وحيدة بعيدة عن وسطها وأصحابها، وخاصة عن خطيبها الذي يتعرّض للمضايقات في تونس.
أمّا بالنسبة لحياتها فتؤكّد ليلى بن علي أنها لا تخرج إلاّ نادرا ولا تختلط بأحد وتؤدي صلواتها بانتظام. ولا تنسى أن تطمئن الأصدقاء و»الوشاة بهم» على أنه لا صحّة للشائعات الكثيرة التي تنطلق عن انفصالها عن زوجها، وأنها تعاني من انهيار عصبي ولديها ميول للانتحار. وترى أن حظّها كبير بأن تكون برفقة زوجها وأطفالها في السعودية التي جنبّتهم ما كان يمكن أن يكون الأسوأ.
المؤلفة في سطور
ليلى بن علي، ليلى الطرابلسي قبل زواجها من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، كانت السيدة الأولى في تونس لسنوات طويلة. والصورة الشائعة عنها هي أنها كانت شغوفة بالسلطة والمال وأنها أغدقت الكثير منهما على أبناء عائلتها، عائلة «الطرابلسي».
غادرت تونس في 14 يناير من عام 2011 مع زوجها للإقامة في المملكة العربية السعودية. عرف العديد من أفراد أسرتها الاعتقال بعد رحيلها عن تونس وعن السلطة.
وعلى الرغم من أنها عاشت طفولة صعبة، واستهلت حياتها العملية بالعمل مصففة للشعر، إلا أنها في كتابها تنفي ذلك، وتصفه بأنه محض شائعات، كما نفت كل ما يتداول في تونس عن علاقاتها العاطفية.
وقد رفضت «أسطورة حاكمة قرطاج» الطروحات التي تحدثت طويلا عن مساوئ عائلتها وبطشها، واعترفت بالمقابل بما وصفته «الأخطاء الفادحة» التي ارتكبتها هذه العائلة.
تأليف: ليلى بن علي
عرض ومناقشة: د. محمد مخلوف
الناشر: دو مومون- باريس-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..