في
هذه المرحلة لم يعد مقبولا من الكتاب الإسلاميين الذين يعيشون ذهنية
الثمانينيات والتسعينيات في رؤيتهم للواقع بالتغطية على الأخطاء على طريقة
ماكتبه ياسر الزعاترة “ابتزاز الإخوان وشيطنة الإسلاميين”
يمكن القول إن ربيع الإخوان في مصر انتهى شعبيا قبل أن يبدأ، بسبب مسلسل الأخطاء المستمرة التي ينافسون بها المؤسسة العسكرية، والواقع أن العصر الذهبي للإخوان المسلمين الحقيقي وانتشار شعبيتهم الأفقية في عالمنا العربي انتهى منذ نهايات مرحلة الحرب الباردة، والصراع مع الشيوعية، حيث كانوا جزءا من تحالفات المعسكر الغربي مع دول إسلامية وعربية. خلالها انتشرت أدبايتهم وسيرة اضطهادهم في العهد الناصري وما حدث من تعاطف عفوي معهم. لكن خلال أكثر من عقدين تعرضوا لمسلسل طويل من النقد من عدة اتجاهات وتيارات فكرية وإعلامية بعضها حقيقي يعبر عن إشكاليات كبيرة دينية وسياسية وثقافية في تكوين الجماعة وبعضها لصالح جهات محددة تأتي على صورة حملات إعلامية بين فترة وأخرى في دول عديدة.
خلال التسعينيات وما بعد سبتمبر فالبرغم من قوة النقد الفكري الذي تعرضت له حيث تشكلت أدبيات في تحديد مشكلات جماعة الإخوان ورؤية منهجها فإنها حافظت على قدر كبير من التعاطف الشعبي وحياد كثير من النخب في مجتمعات عربية وخاصة في مصر في عدم المشاركة في نقدها طالما أنها تتعرض لمضايقات من أنظمة عسكرية جعلتها شماعة لمنهجها القمعي. لكن توالي سقوط هذه الأنظمة العسكرية والتي كشفت حجم الغضب الشعبي المكبوت ضد هذه الأنظمة فإن جزءا من هذا الانكشاف أخذ يظهر لواقع الجماعة وجمودها فهي لا تنتمي لذهنية أجواء عالم الحرب الباردة وعصر الشعارات فقط وإنما تنتمي أيضا لعالم ما قبل الأربعينات وسقوط الخلافة العثمانية.
لهذا تواجه عمليات التصحيح في داخل الجماعة صعوبات خاصة في التكيف مع المتغيرات. كان تسيدهم لخط المعارضة في أجواء الأنظمة العسكرية حصنهم من الكثير من النقد، وحافظ على بقايا شعبية كرها بالأنظمة السابقة وحتى بعد سقوطه. حصل الإخوان على حوالي 47 % من مقاعد مجلس الشعب وهي نسبة عالية بالرغم من حضور التيار السلفي حيث شارك فيها وأخذ هو الآخر نسبة كبيرة تقارب 24 % قياسا لحداثة عهده بالعمل السياسي. كان حصول حزب النور السلفي على المركز الثاني مفاجأة مربكة للإخوان والصدمة الأولى، مع أن لهذا تفسيرات عديدة ليس هنا مكان التفصيل فيها، إلا أن الصدمة الأخرى كانت تنتظرهم في سباق الرئاسة، مع الشعور الحاد بتراجع شعبيتهم، فالبرغم من تفوق مرشحهم إلا أنه تفوق يشبه الخسارة فالفروقات بينه وبين مرشح العسكر والفلول محدودة، حتى مع المرشحين الآخرين بإمكانيتهم الفردية المحدودة، مما أشعرهم بالقلق والخطر. هذا الهبوط الحاد يمكن أن يجد له البعض الكثير من التفسيرات لكن لا يمكن تجاهل دور الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها الحركة خلال المرحلة الانتقالية مما جعل الكره الشعبي لها يزداد بمرور الوقت وتتقاسمه الجماعة مع العسكر.
