07-27-1433 09:30
نشرتُ
قبل أيام عدداً من التغريدات في صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)
حول تموقف الكثيرين مما جاء في رواية (هند والعسكر) للروائية السعودية
بدرية البشر، ولقد شدني إلى متابعة هذا التموقف والتغريد عنه، اتساعُ
دائرته، وقدرتُهُ المثيرةُ على إقناع عدد كبير من المتابعين دون تقديم
الحيثيات الكافية، ولقد تجاوز بعضُ المتموقفين حدّ الإنكار الطبيعي
(المقبولِ في مستوى ما) إلى إطلاق أحكام صعبة، كقول أحدهم : " عاجل : بدرية
البشر تنضمّ إلى شلة الملحدين " !!لذلك
رأيت أن أوضِّحَ في هذه المقالة المختصرة رأيي في هذه القضية، انطلاقاً من
اهتمامي بهذا الملف الساخن من جهة، ومن تخصصي في مجال النقد الروائي من
جهة أخرى، وسأحرص على تجنّب المصطلحات النقدية، والاسترسال في تحليل
الخطاب؛ رغبةً في الوصول بهذه الأسطر إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين في
مستوياتهم المختلفة، فما أضرّ بالأدب والنقد، ولا بالذوقين : الإبداعي
والقرائي – من وجهة نظري - إلا انغلاق النقاد على أنفسهم، ودورانهم عليها،
في قاعات معزولة، لها لغتها الخاصة، التي تقطع كلّ محاولات الإرسال
والاستقبال...
وإنني أشكر - من قبل ومن بعد - كلّ الذين أثروا تغريداتي بأسئلتهم وتعقيباتهم ومؤاخذاتهم، والشكر مزجى لموقع المثقف الجديد، الذي تابع مراحل إنشاء هذه المقالة، وتولى عملية نشرها .
أولاً : لا يختلف اثنان في أنّ الإنسان مسؤول عما ينطقه لسانه، وتثبته يداه، وليس للأديب حصانة في هذا السياق، فلقد جاءت النصوص الشرعية (والوضعية أيضاً) دالةً على أهمية الكلمة في الحياة، ودورها في صناعة الخير والشر على حد سواء، بل لقد قُدّمتْ الكلمةُ على الفعل هنا؛ الأمر الذي يدل على أهميتها وخطورتها في آنٍ واحد، ومن ذلك قوله – عليه الصلاة والسلام -: " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "، ولا أعرف أنّ هناك استثناءً ملفوظاً للأديب، يمنحه الحصانة، ويخلع عليه الاستثناء، لكن مما يجب أن يؤخذ بالاهتمام هنا أن لكلّ كلمة سياقاً يحدّد دلالتها، ولا بد أن يُراعى هذا السياق في عمليات حفر النصّ بحثاً عن المعنى أو المغزى، وإن لم يؤخذ بالاهتمام، فإن القراءة ستخطئ الطريق، وستكون بابا إلى العبث، إن لم تكن هي العبث نفسه.ثانيا : يتأسس الشكل الأدبي على الاختلاف لا على الائتلاف، ودلالاته كلّها تُصنع على هذا الأساس...
في هذا الجوّ الذي يتأسس على الفردانية الصرفة، وينهض على المخالفة المفاجئة، لن يكون في مقدورنا تحكيم معايير وظيفية، تُستعملُ عادةً في مبادلات جمعية، أو تعبيرات تلتمس الحقيقة، وتستند – في سبيل مقاربته - إلى الآلية (كما يعبر شكلوفسكي، أو ما به يكون الخطاب كاشفاً أكثر منه مكشوفاً، بحيث يشفّ عما تحته دون أنْ يُرى (هو) في ذاته .
الكذب – مثلاً – مأخذ شرعي كبير، والنصّ الشرعي لا يقف عند حدود تحريمه فحسب، وإنما يذهب إلى نفي وقوعه من المؤمن كما في حديث : " فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال : لا ..."
ورغم ذلك جاز الكذبُ في الشعر، لا في صياغته اللفظية فحسب (الكذب الفني)، ولكن في مضامينه أيضاً، بل أصبح أمراً مقبولاً، أو مسوَّغاً (إذا ما أردنا التماسَ الدقة)، وسأدلِّل على ذلك بخبرين، أوردهما (ابن رشيق) في كتابه (العمدة) :
الخبر الأول : خبر قصيدة كعب بن زهير، التي أنشدها بين يدي الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، وجاء فيها :
نبئت أن رسول الله أوعـــدني والعفــو عند رسول الله مأمولُ
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ قــرآن، فيها مواعيظ وتفصيلُ
لا تأخذني بأقوال الوشــاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويــلُ
في هذا المقتطف يقرّر الشاعر مظلوميته بفعل الوشاة، وينفي أن يكون قد اقترف ذنباً، يستحق عليه وعيد النبي – عليه الصلاة والسلام - .
لم يكن النبي الكريمُ بعيداً عن كعب حين ألقى هذه القصيدة، وإنما كان يستمع إليه، ولم يكن وحده، وإنما كان معه جمعٌ من الصحابة، بعضهم من حفاظ الشعر ورواته كأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، وبعضهم الآخر : ممن يقول الشعر، ويجوّده أيضاً، كحسان بن ثابت – رضي الله عنه -، وأما المكان فكان مسجد رسول الله – عليه الصلاة والسلام -، ورغم ذلك كلِّه لم تُشِرْ روايةٌ واحدةٌ (واحدة فقط بحسب متابعتي) إلى اعترض أحد من هؤلاء على هذا المقتطف الجوهري من القصيدة، ولم أعثر على رواية واحدة تشير إلى أنّ النبي – عليه الصلاة والسلام – قد أنكر على كعب مخالفته الواقع (مع علمنا جميعاً أنّ مخالفة الواقع كذب، والكذب حرام).بل إنّ الروايات (لن أخوض هنا في أمر صحّتها) دلت على احتفاء النبي – عليه الصلاة والسلام - بهذه القصيدة، فمن رواية تؤكد أنّ النبي – عليه الصلاة والسلام – كان يشير لبعض أصحابه " أن أقبلوا واستمعوا "، إلى رواية تؤكد أنّ النبيَّ كافأ كعباً بالبردة، فعرفت القصيدة حتى يومنا هذا بقصيدة البردة .
نحن هنا أمام احتمالين رئيسين (سأتجاوز الاحتمالات الفرعية) : إما أن يكون كعب بن زهير مظلوماً، ولم يقع في هذا الذنب، وإما أن يكون قد وقع فيه فعلاً، لكنه جاء معتذرا بقصيدة، وللقصيدة اعتباراتها الأدبية، التي تجيز للشاعر أنْ يثبتَ مالم يقعْ، وينفي ما قد وقعَ؛ وفي هذا الجوّ الخاص، استمع إليه النبي وأصحابه حتى انتهى، ولم ينكروا عليه نفيه الذنبَ؛ لأنه شاعر، وكما أن الشاعر يقول ما لا يفعل، فهو أيضاً يفعل ولا يقول .
