حسن البنا ومحمد بديع
في مساء 12 فبراير 1949 خرج البنا من مقر جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس متجها إلى سيارته برفقة رئيس الجمعية، لكن الأخير سمع جرس الهاتف، فعاد لتلقي المكالمة لكنه لم يجد أحدا على الطرف الآخر، وسمع عوضا عن ذلك صوتا مدويا لطلقات رصاص أمام باب الجمعية، فخرج مسرعا ليكتشف أن معلمه حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون"، كان هدفا للرصاص الذي سمعه، وأنه أصيب لكنه لم يمت.
وفي مساء اليوم 24 يونيو 2012 أعلن فوز الدكتور محمد مرسي القيادي الإخواني بمنصب رئيس الجمهورية ليصبح الدكتور محمد بديع المرشد الحالي للجماعة هو الرجل الذي وصل الإخوان في عهده لقصر الحكم بعد عقود من معارضة النظام الذي أعقب ثورة يوليو 1952.
بين أول مرشد لجماعة الإخوان المسلمين وآخر مرشد الدكتور محمد بديع مفارقة تبعث على التأمل، فقد كان البنا مرشدا بارك "العرش" اغتياله، بينما أصبح بديع المرشد الذي أوصل الجماعة لـ "العرش" الذي تآمر قبل سنوات على مرشدهم الأول.
صحيح أن مصر تعيش نظاما جمهوريا منذ عقود ستة، ولكن منصب الرئيس لايختلف عن كرسي الملك، إما لطول بقاء الرؤساء الثلاثة فوقه، أو لأن مصر لم تشهد رئيسا يسلم نظيره السلطة، ودائما قام القدر بهذا الدور، ليضفي تأكيدا على فكرة الانتقال السلطة عبر التدخل الإلهي بالموت وحده دون شئ آخر.
في العام الذي شهد ميلاد الرئيس السابق حسني مبارك قبل 84 عاما وبعد أربع سنوات من سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا سنة 1924 أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمون في الإسماعيلية التي كان يعمل فيه مدرسا باعتبارها جماعة لا تكتفي فقط بالشق الدعوي لكنه أسس لأفكار الإسلام السياسي الذي يتوغل في الحياة ويتنافس في الانتخابات ويبحث عن كراسي الحكم لـ"إصلاح الدنيا بالدين".
بدأ البنا الذي ولد في المحمودية بمحافظة البحيرة تأسيس جماعته من الإسماعيليةـ التي صوت أغلب ناخبيها لمحمد مرسي في جولة الإعادة مع أحمد شفيق- وتحول مدرس اللغة العربية إلى إمام ومرشد لأكبر جماعة إسلامية سياسية دعوية خرجت بالتيار الإسلامي من عباءة السلفية والصوفية إلى معترك السياسة بعد أن رفضت بقاء الإسلام بين جدران الأزهر الشريف.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين الجماعة والقصر لم تكن سيئة في كل الأوقات وكانت تحكمها المصالح والتوازنات لدرجة لم تمنع الجماعة من مدح الملك، إلا أن تطور وتضخم هيكل ودور جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي المصري و انتشار فكرة الحكم من خلال الدين كان أكثر ما كان يقلق البلاط الملكي والحكومات المتتالية وآخرها الحكومة السعدية برئاسة النقراشي باشا، وبالتالي كان قرار التخلص من الجماعة ومرشدها دفعة واحدة.
في الثامن من ديسمبر 1948 أصدر النقراشي قرارا بحل جماعة "الإخوان المسلمون"، ثم شن في اليوم التالي سلسلة من الاعتقالات لكل رجال الجماعة ورجال البنا، حتى شقيقاه تم القبض عليهما، وفي الثاني عشر من شهر فبراير1949 أطلق الرصاص من مجهول على مؤسس الجماعة، وظل ينزف خمس ساعات متواصلة دون أن يسعفه أحد بتواطؤ من الحكومة.
مات البنا، واعتقلت الحكومة كل من حاول السير في جنازته ولم يتبق سوى النساء ليشيعن مرشد الجماعة التي يحتشد رجالها ونساؤها الآن في ميدان التحرير بوسط القاهرة لرفض الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري، ويحد من صلاحيات الرئيس القادم.
في أثناء محاكمة المتهمين بقتل البنا بعد ثورة يوليو، قال القاضي: إن الحكومة في عهد الملك اغتالت البنا انتقاما منه وأن هذا تم بمباركة من البلاط الملكي، لتنتهي سيرة مرشد حلم بوصول جماعته للقصر فمات بإيعاز من سيد القصر.
أما في 2012 فالجماعة وصلت عبر الصناديق إلى قصر العروبة بفضل ثورة وشهداء وتضحيات مهدت لهم الطريق ليتحولوا من جماعة محظورة قبل عام وخمسة أشهر، لجماعة محظوظة بتقلدها منصب رئيس الدولة العربية الأكبر.
فكما كان حسن البنا أول مرشد عام لجماعة الإخوان المسلمين كان بديع الذي يؤمن بأفكار سيد قطب أول مرشد يتولى هذا المنصب وسلفه محمد مهدي عاكف على قيد الحياة، بعد أن قرر الأخير ترك المنصب دون سبب معروف عقب أنباء عن أسباب صحية، وخلافات داخلية.
ولم يعرف على وجه اليقين السبب الحقيقي لتخلي عاكف عن منصب لم ينتقل أبدا من مرشد لآخر إلا بالموت أو الاغتيال.
عاكف أدار سياسات الجماعة في واحدة من أهم المراحل في تاريخ الإخوان من 2010 إلى الآن، فقد بلغ غضب النظام من الجماعة في تلك الفترة ذروته، رغم شهور عسل سبق أن قضاها الطرفان خلال انتخابات 2005 عندما جمعت الجماعة والنظام تفاهمات سبق أن تحدث عنها الدكتور محمد مرسي بنفسه.
وفي مرحلة ما بعد الثورة استمرت سياسة الجماعة بين العصا والجزرة، فغازل الإخوان المجلس العسكري، فترات، ودب الخلاف فترات، وجرى الحوار بينهاما بلغة المليونيات والشوارع مرات وبلغة الصفقات والاتفاقات مرات، وكان لهم البرلمان ولم يكن، والآن لهم الرئاسة ولا نعرف هل يدوم كرسي الرئاسة لرجل الجماعة الأول أم يضحى سرابا تماما كما حدث مع البرلمان.
أيا كان فالثابت أن جماعة الإخوان شهدت مرشدين لن ينساهما التاريخ، أحدهما أرسى قواعد الجماعة فاغتاله الملك، والآخر كانت جماعته لاعبا أساسيا في الإطاحة بملك هذا العصر (الرئيس السابق)، مما فتح لهم أبواب القصر على مصراعيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..