يكفي أن الجماعة الآن لا تراهن بمرشحها على شعبيتها وقدرتها على الاكتساح بأدائها السياسي بقدر ما تراهن على الكره للنظام السابق ودعم قوى التغيير الأخرى المكرهة على ذلك التي طالما تجاهلتهم الجماعة. والشعور السائد الآن بين شباب التغيير أن الجماعة تعتبر الثورة فقط أداة ضغط يتم استعمالها في صراعهم مع العسكر عندما تتفق مصالحهم ويتجاهلونها في قضايا أخرى. لقد خسر الإخوان شعبيتهم في معسكر الثورة والكثير من شعبيتهم في الشارع المصري. ولكثرة ما يوجه من نقد حاد للإخوان على عنجهيتهم السياسية فقد بدأ البعض يخشى على شعبية التيار الإسلامي نفسه. تقول د.هبة رؤوف في إحدى تغريداتها “الإخوان يستحقون من النقد ما يملأ ميدان التحرير أوراقا ومسودات..لكنني ألاحظ الانتقال الإعلامي المكثف من الإخوانوفوبيا..للإسلاموفوبيا بوضوح “.
علق كثيرون على وعد الإخوان بعد الترشح للرئاسة في بداية الثورة، وكان التركيز على مسألة التناقض والواقع أن متغيرات السياسة تتيح للكثيرين تبرير التغير لأن الساحة المصرية تعاني من سيلانية مفرطة أصبح معها الجميع يقول رأيا وموقفا ويناقضه من الغد. إن جزءا من تعقيدات المشهد السياسي الذي ترافق مع نتائج سباق الرئاسة هو إصرار الإخوان على تقديم مرشحهم وليس دعم أحد المرشحين، وهو خطأ تاريخي يضاف إلى سلسلة الأخطاء التاريخية للجماعة، خاصة أن الكثير من العقلاء نصحوهم بخطورة هذه الخطوة، وتزامنت مع قضية اللجنة التأسيسية للدستور عندما استفزت القوى الأخرى.
لا زالت هناك أيام معدودة ربما يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهي تتطلب مرونة سياسية عالية. في هذه المرحلة لم يعد مقبولا من الكتاب الإسلاميين الذين يعيشون ذهنية الثمانينيات والتسعينيات في رؤيتهم للواقع بالتغطية على الأخطاء على طريقة ماكتبه ياسر الزعاترة “ابتزاز الإخوان وشيطنة الإسلاميين” في جريدة العرب القطرية قبل يومين. الرأي العام الذي يتشكل عن الإسلاميين الآن لا تقوده تلك الوسائل القديمة الموجهة.
مقابل هذا الدفاع من الزعاترة يشعر أحمد منصور المذيع بقناة الجزيرة بالخطر في مقاله الثلاثاء الماضي في الوطن نيوز “إنني أشعر بالحزن والألم حينما أجد المعسكر المناهض للثورة الممثل لنظام مبارك تقوى شوكته يوما بعد يوم ويستقطب الناس أو يجعلها حيارى على الأقل فى الوقت الذى لا يبرح فيه الدكتور مرسى مكانه فيما يقدمه من أطروحات وأفكار، ولا أعرف لماذا لا يقبل أن يكون نصف رئيس أو ثلث رئيس مقابل ألا تضيع الثورة من أيدي الشعب بدلا من تشبثه بكل شىء”. خلال هذا المأزق في مصر تبدو الاستعدادات مسبقة للحديث عن التزوير فيما لو خسر مرسي. وإذا فاز فإن هناك حديثا أشارت له صحف غربية أن العسكر قد يرفضون تسليم السلطة للإخوان. من السهل أن يعدد الإسلاميين أخطاء العسكر لكن الواقع يقول لماذا ساعد الإخوان العسكر في خلق مثل هذه الأزمة منذ البداية.
يظن البعض أن فوز مرسي سينهي أزمة الإخوان والواقع أن فوز شفيق سينقذهم أكثر للعودة إلى خطاب التظلم والتشكي الذي تجيده الجماعة مع أنها تتحمل الجزء الأكبر من أخطاء المرحلة الانتقالية إذا استثنينا العسكر، لأن قوى التغيير الأخرى لا زالت في بدايات تشكلها الحزبي، وكان على الجماعة أن تشعر بمسؤوليتها التاريخية لصالح المجتمع المصري. مرحلة التغيير كشفت حقيقة الجميع وليس فقط الأنظمة وانتهت أسطورة الحزب الذي سيكتسح الجميع بمفردة دون عمل سياسي وتحالفات وتنازلات كبرى، وبأن المجتمع يتأثر بمجرد رفع شعارات دينية.. حيث كان إعلام الأنظمة السابقة يقدم نفسه بأنه يحمي المجتمع منهم.
