بسم الله
الرحمن الرحيم
المقدّمـة
إن الحمد لله، نحمده،
ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله
فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن
تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعـد:
فهذه رسالة مختصرة في
”الإمامة في الصلاة“ بيّنت فيها بإيجاز: مفهوم الإمامة، وفضل الإمامة في
الصلاة والعلم، وحكم طلب الإمامة إذا صلحت النّيّة، وأولى الناس بالإمامة، وأنواع
الأئمة والإمامة، وأنواع وقوف المأموم مع الإمام، وأهمية الصفوف في الصلاة
وترتيبها، وتسويتها، وألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسويتها، وفضل الصفوف
الأُوَل وميامين الصفوف، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف، وصلاة المأمومين بين
السواري، وجواز انفراد المأموم لعذر، وانتقال المنفرد إماماً، والإمام مأموماً،
والمأموم إماماً، وأحوال المأموم مع الإمام، وأحكام الاقتداء بالإمام داخل المسجد
وخارجه، والاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو ركن ولم يعلم المأموم، والاقتداء بمن ذكر
أنه مُحدث وحكم الاستخلاف، وآداب الإمام، وآداب المأموم، وغير ذلك من الأحكام
المهمة المتعلقة بالإمامة وآدابها، وكل ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، حسب
الإمكان.
وقد استفدت كثيراً من
تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -.
والله أسأل أن يجعل
هذا العمل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد
مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو
حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك
على عبده ورسوله الأمين، نبينا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله ، وعلى آله، وأصحابه،
ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
المؤلف
حرّر في يوم الأحد الموافق 12/6/1421هـ
الإمامـة
فـي الصّـلاة
أولاً: مفهوم الإمامة
والإمام:
الإمامة:
مصدر أمَّ الناس: صار لهم إماماً يتبعونه في صلاته([1]).
أي: تقدّم رجل المصلين ليقتدوا به في صلاتهم، والإمامة: رياسة المسلمين، والإمامة
الكبرى: رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم،
والخلافة هي الإمامة الكبرى، وإمام المسلمين: الخليفة ومن جرى مجراه([2]).
والإمامة الصغرى: ربط صلاة المؤتم بالإمام بشروط([3]).
الإمام:
كل من اقتُدِي به، وقُدِّم في الأمور، والنبي صلّى الله عليه وسلّم إمام الأئمة،
والخليفة : إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام الجند: قائدهم.
والإمام جَمْعُهُ:
أئمة، والإمام في الصلاة: من يتقدم المصلين ويتابعونه في حركات الصلاة. والإمام:
من يأتم به الناس من رئيس وغيره، محقّاً كان أو مبطلاً، ومنه: إمام الصلاة،
والإمام: العالم المقتدى به، وإمام كل شيء: قيمه والمصلح له([4]).
ثانياً:
فضل الإمامة في الصلاة والعلم:
1_ الإمامة في الصلاة
ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي صلّى
الله عليه وسلّم: ”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله“([5]).
ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها([6]).
2_ الإمام في الصلاة
يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم
قول الله عز وجل في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: {وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}([7]).
المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة
إلى الخير([8]).
فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال
لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما}([9])،
وامتنّ الله – عز وجل – على من وفقه للإمامة في الدين فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُوا بِآياتِنَا
يُوقِنُونَ}([10])
أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله – عز وجل – وترك نواهيه، والصبر على التعلم
والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين – وهو العلم التام
الموجب للعمل – كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير،
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر([11]).
3_ دعاء النبي صلّى
الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد، فعن أبي
هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الإمام
ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين“([12]).
4_ الإمامة فضلها
مشهور، تولاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه،
وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا
الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى،
ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟
فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل،
لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة
واغفر للمؤذنين“. ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له
بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية
الخير([13]).
واختار شيخ الإسلام –
رحمه الله – أن الأذان أفضل من الإمامة([14]).
وأما إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإمامة الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم –
فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان
فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان
أفضل([15]).
5_ عظم شأن الإمامة
وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة
– رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلون لكم فإن
أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم“([16]).
والمعنى: ”يصلون“ أي الأئمة ”لكم“ أي لأجلكم، ”فإن أصابوا“ في الأركان والشروط،
والواجبات، والسنن ”فلكم“ ثواب صلاتكم، ”ولهم“ ثواب صلاتهم، ”وإن أخطأوا“ أي
ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين ”فلكم“، ثوابها، ”وعليهم“ عقابها([17]).
وعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول: ”مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا
عليهم“([18]).
وعن سهل بن سعد – رضي
الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الإمام ضامن فإن
أحسن فله ولهم، وإن أساء – يعني – فعليه ولا عليهم“([19]).
ثالثاً: طلب الإمامة
في الصلاة إذا صلحت النية لا بأس به،
لحديث عثمان بن أبي العاص – رضي الله عنه – قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي،
فقال: ”أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً“([20]).
والحديث يدلّ على
جواز طلب الإمامة في الخير، وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك
الأوصاف الجميلة أنهم يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَاماً}([21]).
وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة، فإن ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يُعَانُ
مَنْ طلبها، ولا يستحق أن يُعْطَاهَا مَنْ سألها([22])،
فإذا صَلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى الله – عز وجل –
فلا حرج من طلب ذلك.
رابعاً: أولى الناس
بالإمامة: الأقرأ([23])
العالم فقه صلاته([24])،
فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأقدمهم إسلاماً، لحديث
أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”يؤم
القوم أقرؤهم لكتاب الله([25])
فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة([26])،
فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سلماً – وفي رواية - سنّاً([27])
ولا يؤمّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في سلطانه([28])
ولا يقعد في بيته على تكْرِمَتِه([29])
إلا بإذنه“. وفي لفظ: ”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن
كانت قراءتهم سواءً...“([30]).
أما حديث مالك بن
الحويرث – رضي الله عنه – الذي فيه: ”فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم
ليؤمكم أكبركم“([31]).
فقدم الأكبر، لأنهم استووا في باقي الخصال والشروط، لأنهم هاجروا جميعاً، وصحبوا
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم
يبق ما يقدم به إلا السن([32]).
فالمراتب خمس: يقدم
الأقرأ، فالأعلم بالسنة، فالأقدم هجرة، فالأقدم إسلاماً، فالأكبر سِنّاً ([33]).
خامساً:
أنواع الإمامة في الصلاة على النحو الآتي:
1_ إمامة الصبي جائزة
على الصحيح([34])،
لحديث عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممرِّ الناس([35])
وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟([36])
فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام،
فكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح([37])
فيقولون اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر
كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم([38])
فلما قَدِمَ قال: ”جئتكم والله من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم حقّاً، فقال: ”صلّوا
صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذن
أحدكم، ليؤمكم أكثركم قرآناً“ فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً منّي، لِمَا كنت
أتلقَّى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ
بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني([39])،
فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا([40])
فقطعوا لي قميصاً فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص“. وفي أبي داود زيادة: ”قال عمرو
بن سلمة فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي
هذا“([41]).
وهذا هو الصّواب أنّ
إمامة الصّبي تصحّ بالفرض والنّفل إذا قدّمه القوم وكان أكثرهم قرآناً، وقد بلغ
سبع سنين، لأنه لا قياس في مقابلة النّصّ، ولأنّ إمامة عمرو بن سلمة بقومه كانت
زمن الوحي، فلو كانت الصّلاة باطلة وعمله منكراً، لأنكره الله تعالى، ولأنّ الذين
قدموا عمراً كانوا كلهم صحابة([42])،
وقد قال جابر – رضي الله عنه -: ”كنّا نعزل والقرآن ينزل“ وفي لفظ: ”كنّا
نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“([43]).
وفي رواية مسلم: ”كنّا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه
القرآن“.
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يرجّح صحّة إمامة الصبي الذي بلغ
سبع سنين في الفرض والنّفل، وأنه يعتدّ بالصّبي في المصافة في الصّلاة، وأنّ الأصل
في الفرائض والنّوافل سواء إلا ما خصّه الدّليل([44]).
2_ إمامة الأعمى
صحيحة بلا كراهة، لحديث أنس – رضي الله عنه – أنّ النبي
صلّى الله عليه وسلّم استخلف ابن أمِّ مكتوم يؤم الناس وهو أعمى([45])،
وفي رواية عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استخلف ابن أمِّ مكتوم على المدينة
مرتين([46]).
وقد عُدَّت مراتُ استخلاف ابن أم مكتوم فبلغت ثلاث عشرة مرة، وهذا دليل على صحّة
إمامة الأعمى من دون كراهة في ذلك([47])،
ويدلّ على ذلك ما رواه محمود بن الربيع الأنصاري – رضي الله عنه – أن عتبان بن
مالك كان يؤمُّ قومهُ وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يا
رسول الله: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصلِّ يا رسول الله في
بيتي مكاناً أتخذه مُصلَّى، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”أين
تحبّ أن أصلّي“؟ فأشار إلى مكان من البيت فصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم([48]).
3_ إمامة العبد والمولى صحيحة،
لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: لَمّا قَدِمَ المهاجرون الأوّلون العقبة –
موضع بقباء – قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤمهم سالم مولى أبي
حذيفة – رضي الله عنه – وكان أكثرهم قرآناً([49]).
وفي رواية: عن ابن
عمر – رضي الله عنهما – قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب
النبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجد قباء، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة([50]).
وكان سالم مولى امرأة
من الأنصار فأعتقته، وكانت إمامته بهم قبل أن يُعتق، وإنما قيل له: مولى أبي
حذيفة، لأنه لازم أبا حذيفة بعد أن أعتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له: مولاه،
وسبب تقديمهم له، لأنه كان أكثرهم قرآناً([51])،
قال البخاري – رحمه الله -: ”باب إمامة العبد المولى، وكانت عائشة يؤمها عبدها
ذكوان من المصحف. وولد البغي والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم، لقول النبي صلّى
الله عليه وسلّم: ”يؤمهم أقرأهم لكتاب الله“ ولا يمنع العبد من الجماعة
بغير علة“([52]).
4_ إمامة المرأة
للنساء صحيحة، لحديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن
لها، وأمرها أن تؤمَّ أهل دارها. قال عبد الرحمن بن خلاَّد الراوي عنها: ”أنا
رأيتُ مؤذنها شيخاً كبيراً“([53]).
وهذا يدلّ على مشروعية صلاة النساء جماعة منفردات عن الرجال([54])،
ورجح الإمام ابن القيم – رحمه الله – استحباب صلاة النساء جماعة، لحديث أم ورقة،
ولأن عائشة – رضي الله عنها – أمَّت نسوة في المكتوبة فأمتهنَّ بينهن وسطاً([55])،
ولأن أم سلمة – رضي الله عنها – أمَّت نساء فقامت وسطهن([56])،
ولو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”تفضل صلاة الجماعة
على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة“([57])
لكفى([58]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث ورقة: ”وأنه يدلّ على
مشروعية ذلك، ولا بأس به، ويستحب ذلك، والحديث وإن كان في إسناده كلام، ولكن مثله
نوع مستقل ويعمل به، ويعضده ما جاء عن عائشة، وأم سلمة أنهما كانتا تؤمان أهل
بيتهما، لكن تقف في وسط النساء، وصلاة الجماعة لا تجب عليهن، ولكن تستحب“([59]).