الخبر الثاني : خبر القصيدة التي اعتذر فيها حسان بن ثابت – رضي الله عنه – إلى عائشة – رضي الله عنها – بعد أن خاض مع من خاض في حادثة الإفك المعروفة، فجلده النبي – عليه الصلاة والسلام -، ومما جاء في قصيدته :
حَصـَـانٌ رزانٌ ما تُزنُّ بريبةٍ وتصبحُ غرثى من لحـومِ الغوافلِ
فإن كانَ ما قدْ قيـلَ عني قلتُهُ فلا رفعتْ ســوطي إليّ أناملي
نحن هنا بين احتمالين أيضاً :
• إما أن حسانَ لم يذنبْ، ولم يخض في حادثة الإفك مع من خاضوا، وأن العقوبة التي نُفِّذت في حقه كانت ظلماً بواحا (وهذا محالٌ بلا شك؛ لأن من حكم عليه ونفذ الحكم هو النبيُّ – عليه الصلاة والسلام -) .
• وإما أنه قد أذنب بالفعل؛ وأقرّ بذنبه قبل العقوبة فاستحقها، ثمّ جاء – من بعدُ - معتذراً من عائشة على طريقة الشعراء، فأنكر أن يكون قد قال ما قيل عنه، وتجاوز ذلك إلى الدعاء على نفسه بالشلل إن كان قد قاله فعلا (فلا رفعت سوطي إليّ أناملي).
الموقفان إذن يتأسسان على اعتذار صادق عُبِّر عنه بشكلٍ كاذب : كعب يعتذر من خطئه بأنه لم يخطئ، وحسان يعتذر من قوله بأنه لم يقل، وليس الشاهد هنا فيما قالاه، وإنما في سكوت النبي والصحابة عن هذه المخالفة، وعدم إنكارهم على صاحبها، وما من تعليلٍ لهذا السكوت الجماعي، إلا علمهم جميعاً (وهم من أمة تتنفس الشعر وتغتسل به) بأن كلمات الشاعر ومضامينه جاءت في سياق أدبي، ويجوز في الأدب ما لا يجوز عادة في النثر، وفي النثر الوظيفي تحديداً .
هذان الموقفان يعطياننا دلالة مهمة على أن للشكل الأدبي اعتبارَه وخصوصيته، وأنّ العبرة بالدلالة العامة، التي يخلعها السياق على الصياغة، وليس بكلمة مفردة، أو جملة فُرض عليها الاستقلال فرضاً، أو صورة أدبية تقوم بدور محدود في خلق الدلالة العامة (المعنى ، المغزى) .
ثالثا : إذا كان ما سبق قاسماً مشتركاً في الأشكال الأدبية كلِّها، فإنّ للشكل الروائي سمات خاصة، يتعين فيمن يتصدى له (قراءة عابرة، أو نقدا) أن يلمّ بها، وسأشير هنا إلى ما به يمكن أن نتمثل طرفاً من هذه الخصوصية :
السمة الأولى : أن الشكل الروائي نشأ ابتداء، وترعرع في بيئات فردانية، بيئات يمتلك فيها الفرد الحق المطلق في التصرف بملك الجماعة، وهذا ما لا نجده في الشعر، الذي يتكئ باستمرار على قيم جمعية، وينزع إلى شعرنة الذات – كما يعبر الغذامي -.السمة الثانية : أن الشكل الروائي – في الأصل – يقوم بدور بحثي...، إنه يتجاوز ما نراه عادة على السطح – كما يفعل الشعر عادة – إلى مناطق غائرة في العمق، يفتش هناك عن مظهر أو نسق، ولقد أحسن (ألبيريس) حين شبّه المتورّط بفعل الرواية برجل لم يكفه ضميرُهُ فذهب بعيدا في انتهاك ضمائر الآخرين .
إنها الرواية، عملية انتهاك بالفعل، انتهاك للحواجز التي تضعها المجتمعات المحافظة بين ما يُعلن وما يُخفى، إنها تسلط الضوء على زوايا مظلمة تسعى المجتمعات المحافظة على إبقائها في ظلام دامس، بل على تطويقها بنقاط تفتيش، وحواجز من الرمل، والصمت الثقيل .
هذا ما تقوم به الرواية باختصار مفيد، وحين نتوجه جماعات وأفرادا إلى إفراغ الرواية من هاتين السمتين المهمتين؛ فإننا نجتمع على تعذيبها وقتلها، ونذهب بعيداً بعيداً في الاحتفال بجسدها على حساب روحها .
إن أكثرَ الروايات التي وُصِفتْ بالانحراف ليست في الأصل إلا روايات تلفعت بالفردانية، وكانت مخلصةً في تأدية ما ينتظر من الشكل الروائي...، قد تكون ناقصة فنيا، أو متعثرة أيضاً، لكنها استوفت أهمّ سمتين من سمات الشكل الروائي، وهي سمات (قَبْليّة)، أي: إنها تسبق ولادة النصّ، وتدخل في منظومة وعي المبدع بسمات وخصائص هذا الشكل، التي تنعكس تباعاً على عمليات الخلق الفعلية .
حين صدرت رواية (بنات الرياض) قام المجتمع كلُّه ولم يقعد، وصفها بالانحراف والتغريب، وقسّم الشتائم بالتساوي بين رجاء الصانع والأديب الراحل غازي القصيبي – رحمه الله –؛ كونه كتب أسطراً للرواية بمثابة التقديم .
من يقرأ الرواية بعد تلك الهبّة لن يجد فيها أكثر من عمل روائي (أطلق عليها رواية من باب التجوّز)، يتأسس على الفردانية النسبية، ويذهب باتجاه ما يمكن وصفه بفضح فئة من المجتمع، حيث ترى الكاتبة أن ظاهر تلك الفئة التماسك، والتسامح، والمحافظة، والطهر، وباطنها الاعتلال، والاختلال، والاختلاط، وكانت الروائية دقيقة حين ربطت روايتها بطبقة محدّدة من مجتمعنا، أطلقت عليها اسم (الطبقة المخملية)، ورغم ذلك كلِّه نظر إليها القراء على أنها تسيء إلى المجتمع كلِّه، وأغرب ما في الأمر أنّ الذين هاجموا هذه الرواية هم من الطبقة الوسطى، أو الطبقة الفقيرة، أي ممن لا تعنيهم الرواية، ولا تمسهم بأي شكل من الأشكال، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن ما ترويه هاتان الفئتان عن الطبقة المخملية في مجالسها الخاصة، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أكبر وأغزر وأفضح مما تضمنته رواية (بنات الرياض)، فإلى أي شيء يمكن أن نحيل هذا العبث ؟ وإلى أي شيء يمكن أن ننمي هذه الحلقات المتتالية من التناقض ؟
لن أسترسل طويلا في عرض هذه الرواية، لكنني لم أجد فيها أكثر من عمل روائي قام بحقه، وسعى إلى تأدية واجبه، ولا أقف عند هذا الحدّ بل أذهب إلى أنه عمل روائي إسلامي، وأرجو أن أعرض لاحقاً لحيثيات هذا الحكم .