http://www.alsharq.net.sa/2012/06/09/332861
عبدالعزيز الخضر
يمكن القول إن ربيع الإخوان في مصر انتهى شعبيا قبل أن يبدأ، بسبب مسلسل الأخطاء المستمرة التي ينافسون بها المؤسسة العسكرية، والواقع أن العصر الذهبي للإخوان المسلمين الحقيقي وانتشار شعبيتهم الأفقية في عالمنا العربي انتهى منذ نهايات مرحلة الحرب الباردة، والصراع مع الشيوعية، حيث كانوا جزءا من تحالفات المعسكر الغربي مع دول إسلامية وعربية. خلالها انتشرت أدبايتهم وسيرة اضطهادهم في العهد الناصري وما حدث من تعاطف عفوي معهم. لكن خلال أكثر من عقدين تعرضوا لمسلسل طويل من النقد من عدة اتجاهات وتيارات فكرية وإعلامية بعضها حقيقي يعبر عن إشكاليات كبيرة دينية وسياسية وثقافية في تكوين الجماعة وبعضها لصالح جهات محددة تأتي على صورة حملات إعلامية بين فترة وأخرى في دول عديدة.
خلال التسعينيات وما بعد سبتمبر فالبرغم من قوة النقد الفكري الذي تعرضت له حيث تشكلت أدبيات في تحديد مشكلات جماعة الإخوان ورؤية منهجها فإنها حافظت على قدر كبير من التعاطف الشعبي وحياد كثير من النخب في مجتمعات عربية وخاصة في مصر في عدم المشاركة في نقدها طالما أنها تتعرض لمضايقات من أنظمة عسكرية جعلتها شماعة لمنهجها القمعي. لكن توالي سقوط هذه الأنظمة العسكرية والتي كشفت حجم الغضب الشعبي المكبوت ضد هذه الأنظمة فإن جزءا من هذا الانكشاف أخذ يظهر لواقع الجماعة وجمودها فهي لا تنتمي لذهنية أجواء عالم الحرب الباردة وعصر الشعارات فقط وإنما تنتمي أيضا لعالم ما قبل الأربعينات وسقوط الخلافة العثمانية.
لهذا تواجه عمليات التصحيح في داخل الجماعة صعوبات خاصة في التكيف مع المتغيرات. كان تسيدهم لخط المعارضة في أجواء الأنظمة العسكرية حصنهم من الكثير من النقد، وحافظ على بقايا شعبية كرها بالأنظمة السابقة وحتى بعد سقوطه. حصل الإخوان على حوالي 47 % من مقاعد مجلس الشعب وهي نسبة عالية بالرغم من حضور التيار السلفي حيث شارك فيها وأخذ هو الآخر نسبة كبيرة تقارب 24 % قياسا لحداثة عهده بالعمل السياسي. كان حصول حزب النور السلفي على المركز الثاني مفاجأة مربكة للإخوان والصدمة الأولى، مع أن لهذا تفسيرات عديدة ليس هنا مكان التفصيل فيها، إلا أن الصدمة الأخرى كانت تنتظرهم في سباق الرئاسة، مع الشعور الحاد بتراجع شعبيتهم، فالبرغم من تفوق مرشحهم إلا أنه تفوق يشبه الخسارة فالفروقات بينه وبين مرشح العسكر والفلول محدودة، حتى مع المرشحين الآخرين بإمكانيتهم الفردية المحدودة، مما أشعرهم بالقلق والخطر. هذا الهبوط الحاد يمكن أن يجد له البعض الكثير من التفسيرات لكن لا يمكن تجاهل دور الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها الحركة خلال المرحلة الانتقالية مما جعل الكره الشعبي لها يزداد بمرور الوقت وتتقاسمه الجماعة مع العسكر.