5_ إمامة الرجل
للنساء فقط صحيحة، لأخبار وردت في ذلك([60])،
ولأن الأصل صحة صلاة الجماعة وانعقادها بالنساء مع الرجل، بل بالمرأة مع الرجل ومن
منع فعليه الدليل([61])،
إلا إذا كانت أجنبية وحدها فإنه يحرم أن يؤمها، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما –
يرفعه: ”لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم“([62])،
والصحيح أن إمامة النساء لا تكره إلا إذا خاف الفتنة، ابتعد عن ذلك، لأن ما كان
ذريعة إلى حرام فهو حرام([63])،
وقد كان ذكوان مولى عائشة – رضي الله عنهما – يؤمها من المصحف([64]).
6_ إمامة المفضول
للفاضل صحيحة، لحديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – حينما كان مع النبي في غزوة
تبوك، وذكر وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وأنه جاء معه قال: حتى نجد الناس قد
قدَّموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، قال: ووجدنا عبد الرحمن
وقد صلى بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصف مع
المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قام
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمُّ صلاته، قال: فلما قضى رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم صلاته أقبل عليهم ثم قال: ”أحسنتم“ أو ”قد أصبتم“ يغبطهم
أن صلّوا الصلاة لوقتها([65])،
وهذا يدلّ على صحّة إمامة المفضول للفاضل.
7_ إمامة المتيمم
للمتوضئ جائزة، لحديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: احتلمت في ليلة باردة
شديدة البرد في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي
الصبح، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا عمرو صلّيت
بأصحابك وأنت جنب“؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله
يقول: {وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}([66])
فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئاً([67]).
وفي رواية: ”فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلّى بهم...“([68]).
قال الحافظ ابن حجر –
رحمه الله -: ”وقال البيهقي: يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن
الباقي، وقال النووي: وهو متعيّن“([69]).
وفي لفظ البخاري: ”فذكر للنبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعنِّف“ ووقع في رواية ”فلم
يعنِّفه“ قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن
يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان من أجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم
بالمتوضئين..“([70]).
قال ابن قدامة – رحمه الله -: ”ويصبح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا أعلم فيه خللاً“([71]).
ولكن لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر
منه([72]).
8_ إمامة المسافر للمقيم صحيحة ويتم المقيم بعد
سلام المسافر، للآثار في ذلك([73])
والإجماع، قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله -: ”أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا
ائتم بالمسافر وسلم المسافر من ركعتين أن على المقيم إتمام الصلاة“([74]).
وعن عمر – رضي الله عنه – أنه كان إذا قدم بمكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: ”يا أهل
مكة أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفْرٌ“([75]).
فظهر من ذلك أن
المقيم إذا صلى خلف المسافر صلاة الفريضة: كالظهر، والعصر، والعشاء، فإنه يلزمه أن
يكمل صلاته أربعاً، أما إذا صلى المقيم خلف المسافر طلباً لفضل الجماعة، وقد صلى
المقيم فريضته، فإنه يصلي مثل صلاة المسافر: ركعتين، لأنها في حقه نافلة([76]).
وإذا أمّ المسافر
المقيمين فأتمَّ بهم فصلاتهم تامّة صحيحة وخالف الأفضل([77]).
9_ إمامة المقيم للمسافر صحيحة، ويتمّ المسافر مثل
صلاة إمامه، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو
أقل، وحتى لو دخل معه في التشهد الأخير قبل السلام فإنه يتم، وهذا هو الصواب من
قولي أهل العلم، لِمَا ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – من حديث موسى بن سلمة –
رحمه الله – قال: كنّا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كُنّا معكم صلّينا أربعاً
وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: ”تلك سنّة أبي القاسم صلّى الله عليه
وسلّم“([78]).
وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً وإذا صلاها وحده
صلّى ركعتين([79]).
وذكر الإمام ابن عبد
البر – رحمه الله – أن في إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في
صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه أن يصلي أربعاً([80]).
وقال: ”قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف المقيم قبل سلامه أنه تلزمه صلاة
المقيم، وعليه الإتمام“([81]).
ومما يدلّ على أنّ
المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه الإتمام عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما
جُعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبِّروا...([82])“([83]).
10_ إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها صحيحة على
القول الصحيح من قولي أهل العلم، مثال ذلك رجل
وجد الناس يصلون ظهر اليوم وذكر أن عليه صلاة الظهر بالأمس، فإنه يدخل معهم خلف
الإمام وينوي ظهر أمس، فصلاته صحيحة، لأنه قاضٍ صلى خلف مؤدٍّ، ولأنّ التّرتيب بين
الصّلوات واجب فيصلي الصّلاة بنيّة الفائتة ثم يصلي الحاضرة([84]).
11_ إمامة من يقضي الصلاة بمن يؤديها عكس المسألة
السابقة صحيحة على القول الصحيح، فيكون الإمام
هو الذي يقضي والمأموم هو الذي يؤدي، مثال ذلك رجل عليه ظهر أمس فصلى فدخل معه من
يصلي ظهر اليوم، فالإمام يصلي بنية ظهر أمس، والمأموم بنية ظهر اليوم، فصحّة
المؤداة خلف المقضية وبالعكس، لأنّ الصلاة واحدة وإنما اختلف الزّمن([85]).
12_ إمامة المفترض للمتنفل صحيحة بلا خلاف،
لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبصر رجلاً
يصلي وحده، فقال: ”ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلي معه“([86])،
ولأحاديث إعادة صلاة الجماعة لمن أدرك الجماعة وقد صلى قبل ذلك([87])،
ومنها حديث يزيد بن الأسود وفيه: ”إذا صليتما في رحالكم ثم أتيتما مسجد جماعة
فصليا معهم فإنها لكما نافلة“([88]).
قال الإمام ابن قدامة
– رحمه الله -: ”ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً“([89]).
13_ إمامة المتنفل للمفترض جائزة على القول الصحيح،
لحديث جابر – رضي الله عنه – أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – ”كان يصلي مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء ثم يأتي مسجد قومه فيصلي بهم تلك الصلاة“([90]).
ومعلوم أن الصلاة الأولى هي الفريضة والثانية لمعاذ هي النافلة، ولم ينكر عليه
النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد صلى النبي صلّى
الله عليه وسلّم في بعض أنواع صلاة الخوف بالطائفة الأولى ركعتين، ثم سلم، ثم صلى
بالطائفة الثانية ركعتين ثم سلم([91])،
فالصلاة الأولى فرض النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثانية نفلاً([92])،
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –([93]).
فعلى هذا تجوز صلاة العشاء خلف من يصلي صلاة التراويح وغيرها([94]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذين
الحديثين: ”وهذا واضح في جواز إمامة المتنفل بالمفترض“([95]).
14_ إمامة من يصلي العصر أو غيرها بمن يصلي الظهر
أو غيرها جائزة على القول الصحيح، لأنها فرع من
إمامة المتنفل بالمفترض على الصحيح، وهي مثلها في الحكم، بل هنا أولى، لصحة صلاة
من يصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة، فلو أدرك المأموم الإمام في صلاة الجمعة بعد
الرفع من الركوع في الركعة الثانية من صلاة الجمعة دخل معه بنية الظهر فإذا سلم
الإمام قام فصلى أربعاً ظهراً([96]).
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخنا الإمام ابن باز وغيرهما – رحمهم
الله –([97]).
وأما قول النبي صلّى
الله عليه وسلّم: ”إنّما جُعِل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه...“([98]).
فالاختلاف المراد به في الحديث الاختلاف في الأفعال والأقوال([99])،
كما جاء مفسراً بقوله: ”إنّما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا ولا
تكبروا حتى يُكبِّر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن
حمده فقولوا: اللهم ربّنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا
صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون“([100]).
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله -: ”الحديث لم يشترط المساواة في النية، فدلّ
أنها إذا اختلفت نية الإمام والمأموم – كأن ينوي أحدهما فرضاً والآخر نفلاً، أو
ينوي هذا عصراً، والآخر ظهراً أنها تصحّ الصلاة جماعة“([101]).
وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول في
شرحه لهذا الحديث: ”فقد ذكر الأفعال والأقوال ولم يذكر النية فدلّ على أن النية
مغتفرة“([102])،
فعلى ذلك لا يؤثر اختلاف النية: فتصح إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العشاء، وإمامة
من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي العصر بمن يصلي الظهر، ومن يصلي صلاة أكثر
بمن يصلي أقل، ومن يصلي أقل بمن يصلي أكثر ؛ مثال من يصلي صلاة أكثر خلف من يصلي
أقل: كمن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، فإنه يصلي مع الإمام فإذا سلّم إمامه
قام وأتى بركعة. ومثال من يصلي صلاة أقل خلف من يصلي صلاة أكثر، كمن يصلي المغرب
خلف من يصلي العشاء، فإنه إن أدرك الإمام في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال،
لأنه يتابع إمامه ويسلم معه، وإن دخل في الركعة الثالثة أتى بعده بركعة، وإن دخل
في الرابعة أتى بعده بركعتين، لكن إن أدرك الإمام في الركعة الأولى فإنه يلزمه إذا
قام الإمام إلى الرابعة أن يجلس ولا يقوم معه بل ينتظر في التشهد حتى يسلم مع
إمامه، هذا هو الأفضل، وإن نوى الانفراد وقرأ التشهد الأخير ثم سلم فلا حرج([103])،
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([104])
وشيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز([105])
والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ([106])
– رحمهم الله تعالى –([107]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”...
وهكذا على الأرجح لو جاء وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب بسبب السفر أو المرض
[فقد] اختلف العلماء: فقيل يصلي معهم العشاء نافلة ثم يصلي المغرب، وقيل: يجوز عدم
الترتيب، وقيل: يصلي معهم المغرب بنية المغرب فإذا قاموا إلى الرابعة جلس ينتظرهم
ثم يسلم معهم، وهذا قول حسن وجيد وهو معذور في الجلوس كما يجلس المسبوق ثم يتم
صلاته، حتى ولو لم يدرك إلا ركعة جلس معهم ثم أتم، فالتأخر لعذر والمتابعة لعذر
شرعي“([108]).
15_ إمامة الفاسق الذي تصحّ صلاته لنفسه صحيحة على
القول الصحيح من قولي أهل العلم، إذا كانت
معصيته أو بدعته لا تخرجه عن الإسلام، لكن ينبغي أن لا يرتب إماماً في الصلاة
وغيرها([109]).
