انتصار مرسي، مع من يُمثِّل وبما يُمثِّل، لن يكون في حدِّ
ذاته النَّصر النهائي الذي تستحقُّه ثورة 25 يناير، وإنْ كان لا بدَّ منه،
مع عواقبه، لإحرازها هذا النَّصْر؛ فالطريق إلى 'الهدف النهائي'
ليست
مستقيمة، وقد يتخلَّلها كثير من الانحناءات.أنْ يُهْزَم شفيق، ولو بفارِق صوت واحد، فهذا الأمر إنَّما هو الآن، تعريف لـ "النَّصْر" الذي يمكن أنْ تُحْرِزه ثورة 25 يناير العظيمة؛ ولقد هُزِم، ولقد أُحْرِز؛ فمُبَارَكٌ على مصر وشعبها وثورتها، وعلى شعوب وثورات "الربيع العربي" قاطِبَةً، هذا النَّصْر، الذي ما أسْرَع وأسهل فُقْدانه، وتحوُّله إلى هزيمة، إذا لم يُتَّخَذَ "عود ثقاب" يُشْعَل به فتيل ثورة (سلمية) ثانية، تُرسِّخ الجمهورية الثانية.
وإنِّي
لأحتفل مع صُنَّاع ثورة 25 يناير بهزيمة شفيق (مع من يُمثِّل، وبما
يُمثِّل) لا بانتصار مرسي؛ فانتصار هذا الرَّجُل (مع من يُمثِّل، وبما
يُمثِّل) ليس (ولن يكون في حدِّ ذاته) النَّصر النهائي الذي تستحقُّه ثورة
25 يناير، وإنْ كان لا بدَّ منه (مع عواقبه) لإحرازها هذا النَّصْر؛
فالطريق إلى "الهدف النهائي" ليست مستقيمة، وقد يتخلَّلها كثير من
الانحناءات.
إذا
لم تُرْتَكَب، في اللحظة الأخيرة، حماقة، من قبيل جَعْل الخاسِر شفيق
فائزاً، أو إفساد (أو إبطال) فوز مرسي بشيءٍ من الأحكام القانونية
والدستورية "الطنطاوية"، أو إطالة المسافة بين مرسي وبين شغله منصب الرئيس،
أو تعريضه إلى ما يمنعه من تَبَوُّؤ منصبه، فإنَّ الخطوة الأولى التي
ينبغي للفائز مرسي أنْ يخطوها (إذا ما أراد السَّيْر في الطريق الثوري
القويم) هي أنْ يؤدِّي، وأنْ يُصِرَّ على تأدية، اليمين الدستورية أمام
مجلس الشعب المُنْتَخَب، الذي حلَّته قوى الثورة المضادة، أيْ المحكمة
الدستورية العليا والمجلس العسكري الأعلى؛ فإنَّ في هذا المجلس من
الشَّرْعيَّة ما يَفوق أضعافاً مضاعَفَة "شرعية" المجلس العسكري الأعلى
ومحكمته الدستورية العليا.
بهذه
الخطوة، يبدأ معسكر الثورة العريض تَرْجَمة رفضه المُعْلَن لـ "الإعلان
الدستوري التكميلي" الذي أصدره المجلس العسكري الأعلى، والذي يَضْمَن بقاء
السلطة الفعلية في البلاد في أيدي العسكر، الذين حَشَدوا، مع سائر قوى
الثورة المضادة، وفي طرائق وأساليب ليست بالديمقراطية، في غالبيتها، نحو 10
ملايين ناخب (من أصل 50 مليون ناخب) للتصويت لمرشَّحهم الرئاسي شفيق.
مجلس
الشعب المُنْتَخَب يجب أنْ يجتمع، ويمارِس عمله، وكأنَّ شيئاً لم يكن؛
فحُكْم المحكمة الدستورية العليا ببطلانه القانوني إنَّما هو روح الثورة
المضادة في جسد من الأحكام الدستورية، ولا بدَّ من معاملته على أنَّه حُكْم
غير شرعي، وغير دستوري، وغير قانوني؛ ولا بدَّ أيضاً من إعلان وتأكيد أنْ
ليس من حقِّ المجلس العسكري الأعلى استرداد سلطة التشريع؛ فإذا أصرَّ على
الاحتفاظ بها فلا بدَّ، عندئذٍ، من معاملة هذا المجلس على أنَّه مُغْتِصِب
اغتصاباً لسلطة التشريع.
وينبغي
لـ "الجمعية التأسيسية الجديدة" أنْ تجتمع فوراً، وأنْ تُسْرِع في إعداد
مشروع الدستور الجديد للبلاد، ليُسْتَفْتى فيه الشعب، في أسرع وقت ممكن؛
فإنَّها لجريمة أخرى تُرْتَكَب في حقِّ "الشَّرْعيَّة الشعبية" أنْ يُعْطي
المجلس العسكري الأعلى (مع حكومته، حكومة الجنزوري) لنفسه الحق في إنشاء
جمعية تأسيسية بديلة.
ولا
بدَّ لمشروع الدستور الجديد من أنْ يؤسِّس (دستورياً) للدولة المدنية
الديمقراطية، بمفهومها المتواضَع عليه عالمياً، ويُعيِّن ويُحدِّد صلاحيات
وسلطات واختصاصات "الرئيس" و"الحكومة" و"البرلمان" و"القضاء"، و"يُدَسْتِر"
وَضْع الجيش بما يجعله متوافِقاً مع مفهوم "الدولة المدنية الديمقراطية".
وأحسبُ
أنَّ خَيْر خيارٍ (ثوري) للرئيس المُنْتَخَب مرسي هو ألاَّ يُمارِس سلطاته
وصلاحياته بما يجعله يبدو موافِقاً (ولو ضِمْناً) على "الإعلان الدستوري
التكميلي" الباطل من وجهة نظر الثورة المصرية؛ وهذا إنَّما يعني أنْ يبقى
رئيساً عاطلاً عن العمل (الذي عيَّنه له المجلس العسكري الأعلى) إلى أنْ
يُعْلَن الدستور الجديد (الذي يتضمَّن تعييناً وتحديداً لسلطات وصلاحيات
واختصاصات الرئيس).
وهذا
الذي قُلْت لا يتعارض، بل يتوافَق تماماً، مع الاستمرار في مطالبة المجلس
العسكري الأعلى الحاكم بنقل السلطة التنفيذية (كلِّيَّاً) منه إلى السلطة
التنفيذية الجديدة التي يتقاسمها الرئيس (في طريقة ما، ومؤقَّتاً، وبموجب
تشريع يُصْدِره مجلس الشعب) مع الحكومة التي تَخْلف حكومة الجنزوري.
أمَّا
السِّلاح لخوض هذا الصراع الحتمي فهو "ميدان التحرير"؛ فالضغط الشعبي
الثوري الموحَّد (المليوني) يجب أنْ يستمر، ويَعْظُم، إلى أنْ تَرْفَع قوى
الثورة المضادة "الرَّاية البيضاء"، ويُسلِّم المجلس العسكري الأعلى،
ورئيسه طنطاوي، بقضاء الثورة وقدرها؛ فانتخابات الرئاسة، مع نتائجها، لا
أهمية تاريخية ثورية لها إذا لم تكن وقوداً جديداً لعربة ثورة 25 يناير؛
وإنَّها لساعات أو أيام تَفْصِلنا عن بدء جولة جديدة (أكثر ضراوة) من
الصراع بين الثورة والثورة المضادة؛ فالمرأة نصف الحامِل لا وجود لها!
جواد البشيتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..