دأب
جمع من الكتّاب الصحافيين ممن يهتمون بالقضايا المجتمعيّة في عشر السنوات
الأخيرة على إبداء أشد الاستياء من استغلال خصومهم المحافظين لحساسية الغيرة، أو حساسية العرف، ضدهم. ويتمثل ذلك جليّاً في استخدامهم لعبارة: "ترضاها لأختك"؟!
والحقّ أن هذه الطريقة في الجدل تسبب إحراجاً ليس للكتّاب المنفتحين فقط، بل لكل من يخرج عن حقيقة عرفيّة مجمع عليها في مجتمع ما، أو لدى طائفة معينة من البشر، لكن السبب الرئيس في تضايق المنفتحين منها يكمن في أمرين:
الأول: أنها تصرف الحديث من الشأن العام، إلى الشأن الخاص. والثاني: أنها سؤال ملغم مصوغ للإفحام، لأن الإجابة بـ"نعم" تعني عند الشخص الخصم أن القائل "نعم" هو: ديوث!
والعامل الجوهري في الإشكال المترتب على هذا الأسلوب من الجدل، في نظري، يكمن في معالجة الشقّ الثاني من الأسباب، وليس في الشق الأول. أي أنه يكمن في حل نظرة الشخص المنفتح إلى لفظة "الدياثة"، فما دامت كلمة "الدياثة" تشكل هاجساً عند المثقف الشرقي الذي ينشد الانفتاح، فإنه لن يتحرر ولن يصبح منفتحاً، ودليل ذلك أن مفهوم لفظ "الدياثة" غامض (إلا في حالات معينة) في المجتمعات غير التقليدية، بل إن مجرد استقباح صفة "الدياثة" يعد عائقاً أساسياً أمام الانفتاح، لأنه يعوقه من جانبين مهمين:
الجانب الأول: أنه يتعلق بالحرية الجنسية لإحدى قريبات الشخص الموصوف بـ"الدياثة"، ومجرد تعلق المفهوم بالحرية الجنسية لأشخاص آخرين هو في حد ذاته عائق رئيسي للانفتاح.
والجانب الثاني: هو أنه لا يمكن استشعار الاستياء من الوصف بـ"الدياثة" في مجتمع منفتح إلا بين شخصين لديهما التزام جنسي أحدهما تجاه الآخر، كالزوج والزوجة، والخليل والخليلة.
وإلا فخارج هذين النطاقين لا توجد أي مساحة لاستياء المرء من وصفه بالدياثة إلا إن كان شخصاً محافظاً، بل ومتخلفاً بالنسبة إلى مفهوم التخلف في عرف الليبرالية الأخلاقية.وهذا يؤدي إلى نتيجة مفادها: إن أي شخص يشعر بالضيق من عبارة "أترضاها لأختك" أو "يا ديوث" حين يتعلق الأمر بمن ليس زوجته أو خليلته، فهو شخص محافظ، وهو إنما "يتضايق" لأنك نبهته إلى صفة يفرض عليه انتماؤه الفكري أن يتبرأ منها، ومع ذلك فهي متغلغلة في ذاته أيّما تغلغل.
ومن أجل الإجماع المجتمعي على تجنب الاتصاف بهذه الصفة، بشتى أطيافه الاجتماعية والفكرية بل حتى الطائفيّة فإن اعتبارها معياراً للقبول والرد في القضايا الأخلاقية يعد وسيلة ناجعة في اختبار مدى الالتزام والعدل والإنصاف في هذه القضايا، فما لا يرضاه المرء لأخته فإنه (ببساطة) لا يستطيع أن يحرض عليه أخوات الآخرين.ولعل ذلك هو العلة في أن عبارة: "أترضاه لأختك" تستعمل في نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، في الصحف نفسها التي "يتضايق" بعض كتابها من توجيه هذا السؤال المحرج إليهم، تجد خبراً منشوراً بعنوان: مجموعة "السريّع" تطلق حملة "ترضاها لأختك" و"الرفق بالوالدين" للتوعية.