ومما يدلّ على صحّة
إمامة الفاسق حديث أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم: ”كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة
عن وقتها“؟ قال: قلت فما تأمرني؟ قال: ”صلِّ الصلاة لوقتها، فإذا أدركتها
معهم فصلِّ فإنها لك نافلة لأولا تقل إني قد صلّيت فلا أصلي]“([110])،
ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلّون
لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم“([111])،
ولأن جمعاً من الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يصلون الجمعة، والجماعة، والأعياد
خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون الصلاة، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن
يوسف([112])
وابن عمر كان – رضي الله عنه – من أشدّ الناس تحرّياً لاتباع السنة، واحتياطاً
لها، والحجاج معروف بأنه من أفسق الناس.
وكذا أنس – رضي الله
عنه – كان يصلي خلف الحجاج، وكذلك عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وغيره من
الصحابة كانوا يصلّون خلف الوليد بن أبي معيط، وقد صلّى بهم الصبح يوماً ركعتين،
ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان عند عثمان – رضي الله عنه – فأقام عليه الحدّ،
فجلده أربعين، ثم قال: جلد النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعين، وأبو بكر أربعين،
وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة وهذا أحب إليّ([113]).
وفي الصحيح عن عبيد
الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وهو محصور فقال:
إنك إمام عامة ونزل بكما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: ”الصلاة أحسن ما
يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم“([114]).
وصلى أبو سعيد الخدري
– رضي الله عنه – خلف مروان بن الحكم صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة([115]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”... وقد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية
الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعليّاً ولا يبعد أن يكون قوليّاً على
الصلاة خلف الجائرين، لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان
الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم، في كل بلدة فيها أمير“([116]).
وقال: ”والحاصل أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحّت صلاته لنفسه صحت صلاته
لغيره... واعلم أن محلّ النّزاع إنما هو صحة الجماعة خلف من لا عدالة له، وأما
أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك“([117]).
قال الإمام الطحاوي – رحمه الله -: ”ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة
وعلى من مات منهم“([118]).
وقد تكلم الشارح كلاماً نفيساً رجح فيه صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن من أظهر بدعته
وفسقه لا يرتب إماماً للمسلمين، لأنه يستحق التعزير حتى يتوب، وإن أمكن هجره حتى
يتوب كان حسناً، وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة، فهذا
لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة – رضي الله عنهم – وكذلك إذا كان
الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية، فلا يترك الصلاة
خلفه بل الصلاة خلفه أفضل، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع
أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل
المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء
فيهما بالإمام الفاجر، ولا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً فيبقى تعطيل
المصلحة الشرعية دون دفع المفسدة.
أما إذا أمكن فعل
الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر. وحينئذٍ فإذا صلى خلف الفاجر
من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء: منهم من قال: يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد([119])
والأقرب أنه لا يعيد([120]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز – رحمه الله – يقول: ”من يسلم من الأئمة من الفسق ولا
سيما آخر الزمان، فالقول بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق فيه حرج عظيم، ومشقة كبيرة،
فالصواب أنها تصح، ولكن على المسؤولين أن يختاروا“([121])
والله المستعان([122]).
16_ إمامة من يكرهه أكثر الجماعة بحق مكروهة على
أقل الأحوال، لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الأبق
حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون“([123]).
وعن عمرو بن الحارث بن المصطلق قال: كان يقال: أشدُّ الناس عذاباً [يوم القيامة]
اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قومٍ وهم له كارهون([124]).
قال الإمام الترمذي –
رحمه الله تعالى -: ”وقد كره قوم من أهل العلم أن يؤم الرجل قوماً وهم له كارهون،
فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه، وقال أحمد وإسحاق في هذا: إذا
كره واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم“([125]).
وذكر الشوكاني – رحمه الله -: أنه ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون، وقيّد
جماعة من أهل العلم ذلك بالكراهة الدينية لسبب شرعي، فأما الكراهة لغير الدين فلا
عبرة بها، وقيدوه بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين، ولا اعتبار بكراهة الواحد،
والاثنين، والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعاً كثيراً، لا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة،
فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم معتبرة، والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم([126]).
وقال الترمذي – رحمه
الله -: ”قال هناد: قال جرير: قال منصور: فسألنا عن أمر الإمام، فقيل لنا: إنما
عنى بهذا الأئمة الظلمة، فأما من أقام السنة فإنما الإثم على من كرهه“([127]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز – رحمه الله – يقول: ”ذكر أهل العلم – رحمهم الله – أن
كراهة المأمومين فيها تفصيل: فمراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كرهوه بحق، أما
إذا كانت كراهتهم له، لأنه صاحب سنة، أو، [لأنه] يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن
المنكر فلا وجه لكراهتهم، وهذا مأخوذ من الأدلة الشرعية، أما إذا كرهوه لشحناء
بينهم، أو لفسقه، أو يشق عليهم، أو لعدم عنايته بالصلاة، أو عدم مواظبته، فلا
ينبغي أن يصلي بهم، لأنه مسيء إليهم، فلا يجوز له أن يصلي بهم في هذه الحال، وهو
داخل في هذا الوعيد في هذه الأحاديث“([128]).
17_ إمامة الزائر لقوم منهيٌّ عنها إلا بإذنهم،
لحديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول: ”من زار قوماً فلا يؤمَّهم، وليؤُمَّهم رجل منهم“([129]).
قال الإمام الترمذي – رحمه الله -: ”والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلّى
الله عليه وسلّم، وغيرهم، قالوا: ”صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر“. قال: ”وقال
بعض أهل العلم: إذا أذن فلا بأس أن يصلي به“([130]).
وقال أبو البركات ابن تيمية: ”وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب
المكان([131])،
لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي مسعود – رضي الله عنه -: ”إلا بإذنه“([132]).
وعن أبي هريرة – رضي
الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا يحلّ لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف“. وقال: ”ولا يحلّ لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختصّ نفسه بدعوة دونهم([133])،
فإن فعل فقد خانهم“([134]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وقوله في حديث أبي هريرة ”إلا بإذنهم“ يقتضي
جواز إمامة الزائر عند رضا المزور، قال العراقي: ويشترط أن يكون المزور أهلاً
للإمامة، فإن لم يكن أهلاً كالمرأة في صورة كون الزائر رجلاً، والأمي في صورة كون
الزائر قارئاً ونحوهما فلا حق له في الإمامة“([135]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وفي حديث
أبي مسعود في آخره: ”ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على
تكرمته إلا بإذنه“ هذا يفيد أن من زار قوماً فلا يؤمهم كما في حديث مالك بن
الحويرث وإن كان في سنده ضعف لكن حديث أبي مسعود صحيح، فالزائر لا يؤم إلا بإذنٍ
إذا زار [القوم] في مسجدهم أو في بيتهم، وحضرت الصلاة فالإمام صاحب البيت، وإن كان
في المسجد فصاحب السلطان، فلا يتقدم عليه، وإن كان الزائر أعلم أو أكبر سنّاً، إلا
أن يقدمه ويأذن له فلا بأس، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إلا
بإذنه“ أما حديث ”من زار قوماً“ لو صحَّ فهو محمول على بغير الإذن،
وحديث: ”من زار قوماً“ تعضده الأدلة الأخرى، وبعض الناس قد يأذن حياءً،
فينبغي للزائر أن لا يعجل في التقدم حتى يلح عليه صاحب السلطان ويشدد ويلزم“([136]).
18_ الإمامة في مسجد قبل إمامه لا تجوز إلا إذا
تأخر عن الوقت المحدد أو بإذنه، لقوله صلّى
الله عليه وسلّم: ”ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه“([137]).
فلا يجوز للإنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب إلا بإذن الإمام، كأن يوكله فيقول:
صلِّ بالناس، أو يقول للجماعة إذا تأخرت عن موعد الإقامة فصلوا.
ويجوز للجماعة إذا
تأخر الإمام تأخراً ظاهراً أن يقدموا أحدهم، لفعل الصديق – رضي الله عنه –([138])
وعبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – حين غاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال
النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”أحسنتم“([139])،
وإذا أمَّ في مسجد قبل إمامه بدون إذن الإمام أو عذره فقيل: الصلاة لا تصحّ، ويجب
عليهم الإعادة مع الإمام الرّاتب، وقيل: تصحّ مع الإثم وهذا هو الصواب، لأن الأصل
الصّحّة حتى يقوم الدليل على الفساد([140]).
19_ الإمامة من المصحف صحيحة على الصحيح من قولي
أهل العلم، لأن عائشة – رضي الله عنها – كان
يؤمُّها عبدُها ذكوان من المصحف([141]).
قال الإمام ابن باز – رحمه الله -: ”يجوز ذلك إذا دعت الحاجة إليه، كما يجوز
القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وتطويل القراءة في صلاة الفجر
سنة، فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن
يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن وأن يجتهد“([142]).
سادساً:
وقوف المأموم مع الإمام أنواع:
1_ وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام،
لحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وفيه: ”فقام النبي [صلّى الله عليه
وسلّم] يصلي فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه“ وهذا يدلّ على أن موقف
الواحد مع الإمام عن يمينه، بدليل الإدارة، إذ لو كان اليسار موقفاً له لما أداره
في الصلاة([143])
وهذا هو الأفضل والأكمل([144]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وهذا
يدلّ على أن المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام مساوياً له لا يتقدم ولا
يتأخر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقل لابن عباس لا تتأخر عني“([145]).
وسمعته – رحمه الله – يقول: ”لو صلى عن يسار الإمام صحت صلاته، لأن النبي صلّى
الله عليه وسلّم ما أمره بإعادة التحريمة، لكن السنة عن يمين الإمام“([146]).
2_ وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام،
لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – وفيه: ”جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار بن صخر
فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه“([147]).
وهذا يدلّ على أن موقف الرجلين فأكثر مع الإمام في الصلاة خلفه([148])،
ومما يدل على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فقام رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم ركعتين ثم انصرف“([149]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”فدلّ على
جواز مصافة الصغير وأن المرأة الواحدة تصلي خلف الصف“([150]).
وسمعته يقول: ”فدلت السنة على أن الواحد يقف عن يمين الإمام كما في حديث جابر،
وأنس، وابن عباس، في الفرض والنفل جميعاً، أما إذا كانوا اثنين فأكثر فإن السنة أن
يكونوا خلفه. أما أثر ابن مسعود، وهو أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، وهو
أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، ونقله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم،
فقال العلماء فيه: إنه موقوف، وأعلّه بعضهم، وقال بعضهم: إنه منسوخ، والصواب أنه
موقوف من اجتهاده أو منسوخ([151]).
3_ وقوف الإمام تلقاء وسط الصف،
العمل عليه عند أهل العلم، فينبغي أن يجعل الإمام مقابلاً لوسط الصف. وسمعت شيخنا
الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وسِّطوا الإمام
وسدوا الخلل“([152]):
الحديث وإن كان فيه ضعف ولكن العمل عليه عند أهل العلم، فالسنة أن يكون الإمام
وسطاً في المساجد، هذه السنة العملية التي درج عليها المسلمون([153])“([154]).
وقال رحمه الله: ”الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره،
والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله. ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف
أكثر، ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يُصفّ في الثاني
حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف، لأنه قد ثبت
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمر بذلك“([155]).
4_ وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل،
لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا“([156]).