رابعا : منذ أصدر تركي الحمد ثلاثيته، ووقعت أعيننا على الجملة الحوارية الأكثر شهرة في الرواية السعودية " الله والشيطان وجهان لعملة واحدة "، ونحن نقوم بفعل خاطئ في قراءة العمل الروائي، ولا نكتفي بأن نخطئ في القراءة فحسب، بل نسعى إلى إصدار أحكام ثقيلة على هذه القراءة الخفيفة المتعجلة؛ لذلك سأضع هنا قاعدة علمية تنظم قراءتنا للعمل الروائي، وتجعلنا أكثرَ دقةً في إدانة التجاوزات، أو منحها الحقَّ الأدنى في الوجود .
بداية يجب أن نعرف جميعاً أن الرواية عملٌ متكاملٌ يشبه تماماً الحياة التي نحياها، فكما أننا لا نستطيع الاكتفاءَ بالليل دون النهار، ولا باليقظة دون النوم، ولا (حتى) بالضحك دون البكاء، فإننا أيضاً لا نستطيع الفصل بين عنصر روائي وآخر.
إنّ قراءة (الحوار) بمعزل عن (السرد) و(الوصف) خطأ كبير، والاتكاء على (المكان) دون الأخذ بروح (الزمن) التي تملؤه خطأ أكبر، وفي هذا السياق يقول (بيرسي لوبوك) : " نحن ما نزال نعاني من نوع من الخجل أمام الرواية، ولا أعني به الخجل من المؤلف أو أفكاره، أو عالمه الخيالي، ولكنني أقول : إنه يراودنا إحساس أن الرواية إنما هي شريحة من الحياة؛ ولذلك فإن تناولها على أجزاء سيعني فناءها ".
يخطئ أحدنا حين يفتح رواية ويجد فيها جملة حوارية تقول: " إنني أكره الدين ... أكرهه ... وأتمنى أن أعيش ملحداً ... "؛ فيذهب بعيداً في شتم الرواية، وشتم من كتبها، ومن طبعها، وقرأها، ومن علق عليها أيضاً..
ما فعله هذا القارئ يعد خاطئاً بمقاييس العقل فضلاً عن أدبيات القراءة الأدبية، ودعوني أضرب لكم مثالاً بكتاب الله تعالى، ماذا لو فتح رجل من غير المسلمين القرآن، فوقعت عيناه على قوله تعالى : {يد الله مغلولة} ثم أغلقه، ما الذي يمكن أن يستقرّ في ذهنه ؟ حتماً الدلالة المباشرة للآية، ولو أنه أكمل القراءة لجاءه الكشف والبيان بالنقيض النقيض: {غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء...} الآية
الأمر عينه يحصل لكثير من قراء الرواية، فهم يقتطفون جملة حوارية / قولاً، أو مقطعاً وصفياً / حالاًً، أو جزئية حدثية / فعلاً، أو شخصية واحدة / فاعلاً، وعلى هذا المقتطف يؤسسون أحكامهم على الرواية، دون أن يكلفوا أنفسهم مصاحبة السياقات في زحفها إلى النهاية / لحظة التنوير؛ ليكتشفوا ما إذا كانت الرواية انتصاراً للمعطى السلبي أو انتصاراً عليه .
تبدأ رواية ما بالظلم، فتنثال على القارئ أفعال وأقوال وأحوال تضخم هذا الظلم وتنميه، لا لتلميعه، ولكن ليكون الانتصار عليه في اللحظة الأخيرة مؤثِّراً وفاعلاً...
لذا لا يحق لأحد أن يحكم على رواية ما بإيجاب أو سلب من الناحية الفكرية (الرسالية) مالم يقرأ الرواية كلها، ويصل إلى لحظة النهاية، مع العلم أن هناك من يقرأ الرواية كلها حرفا حرفاً، لكنه لا يستطيع الوصول إلى غايتها،ولا إلى غاية تستوعبها الرواية بشكل أو بآخر؛ الأمر الذي يستدعي القول بأن قراءة الرواية تحتاج إلى جهد يتساوى مع الجهد الذي كتبت به.
وبما سبق تكون نهاية الرواية عنصراً أساسياً من عناصر العمل الروائي - وإنْ تجاهله كثير من النقاد بالاستناد الخاطئ إلى مفهوم الرواية الديالوجية / الحوارية - .نقطة أخرى لابد أن أشير إليها هنا، هي أن كثيراً من قراء الرواية – بعضهم من النقاد - يخلطون بين الرواية والسيرة الذاتية، وإن فصلوا بينهما على مستوى التنظير فإنهم يمزجون بينهما ساعة التطبيق، قصداً أو بدون قصد؛ ليتوصلوا في النهاية إلى أنّ متن هذه الرواية (حكايتها) ما هو إلا سيرة ذاتية لصاحبها أو صاحبتها، وهذا خطأ آخر لا يقل إشكالية عن سابقه .
إن مما يجب على قارئ الرواية الجاد أن يفرق بين مستويات أربعة : المؤلف (هو من كتب الرواية)، والقارئ (من اشتراها ليقرأها)، والراوي (الذي يروي أيا كان موقعه)، والمروي له (من يستمع إلى الراوي).
فأما الكاتب فينتهي دوره بمجرد طباعته الرواية وتسويقها، وأما القارئ فينتهي دوره بمجرد شرائه الرواية واستعداده لقراءتها، ولا يبقى من بعدُ إلا من يروي ومن يُروى له، وهما متخيلان بامتياز...
نخلص مما مضى إلى أنّ على من يقرأ نصاً روائياً أن يستحضر جيداً أهمية قراءة النص كاملاً والوصول إلى فكرته من خلال عناصر الخطاب كلها، وليس من خلال عنصر واحد، أو تجلّ من تجلياته...، وعليه كذلك أن يعي الحدود الفاصلة بين مستويات إنشاء الرواية التي أشرنا إليها آنفاً...، وحينها يمكن أن نقول إن القارئ قد استلم الطريق، وجدّ في سبيل الوصول إلى الغاية السليمة...
خامسا : تتأسس رواية (هند والعسكر) على موضوع تمردي ولا شكّ، لكنه تمرد على المجتمع وطريقته في التفكير، وليس على عقيدته – كما في روايات أخرى لم يتطرق إليها أحد - .
إنّ الجملة السردية التي أثارت كثيرين في هذه الرواية، لم تكن تعبيرا من الراوية (القائمة بفعل الرواية) عن الله عزّ وجلّ، وإنما عن المشروعية التي يكتسبها المجتمع عندما يمارس أخطاءه باسم الدين، فيحيل إلى نص شرعي، أو إلى الله والرسول بشكل مباشر .
هذه الإحالات الاجتماعية أساءت إلى الدين من وجهة نظر الرواية، وجعلت الإنسان لا يعرف عن ربه إلا أنه شديد العقاب، في تغييب نسبي لرحمة الله، ومواطنها، وقربه، وقربها من الناس؛ لذلك عبرت القائمة بفعل الرواية (الشخصية الرئيسة في الرواية : هند) عن هذا المعنى الدقيق بقسوة الله، ثم ربطت هذا المعنى بشخصية الأمّ، التي استوعبت كلّ أنماط القسوة، متترسة بفهم غالط للدين .
لنا هنا – ومن حقنا أيضاً – أن ننتقد توظيفَ لفظ الجلالة، أو اسم النبي – عليه الصلاة والسلام – في لعب لغوية، أو صور أدبية، ومن الجميل أن نسعى إلى كلمة سواء في هذا السياق، لكن ليس لنا الحق في أنْ نتخذ – ما يرد تحت هذا النمط – دليلاَ على وقوع الكاتبة/ الروائية في الإلحاد .