يكفي أن الجماعة الآن لا تراهن بمرشحها على شعبيتها وقدرتها على الاكتساح بأدائها السياسي بقدر ما تراهن على الكره للنظام السابق ودعم قوى التغيير الأخرى المكرهة على ذلك التي طالما تجاهلتهم الجماعة. والشعور السائد الآن بين شباب التغيير أن الجماعة تعتبر الثورة فقط أداة ضغط يتم استعمالها في صراعهم مع العسكر عندما تتفق مصالحهم ويتجاهلونها في قضايا أخرى. لقد خسر الإخوان شعبيتهم في معسكر الثورة والكثير من شعبيتهم في الشارع المصري. ولكثرة ما يوجه من نقد حاد للإخوان على عنجهيتهم السياسية فقد بدأ البعض يخشى على شعبية التيار الإسلامي نفسه. تقول د.هبة رؤوف في إحدى تغريداتها “الإخوان يستحقون من النقد ما يملأ ميدان التحرير أوراقا ومسودات..لكنني ألاحظ الانتقال الإعلامي المكثف من الإخوانوفوبيا..للإسلاموفوبيا بوضوح “.
علق كثيرون على وعد الإخوان بعد الترشح للرئاسة في بداية الثورة، وكان التركيز على مسألة التناقض والواقع أن متغيرات السياسة تتيح للكثيرين تبرير التغير لأن الساحة المصرية تعاني من سيلانية مفرطة أصبح معها الجميع يقول رأيا وموقفا ويناقضه من الغد. إن جزءا من تعقيدات المشهد السياسي الذي ترافق مع نتائج سباق الرئاسة هو إصرار الإخوان على تقديم مرشحهم وليس دعم أحد المرشحين، وهو خطأ تاريخي يضاف إلى سلسلة الأخطاء التاريخية للجماعة، خاصة أن الكثير من العقلاء نصحوهم بخطورة هذه الخطوة، وتزامنت مع قضية اللجنة التأسيسية للدستور عندما استفزت القوى الأخرى.
لا زالت هناك أيام معدودة ربما يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهي تتطلب مرونة سياسية عالية. في هذه المرحلة لم يعد مقبولا من الكتاب الإسلاميين الذين يعيشون ذهنية الثمانينيات والتسعينيات في رؤيتهم للواقع بالتغطية على الأخطاء على طريقة ماكتبه ياسر الزعاترة “ابتزاز الإخوان وشيطنة الإسلاميين” في جريدة العرب القطرية قبل يومين. الرأي العام الذي يتشكل عن الإسلاميين الآن لا تقوده تلك الوسائل القديمة الموجهة.
مقابل هذا الدفاع من الزعاترة يشعر أحمد منصور المذيع بقناة الجزيرة بالخطر في مقاله الثلاثاء الماضي في الوطن نيوز “إنني أشعر بالحزن والألم حينما أجد المعسكر المناهض للثورة الممثل لنظام مبارك تقوى شوكته يوما بعد يوم ويستقطب الناس أو يجعلها حيارى على الأقل فى الوقت الذى لا يبرح فيه الدكتور مرسى مكانه فيما يقدمه من أطروحات وأفكار، ولا أعرف لماذا لا يقبل أن يكون نصف رئيس أو ثلث رئيس مقابل ألا تضيع الثورة من أيدي الشعب بدلا من تشبثه بكل شىء”. خلال هذا المأزق في مصر تبدو الاستعدادات مسبقة للحديث عن التزوير فيما لو خسر مرسي. وإذا فاز فإن هناك حديثا أشارت له صحف غربية أن العسكر قد يرفضون تسليم السلطة للإخوان. من السهل أن يعدد الإسلاميين أخطاء العسكر لكن الواقع يقول لماذا ساعد الإخوان العسكر في خلق مثل هذه الأزمة منذ البداية.
يظن البعض أن فوز مرسي سينهي أزمة الإخوان والواقع أن فوز شفيق سينقذهم أكثر للعودة إلى خطاب التظلم والتشكي الذي تجيده الجماعة مع أنها تتحمل الجزء الأكبر من أخطاء المرحلة الانتقالية إذا استثنينا العسكر، لأن قوى التغيير الأخرى لا زالت في بدايات تشكلها الحزبي، وكان على الجماعة أن تشعر بمسؤوليتها التاريخية لصالح المجتمع المصري. مرحلة التغيير كشفت حقيقة الجميع وليس فقط الأنظمة وانتهت أسطورة الحزب الذي سيكتسح الجميع بمفردة دون عمل سياسي وتحالفات وتنازلات كبرى، وبأن المجتمع يتأثر بمجرد رفع شعارات دينية.. حيث كان إعلام الأنظمة السابقة يقدم نفسه بأنه يحمي المجتمع منهم.
http://www.alsharq.net.sa/2012/06/09/332861
عبدالعزيز الخضر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..