وقال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -: ”أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف
الرجل وحدها صفّاً، وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه“([157]).
ولكن لا تجوز الخلوة بالمرأة وحدها كما تقدم([158]).
5_ وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال،
لحديث أنس السابق، ولحديثه الآخر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل عليه وصلى به
وبأمه وقال: ”فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا“([159]).
وإذا زاد النساء عن واحدة صلين خلف الرجال، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”صليت
أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمي وأم سليم خلفنا“([160]).
وإذا لم يوجد إلا الإمام صلى بالنساء وهن خلفه إلا إذا خاف الفتنة فلا يصلي بهن،
لأن ما كان ذريعة إلى الحرام فهو حرام([161]).
6_ وقوف المرأة الواحدة مع المرأة كوقوف الرجل مع
الرجل الواحد، تقف عن يمينها([162]).
7_ وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها،
فإمامتهن تقوم وسطهن في صفهن، استحباباً،
لأن أم سلمة – رضي الله عنها – كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([163])،
وعائشة – رضي الله عنها – أيضاً كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([164])،
لأن ذلك أستر للمرأة، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع([165])،
وإذا كن عراة فكذلك تقوم إمامتهم وسطهن، وتجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية([166]).
8_ وقوف العراة مع إمامهم العاري عن يمينه وشماله،
فيكون إمامهم وسط صفهم ولو طال الصف، لأن ذلك أستر له([167]).
قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – في المغني: ”وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء
مع أن الستر في حقهن آكد، والجماعة في حقهن أخف فللرجال أولى وأحرى، وغض البصر
يحصل بكونهم صفّاً واحداً يستر بعضهم بعضاً، إذا ثبت هذا فإنهم يصلون صفّاً واحداً
ويكون إمامهم وسطهم، ليكون أستر له“([168]).
وهذا على سبيل الوجوب إلا إذا كانوا عمياً، أو في ظلمة فإنه يصلي بهم أمامهم([169]).
9_ وقوف الرجال، والصبيان، والنساء مع الإمام على
النحو الآتي:
أ_ يصف
الرجال خلف الإمام إن سَبقُوا.
ب _ ثم يصف الصبيان
خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع.
ج _ ثم يصف النساء خلف الصبيان.
ويدل على هذا الترتيب
حديث أبي مسعود – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح
مناكبنا في الصلاة ويقول: ”استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلِني منكم
أُولوا الأحلام والنهى([170])،
ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“([171]).
وفي حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى،
ثم الذين يلونهم – ثلاثاً – وإياكم وهيشات([172])
الأسواق“([173]).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: ”فالأفضل إلى الأمام، لأنه أولى بالإكرام،
ولأنه ربما يحتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام
على السهو لِمَا لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها، وينقلوها
ويعملوها للناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل
السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس: كمجالس العلم،
والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء،
وإسماع الحديث، ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين، والعقل،
والشرف، والسن، والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك“([174]).
وعن أبي سعيد الخدري –
رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في أصحابه تأخراً فقال: ”تقدّموا
فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم([175])،
لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم([176])
الله“([177]).
وفي لفظ أبي داود عن عائشة – رضي الله عنها -: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف
الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([178]).
والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال، ثم بعد ذلك الصبيان، ذكور وقد فضّل الله
الذكور على أفناث فهم أقدم من النساء، ثم بعد ذلك النساء، لأن النبي صلّى الله
عليه وسلّم قال: ”خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها
وشرّها أولها“([179]).
ويلزم من ذلك تأخر صفوف النساء عن صفوف الرجال([180]).
أما ترتيب صفوف الصبيان
فلا شك أن الأولى أن يكونوا خلف الرجال إلا إذا حصل بذلك تشويش على المصلين فإنا
نجعل بين كل صبيين رجلاً بالغاً، ليخشع الناس في الصلاة([181]).
وتقديم الرجال ثم
الصبيان يكون في ابتداء الأمر، كأن يجتمع الناس للصلاة في وقت واحد ولم يتقدم أحد
قبل أحد، أما إذا جاء الصبي إلى الصفوف الأُوَّل وسبق إلى مكان فالصواب أنه أحق به
من غيره([182])،
لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا
يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه“. وفي لفظ: ”نهى النبي صلّى الله
عليه وسلّم أن يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه“ فقيل لنافع: الجمعة؟ قال:
الجمعة وغيرها([183]).
وفي لفظ لمسلم: ”لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه ولكن تفسّحوا
وتوسّعوا“.
وإقامة الصبي من
مكانه وتأخيره يؤدي إلى تنفير الصبيان من المساجد، وكراهتهم للرجل الذي أخّرهم عن
الصف([184])
وهذه مفسدة([185]).
قال الإمام شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -: ”إذا كان الصبي
مميزاً عاقلاً فلا يؤخر من مكانه، لأنه قد سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فكان
أولى، ولِمَا فيه من التشجيع للصبيان على المسابقة إلى الصلاة، وإذا كان دون
التمييز أو غير عاقل فإنه يؤخر، لأن صلاته غير صحيحة“([186]).
سابعاً: متى يقوم
المأمومون لأداء الصلاة؟
وقت قيام المأمومين
للصلاة ليس له حدّ محدود، والأمر فيه واسع:
سواء كان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو في آخرها، والمطلوب أن يكبر تكبيرة
الإحرام بعد تكبير الإمام ولا تفوته مع الإمام([187])
ولا يقوم المصلون إذا أخذ المؤذن في الإقامة حتى يخرج الإمام، لحديث أبي قتادة –
رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أقيمت الصلاة
فلا تقوموا حتى تروني [قد خرجت]“([188])،
وعن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: ”كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس([189])
فلا يقيم حتى يخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه“([190]).
ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي قتادة السابق أن بلالاً – رضي الله عنه – كان
يراقب خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيراه أول خروجه قبل أن يراه غيره أو إلا
القليل، فعند أول خروجه صلّى الله عليه وسلّم يقيم بلال ولا يقوم الناس حتى يروا
النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم لا يقوم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حتى
يُعدِّلوا صفوفهم([191]).
قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر هذا الجمع: ”وبهذا الترتيب
يصحّ الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى“([192]).
وأما حديث أبي هريرة –
رضي الله عنه -: ”أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأخذ
الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلّى الله عليه وسلّم مقامه“([193])
فقال الإمام النووي – رحمه الله – عنه: ”وقوله في رواية أبي هريرة – رضي الله عنه
-: فأخذ الناس مصافهم قبل خروجه: لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز، أو
لعذر، ولعل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فلا تقوموا حتى تروني“ كان بعد
ذلك، قال العلماء: ”والنهي عن القيام قبل أن يروه، لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه
قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه“([194]).
وقال الحافظ ابن حجر –
رحمه الله تعالى – عن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ”... يجمع بينه وبين حديث
أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي قتادة، وأنهم
كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنهاهم عن
ذلك، لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا
حديث أنس الآتي([195]):
أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً، أو
فعله، لبيان الجواز“([196]).
ثامناً:
الصفوف في الصلاة والعناية بها:
1_ ترتيب الصفوف،
لحديث أبي مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه: ”لِيَلِني
منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“([197])،
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليلني
منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم – ثلاثاً – وإياكم وهيشات الأسواق“([198]).
ففي هذا الحديث ترتيب
الصفوف على حسب الأفضلية خلف الإمام: الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء، ما لم يسبق
الصبيان إلى الصفوف الأُول، أو يمنع مانع، فإن سبقوا فهم أولى بها، أما إذا كان
المأموم واحد، فإنه يقف على يمين الإمام، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما –([199]).
وإذا كان المأمومون
اثنان وقفا خلفه، لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – في قصته وجبار بن
صخر، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعلهما خلفه([200])،
وإذا كانت امرأة واحدة وقفت خلف الرجال، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فأقامني
عن يمينه وأقام المرأة خلفنا“([201]).
وإذا كان المأمومون:
امرأتان ورجل وقف الرجل على يمين الإمام والمرأتان خلف الإمام لرواية أنس وفيها: ”ثم
قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فقامت أمُّ سليم وأم حرام خلفنا“ قال: ”أقامني
عن يمينه على بساط“([202]).
2_ تسوية الصفوف تجب على الصحيح،
لحديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول: ”لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم“. وفي لفظ لمسلم: كان
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح([203])
حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره
من الصف فقال: ”عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم“([204]).
وظاهر كلام شيخ
الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وجوب تسوية الصفوف، لهذا الحديث([205])،
ولحديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”سوُّوا صفوفكم،
فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة“. وفي لفظ مسلم: ”من تمام الصلاة“([206])،
وفي حديث أبي هريرة يرفعه: ”... وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن
الصلاة“([207]).
ومن ذكر الإجماع على
استحباب تسوية الصفوف فمراده: ثبوت استحباب ذلك لا نفي وجوبه، والله أعلم([208]).
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله -: ”... القول الراجح في هذه
المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسوُّوا الصف فهم آثمون وهذا هو ظاهر
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله“([209]).
3_ ألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسوية
الصفوف أنواع:
النوع الأول: ”أقيموا
صفوفكم وتراصُّوا“، لحديث أنس – رضي
الله عنه –([210]).
النوع الثاني: ”سووا
صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة“،
لحديث أنس – رضي الله عنه –([211]).
النوع الثالث: ”سوُّوا
صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة“،
لحديث أنس – رضي الله عنه –([212]).
النوع الرابع: ”أقيموا
الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة“،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه –([213]).
النوع الخامس: ”استووا
ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم“، لحديث أبي مسعود،
وعبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما -، ولفظ حديث أبي مسعود: ”كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: الحديث“([214]).
النوع السادس: ”أتموا
الصفوف“، لحديث أنس – رضي الله عنه – يرفعه: ”أتموا
الصفوف فإني أراكم خلف ظهري“([215]).
النوع السابع: ”أقيموا
الصفوف..“، لحديث أنس – رضي الله عنه – يرفعه: ”أقيموا
الصفوف فإني أراكم خلف ظهري“ وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه([216]).
النوع الثامن: ”أقيموا
صفوفكم – ثلاثاً –“، لحديث النعمان بن بشير –
رضي الله عنه – قال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الناس بوجهه فقال: ”أقيموا
صفوفكم – ثلاثاً – والله لتقيمنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم“ قال: ”فرأيت
الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه“([217]).
النوع التاسع: ”أقيموا
الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدُّوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم([218])
ولا تذروا فُرجات للشيطان، ومن وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله“،
لحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما –([219]).
النوع العاشر: ”رصُّوا
صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق“،
لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من
خلل الصف كأنها الحذف([220])“([221]).
في لفظ النسائي: ”فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف
كأنها الحذف“([222]).
النوع الحادي عشر: ”أتموا
الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر“،
لحديث أنس – رضي الله عنه –([223]).
النوع الثاني عشر: ”استووا،
استووا، استووا...“، لحديث أنس – رضي
الله عنه –([224]).