إن رواية (هند والعسكر) جاءت لتكشف العيوب العميقة في المجتمع، وأهمها حمل الناس بالقوة على صور من الاعتقاد والسلوك ليست ملزمة، أو ليست معنى نهائيا لما جاءت به الشريعة الإسلامية .
لقد ظُلِمتْ (هند) من الجميع، واغتال هذا الظلمُ فيها كلّ شيء، حتى إيمانها الفطري، الذي ولد معها، وترعرع بين يديها، ولقد دفعها هذا الظلم إلى التمرد على المجتمع، تمردا معنويا، تعبر عنه تصرفاتها داخل المجتمع، وتمرداً حسياً، يعبر عنه هروبها من هذا المجتمع إلى (كندا) .
بطبيعة الحال لم يكن هروباً راقصا، وإنما كان دامعاً، فرضه المجتمع على (هند) ولم تأخذه خياراً من اللاشيء .
الرواية – إذن – تتحدث عن (هند) بوصفها مثالا للمرأة السعودية، وعن (العسكر) الذين يتسمون بالصرامة والقوة ويرتبطون بالهرمية وتنفيذ الأوامر (دلالة عسكر)، ويتصفون بالكثرة (الجمع : عسكر)، والانتشار والتنوّع : (رجل- امرأة)، (كبير، صغير)، (متعلم ، أمي)، (قريب، بعيد)، (ملتزم، منحرف) ...
هؤلاء جميعاً يأخذون مشروعيتهم من الدين، من الإحالة الجاهلة عليه، أو الإحالة الفارغة؛ لذلك حاصروا (هند) على صفحة الغلاف (بنية العنوان)، وحاصروها من الداخل في تعليمها، وعملها، وزواجها، وبعد طلاقها، وليس هذا فحسب، بل حاصروا إيمانها من الداخل، وعرضوه لاهتزازات عنيفة، انتهت به إلى حالة من حالات التجمّد والسكون ...
ولكي تتضح الصورة أكثر وأكثر، ويتبين للجميع أن التمرد في رواية (هند والعسكر) على المجتمع (أعرافه وتقاليده) وليس على عقيدته وانتمائه الديني، سأقدم للجميع تحليلا سريعا لمفردة القهوة، التي تجاوزت كونها مفردة عابرة في الرواية؛ لتكون رمزاً دالاً ...
ظهرت كلمة القهوة في الرواية أربعاً وخمسين مرّة، بأشكال وغايات مختلفة، مما يعني أنها ليست كلمة عادية بل إشارة تحمل وراءها شيئاً مهماً .
بداية حضرت مفردة (القهوة) في الرواية بمدلولها العادي، نقرأ : " فتحت الغرفة، خرجت، نفثت القهوة في وجهي، اشتعلت رائحة القهـوة في البيت مثل حريق صيفي ساخن، رائحتها القوية تنبعث من مطبخ البيت " (ص6) .
ثم تفصّل الكاتبة كيف كانت (عمّوشة) تصنع القهوة، وتطيل في توضيح التفاصيل، ليصادفنا بعد ذلك هذا المقتطف:
" معظم حكايات هذا البيت نسجت في جلسات قهوة، يتخلّص شاربوها من قيود الوعي الصارم " (ص7) .
ففي هذا المقتطف تتداخل (القهوة) مع (المجتمع)؛ لتكون مؤثِّرة فيه، ومخلِّصة له، ثم تتسع دلالتها لتكون المجتمع نفسه، نقرأ : " تاريخ نساء هذا البيت ولد من حكاية ولدت في فناجين القهوة، كلٌّ منهنَّ لها حكاية في قلب فنجان... كلُّ واحدة منهنَّ خرجت من رحم حبّة هيل طويلة، أودعت فيها حكايتها " (ص7) .
إذن ثمّة علاقة بين (القهوة) والمجتمع، أو لنقل: المجتمع السعودي تحديداً، فما هذه العلاقة ؟
حين نقوم بإفراغ الصفات التي خلعتها (هند) على مجتمعها في حقلٍ خاص، ونرسل النظر فيها، سنجدها تعود إلى حقلين: أحدهما يدرك بالرؤية، وثانيهما يدرك بالإحساس، وجملة ما تدركه (هند) من مجتمعها بالرؤية يأخذ طابع اللون القاتم، وجملة ما تشعر به يأخذ طابع الطعم المرّ...، واللون القاتم والطعم المرُّ صفتان من أبرز صفات (القهوة)؛ ولأنَّ (القهوة) كذلك فقد تجلّت في الرواية معادلاً موضوعياً للمجتمع نفسه، وهذا ما جعل الكاتبة تختم روايتها بهذا المقطع:
" أقبلتْ المضيفة وسألتني، وهي تشير للإبريق بين يديها :
- قهوة !
ابتسمتُ، وعيناي تدمعان، وهززتُ رأسي.. شربت الجـرعة الأولى في الدقيقـة الأولى وفي السماء الأولى من فنجان قهوتي الأوّل، وصوت محمد عبده يغني في أذني:
" كفّها فلّة جديلة من حروف... " ! (ص208) .
لماذا يا ترى حرصت الكاتبة على تقديم هذا المقطع في آخرة روايتها ؟ ولماذا بدت (هند) فيه وهي تشرب الجرعة الأولى من فنجان قهوتها الأوّل في الدقيقة الأولى من إقلاع الطائرة التي أقلتها إلى (كندا) ...
لكي نجيب عن هذين التساؤلين علينا أن نستحضر دلالات القهوة التي عرضناها سابقاً، والتي نمت حتى صارت هي المجتمع نفسه، وعلينا كذلك أن نربط ما فعلته (هند) بالحدث الذي يقدِّمه المقطع، وبهما حتماً سنصل إلى تأكيد دلالة التمرّد في هذا العنصر، فـ (هند) إنما أرادت بشربها الجرعة الأولى من فنجان قهوتها الأوّل وهي لم تزل بعد في الدقيقة الأولى من إقلاع الطائرة... الإجهازَ السريع على هذا المجتمع الذي لم ترَ فيه إلا القتامَ، ولم تذق فيه إلا الطعم المرير . ولكي توضِّح الرواية تمرّد (هند)، وأنه على تفكير المجتمع وليس على الأرض، فقد حضر الصوت الغنائي؛ ليحيل القارئ إلى واحدة من أجمل القصائد الوطنية في الإبداع العامي، وهي قصيدة (الرياض) للشاعر الأمير (بدر بن عبد المحسن)...، فـ (هند) تغادر الرياض متمرِّدة على قوانين أهلها، خارجة على فلسفاتهم، ولم تتأخّر عن الإجهاز سريعاً على ظلال هذا المجتمع المنعكسة على (القهوة) بعد أن تراءت لها في الفنجان، لكنّها رغم ذلك كانت تبكي وهي تتأمّل معاني قصيدة (الرياض) .