ليس ذلك فحسب، بل إنه حتى في الحوار الطائفي تجد أن الشخص الاثنى عشري حين يقول له السني: ترضى المتعة لأختك؟ يجيبه الإمامي عندئذ: والمسيار ترضاه لأختك؟ لكي تتعادل الكفتان. وحتى في الأجواء الشبابيّة التي يتصف بعضها بالمجون فإنه عندما يكتشف أحدهم أن ثمة شخصاً يعاكس قريبته أو يخرج معها، فإنه يعامله بالمثل؛ وهذا في حقيقته تطبيق عملي (وإن لم يكن لفظياً) لعبارة: "أترضاها لأختك"!
قد يقول بعضهم: إنك لا تستطيع أن تحتج بعبارة "ترضاها لأختك"؟ على شخص غربي أو شرقي فيما يتعلق بممارسة أخته لحريتها الجنسيّة، وهذا القول صحيح فيما يخص العبارة نفسها وبالواقعة نفسها. ولكنه لا يعني إلغاء هذا المبدأ، فهو مبدأ بشريّ عام، فما لا يرضاه المرء لمن يعنيه ويهمه (حتى وإن كان يرضاه لنفسه) فليس من حقه أن يرضاه للآخرين. لكن متى تصلح للاستعمال؟ ينبغي لذلك أن يتوافر فيها هذا الشرط: أن يكون العرف الذي تعتمد عليه هذه الصورة من الاحتجاج متفقاً عليه ضمنيّاً بين الطرفين، بحيث يعلم كلاهما أن أحداً منهما لا يرضاه لمن يعنيه ويهمه أمره، لأن خروجه عن إلزام هذا الاحتجاج يبدي تناقضه وسقوطه أمام الإجماع المجتمعي.
بل إن هذه الصورة من الاحتجاج مستعملة بكثرة في الحوار بين الأديان وخاصة بين المسلمين والنصارى، فالمسلم غالباً ما يقول للنصراني: هل ترضى أن تقتل ابنك الصالح تكفيراً عن جريمة ابني المجرم؟! فإن قال نعم فقد خالف حقيقة نفسه وأصبح مغالطاً، وإن قال لا، ولا أحد يقبل بتلك الحماقة، فنجيبه بقولنا: وكذلك، رب العالمين أولى بأن ننزهه تعالى وتقدس عن حماقة أن يضحي بابنه الصالح من أجل أبناء آدم الطالحين.
وهي مستعملة كذلك كما ذكرنا في أبسط الصور في جميع الأطياف الاجتماعية، فمثلا: من الوسائل الناجعة في تخلي بعض الآباء عن عادة التدخين أنهم لا يرضون لأبنائهم أن يكونوا كذلك، وإن كانوا يرضونه لإخوانهم!لكن يبقى في هذه المسألة شق إيماني يتعلق بالمسلمين المؤمنين بالله وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أن هذا الأسلوب ليس صنيع العصر ولا صنيع الصحويين ولا المحافظين ولا أصحاب النعرات القبلية والعرفية إلخ. ولكنه أسلوب جدليّ نبوي، ومن هنا تكمن الخطورة على الإيمان والاعتقاد في مواجهته أو الشعور بالضيق منه، لكن يجب علينا مع ذلك أن نقرأها في سياقها الفكري والاجتماعي، وفي نبراس الخلق النبوي الرفيع الذي صاحبها.
فقد جاء في الحديث شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريباً قال: فجلس، قال:أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء". صححه الألباني.ومن يتأمل في الحديث الشريف يكتشف أموراً عدة:
الأول: أن لفظ الحديث جاء بـ"أتحبه لأمك، لبنتك... إلخ. وليس بلفظ "أترضاه"! وأكثر المتحاورين يستخدمونه بلفظ مغاير.
