الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الإسلام والرق

ربما كانت هذه الشبهة أخبث ما يلعب به الشيوعيون لزلزلة عقائد الشباب!.. لو كان‎ ‎الإسلام ‏صالحاً لكل عصر – كما يقول دعاته – لما أباح الرق.. وإن إباحته للرق.. وإن‎ ‎إباحته للرق ‏لدليل قاطع على أن الإسلام قد جاء لفترة محدودة، وأنه أدى مهمته وأصبح‎ ‎في ذمة التاريخ‎!



وإن الشباب المؤمن ذاته لتساوره بعض الشكوك! كيف أباح‎ ‎الإسلام الرق؟ هذا الدين الذي لا شك ‏في نزوله من عند الله، ولا شك في صدقه، وفي أنه‎ ‎جاء لخير البشرية كلها في جميع أجيالها.. ‏كيف أباح الرق؟ الدين الذي قام على‎ ‎المساواة الكاملة. الذي رد الناس جميعاً إلى أصل واحد، ‏وعاملهم على أساس هذه‎ ‎المساواة في الأصل المشترك.. كيف جعل الرق جزءاً من نظامه وشرع ‏له؟ أَوَ يريد الله‎ ‎للناس أن ينقسموا أبداً إلى سادة وعبيد؟ أَوَ تلك مشيئته في الأرض؟ أَوَ يرضى الله‎ ‎للمخلوق الذي أكرمه إذ قال: " ولقد كرمنا بني آدم " أن يصير طائفة منه سلعة تباع‎ ‎وتشترى كما ‏كان الحال مع الرقيق؟ وإذا كان الله لا يرضى بذلك، فلماذا لم ينص كتابه‎ ‎الكريم صراحة على ‏إلغاء الرق كما نص على تحريم الخمر والميسر والربا وغيرها مما‎ ‎كرهه الإسلام؟‎

وإن الشباب المؤمن ليعلم أن الإسلام دين الحق، ولكنه‎ ‎كإبراهيم: " قال: أولم تؤمن؟ قال بلى، ‏ولكن ليطمئن قلبي‎! ".

أما الشباب الذي‎ ‎أفسد الاستعمار عقله وعقائده، فإنه لا يتلبث حتى يتبين حقيقة الأمر، وإنما يميل ‏به‎ ‎الهوى فيقرر دون مناقشة أن الإسلام نظام عتيق قد استنفد أغراضه‎!

وأما‎ ‎الشيوعيون خاصة فأصحاب دعاوى " علمية " مزيفة، يتلقونها من سادتهم هناك، فينتفشون‎ ‎بها عجبا ً، ويحسبون أنهم وقعوا على الحقيقة الأبدية الخالدة التي لا مراء فيها ولا‎ ‎جدال، وهي ‏المادية الجدلية، التي تقسم الحياة البشرية إلى مراحل اقتصادية معينة لا‎ ‎معدى عنها ولا محيص. ‏وهي الشيوعية الأولى، والرق، والإقطاع، والرأسمالية، والشيوعية‎ ‎الثانية (وهي نهاية العالم!) ‏وأن كل ما عرفته البشرية من عقائد ونظم وأفكار، إنما‎ ‎كانت انعكاساً للحالة الاقتصادية، أو ‏للطور الاقتصادي القائم حينئذ، وأنها صالحة‎ ‎له، متلائمة مع ظروفه، ولكنها لا تصلح للمرحلة ‏التالية التي تقوم على أساس اقتصادي‎ ‎جديد. وأنه – من ثم – لا يوجد نظام واحد يمكن أن يصلح ‏لكل الأجيال. وإذا كان‎ ‎الإسلام قد جاء والعالم نهاية فترة الرق ومبادئ فترة الإقطاع، فقد جاءت ‏تشريعاته‎ ‎وعقائده ونظمه ملائمة لهذا القدر من التطور، فاعترفت بالرق، وأباحت الإقطاع [11‏‎]! ‎ولم يكن في طوق الإسلام أن يسبق التطور الاقتصادي، أو يبشر بنظام جديد لم تتهيأ بعد‎ ‎إمكانياته ‏الاقتصادية! لأن كارل ماركس قال إن هذا مستحيل‎!

ونريد هنا أن نضع‎ ‎المسألة في حقيقتها التاريخية والاجتماعية والنفسية، بعيداً عن الغبار الذي ‏يثيره‎ ‎هؤلاء وأولئك، فإذا حصلنا على حقيقة موضوعية فلا علينا حينئذ من دعاوي المنحرفين، و‎ ‎‎" ‎العلماء " المزيفين‎!