التمرّد في هذه الرواية – إذن - على عقلية المجتمع، وليس على الأرض، ولا على تاريخها...، وهذا شكلٌ من أشكال التمرّد في رواية المرأة السعودية، يختلف عن التمرد على العقيدة، الذي وجدته بارزا في رواية (القِران المقدّس) على سبيل المثال.
وأخيراً، حاولت أن أصنع بهذه المقالة العابرة جزءا من الوعي؛ لتبرأ به الذمم، ولست هنا مع د.بدرية البشر في كثير من رؤاها التي عبرت عنها، لكنّ اختلافي معها، لن يدفعني إلى التشكيك في عقيدتها، ولن يورطني في الانتقام منها بطريقة كاذبة خاطئة...
أشكر لكم متابعتكم، وأتطلع إلى رؤاكم، وتعقيباتكم، وأسئلتكم، من خلال صفحتي في (تويتر) .
وإنني أشكر - من قبل ومن بعد - كلّ الذين أثروا تغريداتي بأسئلتهم وتعقيباتهم ومؤاخذاتهم، والشكر مزجى لموقع المثقف الجديد، الذي تابع مراحل إنشاء هذه المقالة، وتولى عملية نشرها .
أولاً : لا يختلف اثنان في أنّ الإنسان مسؤول عما ينطقه لسانه، وتثبته يداه، وليس للأديب حصانة في هذا السياق، فلقد جاءت النصوص الشرعية (والوضعية أيضاً) دالةً على أهمية الكلمة في الحياة، ودورها في صناعة الخير والشر على حد سواء، بل لقد قُدّمتْ الكلمةُ على الفعل هنا؛ الأمر الذي يدل على أهميتها وخطورتها في آنٍ واحد، ومن ذلك قوله – عليه الصلاة والسلام -: " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "، ولا أعرف أنّ هناك استثناءً ملفوظاً للأديب، يمنحه الحصانة، ويخلع عليه الاستثناء، لكن مما يجب أن يؤخذ بالاهتمام هنا أن لكلّ كلمة سياقاً يحدّد دلالتها، ولا بد أن يُراعى هذا السياق في عمليات حفر النصّ بحثاً عن المعنى أو المغزى، وإن لم يؤخذ بالاهتمام، فإن القراءة ستخطئ الطريق، وستكون بابا إلى العبث، إن لم تكن هي العبث نفسه.ثانيا : يتأسس الشكل الأدبي على الاختلاف لا على الائتلاف، ودلالاته كلّها تُصنع على هذا الأساس...
في هذا الجوّ الذي يتأسس على الفردانية الصرفة، وينهض على المخالفة المفاجئة، لن يكون في مقدورنا تحكيم معايير وظيفية، تُستعملُ عادةً في مبادلات جمعية، أو تعبيرات تلتمس الحقيقة، وتستند – في سبيل مقاربته - إلى الآلية (كما يعبر شكلوفسكي، أو ما به يكون الخطاب كاشفاً أكثر منه مكشوفاً، بحيث يشفّ عما تحته دون أنْ يُرى (هو) في ذاته .
الكذب – مثلاً – مأخذ شرعي كبير، والنصّ الشرعي لا يقف عند حدود تحريمه فحسب، وإنما يذهب إلى نفي وقوعه من المؤمن كما في حديث : " فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال : لا ..."
ورغم ذلك جاز الكذبُ في الشعر، لا في صياغته اللفظية فحسب (الكذب الفني)، ولكن في مضامينه أيضاً، بل أصبح أمراً مقبولاً، أو مسوَّغاً (إذا ما أردنا التماسَ الدقة)، وسأدلِّل على ذلك بخبرين، أوردهما (ابن رشيق) في كتابه (العمدة) :
الخبر الأول : خبر قصيدة كعب بن زهير، التي أنشدها بين يدي الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، وجاء فيها :
نبئت أن رسول الله أوعـــدني والعفــو عند رسول الله مأمولُ
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ قــرآن، فيها مواعيظ وتفصيلُ
لا تأخذني بأقوال الوشــاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويــلُ
في هذا المقتطف يقرّر الشاعر مظلوميته بفعل الوشاة، وينفي أن يكون قد اقترف ذنباً، يستحق عليه وعيد النبي – عليه الصلاة والسلام - .
لم يكن النبي الكريمُ بعيداً عن كعب حين ألقى هذه القصيدة، وإنما كان يستمع إليه، ولم يكن وحده، وإنما كان معه جمعٌ من الصحابة، بعضهم من حفاظ الشعر ورواته كأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، وبعضهم الآخر : ممن يقول الشعر، ويجوّده أيضاً، كحسان بن ثابت – رضي الله عنه -، وأما المكان فكان مسجد رسول الله – عليه الصلاة والسلام -، ورغم ذلك كلِّه لم تُشِرْ روايةٌ واحدةٌ (واحدة فقط بحسب متابعتي) إلى اعترض أحد من هؤلاء على هذا المقتطف الجوهري من القصيدة، ولم أعثر على رواية واحدة تشير إلى أنّ النبي – عليه الصلاة والسلام – قد أنكر على كعب مخالفته الواقع (مع علمنا جميعاً أنّ مخالفة الواقع كذب، والكذب حرام).بل إنّ الروايات (لن أخوض هنا في أمر صحّتها) دلت على احتفاء النبي – عليه الصلاة والسلام - بهذه القصيدة، فمن رواية تؤكد أنّ النبي – عليه الصلاة والسلام – كان يشير لبعض أصحابه " أن أقبلوا واستمعوا "، إلى رواية تؤكد أنّ النبيَّ كافأ كعباً بالبردة، فعرفت القصيدة حتى يومنا هذا بقصيدة البردة .
نحن هنا أمام احتمالين رئيسين (سأتجاوز الاحتمالات الفرعية) : إما أن يكون كعب بن زهير مظلوماً، ولم يقع في هذا الذنب، وإما أن يكون قد وقع فيه فعلاً، لكنه جاء معتذرا بقصيدة، وللقصيدة اعتباراتها الأدبية، التي تجيز للشاعر أنْ يثبتَ مالم يقعْ، وينفي ما قد وقعَ؛ وفي هذا الجوّ الخاص، استمع إليه النبي وأصحابه حتى انتهى، ولم ينكروا عليه نفيه الذنبَ؛ لأنه شاعر، وكما أن الشاعر يقول ما لا يفعل، فهو أيضاً يفعل ولا يقول .
الخبر الثاني : خبر القصيدة التي اعتذر فيها حسان بن ثابت – رضي الله عنه – إلى عائشة – رضي الله عنها – بعد أن خاض مع من خاض في حادثة الإفك المعروفة، فجلده النبي – عليه الصلاة والسلام -، ومما جاء في قصيدته :
حَصـَـانٌ رزانٌ ما تُزنُّ بريبةٍ وتصبحُ غرثى من لحـومِ الغوافلِ
فإن كانَ ما قدْ قيـلَ عني قلتُهُ فلا رفعتْ ســوطي إليّ أناملي
نحن هنا بين احتمالين أيضاً :
• إما أن حسانَ لم يذنبْ، ولم يخض في حادثة الإفك مع من خاضوا، وأن العقوبة التي نُفِّذت في حقه كانت ظلماً بواحا (وهذا محالٌ بلا شك؛ لأن من حكم عليه ونفذ الحكم هو النبيُّ – عليه الصلاة والسلام -) .