النوع الثالث عشر: ”أقيموا
صفوفكم وتراصوا..“، لحديث أنس – رضي
الله عنه –([225]).
النوع الرابع عشر:
”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا
ومناكبنا، ويقول: ”لا تختلفوا فتختلف قلوبكم“([226]).
النوع الخامس عشر: ”أحسنوا
إقامة الصفوف“، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه –([227]).
النوع السادس عشر: ”ألا
تصفون كما تصف الملائكة عند ربها“؟ فقلنا يا
رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ”يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصون
في الصف“([228]).
4_ الصف الأول أفضل الصفوف، لحديث أبي هريرة – رضي
الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا“([229])،
ولحديث أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”وإن الصف الأول على مثل صف
الملائكة“([230])،
أي في القرب من الله ونزول الرحمة، وإتمامه، واعتداله([231])،
والصف الأول خير الصفوف، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه: ”خير صفوف
الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها“([232])،
والله – عز وجل – وملائكته يصلون على الصف الأول، لحديث النعمان بن بشير – رضي
الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إن الله وملائكته
يصلون على الصف الأول، أو الصفوف الأولى“([233])،
وعن البراء – رضي الله عنه – يرفعه: ”إن الله وملائكته يصلون على الصفوف
المتقدمة“([234]).
والنبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني مرة واحدة،
لحديث العرباض – رضي الله عنه – يرفعه: ”كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً وعلى
الثاني واحدة“. ولفظ ابن ماجه: ”كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً، والثاني
مرة“([235])،
وقد حذر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التأخر عن الصفوف الأُوَل، فعن عائشة – رضي
الله عنها – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا يزال قوم يتأخرون عن
الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([236])،
عن أبي سعيد – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”تقدموا فأتمُّوا بي وليأتم بكم من
بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله“([237]).
5_ ميامن الصفوف أفضل،
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن
الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف“([238])،
وعن البراء – رضي الله عنه – قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم
أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: ”رب قني عذابك يوم
تبعث عبادك“([239]).
6_ وصل الصفوف رغَّب فيه النبي صلّى الله عليه
وسلّم، وحذّر عن قطعها، لحديث عائشة – رضي
الله عنها – ترفعه وفيه: ”إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلُون الصفوف، ومن
سد فرجة رفعه الله بها درجة“([240]).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – يرفعه: ”من وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً
قطعه الله“([241]).
7_ صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح على القول
الصحيح، لحديث وابصة – رضي الله عنه – ”أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة“([242])،
ولحديث علي بن شيبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً فَرْداً يصلي
خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”استقبل
صلاتك فلا صلاة لرجل فرد خلف الصف“([243])،
وهذان الحديثان يدلان على بطلان صلاة الرجل الذي صلى منفرداً وحده خلف الصف([244])،
لكن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو دخل معه رجل آخر قبل السجود أجزأته الركعة
وصلاته صحيحة، لحديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه انتهى إلى النبي صلّى الله
عليه وسلّم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذُكر ذلك للنبي صلّى الله عليه
وسلّم فقال: ”زادك الله حرصاً ولا تعد“([245])،
ولم يأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بقضاء الركعة، فدل ذلك على إجزائها، وأن مثل
هذا العمل مستثنى من قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا صلاة لمنفرد خلف الصف“
والله ولي التوفيق([246]).
8_ صلاة الصفوف بين السواري مكروهة لغير حاجة،
لحديث أنس – رضي الله عنه – فعن عبد الحميد بن محمود قال: كنا مع أنس فصلينا مع
أمير من الأمراء، فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين ساريتين، فجعل أنس يتأخر، وقال: ”قد
كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“. وفي لفظ: ”صليت مع أنس بن
مالك يوم الجمعة فدفعونا إلى السواري... الحديث. وفي لفظ: ”صلينا خلف أمير من
الأمراء، فاضطرَّنا الناس فصلينا بين الساريتين...“ الحديث([247]).
وعن قرة – رضي الله عنه – قال: ”كنا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، ونُطردُ عنها طرداً“([248])،
ويجوز للإمام والمنفرد الصلاة بين السواري، لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – ”أن
النبي صلّى الله عليه وسلّم لَمّا دخل الكعبة صلى بين الساريتين“([249]).
9_ كمال الصفوف وتسويتها يشمل عدة أمور:
الأمر الأول:
أن يدنوَ أُولو الفضل من الإمام، لحديث أبي مسعود يرفعه: ”ليلني منكم أولو
الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم...“، لحديث أبي مسعود وابن مسعود – رضي الله
عنهما – في أول الباب.
الأمر الثاني:
ترتيب الصفوف: الرجال، ثم الصبيان إن لم يسبق الصبيان إلى الصفوف الأُوَل، ثم
النساء، لحديث أبي سعيد السابق.
الأمر الثالث:
تسوية محاذاة الصفوف وقد سبقت.
الأمر الرابع:
التراص في الصف، لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك.
الأمر الخامس:
إكمال الصف الأول فالأول.
الأمر السادس:
التقارب بين الصفوف، وبينها وبين الإمام، وأنهم جماعة والجماعة مأخوذة من
الاجتماع، ولا اجتماع مع التباعد، وكلما قربت الصفوف بعضها إلى بعض، وقربت إلى
الإمام كان أفضل وأجمل.
الأمر السابع:
تفضيل اليمين في الصفوف: يمين الإمام على شماله، ولكن ليس على سبيل الإطلاق.
الأمر الثامن:
أن تفرد النساء وحدهن بحيث يكن النساء خلف الرجال، ولا يختلط النساء بالرجال.
الأمر التاسع:
اقتداء كل صف بمن أمامه عند الحاجة إذا كان صوت الإمام خفيّاً وليس هناك من يبلغ
عنه، فكل صف يقتدي بمن أمامه.
الأمر العاشر:
عدم صلاة الفذ خلف الصف.
الأمر الحادي عشر:
عدم صلاة المأمومين بين السواري([250]).
10_ جواز انفراد المأموم عن الإمام لعذر، لحديث
صالح بن خوَّات عمن شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم ذات الرقاع صلاة
الخوف: ”أن طائفة صلّت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً
وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم
الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم“([251])،
ولحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن معاذًا – رضي الله عنه – كان يصلي
مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة،
قال فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل
فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي
بنواضحنا([252])،
وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ سورة البقرة فتجوَّزت فزعم أني منافق؟ فقال صلّى
الله عليه وسلّم: ”يا معاذ أفتان أنت؟“ – ثلاثاً – اقرأ: {وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا} و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ونحوهما“. وفي لفظ
لمسلم: ”كان يصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة ثم يرجع إلى
قومه فيصلي بهم تلك الصلاة“([253]).
وفي رواية لمسلم: ”كان
معاذ يصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع
النبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف
رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف..“([254]).
وفي حديث أنس عند الإمام أحمد، وفيه: ”فلما رأى معاذاً طول تجوَّز في صلاته ولحق
بنخله يسقيه...“([255]).
وفي حديث بريدة الأسلمي – رضي الله عنه – ”أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فقرأ
فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَة} فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب...“ دلّ
حديث جابر بلفظ الإمام البخاري – رحمه الله – وحديث أنس وحديث بريدة الأسلمي بلفظ
الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – على أن الرجل قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة
بل استمر فيها منفرداً حتى أتمها([256]).
ودلّت رواية الإمام مسلم على أن الرجل قطع الصلاة وابتدأها من جديد، ولهذا قال
الإمام الشوكاني – رحمه الله – في شرحه لمنتقى الأخبار: ”استدلّ المصنف بحديث أنس
وبريدة – رضي الله عنهما – المذكورين على جواز صلاة من قطع الائتمام بعد الدخول
فيه لعذر وأتم لنفسه، وجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أنه سلم، ثم استأنف بتعدد
الواقعة“([257]).
قال ابن تيمية – رحمه الله – في منتقى الأخبار: ”... فَعُلِم بذلك أنهما قضيتان
إما لرجل أو رجلين“([258]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث أنس وبريدة – رضي الله
عنهما -: ”فيه الدلالة على جواز الانفراد عن الإمام لعذر، سواء أتمَّ لنفسه أو
قطعها وابتدأها من جديد، كما في القصتين، وهذا عذر شرعي، لإطالة الإمام، ويظهر من
هذا أنه ينبغي للإمام ألا يطول، ويراعي الناس حتى لا يشق عليهم“([259]).
11_ انتقال المنفرد إماماً لا بأس به،
لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي في
رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل آخر فقام أيضاً، حتى كنَّا رهطاً، فلما حس
النبي صلّى الله عليه وسلّم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله([260])
فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال – قلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال: ”نعم
ذلك الذي حملني على الذي صنعت“([261])،
ولحديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اتخذ
حُجرة في المسجد من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه،
فلما علم بهم، جعل يقعد فخرج إليهم فقال: ”قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا
أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة“. وفي
رواية: ”ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، فلم
يخرج عليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضباً، فقال لهم رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم: ”ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم [ولو كتب
عليكم ما قمتم به] فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا
الصلاة المكتوبة“([262]).
ولحديث عائشة – رضي
الله عنها – قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من الليل في حجرته
وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام أناس يصلون
بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام ليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصلاته،
صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: ”إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة
الليل“([263]).
قال أبو البركات – ابن تيمية – رحمه الله -: ”باب انتقال المنفرد إماماً في
النوافل“ ثم ساق الأحاديث السابقة([264]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”والأحاديث المذكورة تدل على ما بوّب له
المصنف – رحمه الله – من جواز انتقال المنفرد إماماً في النوافل، وكذلك في غيرها
لعدم الفارق“([265]).
12_ انتقال الإمام مأموماً إذا استُخلف فحضر
مستَخْلِفُه، لحديث سهل بن سعد الساعدي – رضي الله
عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، ليصلح بينهم
فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيمَ؟ قال: نعم، فصلى
أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس في الصلاة، فتخلَّص حتى وقف
في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق
التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر – رضي الله عنه – يديه، فحمد الله على ما أمره
به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف،
وتقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما انصرف قال: ”يا أبا بكر ما منعك أن
تثبت إذ أمرتك؟“ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قُحافة أن يصلي بين يدي رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما لي
رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابَهُ([266])
شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التُفت إليه، وإنما التصفيق للنساء“. وفي
رواية: ”أن هذه الصلاة هي صلاة العصر، وأن النبي لما جاء وأبو بكر يصلي بالناس شق
الصفوف حتى قام خلف أبي بكر فتقدم في الصف الذي يليه...“([267]).