نحن ننظر اليوم إلى الرق في ظروف القرن العشرين،‎ ‎وننظر إله في ضوء الشناعات التي ‏ارتكبت في عالم النخاسة، والمعاملة الوحشية البشعة‎ ‎التي سجلها التاريخ في العالم الروماني ‏خاصة، فنستفظع الرق، ولا تطيق مشاعرنا أن‎ ‎يكون هذا اللون من المعاملة أمراً مشروعاً يقره ‏دين أو نظام. ثم تغلب علينا‎ ‎انفعالات الاستبشاع والاستنكار فنعجب كيف أباح الإسلام الرق، وكل ‏توجيهاته‎ ‎وتشريعاته كانت ترمي إلى تحرير البشر من العبودية في جميع ألوانها وأشكالها، ‏ونتمنى‎ ‎في حرارة الانفعال أن لو كان الإسلام قد أراح قلوبنا وعقولنا فنص على تحريمه بالقول‎ ‎الصريح‎.

وهنا وقفة عند حقائق التاريخ. ففظائع الرق الروماني في العالم‎ ‎القديم لم يعرفها قط تاريخ ‏الإسلام، ومراجعة بسيطة للحالة التي كان يعيش عليها‎ ‎الأرقاء في الإمبراطورية الرومانية، كفيلة ‏بأن ترينا النقلة الهائلة التي نقلها‎ ‎الإسلام للرقيق، حتى لو لم يكن عمل على تحريره – وهذا غير ‏صحيح‎!

كان الرقيق‎ ‎في عرف الرومان " شيئا " لا بشرا. شيئا لا حقوق له البتة، وإن كان عليه كل ثقيل ‏من‎ ‎الواجبات. ولنعلم أولا من أين كان يأتي هذا الرقيق. كان يأتي من طريق الغزو. ولم‎ ‎يكن هذا ‏الغزو لفكرة ولا لمبدأ‏‎.

وإنما كان سببه الوحيد شهوة استعباد الآخرين‎ ‎وتسخيرهم لمصلحة الرومان‎.

فلكي يعيش الروماني عيشة البذخ والترف، يستمتع‎ ‎بالحمامات الباردة والساخنة، والثياب الفاخرة، ‏وأطايب الطعام من كل لون، ويغرف في‎ ‎المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلات ‏ومهرجانات، كان لا بد لكل هذا من استعباد‎ ‎الشعوب الأخرى وامتصاص دمائها. ومصر مثل ‏لذلك حين كانت في قبضة الرومان، قبل أن‎ ‎يخلصها من نيرهم الإسلام. إذ كانت حقل قمح ‏للإمبراطورية، وموردا للأموال‎.

في‎ ‎سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الاستعمار الروماني، وكان الرق الذي نشأ من ذلك‏‎ ‎الاستعمار. ‏أما الرقيق فقد كانوا – كما ذكرنا – أشياء ليس لها كيان البشر ولا حقوق‏‎ ‎البشر. كانوا يعملون في ‏الحقول وهم مصفدون في الأغلال الثقيلة التي تكفي لمنعهم من‎ ‎الفرار. ولم يكونوا يُطْعَمون إلا ‏إبقاء على وجودهم ليعملوا، لا لأن من حقهم – حتى‏‎ ‎كالبهائم والأشجار – أن يأخذوا حاجتهم من ‏الغذاء. وكانوا – في أثناء العمل – يساقون‏‎ ‎بالسوط، لغير شيء إلا اللذة الفاجرة التي يحسها السيد ‏أو وكيله في تعذيب هذه‎ ‎المخلوقات. ثم كانوا ينامون في " زنزانات " مظلمة كريهة الرائحة تعيث ‏فيها الحشرات‎ ‎والفئران، فيلقون فيها عشرات عشرات قد يبلغون خمسين في الزانزانة الواحدة‎ – ‎بأصفادهم – فلا يتاح لهم حتى الفراغ الذي يتاح بين بقرة وبقرة في حظيرة‏‎ ‎الحيوانات‎.

ولكن الشناعة الكبرى كانت شيئاً أفظع من كل ذلك، وأدل على‎ ‎الطبيعة الوحشية التي ينطوي ‏عليها ذلك الروماني القديم، والتي ورثها عنه الأوربي‎ ‎الحديث في وسائل الاستعمار والاستغلال‎.

تلك كانت حلقات المبارزة بالسيف‎ ‎والرمح، وكانت من أحب المهرجانات إليهم، فيجتمع إليها ‏السادة وعلى رأسهم الإمبراطور‎ ‎أحياناً، ليشاهدوا الرقيق يتبارزون مبارزة حقيقية، توجه فيها ‏طعنات السيوف والرماح‎ ‎إلى أي مكان في الجسم بلا تحرز ولا احتياط من القتل. بل كان المرح ‏يصل إلى أقصاه،‎ ‎وترتفع الحناجر بالهتاف والأكف بالتصفيق، وتنطلق الضحكات السعيدة العميقة ‏الخالصة‎ ‎حين يقضي أحد المتبارزين على زميله قضاء كاملاً، فيلقيه طريحاً على الأرض فاقد‎ ‎الحياة‎!

ذلك كان الرقيق في العالم الروماني. ولا نحتاج أن نقول شيئاً عن‏‎ ‎الوضع القانوني للرقيق عندئذ، ‏(........................................)
محمد  قطب

لمن أراد قراءة المقالة كاملة

المصدر : من كتاب شبهات حول الإسلام

الرابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..