الابتكار
الابتكار innovation في مجال الاقتصاد عملية مبدعة تؤدي إلى إيجاد فكرة
جديدة لامثيل لها ووضعها موضع التطبيق، وعلى هذا فالابتكار يعني استخدام
فكرة جديدة أو أسلوب جديد، أو استحداث فكرة جديدة أو أسلوب جديد، أو
استحداث نظرية أو اختراع أو طريقة جديدة في إنتاج سلعة معينة. ويحدث الابتكار عندما يحاول الفرد البحث والإجابة عن الكثير من التساؤلات التي تخرج عن المألوف أو التي لم يتم بحثها من قبل، مما ينتج منه نوع من المحاكاة والتفكير متميز عن التفكير والمحاكاة التقليديين.
وتتعدد أوجه الابتكار وتختلف أشكاله وهو يتضمن عادة أحد الأمور التالية:
- ابتكار منتجات أو مواد جديدة وتصريفها في الأسواق بعد أن تتم حمايتها بالعلامات المميزة وبراءات الاختراع أو بمنح الامتيازات. وتظهر هذه الابتكارات نتيجة لاستجابة لتغيرات طبيعة الطلب ونوعيته في الأسواق وليس لكميته. كما تؤدي المنافسة إلى ابتكار مواد ومنتجات جديدة.
- ابتكار التقنيات التي تساعد على تطوير الأجهزة والآلات والأدوات وما يرافقها من ابتكار في طرائق النقل والتوزيع والتجميع والتصنيع المؤدية إلى زيادة الإنتاجية.
- الابتكار التنظيمي وهو القدرة على إعادة الهياكل التنظيمية والإدارية والإجرائية والعمل بها بحيث تستطيع هذه الهياكل الاستجابة لتغيرات البيئة المحيطة ولاسميا الابتكارات التقنية منها:
- ابتكار في الأداء والسلوك الإداري كما في ابتكار تقنيات جديدة، وطرائق تدريب حديثة، وابتكار الحلول الفريدة لبعض المشكلات الإنسانية والمادية التي تعاني منها المؤسسة وتطبيق هذه الحلول.
المؤسسة والابتكار
يتم في الغالب تنظيم المؤسسة التي تتبنى الابتكار وتدعمه وفق هيكل يساعد على تشجيع الإبداع وتطبيقه، ولاسيما ما يتعلق بالاستجابة لأحوال البيئة وتغيرات السوق ونوع الطلب فيه. كما أن الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسة يتجدد ويتعدل باستمرار كلما تطلبت تغيرات البيئة والتقنية الاستجابة لهذه التغيرات والتكيف معها، فيتم إعادة التنظيم والتدريب وإدخال التقنيات الإدارية كلما اقتضى مناخ الابتكار ذلك. وغالباً ما تحدث هذه المؤسسات في بيئتها التنظيمية وحدات خاصة تتولى مهمة البحث والابتكار والتطوير والتطبيق كما هو واضح في الشكل التالي:
ولما كانت المؤسسات هي المسؤولة عن إدارة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الكثير من دول العالم ومن ضمنها الوطن العربي، فقد تكون هذه المؤسسات إبداعية الأساليب والإجراءات والأنظمة وأنماط السلوك، أو تكون تقليدية الوظائف والبيئة التنظيمية والإدارية والمناهج الفكرية والسلوكية، فتقف أمام جميع محاولات الابتكار والتجديد وتخشى عدم القدرة على التكيف والتلاؤم مع الغير.
بيئة الابتكار:
تشمل بيئة الابتكار البيئة التنظيمية للمؤسسة (البيئة الداخلية)، والبيئة الثقافية والبيئة السياسية والبيئة الاجتماعية والاقتصادية.
إن البيئة التنظيمية التي تحتضن الابتكار وتهيئ له الشروط المناسبة تتمتع في الغالب ببعض الخصائص التي تشجع الإبداع وتعززه مثل تبني قيم ومبادئ تنظيمية تنمي السلوك الابتكاري وتغذيه، وتشجع على قبول التغيير بدلاً من مقاومته، وعلى تجريب الأفكار الجديدة وإتاحة الفرصة أمامها، وتبدي الرغبة في توفير إمكانات نجاحها، وتحمل نتائج إخفاقها. وتميل هذه البيئة نحو اللامركزية وتتجنب الأسلوب الفردي في الإدارة فتنمي أسلوب المشاركة في الآراء ومناقشتها، وتضع أهدافاً محددة ومتنوعة وتدعم وسائل تحقيقها باستخدام مهارات في الاتصال ونقل المعلومات، وقنوات اتصال مفتوحة على البيئة الداخلية والخارجية تتلقى عن طريقها ردود الفعل والاقتراحات والأفكار وتقويمها بحسب موضوعيتها(التغذية العكسية). وبالتالي تزيد هذه البيئة ثقة الأفراد بأنفسهم وتنمي عندهم القدرة على التساؤل وتقبل الانتقادات مما يشجع على التخيل والإبداع من أجل العطاء والبناء. إن بيئة كهذه تتميز في الغالب بالتفوق والقدرة على تحدي المشاكل والعقبات وتخفيف درجة حدتها. أما البيئة غير المبتكرة المقاومة للتغيير ولقبول التحديات فهي التي تتبنى قيماً تنظيمية تقتل المناخ الإبداعي وتهدم جميع الآراء والأفكار والاقتراحات وترفض النقد ولاتقبل التغيير واغتنام الفرص للنمو والتطور، وتقبع في بيئات تقليدية تكون فيها الإدارة متسلطة وأدوار الأفراد مرسومة ومحددة مما يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية وانعدام الثقة بالنفس.