الثاني: أن الحديث بدأ بالسؤال عن الأم والبنت، ثم عن الأخت، ولم يبدأ بالأخت. وهذا طبقاً لعظم منزلة الأم والبنت، ثم الأخت، لأن مرتبتها تأتي بعدهما، وكذلك جاء في آية النساء: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم" الآية. وأكثر مستعملي هذا الخطاب إنما يقفزون مباشرة إلى الأم، مما يدل على اتفاق طرفي الحوار عن إقصاء الأم والبنت عن هذه القضايا، لأسباب قد يطول التأمل فيها لكنها إما أن ترجع إلى أنهما متفقان ضمنياً على استبعادهما من أي حوار، لمكانتهما، وإما لافتراض أن مرحلتهما العمرية (كبراً أو صغراً) تجعل إدراجهما في الحوار غير مفيد، أو لأسباب أخرى.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بها في سياق من جاء يستأذنه في فعل يعلم أنه محرّم، فيما يدور الحوار بهذا الأسلوب في الوقت المعاصر بين شخص يرى أن هذا فعل محرم، والآخر يرى أنه مباح. والأول هو الجلاد، والثاني هو الضحية
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في سياق استعمال اللطف والرفق في الحوار، واستقبلها منه الصحابي الشاب والسامعون على أنها كذلك، وكانت درساً عظيماً في الرفق واللطف والحنان، فيما تستخدم بين المتحاورين في هذا العصر على أنها وسيلة للإحراج والإفحام، ويعدها من يتعرض لها إحدى أقسى وسائل النقاش والجدال والإلزام.
أما بعد: فإن المتحصل الذي قد لا يكون فيه خلاف، هو أن الشعور بالضيق من عبارة "ترضاها لأختك"؟ إنما هو دليل على أن الشخص الذي يشعر بالضيق يتمتع بالغيرة والنخوة والفطرة الأخلاقية السليمة، ولولا ذلك لما طرف له جفن بسببها، شأنه في ذلك شأن ديوثي العالم شرقاً وغرباً، ولا عزاء للمنفتح الذي تضايقه هذه العبارة، لأنها تثبت أنه "غير منفتح" وإن كان "الانفتاح" حلماً أو أمثولة يحدث نفسه بها وينشد الوصول إليها عبر صراعه النفسي والفكري مع ذاته أولاً قبل صراعه مع المجتمع.
والحقّ أن هذه الطريقة في الجدل تسبب إحراجاً ليس للكتّاب المنفتحين فقط، بل لكل من يخرج عن حقيقة عرفيّة مجمع عليها في مجتمع ما، أو لدى طائفة معينة من البشر، لكن السبب الرئيس في تضايق المنفتحين منها يكمن في أمرين:
الأول: أنها تصرف الحديث من الشأن العام، إلى الشأن الخاص. والثاني: أنها سؤال ملغم مصوغ للإفحام، لأن الإجابة بـ"نعم" تعني عند الشخص الخصم أن القائل "نعم" هو: ديوث!
والعامل الجوهري في الإشكال المترتب على هذا الأسلوب من الجدل، في نظري، يكمن في معالجة الشقّ الثاني من الأسباب، وليس في الشق الأول. أي أنه يكمن في حل نظرة الشخص المنفتح إلى لفظة "الدياثة"، فما دامت كلمة "الدياثة" تشكل هاجساً عند المثقف الشرقي الذي ينشد الانفتاح، فإنه لن يتحرر ولن يصبح منفتحاً، ودليل ذلك أن مفهوم لفظ "الدياثة" غامض (إلا في حالات معينة) في المجتمعات غير التقليدية، بل إن مجرد استقباح صفة "الدياثة" يعد عائقاً أساسياً أمام الانفتاح، لأنه يعوقه من جانبين مهمين:
الجانب الأول: أنه يتعلق بالحرية الجنسية لإحدى قريبات الشخص الموصوف بـ"الدياثة"، ومجرد تعلق المفهوم بالحرية الجنسية لأشخاص آخرين هو في حد ذاته عائق رئيسي للانفتاح.