والحديث يدلّ على
جواز انتقال الإمام مأموماً إذا استُخلف فحضر مستخلفهُ([268]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”فيه الدلالة على أنه لا بأس
أن يتأخر الإمام إذا كان خليفة وجاء المستخلف، فيكون في أول [الصلاة إماماً] وفي
أثنائها مأموماً، لا حرج في ذلك، كما فعل الصديق لما حضر النبي صلّى الله عليه
وسلّم، ولو استمر إماماً فلا حرج، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أشار إليه أن
يستمر، ولكنه كره ذلك وقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث عبد الرحمن بن عوف عند مسلم في غزوة تبوك([269])
أنه صلى بالناس وأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصلى خلفه، وكان عبد الرحمن قد
صلى بالناس ركعة من صلاة الفجر، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي فقضى ركعة هو
المغيرة، فإذا جاء الإمام والمستخلف قد صلى ركعة فينبغي له ألا يتقدم، بل يصلي مع
الناس، أما إذا كان في أولها فهو مخير إن شاء تقدم وتأخر الخليفة، وإن شاء تركه
يكمل وصلى مع الناس، والأفضل أن يتركه يكمل، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر
الصديق أن يكمل ولكن الصديق تأدب“([270]).
ويدل على ذلك أيضاً
حديث عائشة – رضي الله عنها -: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته وجد
خفة فخرج فوجد أبا بكر يصلي بالناس فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك،
ثم جيء به صلّى الله عليه وسلّم يهادى بين رجلين حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي
بكر، وكان أبو بكر يصلي قائماً، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعداً،
يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي
لفظ للبخاري: أنها صلاة الظهر، وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي
بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([271]).
13_ انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه الإمام لا
بأس به، لحديث عمرو بن ميمون قال: ”إني لقائم ما
بيني وبين عمر – غداة أصيب – إلا عبد الله بن عباس، فما هو إلا أن كبَّر فسمعته
يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه،
فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة“([272]).
قال الإمام الشوكاني –
رحمه الله -: ”وفيه جواز الاستخلاف للإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك، لتقرير الصحابة
لعمر على ذلك، وعدم الإنكار من أحد منهم فكان إجماعاً، وكذلك فعل علي وتقريرهم له
على ذلك“([273]).
والله عز وجل أعلم([274]).
تاسعاً:
الاقتداء وشروطه ولوازمه على النحو الآتي:
1_ صفة الاقتداء بالإمام وعدم سبقه ومقارنته،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما
جعل الإمام ليؤتم به، [فلا تختلفوا عليه] فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر،
وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم
ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا
قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([275]).
هذا الحديث دل على أن شرعية الإمامة، ليُقتدَى بالإمام، ومن شأن التابع والمأموم
أن لا يتقدم متبوعه، ولا يساويه، ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي
على إثرها بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، وقد فصل الحديث
ذلك، ويقاس ما لم يذكر من أحواله: - كالتسليم – على ما ذكر، فمن خالفه في شيء مما
ذكر فقد أثم([276]).
2_ مسابقة الإمام.
قد توعّد النبي صلّى الله عليه وسلّم من سابق إمامه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”أمَا
يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحوَّل رأسُهُ رأس حمار“ وفي لفظ البخاري:
”أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار“([277])،
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: ”أيها الناس إني إمامكم فلا
تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف([278])
فإني أراكم أمامي ومن خلفي، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً
ولبكيتم كثيراً“ قالوا: ما رأيت يا رسول الله؟ قال: ”الجنة والنار“([279]).
وعن أبي هريرة – رضي
الله عنه – موقوفاً عليه: ”الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد
شيطان“([280]).
قال الإمام مالك – رحمه الله – فيمن سها فرفع رأسه قبل الإمام في الركوع أو
السجود: ”إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً، ولا ينتظر الإمام، وذلك خطأ
ممن فعله، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إنّما جُعِلَ الإمام ليؤتم به
فلا تختلفوا عليه“. وقال أبو هريرة: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام: ”إنما
ناصيته بيد شيطان“[281].
وعن البراء عن عازب – رضي الله عنه – قال: ”كنا نصلي خلف النبي صلّى الله عليه
وسلّم، فإذا قال: ”سمع الله لمن حمده“ لم يحنِ أحدٌ منَّا ظهره حتى يضع
النبي صلّى الله عليه وسلّم جبهته على الأرض [ثم يخرّ من وراءه ساجداً]“([282]).
وعن معاوية بن أبي
سفيان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تبادروني
بركوع ولا بسجود، إنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت إني قد بدَّنت([283])“([284]).
وعن عمرو بن حريث –
رضي الله عنه – قال: ”صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم الفجر، فسمعته يقرأ: {فَلا
أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}([285])
وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً“([286]).
قال النووي – رحمه الله -: ”في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم
التأخر عن الإمام قليلاً بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه والله أعلم“([287]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث أبي هريرة أول هذه
الأحاديث: ”المقصود أنهم يتأخرون عنه قليلاً لا كثيراً، إذا انتهى صوته مكبراً
كبروا، وإذا استوى راكعاً ركعوا، وإذا استوى ساجداً سجدوا في غير مهلة، وقد ذكر
الأفعال والأقوال ولم يذكر النية، فدل على أن النية مغتفرة“([288]).
3_ أحوال المأموم مع إمامه: أربعة أحوال:
مسابقة، وموافقة أو مقارنة، وتأخر، ومتابعة، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
الحال الأول:
المسابقة: وهي أن يسبق المأموم إمامه في شيء من
الأفعال أو الأقوال في الصلاة، مثل: أن يتقدمه في تكبير، أو ركوع، أو رفع، أو
سجود، أو سلام، أو غير ذلك من الأفعال أو الأقوال داخل الصلاة([289]).
ومسابقة الإمام حرام
متوعد عليها بالعقوبة، باتفاق العلماء، للأدلة السابقة آنفاً، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية – رحمه الله تعالى -: ”... أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة: لا يجوز
لأحد أن يركع قبل إمامه، ولا يرفع قبله، ولا يسجد قبله“([290]).
ثم قال: ”ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله، كما رُوي عن
عمر: أنه رأى رجلاً يسابق الإمام، فضربه، وقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت“([291]).
قال العلامة عبد الرحمن
بن ناصر السعدي – رحمه الله تعالى -: ”والصواب أن مسابقة الإمام عمداً، إذا كان
المسابق عالماً بالحال والحكم، أنها مبطلة للصلاة بمجرد ذلك، سواء سبقه إلى ركن([292])
أو بركن([293])،
أو ركنين([294])،
وسواء كان ذلك ركوعاً، أو سجوداً، أو غيرهما، وسواء أدركه الإمام أو رجع إلى ترتيب
الصلاة([295])،
لأن النهي والوعيد يتناول هذا، وما نهي عنه لخصوص العبادة كان من مفسداتها، وأما
القول: بأن ذلك محرَّم، والإبطال يتوقف على السبق بركن الركوع، أو بركنين غيره،
فهذا القول لا دليل عليه، وكما أنه خلاف النص، فإنه خلاف نص الإمام أحمد كما صرح بذلك
في رسالته المشهورة“([296]).
وقال العلامة عبد
الرحمن السعدي – رحمه الله – أيضاً: ”وأما إذا وقع السبق نسياناً أو جهلاً فلا
يخلو: إما أن يرجع فيأتي بما سبق به مع الإمام أو لا، فإن رجع صحت ركعته مطلقاً
سواء كان السبق إلى ركن، أو بركن، أو ركنين، أو أكثر، فإن لم يرجع حتى لحقه الإمام
فإن كان سبقه إلى ركن الركوع: بأن ركع ساهياً أو جاهلاً قبل إمامه، ثم ركع الإمام
والسابق في ركوعه صحت ركعته واعتد بها، ومثله السبق بركن واحد غير الركوع، وإن كان
السبق بركن الركوع، أو بركنين غير الركوع فإن رجع قبل وصول الإمام له صحت أيضاً
ركعته، وإن لحقه الإمام لغت الركعة التي وقع فيها السبق“([297]).
وقال العلامة محمد بن
صالح العثيمين – حفظه الله -: ”والصحيح أنه متى سبق إمامه عالماً ذاكراً فصلاته
باطلة بكل أقسام السبق([298])،
وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة إلا أن يزول عذره([299])
قبل أن يدركه الإمام، فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه، فإن لم يفعل
عالماً ذاكراً بطلت صلاته وإلا فلا“([300]).
الحال الثاني:
الموافقة أو المقارنة، وهي أن يوافق
المأموم الإمام عند الانتقال إلى ركن، كأن يركع أو يسجد معه سواء بسواء، وهي
مكروهة في غير تكبيرة الإحرام، لأن تكبيرة الإحرام يشترط أن يأتي بها بعد إمامه
فلو أتى بها معه لم يعتد بها.
والموافقة قسمان:
الموافقة في الأقوال والموافقة في الأفعال:
القسم الأول:
الموافقة في الأقوال، لا تضر إلا في
تكبيرة الإحرام والسلام.
أما تكبيرة الإحرام،
فإن المأموم لا يكبر إلا بعد أن يتم الإمام تكبيرة الإحرام، فإن كبر قبل انتهاء
إمامه نهائياً منها لم تنعقد صلاته.
وأما الموافقة في
السلام فيكره أن يسلم مع الإمام، فالأولى أن يسلم المأموم عقب فراغ الإمام من
التسليمتين([301]).
القسم الثاني:
الموافقة في الأفعال، مكروهة على القول الصحيح من قولي أهل العلم، مثل: أن يركع
المأموم مع الإمام، أو يسجد، أو يرفع، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”... إذا
ركع الإمام فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد“([302]).
فإن قارن المأموم إمامه في أفعاله كره له ذلك([303]).
الحال الثالث: التأخر
أو التخلف عن متابعة الإمام، مثل: أن يتخلف عنه
بركن، أو بركنين، أو ركعة أو ركعتين، أو أقل أو أكثر([304]).
والتخلف عن الإمام
قسمان: تخلف بعذر، وتخلف بغير عذر:
القسم الأول: التخلف
بعذر، مثل: النوم والسهو، والزحام، والجهل،
والنسيان، أو لم يسمع الإمام حتى سبقه، أو عجلة إمام، فإن المأموم في هذه الحالة
يأتي بما تخلف به عن الإمام، سواء كان: ركناً، أو ركنين، أو أقل، أو أكثر، ويدرك
إمامه فيتابعه ولا شيء عليه، إلا إذا وصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا
يأتي به ويبقى مع الإمام وتصح له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه: الركعة التي تخلف
فيها، والركعة التي وصل إليها الإمام وهو في مكانه، فإذا سلم الإمام قام المتخلف
فأتى بركعة كاملة.
أما إذا تخلف عن
إمامه بركعة أو ركعتين أو أكثر، فإنه يتابع إمامه، وبعد سلام الإمام يقضي ما تخلف
به عن إمامه([305]).
القسم الثاني: تخلف
أو تأخر بغير عذر، فإما أن يكون تخلفاً
في ركن أو تخلفاً بركن، والتخلف في ركن: هو أن يتأخر المأموم في المتابعة لكن يدرك
الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي على المأموم آية أو
آيتين فيكملها ثم يدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع، فالركعة هنا صحيحة لكن الفعل
مخالف للسنة.
أما التخلف بالركن،
فهو: أن يتأخر المأموم حتى يسبقه الإمام بركن، مثل: أن يركع ويرفع من الركوع قبل
أن يركع المأموم، فهذا كما قال الفقهاء – رحمهم الله -: ”التخلف عن الإمام كسبقه“
فهذا تكون صلاته باطلة على الصحيح، سواء كان الركن ركوعاً أو سجوداً أو غيرهما،
لأن المأموم تخلف بغير عذر([306]).