أما البيئة الثقافية فيكون لها الأثر الأكبر في حفز الأفراد ودفعهم نحو الابتكار والإبداع سواء عن طريق وسائل التعليم والبرامج المدروسة المخصصة للكشف عن المواهب الفردية والجماعية وتعزيزها، أو عن طريق وسائل الإعلام على اختلاف هيئاتها وأجهزتها لدعم التوجيه والتوعية والتأكيد على الحوافز الخلاقة.
وتضمن البيئة السياسية المستقرة والدعم الذي تقدمه لنشاط الابتكار تشجيع هذه الطاقات على مستوى الأفراد والمنظمات وجعله أحد الأهداف المطلوبة في خطط التنمية وذلك بإنشاء مؤسسات البحث والدراسة والتطوير وتزويدها بالاحتياجات المادية والبشرية والحوافز المادية والمعنوية الضرورية وفق الإمكانات المتاحة. كما أن توافر العوامل الموضوعية التي تضمن حرية الكلمة والتعبير تساعد على تفجير الطاقات والمواهب لدى الأفراد. فالقدرة على الابتكار تخبو في أوضاع تتسم بالتسلط والاستبداد وقهر النفوس.
وكذلك فإن البيئة الاجتماعية والاقتصادية، يجب أن تهيئ الشروط المناسبة لتربية الفرد وتنشئته نشأة واعية وتنمية إمكاناته وقدراته الذاتية وتشجيع المواهب ورعايتها، وتكفل لـه الدخل الملائم والحياة السهلة التي تخفف من مشاكله وهمومه اليومية والوقت الذي قد يهدره لتوفير متطلبات العيش الضرورية، فالفرد الذي يتحمل المعاناة اليومية ويعيش في أوضاع مادية غير مريحة لايمكن أن يكون فرداً خلاقاً مبتكراً حتى لو توافرت لديه الموهبة والإمكانات، لأن عدم الراحة النفسية والمادية كفيل بأن يقتل كل رغبة لدى هذا الفرد في الإبداع والعطاء. كذلك فإن المجتمع الذي يحترم العالم والمبدع والمفكر ويقدر جهوده ويكافئه عليها يخطو خطوة إيجابية نحو بناء تقدم البلاد العلمي والحضاري ويمنع هجرة القدرات والكفايات البشرية إلى حيث تجد الاحترام والتقدير.
تمويل الابتكار:
تستوجب بيئة الابتكار الإيجابية في أي مؤسسة حكومية كانت أو خاصة إنفاق الأموال الكثيرة في دعم الابتكار وتقديم مستلزماته المادية والبشرية، وذلك بتوفير تكاليف إقامة المنشآت والأجهزة والمعدات ودفع الأجور ونشر نتائج الابتكارات الجديدة وتسويقها على نطاق تجاري.
ويتطلب توفير هذه الأموال إيجاد نوع من الالتزام من جانب الدولة بتبني عملية الابتكار ودعمها وتشجيعها مادياً، لاسيما حين تكون الدولة مسؤولة عن إدارة النشاطات الاقتصادية في المجتمع إضافة إلى التزاماتها الأخرى. وهذه الحقيقة يجب أن يدركها صانعو القرارات في تلك الدول فلا يبخلوا في تخصيص الأموال اللازمة للإنفاق على البحث والابتكار، ولايستعجلوا نتائجه، ولايتراجعوا عن دعمه بعد مدة قصيرة من الزمن.
وللمؤسسات الاقتصادية الخاصة في المجتمعات الرأسمالية دور أساسي في دعم البحث والابتكار والتطوير لإدراكها أهميته وحيويته في تلك المجتمعات، حيث تتحكم في آلية العمل بيئة اقتصادية سريعة التغير والتجدد تتعرض للمنافسة والمزاحمة الشديدة والصراع من أجل البقاء، فتشجع نشاط البحث والابتكار وتنفق عليه بسخاء. أما في الدول العربية فإن تمويل البحث والابتكار من جانب المؤسسات الخاصة لايزال محدوداً وضعيفاً، ويعود هذا لأسباب متعددة قد يمثل أحدها رغبة هذه المؤسسات في تحقيق الكسب السريع في زمن قصير.