والجانب الثاني: هو أنه لا يمكن استشعار الاستياء من الوصف بـ"الدياثة" في مجتمع منفتح إلا بين شخصين لديهما التزام جنسي أحدهما تجاه الآخر، كالزوج والزوجة، والخليل والخليلة.
وإلا فخارج هذين النطاقين لا توجد أي مساحة لاستياء المرء من وصفه بالدياثة إلا إن كان شخصاً محافظاً، بل ومتخلفاً بالنسبة إلى مفهوم التخلف في عرف الليبرالية الأخلاقية.وهذا يؤدي إلى نتيجة مفادها: إن أي شخص يشعر بالضيق من عبارة "أترضاها لأختك" أو "يا ديوث" حين يتعلق الأمر بمن ليس زوجته أو خليلته، فهو شخص محافظ، وهو إنما "يتضايق" لأنك نبهته إلى صفة يفرض عليه انتماؤه الفكري أن يتبرأ منها، ومع ذلك فهي متغلغلة في ذاته أيّما تغلغل.
ومن أجل الإجماع المجتمعي على تجنب الاتصاف بهذه الصفة، بشتى أطيافه الاجتماعية والفكرية بل حتى الطائفيّة فإن اعتبارها معياراً للقبول والرد في القضايا الأخلاقية يعد وسيلة ناجعة في اختبار مدى الالتزام والعدل والإنصاف في هذه القضايا، فما لا يرضاه المرء لأخته فإنه (ببساطة) لا يستطيع أن يحرض عليه أخوات الآخرين.ولعل ذلك هو العلة في أن عبارة: "أترضاه لأختك" تستعمل في نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، في الصحف نفسها التي "يتضايق" بعض كتابها من توجيه هذا السؤال المحرج إليهم، تجد خبراً منشوراً بعنوان: مجموعة "السريّع" تطلق حملة "ترضاها لأختك" و"الرفق بالوالدين" للتوعية.
ليس ذلك فحسب، بل إنه حتى في الحوار الطائفي تجد أن الشخص الاثنى عشري حين يقول له السني: ترضى المتعة لأختك؟ يجيبه الإمامي عندئذ: والمسيار ترضاه لأختك؟ لكي تتعادل الكفتان. وحتى في الأجواء الشبابيّة التي يتصف بعضها بالمجون فإنه عندما يكتشف أحدهم أن ثمة شخصاً يعاكس قريبته أو يخرج معها، فإنه يعامله بالمثل؛ وهذا في حقيقته تطبيق عملي (وإن لم يكن لفظياً) لعبارة: "أترضاها لأختك"!
قد يقول بعضهم: إنك لا تستطيع أن تحتج بعبارة "ترضاها لأختك"؟ على شخص غربي أو شرقي فيما يتعلق بممارسة أخته لحريتها الجنسيّة، وهذا القول صحيح فيما يخص العبارة نفسها وبالواقعة نفسها. ولكنه لا يعني إلغاء هذا المبدأ، فهو مبدأ بشريّ عام، فما لا يرضاه المرء لمن يعنيه ويهمه (حتى وإن كان يرضاه لنفسه) فليس من حقه أن يرضاه للآخرين. لكن متى تصلح للاستعمال؟ ينبغي لذلك أن يتوافر فيها هذا الشرط: أن يكون العرف الذي تعتمد عليه هذه الصورة من الاحتجاج متفقاً عليه ضمنيّاً بين الطرفين، بحيث يعلم كلاهما أن أحداً منهما لا يرضاه لمن يعنيه ويهمه أمره، لأن خروجه عن إلزام هذا الاحتجاج يبدي تناقضه وسقوطه أمام الإجماع المجتمعي.
بل إن هذه الصورة من الاحتجاج مستعملة بكثرة في الحوار بين الأديان وخاصة بين المسلمين والنصارى، فالمسلم غالباً ما يقول للنصراني: هل ترضى أن تقتل ابنك الصالح تكفيراً عن جريمة ابني المجرم؟! فإن قال نعم فقد خالف حقيقة نفسه وأصبح مغالطاً، وإن قال لا، ولا أحد يقبل بتلك الحماقة، فنجيبه بقولنا: وكذلك، رب العالمين أولى بأن ننزهه تعالى وتقدس عن حماقة أن يضحي بابنه الصالح من أجل أبناء آدم الطالحين.