الحال الرابع:
المتابعة، وهي أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة،
من: الركوع، والرفع، والسجود بعد فراغ الإمام، وكذلك يتابعه في التكبير فلا يكبر
حتى يكبر. وهذا هو السنة، وهو المطلوب من المأموم([307])،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما
جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر،
وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم
ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا
قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([308]).
4_ ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأمومين لا
يضر، لحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه –
وفيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر في أول يوم وُضِعَ فكبر وهو عليه،
ثم ركع، ثم نزل القهقرى([309])
فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال: ”أيها الناس، إنما
صنعت هذا، لتأتموا بي، ولتعلَّموا صلاتي“. وفي لفظ: ”وقام عليه رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم حين عمل ووُضِع فاستقبل القبلة، كبَّر وقام الناس خلفه فقرأ وركع،
وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، ثم عاد إلى المنبر،
ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه، قال أبو
عبد الله([310])
قال علي بن المديني: سألني أحمد بن حنبل – رحمه الله – عن هذا الحديث، قال: فإنما
أردت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أعلى من الناس بهذا الحديث...“([311]).
ولحديث أنس – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سقط عن فرسه فجحش([312])
ساقه أو كتفه، وآلى من نسائه([313])
شهراً، فجلس في مَشْرُبة([314])
له درجتها من جذوع، فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام، فلما سلم قال:
”إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد
فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً“([315]).
وهذان الحديثان فيهما
جواز الارتفاع اليسير لمكان الإمام على المأموم عند الحاجة لذلك.
أما حديث أبي مسعود: ”أن
حذيفة – رضي الله عنه – أمَّ الناس بالمدائن([316])
على دكان([317])
فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون
عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددْتني“([318]).
وحديث حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصلاة على الدكان
المرتفع، فاتَّبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم
تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إذا أمَّ الرجل القوم، فلا يقم في
مكان أرفع من مقامهم“ أو نحو ذلك([319])،
فهذان الحديثان وما في معناهما يدلان على كراهة علوِّ الإمام على المأموم علوّاً
أكثر مما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، جمعاً بين الأخبار([320])
والله أعلم([321]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”يكره
العلو الكثير من الإمام على المأمومين، أما العلو اليسير فلا بأس به عند أحمد
وجماعة، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم، لأنه قد يؤثر في نفس الإمام شيئاً، فمن
التواضع أن يصلي مساوياً لهم، وهذا إذا لم يكن حاجة، أما إذا كان هناك حاجة [مثل]:
الزحمة، زالت الكراهة، ثم إذا كان معه بعض الصفوف زالت الكراهة، أما علو المأموم
فلا كراهة في ذلك، كما يفعل الناس أيام الجمع من الصلاة فوق السطوح، وإنما جاءت
الكراهة للإمام، وإذا كان العلو للتعليم والتوجيه زالت الكراهة“([322]).
أما إذا كان مع
الإمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال المنع فلا حرج ولا كراهة،
لأن الإمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه([323])
فحينئذ يُصلى معه وفوقه، وتحته([324]).
أما علوّ المأموم على
الإمام فلا بأس به، مثل أن يصلي على السطوح أو في مكان أعلى من الإمام بحيث لا
يكون فذّاً وحده، لأن أبا هريرة – رضي الله عنه – صلى على سقف المسجد بصلاة الإمام([325])،
ولما جاء من الآثار عن ابن عمر – رضي الله عنهما – والحسن البصري([326]).
أما إذا كان المؤتم فوق الإمام وكان ارتفاعه ارتفاعاً مفرطاً بحيث يكون فوق
ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع بالإجماع،
وإن كان دون ذلك فالأصل الجواز حتى يقوم الدليل على المنع، ويعتضد هذا الأصل بفعل
أبي هريرة – رضي الله عنه – ولم ينكر عليه([327]).
وقيل يكره دخول
الإمام في الطاق الذي يقال له: المحراب، لآثار وردت في ذلك عن علي بن أبي طالب –
رضي الله عنه – وغيره من السلف الصالح([328])،
ولأنه إذا دخل في الطاق استتر عن بعض المأمومين فلا يرونه لو أخطأ في الركوع أو
السجود، فإن لم يمنع المحراب رؤية الإمام لم يكره، وكذلك إذا احتاج إليه الإمام
لكثرة الزحام فلا بأس أن يتقدم فيدخل([329])
فيه([330]).
5_ الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه، والحوائل
بينه وبين المأمومين على النحو الآتي:
أولاً: يصح اقتداء
المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من
وراءه إذا سمع التكبير، حتى لو لم تتصل الصفوف، لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم
الاقتداء به بسماع التكبير، أشبه المشاهدة، ولو كان بينهما حائل إذا علم حال
الإمام بالتكبير أو غيره([331])،
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من
الليل في حجرته([332])
وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم فقام أناس يصلون
بصلاته...“ الحديث([333]).
ثانياً: إذا كان
المأموم خارج المسجد والإمام داخله صحّ الاقتداء
إن رأى المأموم الإمام أو بعض المأمومين الذين وراء الإمام ولو كانت الرؤية في بعض
الصلاة، أو من شباك ونحوه([334])
والله عز وجل أعلم([335]).
ثالثاً: إذا كان
المأموم خارج المسجد والإمام داخله وفصل بينهم
نهر أو طريق كبير لم تتصل فيه الصفوف مع رؤية المأمومين للإمام أو بعض الصفوف خلفه
فقيل تصحّ([336])
وقيل لا تصح([337]).
قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -: ”إذا كان المأمومون
خارج المسجد ويرون بعض الصفوف أمامهم ولو فصل بينهم بعض الشوارع فلا حرج في ذلك
لوجوب الصلاة في الجماعة، وتمكنهم منها بالرؤية للإمام أو بعض المأمومين، لكن ليس
لأحد أن يصلي أمام الإمام، لأن ذلك ليس موقفاً للمأموم“([338]).
وقد جاء بعض الآثار في ذلك عن بعض السلف الصالح، قال الإمام البخاري – رحمه الله
-: بابٌ: إذا كان بين الإمام والمأموم حائط أو سُترة. ثم قال. وقال الحسن: ”لا بأس
أن تُصلِّي وبينك وبينه نهر“([339]).
وقال أبو مجلز: ”يأتم
بالإمام – وإن كان بينهما طريق أو جدار – إذا سمع تكبير الإمام“([340]).
ورجح العلامة عبد
الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله -: ”أن المأموم إذا أمكنه الاقتداء سواء كان في
المسجد، أو خارج المسجد، وسواء حال بينهما نهر، أو طريق، لأنه لا دليل على المنع،
ولا على التفريق، وإن قدرنا أن الطريق لا تصح فيه الصلاة فلا يضر حيلولته بينه
وبين إمامه، إذا كان الموضع الذي يصلي فيه الإمام لا مانع فيه، والذي يصلي فيه
المأموم كذلك“([341]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”من أهل
العلم من يقول: لا يجوز الحائل ولو في المسجد، ولو سمع الصوت، لأنه قد ينقطع
الصوت، وهناك من يقول: إذا كان في المسجد فلا بأس، لأنه محل التعبد، ولأنه قد لا
ينقطع الصوت عنه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة. ولعل الأقرب أنه لا حرج
إذا كانوا في المسجد، بخلاف خارج المسجد فلابد من رؤية الإمام أو المأموم، ولو سمع
الصوت، ولا بأس لو انقطعت الصفوف، لأنه يرى المأمومين“([342]).
6_ المسبوق إذا أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
الصلاة، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه:
”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة“([343]).
وعنه – رضي الله عنه – يرفعه: ”إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا
تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة“([344]).
وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني والبيهقي: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها
قبل أن يقم الإمام صلبه“([345]).
والمسبوق يصلي ما أدرك مع الإمام، فإذا سلم إمامه صلى ما بقي من صلاته من غير
زيادة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حينما تأخر هو والمغيرة في غزوة تبوك، صلى
عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – بالناس صلاة الفجر، فأدرك النبي صلّى الله
عليه وسلّم والمغيرة الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضى كل واحد منهما
ركعة([346]).
وما يدركه المأموم مع
الإمام هو أول صلاته، لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة – رضي الله
عنه -: ”فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا“([347]).
والمأموم إذا أتى والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام، ثم يتم ما فاته من
صلاته([348]).
7_ اقتداء الصف الأول ومن بعده بالإمام، واقتداء
الثاني بالأول، والصف الثالث بالثاني، ونحوه أو بمن يبلغ عن الإمام،
لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في
أصحابه تأخراً فقال لهم: ”تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم
يتأخرون حتى يؤخرهم الله“([349]).
ولفظ أبي داود: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([350]).
قال الإمام النووي – رحمه الله -: ”معنى وليأتم بكم من بعدكم: أي يقتدوا بي
مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا
يراه ولا يسمعه على مُبلِّغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعاً للإمام“([351]).
8_ الاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك ولم
يعلم المأموم، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن
النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن
أخطأوا فلكم وعليهم“([352])،
ولحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول: ”الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء – يعني – فعليه ولا
عليهم“([353])،
ولحديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول: ”من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا
عليهم“([354]).
وقد ثبت عن عمر بن
الخطاب – رضي الله عنه – أنه صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف([355])
فوجد في ثوبه احتلاماً، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته بعد أن طلعت
الشمس ولم يعد الناس([356]).
وقد دلّت هذه
الأحاديث والآثار على أن صلاة الإمام إذا فسدت لم تفسد صلاة المأمومين إذا لم
يعلموا فساد صلاة إمامهم، وحتى لو علموا بعد انتهاء الصلاة لا يؤثر ذلك في صحة
صلاتهم، ويعيد الإمام ولا يعيد المأمومون([359]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”والإمام إذا أخل بشيء من
اجتهاد، أو تأويل، أو عن جهل، أو نسيان، ولم يعلم به المأمومون فصلاتهم صحيحة،
وعليه الإعادة هو إذا كان ما فعله يوجب الإعادة، كمن صلى ناسياً حدثه، ولم يعلم
إلا بعد الصلاة، أو علم واستحى ولم يقل لهم شيئاً([360])
فإنه يعيد ولا يعيدون، وهكذا لو اعتقد أن ما خرج منه لا ينقض وضوءه: كالحجامة، فإن
الجمهور يرون أنها لا تنقض الوضوء، فصلاة المأمومين صحيحة، وصلى عمر بالناس ثم ذكر
أنه جنب فأعاد ولم يعيدوا، وهكذا فعل عثمان وعلي، فمن صلى صلاة يعتقد أنها مجزئة
فصلاة المأمومين صحيحة، أو صلاها يعتقد طهارته ثم بان أنه على غير وضوء، فإنه يعيد
ولا يعيدون، فهم معذورون، لأنهم ما علموا، وإذا علم أثناء الصلاة فلا يجوز له أن
يمضي [في صلاته] [ولكن] لو جهل ومضى ولم ينبههم فصلاتهم صحيحة، [حتى] لو علموا بعد
الصلاة لا يعيدون، [و] الواجب عليه إذا علم أنه ليس على طهارة أو سبقه الحدث([361])
[أن] يستخلف: يقدم واحداً يكمل بهم الصلاة، كما فعل عمر لما طُعِنَ قَدّم عبد
الرحمن بن عوف وصلى بالناس. وقال بعض أهل العلم: إنه إن دخل بغير وضوء ينتظرونه
ويستأنف بهم الصلاة، أو يقدم واحداً يستأنف بهم الصلاة، ولكن الصواب لا يستأنف،
[بل] يقدم واحداً يكمل بهم ما بقي، لأنهم معذورون، ما أخطأوا هم، لكن لو أعاد بهم
من جديد صحت إذا كان يرى هذا المذهب وهذا الرأي فلا بأس، لكن الأفضل أن يكمل بهم“([362]).