ويضمن التعاون العربي تمويل بعض البحوث والابتكارات حول موضوعات تعبر عن هموم مشتركة، وترمي هذه البحوث إلى النهوض بواقع الوطن العربي في المجال الزراعي والصناعي والتجاري وغيرها، ومن مظاهر ذلك إقامة المنظمات العربية للبحوث. ويستعان قي بعض الحالات بمصادر التمويل الأجنبي لدعم نشاطات البحوث التي تتصل مضموناً وتطبيقاً باهتمامات مجتمعنا وهمومه ومشاكله.
الجانب الاجتماعي في الابتكار
يجب أن يتمتع الفرد المبتكر أو الجماعة المبتكرة ببعض الخصائص الشخصية كالثقة بالنفس وروح التعاون والفضول والرغبة في البحث والطموح وبُعد النظر والرغبة في التجديد وتحسين الوضع الراهن والحرص على التفوق والقدرة على التحمل والمثابرة، يضاف إلى ذلك التمتع بمستوى عال من الذكاء والمعرفة العلمية في مجال اختصاصه. وقد دلت بعض الدراسات على أن المبتكرين هم على الغالب أشخاص أذكياء لكنهم ليسوا عباقرة بالضرورة، وأنهم أفراد مثقفون لكنهم لايحملون شهادات عالية، يدفعهم في عملهم حماسهم ورغبتهم في العمل ومثابرتهم عليه، والحافز الذاتي إلى تحقيق الأفضل.
وتؤثر البيئة التي ينمو فيها الفرد في صقل تلك الخصائص والمواهب وتوجيهها على نحو إيجابي. وللأسرة دور مهم في تكوين شخصية المبتكر وتطويرها فتغرس فيه الثقة بالنفس والطموح والنزوع إلى الإبداع، وتنمي لديه الموهبة والقدرات الابتكارية وتشجعه على إبداء الرأي بحرية والدفاع عنه.
مشكلات الابتكار في العالم الثالث
إن ما توفره دول العالم الثالث من إمكانات مادية وبشرية لدعم نشاط البحث والابتكار محدود جداً ولايمكن موازنته بما عليه الحال في الدول المتقدمة، وليس أدل على ذلك من النتائج التي يتم تحقيقها في دول العالم الثالث والتي يتمثل بعضها في قلة براءات الاختراع والامتيازات الممنوحة وفي تخلف طرائق العمل وأساليبه. ولعل من أهم أسباب هذا التقصير افتقار مناهج التعليم وأساليب التربية في دول العالم الثالث إلى القدرة على تنمية روح التنافس ين الأفراد، وتنمية الخبرات والطاقات الإبداعية عندهم، وحضن مواهبهم ورعايتها والحفز على العمل الجماعي. كما أن برامج التدريب التي تتبناها مؤسسات هذه الدول تكاد تكون معدومة أو لاتتناسب مع متطلبات التطور التقني السريع وما يتطلبه هذا التطور من عناصر الابتكار والإبداع، ثم إن حماس المتدربين في هذه البرامج قليل في الأغلب لأنهم لايلمسون نتائجها المادية والمعنوية في وقت قصير وبالوجه المناسب كالمكافأة والترقي في العمل وغيرهما. كذلك فإن عدم توافر الأموال الكافية للبحوث وندرة الأجهزة والأدوات التقنية والمختبرات والمراجع اللازمة تعوق فرص الابتكار وتحرم الفرد الراغب في البحث في العالم الثالث من الاطلاع على آخر تطورات العلم والتقنية في داخل البلاد وخارجها. وإن لهجرة الكفايات البشرية واليد العاملة التقنية أثرها البالغ في حرمان البلاد من خدمات أصحاب تلك الكفايات وابتكاراتهم، ولاسيما أن هذه الكفايات تلقى التشجيع المادي والمعنوي في الخارج، وتتوافر لها فيه البيئة المناسبة لتطوير معارفها وتحقيق طموحاتها العلمية. ويضاف إلى هذه الأسباب جميعاً ظاهرة تكاد تكون عامة في دول العالم الثالث وهي وضع الكفايات في غير محلها واختيار المسؤولين في المؤسسات من غير ذوي الخبرة والاختصاص، اعتماداً على ولائهم وانتمائهم، مما يؤثر في طبيعة العمل الذي يؤدونه، ويحول دون إيجاد البيئة التنظيمية الملائمة للبحث والابتكار كذلك فإن الصفة الاحتكارية الغالبة على مؤسسات الدولة، وضعف تجاوب هذه المؤسسات مع التغيرات التقنية السريعة التي يشهدها العالم، والبطء في تعديل القوانين والتشريعات المتعلقة بالإنتاج والبحث والتطوير بما يتناسب والتغيرات الحادثة، كل ذلك يؤدي بالمؤسسات الإنتاجية إلى الجمود ويمنعها من مسايرة الركب الحضاري والإفادة من قدرات العاملين فيها على الابتكار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..