• وإما أنه قد أذنب بالفعل؛ وأقرّ بذنبه قبل العقوبة فاستحقها، ثمّ جاء – من بعدُ - معتذراً من عائشة على طريقة الشعراء، فأنكر أن يكون قد قال ما قيل عنه، وتجاوز ذلك إلى الدعاء على نفسه بالشلل إن كان قد قاله فعلا (فلا رفعت سوطي إليّ أناملي).
الموقفان إذن يتأسسان على اعتذار صادق عُبِّر عنه بشكلٍ كاذب : كعب يعتذر من خطئه بأنه لم يخطئ، وحسان يعتذر من قوله بأنه لم يقل، وليس الشاهد هنا فيما قالاه، وإنما في سكوت النبي والصحابة عن هذه المخالفة، وعدم إنكارهم على صاحبها، وما من تعليلٍ لهذا السكوت الجماعي، إلا علمهم جميعاً (وهم من أمة تتنفس الشعر وتغتسل به) بأن كلمات الشاعر ومضامينه جاءت في سياق أدبي، ويجوز في الأدب ما لا يجوز عادة في النثر، وفي النثر الوظيفي تحديداً .
هذان الموقفان يعطياننا دلالة مهمة على أن للشكل الأدبي اعتبارَه وخصوصيته، وأنّ العبرة بالدلالة العامة، التي يخلعها السياق على الصياغة، وليس بكلمة مفردة، أو جملة فُرض عليها الاستقلال فرضاً، أو صورة أدبية تقوم بدور محدود في خلق الدلالة العامة (المعنى ، المغزى) .
ثالثا : إذا كان ما سبق قاسماً مشتركاً في الأشكال الأدبية كلِّها، فإنّ للشكل الروائي سمات خاصة، يتعين فيمن يتصدى له (قراءة عابرة، أو نقدا) أن يلمّ بها، وسأشير هنا إلى ما به يمكن أن نتمثل طرفاً من هذه الخصوصية :
السمة الأولى : أن الشكل الروائي نشأ ابتداء، وترعرع في بيئات فردانية، بيئات يمتلك فيها الفرد الحق المطلق في التصرف بملك الجماعة، وهذا ما لا نجده في الشعر، الذي يتكئ باستمرار على قيم جمعية، وينزع إلى شعرنة الذات – كما يعبر الغذامي -.السمة الثانية : أن الشكل الروائي – في الأصل – يقوم بدور بحثي...، إنه يتجاوز ما نراه عادة على السطح – كما يفعل الشعر عادة – إلى مناطق غائرة في العمق، يفتش هناك عن مظهر أو نسق، ولقد أحسن (ألبيريس) حين شبّه المتورّط بفعل الرواية برجل لم يكفه ضميرُهُ فذهب بعيدا في انتهاك ضمائر الآخرين .
إنها الرواية، عملية انتهاك بالفعل، انتهاك للحواجز التي تضعها المجتمعات المحافظة بين ما يُعلن وما يُخفى، إنها تسلط الضوء على زوايا مظلمة تسعى المجتمعات المحافظة على إبقائها في ظلام دامس، بل على تطويقها بنقاط تفتيش، وحواجز من الرمل، والصمت الثقيل .
هذا ما تقوم به الرواية باختصار مفيد، وحين نتوجه جماعات وأفرادا إلى إفراغ الرواية من هاتين السمتين المهمتين؛ فإننا نجتمع على تعذيبها وقتلها، ونذهب بعيداً بعيداً في الاحتفال بجسدها على حساب روحها .
إن أكثرَ الروايات التي وُصِفتْ بالانحراف ليست في الأصل إلا روايات تلفعت بالفردانية، وكانت مخلصةً في تأدية ما ينتظر من الشكل الروائي...، قد تكون ناقصة فنيا، أو متعثرة أيضاً، لكنها استوفت أهمّ سمتين من سمات الشكل الروائي، وهي سمات (قَبْليّة)، أي: إنها تسبق ولادة النصّ، وتدخل في منظومة وعي المبدع بسمات وخصائص هذا الشكل، التي تنعكس تباعاً على عمليات الخلق الفعلية .
حين صدرت رواية (بنات الرياض) قام المجتمع كلُّه ولم يقعد، وصفها بالانحراف والتغريب، وقسّم الشتائم بالتساوي بين رجاء الصانع والأديب الراحل غازي القصيبي – رحمه الله –؛ كونه كتب أسطراً للرواية بمثابة التقديم .
من يقرأ الرواية بعد تلك الهبّة لن يجد فيها أكثر من عمل روائي (أطلق عليها رواية من باب التجوّز)، يتأسس على الفردانية النسبية، ويذهب باتجاه ما يمكن وصفه بفضح فئة من المجتمع، حيث ترى الكاتبة أن ظاهر تلك الفئة التماسك، والتسامح، والمحافظة، والطهر، وباطنها الاعتلال، والاختلال، والاختلاط، وكانت الروائية دقيقة حين ربطت روايتها بطبقة محدّدة من مجتمعنا، أطلقت عليها اسم (الطبقة المخملية)، ورغم ذلك كلِّه نظر إليها القراء على أنها تسيء إلى المجتمع كلِّه، وأغرب ما في الأمر أنّ الذين هاجموا هذه الرواية هم من الطبقة الوسطى، أو الطبقة الفقيرة، أي ممن لا تعنيهم الرواية، ولا تمسهم بأي شكل من الأشكال، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن ما ترويه هاتان الفئتان عن الطبقة المخملية في مجالسها الخاصة، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أكبر وأغزر وأفضح مما تضمنته رواية (بنات الرياض)، فإلى أي شيء يمكن أن نحيل هذا العبث ؟ وإلى أي شيء يمكن أن ننمي هذه الحلقات المتتالية من التناقض ؟
لن أسترسل طويلا في عرض هذه الرواية، لكنني لم أجد فيها أكثر من عمل روائي قام بحقه، وسعى إلى تأدية واجبه، ولا أقف عند هذا الحدّ بل أذهب إلى أنه عمل روائي إسلامي، وأرجو أن أعرض لاحقاً لحيثيات هذا الحكم .
رابعا : منذ أصدر تركي الحمد ثلاثيته، ووقعت أعيننا على الجملة الحوارية الأكثر شهرة في الرواية السعودية " الله والشيطان وجهان لعملة واحدة "، ونحن نقوم بفعل خاطئ في قراءة العمل الروائي، ولا نكتفي بأن نخطئ في القراءة فحسب، بل نسعى إلى إصدار أحكام ثقيلة على هذه القراءة الخفيفة المتعجلة؛ لذلك سأضع هنا قاعدة علمية تنظم قراءتنا للعمل الروائي، وتجعلنا أكثرَ دقةً في إدانة التجاوزات، أو منحها الحقَّ الأدنى في الوجود .
بداية يجب أن نعرف جميعاً أن الرواية عملٌ متكاملٌ يشبه تماماً الحياة التي نحياها، فكما أننا لا نستطيع الاكتفاءَ بالليل دون النهار، ولا باليقظة دون النوم، ولا (حتى) بالضحك دون البكاء، فإننا أيضاً لا نستطيع الفصل بين عنصر روائي وآخر.