وهي مستعملة كذلك كما ذكرنا في أبسط الصور في جميع الأطياف الاجتماعية، فمثلا: من الوسائل الناجعة في تخلي بعض الآباء عن عادة التدخين أنهم لا يرضون لأبنائهم أن يكونوا كذلك، وإن كانوا يرضونه لإخوانهم!لكن يبقى في هذه المسألة شق إيماني يتعلق بالمسلمين المؤمنين بالله وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أن هذا الأسلوب ليس صنيع العصر ولا صنيع الصحويين ولا المحافظين ولا أصحاب النعرات القبلية والعرفية إلخ. ولكنه أسلوب جدليّ نبوي، ومن هنا تكمن الخطورة على الإيمان والاعتقاد في مواجهته أو الشعور بالضيق منه، لكن يجب علينا مع ذلك أن نقرأها في سياقها الفكري والاجتماعي، وفي نبراس الخلق النبوي الرفيع الذي صاحبها.
فقد جاء في الحديث شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريباً قال: فجلس، قال:أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء". صححه الألباني.ومن يتأمل في الحديث الشريف يكتشف أموراً عدة:
الأول: أن لفظ الحديث جاء بـ"أتحبه لأمك، لبنتك... إلخ. وليس بلفظ "أترضاه"! وأكثر المتحاورين يستخدمونه بلفظ مغاير.
الثاني: أن الحديث بدأ بالسؤال عن الأم والبنت، ثم عن الأخت، ولم يبدأ بالأخت. وهذا طبقاً لعظم منزلة الأم والبنت، ثم الأخت، لأن مرتبتها تأتي بعدهما، وكذلك جاء في آية النساء: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم" الآية. وأكثر مستعملي هذا الخطاب إنما يقفزون مباشرة إلى الأم، مما يدل على اتفاق طرفي الحوار عن إقصاء الأم والبنت عن هذه القضايا، لأسباب قد يطول التأمل فيها لكنها إما أن ترجع إلى أنهما متفقان ضمنياً على استبعادهما من أي حوار، لمكانتهما، وإما لافتراض أن مرحلتهما العمرية (كبراً أو صغراً) تجعل إدراجهما في الحوار غير مفيد، أو لأسباب أخرى.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بها في سياق من جاء يستأذنه في فعل يعلم أنه محرّم، فيما يدور الحوار بهذا الأسلوب في الوقت المعاصر بين شخص يرى أن هذا فعل محرم، والآخر يرى أنه مباح. والأول هو الجلاد، والثاني هو الضحية
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في سياق استعمال اللطف والرفق في الحوار، واستقبلها منه الصحابي الشاب والسامعون على أنها كذلك، وكانت درساً عظيماً في الرفق واللطف والحنان، فيما تستخدم بين المتحاورين في هذا العصر على أنها وسيلة للإحراج والإفحام، ويعدها من يتعرض لها إحدى أقسى وسائل النقاش والجدال والإلزام.
أما بعد: فإن المتحصل الذي قد لا يكون فيه خلاف، هو أن الشعور بالضيق من عبارة "ترضاها لأختك"؟ إنما هو دليل على أن الشخص الذي يشعر بالضيق يتمتع بالغيرة والنخوة والفطرة الأخلاقية السليمة، ولولا ذلك لما طرف له جفن بسببها، شأنه في ذلك شأن ديوثي العالم شرقاً وغرباً، ولا عزاء للمنفتح الذي تضايقه هذه العبارة، لأنها تثبت أنه "غير منفتح" وإن كان "الانفتاح" حلماً أو أمثولة يحدث نفسه بها وينشد الوصول إليها عبر صراعه النفسي والفكري مع ذاته أولاً قبل صراعه مع المجتمع.
عبد الواحد الأنصاري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..