إنّ قراءة (الحوار) بمعزل عن (السرد) و(الوصف) خطأ كبير، والاتكاء على (المكان) دون الأخذ بروح (الزمن) التي تملؤه خطأ أكبر، وفي هذا السياق يقول (بيرسي لوبوك) : " نحن ما نزال نعاني من نوع من الخجل أمام الرواية، ولا أعني به الخجل من المؤلف أو أفكاره، أو عالمه الخيالي، ولكنني أقول : إنه يراودنا إحساس أن الرواية إنما هي شريحة من الحياة؛ ولذلك فإن تناولها على أجزاء سيعني فناءها ".
يخطئ أحدنا حين يفتح رواية ويجد فيها جملة حوارية تقول: " إنني أكره الدين ... أكرهه ... وأتمنى أن أعيش ملحداً ... "؛ فيذهب بعيداً في شتم الرواية، وشتم من كتبها، ومن طبعها، وقرأها، ومن علق عليها أيضاً..
ما فعله هذا القارئ يعد خاطئاً بمقاييس العقل فضلاً عن أدبيات القراءة الأدبية، ودعوني أضرب لكم مثالاً بكتاب الله تعالى، ماذا لو فتح رجل من غير المسلمين القرآن، فوقعت عيناه على قوله تعالى : {يد الله مغلولة} ثم أغلقه، ما الذي يمكن أن يستقرّ في ذهنه ؟ حتماً الدلالة المباشرة للآية، ولو أنه أكمل القراءة لجاءه الكشف والبيان بالنقيض النقيض: {غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء...} الآية
الأمر عينه يحصل لكثير من قراء الرواية، فهم يقتطفون جملة حوارية / قولاً، أو مقطعاً وصفياً / حالاًً، أو جزئية حدثية / فعلاً، أو شخصية واحدة / فاعلاً، وعلى هذا المقتطف يؤسسون أحكامهم على الرواية، دون أن يكلفوا أنفسهم مصاحبة السياقات في زحفها إلى النهاية / لحظة التنوير؛ ليكتشفوا ما إذا كانت الرواية انتصاراً للمعطى السلبي أو انتصاراً عليه .
تبدأ رواية ما بالظلم، فتنثال على القارئ أفعال وأقوال وأحوال تضخم هذا الظلم وتنميه، لا لتلميعه، ولكن ليكون الانتصار عليه في اللحظة الأخيرة مؤثِّراً وفاعلاً...
لذا لا يحق لأحد أن يحكم على رواية ما بإيجاب أو سلب من الناحية الفكرية (الرسالية) مالم يقرأ الرواية كلها، ويصل إلى لحظة النهاية، مع العلم أن هناك من يقرأ الرواية كلها حرفا حرفاً، لكنه لا يستطيع الوصول إلى غايتها،ولا إلى غاية تستوعبها الرواية بشكل أو بآخر؛ الأمر الذي يستدعي القول بأن قراءة الرواية تحتاج إلى جهد يتساوى مع الجهد الذي كتبت به.
وبما سبق تكون نهاية الرواية عنصراً أساسياً من عناصر العمل الروائي - وإنْ تجاهله كثير من النقاد بالاستناد الخاطئ إلى مفهوم الرواية الديالوجية / الحوارية - .نقطة أخرى لابد أن أشير إليها هنا، هي أن كثيراً من قراء الرواية – بعضهم من النقاد - يخلطون بين الرواية والسيرة الذاتية، وإن فصلوا بينهما على مستوى التنظير فإنهم يمزجون بينهما ساعة التطبيق، قصداً أو بدون قصد؛ ليتوصلوا في النهاية إلى أنّ متن هذه الرواية (حكايتها) ما هو إلا سيرة ذاتية لصاحبها أو صاحبتها، وهذا خطأ آخر لا يقل إشكالية عن سابقه .
إن مما يجب على قارئ الرواية الجاد أن يفرق بين مستويات أربعة : المؤلف (هو من كتب الرواية)، والقارئ (من اشتراها ليقرأها)، والراوي (الذي يروي أيا كان موقعه)، والمروي له (من يستمع إلى الراوي).
فأما الكاتب فينتهي دوره بمجرد طباعته الرواية وتسويقها، وأما القارئ فينتهي دوره بمجرد شرائه الرواية واستعداده لقراءتها، ولا يبقى من بعدُ إلا من يروي ومن يُروى له، وهما متخيلان بامتياز...
نخلص مما مضى إلى أنّ على من يقرأ نصاً روائياً أن يستحضر جيداً أهمية قراءة النص كاملاً والوصول إلى فكرته من خلال عناصر الخطاب كلها، وليس من خلال عنصر واحد، أو تجلّ من تجلياته...، وعليه كذلك أن يعي الحدود الفاصلة بين مستويات إنشاء الرواية التي أشرنا إليها آنفاً...، وحينها يمكن أن نقول إن القارئ قد استلم الطريق، وجدّ في سبيل الوصول إلى الغاية السليمة...
خامسا : تتأسس رواية (هند والعسكر) على موضوع تمردي ولا شكّ، لكنه تمرد على المجتمع وطريقته في التفكير، وليس على عقيدته – كما في روايات أخرى لم يتطرق إليها أحد - .
إنّ الجملة السردية التي أثارت كثيرين في هذه الرواية، لم تكن تعبيرا من الراوية (القائمة بفعل الرواية) عن الله عزّ وجلّ، وإنما عن المشروعية التي يكتسبها المجتمع عندما يمارس أخطاءه باسم الدين، فيحيل إلى نص شرعي، أو إلى الله والرسول بشكل مباشر .
هذه الإحالات الاجتماعية أساءت إلى الدين من وجهة نظر الرواية، وجعلت الإنسان لا يعرف عن ربه إلا أنه شديد العقاب، في تغييب نسبي لرحمة الله، ومواطنها، وقربه، وقربها من الناس؛ لذلك عبرت القائمة بفعل الرواية (الشخصية الرئيسة في الرواية : هند) عن هذا المعنى الدقيق بقسوة الله، ثم ربطت هذا المعنى بشخصية الأمّ، التي استوعبت كلّ أنماط القسوة، متترسة بفهم غالط للدين .
لنا هنا – ومن حقنا أيضاً – أن ننتقد توظيفَ لفظ الجلالة، أو اسم النبي – عليه الصلاة والسلام – في لعب لغوية، أو صور أدبية، ومن الجميل أن نسعى إلى كلمة سواء في هذا السياق، لكن ليس لنا الحق في أنْ نتخذ – ما يرد تحت هذا النمط – دليلاَ على وقوع الكاتبة/ الروائية في الإلحاد .
إن رواية (هند والعسكر) جاءت لتكشف العيوب العميقة في المجتمع، وأهمها حمل الناس بالقوة على صور من الاعتقاد والسلوك ليست ملزمة، أو ليست معنى نهائيا لما جاءت به الشريعة الإسلامية .
لقد ظُلِمتْ (هند) من الجميع، واغتال هذا الظلمُ فيها كلّ شيء، حتى إيمانها الفطري، الذي ولد معها، وترعرع بين يديها، ولقد دفعها هذا الظلم إلى التمرد على المجتمع، تمردا معنويا، تعبر عنه تصرفاتها داخل المجتمع، وتمرداً حسياً، يعبر عنه هروبها من هذا المجتمع إلى (كندا) .
بطبيعة الحال لم يكن هروباً راقصا، وإنما كان دامعاً، فرضه المجتمع على (هند) ولم تأخذه خياراً من اللاشيء .
الرواية – إذن – تتحدث عن (هند) بوصفها مثالا للمرأة السعودية، وعن (العسكر) الذين يتسمون بالصرامة والقوة ويرتبطون بالهرمية وتنفيذ الأوامر (دلالة عسكر)، ويتصفون بالكثرة (الجمع : عسكر)، والانتشار والتنوّع : (رجل- امرأة)، (كبير، صغير)، (متعلم ، أمي)، (قريب، بعيد)، (ملتزم، منحرف) ...
هؤلاء جميعاً يأخذون مشروعيتهم من الدين، من الإحالة الجاهلة عليه، أو الإحالة الفارغة؛ لذلك حاصروا (هند) على صفحة الغلاف (بنية العنوان)، وحاصروها من الداخل في تعليمها، وعملها، وزواجها، وبعد طلاقها، وليس هذا فحسب، بل حاصروا إيمانها من الداخل، وعرضوه لاهتزازات عنيفة، انتهت به إلى حالة من حالات التجمّد والسكون ...
ولكي تتضح الصورة أكثر وأكثر، ويتبين للجميع أن التمرد في رواية (هند والعسكر) على المجتمع (أعرافه وتقاليده) وليس على عقيدته وانتمائه الديني، سأقدم للجميع تحليلا سريعا لمفردة القهوة، التي تجاوزت كونها مفردة عابرة في الرواية؛ لتكون رمزاً دالاً ...
ظهرت كلمة القهوة في الرواية أربعاً وخمسين مرّة، بأشكال وغايات مختلفة، مما يعني أنها ليست كلمة عادية بل إشارة تحمل وراءها شيئاً مهماً .
بداية حضرت مفردة (القهوة) في الرواية بمدلولها العادي، نقرأ : " فتحت الغرفة، خرجت، نفثت القهوة في وجهي، اشتعلت رائحة القهـوة في البيت مثل حريق صيفي ساخن، رائحتها القوية تنبعث من مطبخ البيت " (ص6) .
ثم تفصّل الكاتبة كيف كانت (عمّوشة) تصنع القهوة، وتطيل في توضيح التفاصيل، ليصادفنا بعد ذلك هذا المقتطف:
" معظم حكايات هذا البيت نسجت في جلسات قهوة، يتخلّص شاربوها من قيود الوعي الصارم " (ص7) .
ففي هذا المقتطف تتداخل (القهوة) مع (المجتمع)؛ لتكون مؤثِّرة فيه، ومخلِّصة له، ثم تتسع دلالتها لتكون المجتمع نفسه، نقرأ : " تاريخ نساء هذا البيت ولد من حكاية ولدت في فناجين القهوة، كلٌّ منهنَّ لها حكاية في قلب فنجان... كلُّ واحدة منهنَّ خرجت من رحم حبّة هيل طويلة، أودعت فيها حكايتها " (ص7) .
إذن ثمّة علاقة بين (القهوة) والمجتمع، أو لنقل: المجتمع السعودي تحديداً، فما هذه العلاقة ؟
حين نقوم بإفراغ الصفات التي خلعتها (هند) على مجتمعها في حقلٍ خاص، ونرسل النظر فيها، سنجدها تعود إلى حقلين: أحدهما يدرك بالرؤية، وثانيهما يدرك بالإحساس، وجملة ما تدركه (هند) من مجتمعها بالرؤية يأخذ طابع اللون القاتم، وجملة ما تشعر به يأخذ طابع الطعم المرّ...، واللون القاتم والطعم المرُّ صفتان من أبرز صفات (القهوة)؛ ولأنَّ (القهوة) كذلك فقد تجلّت في الرواية معادلاً موضوعياً للمجتمع نفسه، وهذا ما جعل الكاتبة تختم روايتها بهذا المقطع:
" أقبلتْ المضيفة وسألتني، وهي تشير للإبريق بين يديها :
- قهوة !
ابتسمتُ، وعيناي تدمعان، وهززتُ رأسي.. شربت الجـرعة الأولى في الدقيقـة الأولى وفي السماء الأولى من فنجان قهوتي الأوّل، وصوت محمد عبده يغني في أذني:
" كفّها فلّة جديلة من حروف... " ! (ص208) .
لماذا يا ترى حرصت الكاتبة على تقديم هذا المقطع في آخرة روايتها ؟ ولماذا بدت (هند) فيه وهي تشرب الجرعة الأولى من فنجان قهوتها الأوّل في الدقيقة الأولى من إقلاع الطائرة التي أقلتها إلى (كندا) ...
لكي نجيب عن هذين التساؤلين علينا أن نستحضر دلالات القهوة التي عرضناها سابقاً، والتي نمت حتى صارت هي المجتمع نفسه، وعلينا كذلك أن نربط ما فعلته (هند) بالحدث الذي يقدِّمه المقطع، وبهما حتماً سنصل إلى تأكيد دلالة التمرّد في هذا العنصر، فـ (هند) إنما أرادت بشربها الجرعة الأولى من فنجان قهوتها الأوّل وهي لم تزل بعد في الدقيقة الأولى من إقلاع الطائرة... الإجهازَ السريع على هذا المجتمع الذي لم ترَ فيه إلا القتامَ، ولم تذق فيه إلا الطعم المرير . ولكي توضِّح الرواية تمرّد (هند)، وأنه على تفكير المجتمع وليس على الأرض، فقد حضر الصوت الغنائي؛ ليحيل القارئ إلى واحدة من أجمل القصائد الوطنية في الإبداع العامي، وهي قصيدة (الرياض) للشاعر الأمير (بدر بن عبد المحسن)...، فـ (هند) تغادر الرياض متمرِّدة على قوانين أهلها، خارجة على فلسفاتهم، ولم تتأخّر عن الإجهاز سريعاً على ظلال هذا المجتمع المنعكسة على (القهوة) بعد أن تراءت لها في الفنجان، لكنّها رغم ذلك كانت تبكي وهي تتأمّل معاني قصيدة (الرياض) .
التمرّد في هذه الرواية – إذن - على عقلية المجتمع، وليس على الأرض، ولا على تاريخها...، وهذا شكلٌ من أشكال التمرّد في رواية المرأة السعودية، يختلف عن التمرد على العقيدة، الذي وجدته بارزا في رواية (القِران المقدّس) على سبيل المثال.
وأخيراً، حاولت أن أصنع بهذه المقالة العابرة جزءا من الوعي؛ لتبرأ به الذمم، ولست هنا مع د.بدرية البشر في كثير من رؤاها التي عبرت عنها، لكنّ اختلافي معها، لن يدفعني إلى التشكيك في عقيدتها، ولن يورطني في الانتقام منها بطريقة كاذبة خاطئة...
أشكر لكم متابعتكم، وأتطلع إلى رؤاكم، وتعقيباتكم، وأسئلتكم، من خلال صفحتي في (تويتر) .
خالد الرفاعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..