9_ الاقتداء بمن ذكر أنه مُحدث أو خرج لحدث سبقه
وحكم الاستخلاف:
عن أبي بكرة – رضي
الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استفتح الصلاة فكبّر ثم أومأ أن
مكانكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال: ”إنما أنا بشر
وإني كنت جنباً“([363]).
وفي لفظ أبي داود: ”دخل في صلاة الفجر [فكبر] فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسه
يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال: ”إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جنباً“([364]).
وعن أبي هريرة – رضي
الله عنه – قال: ”أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، فلمّا قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: ”مكانكم“ ثم
رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه“([365]).
وفي رواية: ”أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف
حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: ”على مكانكم...“([366]).
وفي لفظ لمسلم: ”حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: ”مكانكم“
فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماءً فكبر فصلى بنا“.
وفي لفظ: ”فأومأ إليهم بيده أن مكانكم“([367]).
في حديث أبي بكرة
دلالة على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم
صحيحة ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر أنهم قد دخلوا في
الصلاة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة
بهم([368]).
وفي حديث أبي هريرة –
رضي الله عنه – دلالة صريحة على أنه صلّى الله عليه وسلّم انصرف بعدما قام في
مصلاه وقبل أن يكبر، وحديث أبي هريرة هذا معارض لحديث أبي بكرة([369])،
وقد أشكل ذلك على كثير من العلماء فقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”ويمكن
الجمع بينهما بحمل قوله ”كبّر“ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض
والقرطبي احتمالاً وقال النووي إنه الأظهر وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا
فما في الصحيح أصح“([370]).
وقال النووي – رحمه الله – عن حديث أبي بكرة: ”فتحمل هذه الرواية على أن المراد
بقوله: دخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها، ويحتمل أنهما
قضيتان وهو الأظهر“([371]).
وقال القرطبي – رحمه الله -: ”وقد أشكل هذا الحديث على هذه الرواية على كثير من
العلماء، ولذلك سلكوا فيه مسالك: فمنهم من ذهب إلى ترجيح الرواية الأولى([372])
ورأى أنها أصح وأشهر، ولم يعرج على هذه الرواية([373]).
ومنهم من رأى أن كليهما صحيح، وأنه لا تعارض بينهما إذ يحتمل أنهما نازلتان في
وقتين فيقتبس من كل واحدة منهما ما تضمنته من الأحكام“([374]).
وعن عمرو بن ميمون
قال: ”إني لقائم ما بيني وبين عمر – غداة أصيب – إلا عبد الله بن عباس، فما هو إلا
أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عمر عبد الرحمن بن عوف
فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة“([375]).
وعن أبي رزين قال: ”صلى
عليٌّ – رضي الله عنه – ذات يوم فرعُف، فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف“([376]).
وقال أحمد بن حنبل –
رحمه الله -: ”إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعليّ، وإن صلوا وحداناً فقط طُعن
معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طعن أتموا صلاتهم“([377]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”هذه الأحاديث فيما يتعلق
بصلاة الإمام وهو محدث، أو سبقه الحدث بعدما دخلها وهو على طهارة: حديث أبي بكرة
وما جاء في معناه كلها تدل على أن الإمام إذا دخل وهو على غير طهارة ثم ذكر أنه
على غير طهارة فإنه ينفتل ويتطهر ويأتيهم على حالهم ويكمل بهم، لأنه صلّى الله
عليه وسلّم قال: ”مكانكم“ وبقوا صفوفاً. وقد اختلفت الروايات في هذا، ففي
روايات أبي بكرة وبعض روايات أبي هريرة أنه كبَّر ودخل في الصلاة، وفي رواية في
الصحيحين أنه وقف وانتظر الناس تكبيرهُ ثم قال لهم: ”مكانكم“ قبل أن يكبر
وذهب واغتسل.
اختلف العلماء في
ذلك: هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فذهب قوم إلى أنهما قصة واحدة ورجحوا رواية
الصحيحين وأنه لم يكبر وإنما ذكر قبل أن يكبر ثم ذهب واغتسل وجاء عليه الصلاة
والسلام.
وقال آخرون: كالنووي،
وابن حبان، وجماعة: إنهما قصتان: قصة فيها أنه كبَّر، وقصة فيها أنه لم يكبر، وكل
واحدة لها حكمها، فالتي فيها أنه كبر بنى على صلاته بالنسبة إليهم، فإنهم بقوا على
حالهم، فلما جاء كبر وصلى بهم فدل ذلك على أن صلاتهم لا تبطل بسبقه الحدث، أو
تذكره أنه محدث وهذا هو الصواب، فإذا صلى بهم مثلاً: ركعة أو ركعتين ثم بان له أنه
ليس على طهارة فإن شاء قال مكانكم، ثم ذهب فتطهر ثم جاء وكمل بهم ثم ينتظرونه حتى
يكمل ما عليه.
وإن شاء استخلف كما
استخلف عمر لما طعن قدّم عبد الرحمن وصلى بالناس وهذا أرفق بالناس، ولا سيما إذا
كان مكانه بعيد، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مكانه قريب في المسجد، ولهذا ذهب
بسرعة ورجع عليه الصلاة والسلام وصلى بهم.
وإن صلوا وحداناً
كلٌّ صلى لنفسه، وكمَّل لنفسه كما فُعِل في قصة معاوية فلا حرج، لكن الأفضل أن
يفعل كما فعل عمر وأن يقدِّم من يصلِّي بهم، فيتم ما بقي على الإمام، ولا ينتظرون،
لأن الانتظار قد يكون فيه مشقة كبيرة في بعض الأحيان.
أما إذا تذكر وهو
واقف قبل أن يكبِّر فحينئذ إن أمرهم أن ينتظروه فلا بأس، وإن أمرهم أن يصلوا حتى
لا يشق عليهم فعل، والناس يحتاجون مثل هذا: منهم من يكون محله قريب يستطيع أن يرجع
عليهم بسرعة، ومنهم من يكون محله بعيد يشق عليهم الانتظار، فالإمام ينظر ما هو
الأصلح، وفعله صلّى الله عليه وسلّم يدل على أن انتظارهم هو الأولى إذا كان قريباً
ولا مشقة في ذلك، لأنه قال: ”مكانكم“ ولم يستخلف، فيدل على أن هذا هو
الأفضل إذا تيسر ولم يكن فيه مشقة، أما إذا كان هناك مشقة فالدلة الشرعية تدل على
أنه يشرع الرفق بالجماعة، وعدم المشقة، والاستخلاف يكون أصلح في هذه الحالة وأرفق
بالمأمومين، كما فعل عمر – رضي الله عنه –“([378])،
والله أعلم([379]).
10_ اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس
المعذور، لحديث عائشة أم المؤمنين – رضي الله
عنها – أنها قالت: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيته وهو شَاكٍ فصلى
جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ”إنما
جُعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً“([380]).
وعن أنس – رضي الله
عنه – قال: سقط النبي صلّى الله عليه وسلّم عن فرس فجُحِشَ شقّه الأيمن فدخلنا
عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعداً فصلينا وراءه قعوداً، فلما قضى الصلاة
قال: ”إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، [فإذا صلى قائماً فصلوا
قياماً] وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا:
ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([381]).
وعن جابر بن عبد الله
– رضي الله عنهما – قال: اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلينا وراءه وهو
قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا،
فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: ”إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم
يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا
قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً“([382]).
وفي حديث أبي هريرة: ”وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون“([383]).
وهذه الأحاديث فيها
حجة على أن الإمام إذا عجز عن القيام صلى جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له،
أما صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم جالساً في مرضه والناس قياماً فهذا يدل على
الجواز، ولكن الأفضل إذا صلى الإمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً([384]).
11_ اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز،
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”مُروا
أبا بكر فليصلِّ بالناس“ فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلّى الله عليه وسلّم
في نفسه خفة فخرج يهادى([385])
بين رجلين، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم أن
مكانك، ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكرن وكان أبو بكر يصلي قائماً،
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ للبخاري: ”فخرج يهادى بين
رجلين في صلاة الظهر“. وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي
بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([386]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز ائتمام
القائم بالقاعد“([387]).
وقرر الحافظ ابن حجر –
رحمه الله -: أن الروايات تضافرت عن عائشة – رضي الله عنها – بالجزم بما يدل على
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان هو الإمام في تلك الصلاة، ثم بيّن بعد أن ذكر
الخلاف أن من العلماء من سلك الترجيح فقدّم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان
مأموماً للجزم بها، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجّح أنّ أبا بكر كان إماماً، ومنهم من
سلك الجمع فحمل القصة على التعدد، وأنه صلّى الله عليه وسلّم صلى تارة إماماً
وتارة مأموماً في مرض موته هذا([388]).
12_ اقتداء الجالس المعذور بالقائم لا بأس به،
لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه خلف
أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به“([389])،
ولحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلف
أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعداً“([390]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – عن هذين الحديثين: ”فيهما دليل على جواز صلاة
القاعد لعذر خلف القائم، ولا أعلم فيه خلافاً“([391]).
وقد تقدم الجمع بين
الأحاديث التي تبين هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الصلاة إماماً أو
مأموماً([392]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”لا بأس أن يصلي القاعد خلف
القائم، يكون الإمام قائماً والمأموم قاعداً إذا عجز عن ذلك ولا حرج، كالعكس: كما
يصلي المأموم قائماً والإمام قاعداً، لا حرج أن يكون الإمام قاعداً والمأموم
قائماً كما تركهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأحيان لم يأمرهم بالجلوس،
وفي بعض الأحيان أمرهم بالجلوس، فقال: ”إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى
قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([393]).
والمحفوظ في الصحيحين
أن صلاته صلّى الله عليه وسلّم مع أبي بكر كان هو الإمام، وكان الصديق مأموماً
مبلغاً عنه، أما رواية من روى أنه كان مأموماً ففيها نظر، وإنما المحفوظ أنه كان
مأموماً في قصة عبد الرحمن بن عوف في تبوك، لما جاء وقد صلى بهم عبد الرحمن الركعة
الأولى من صلاة الفجر، فصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم هو والمغيرة معهم الركعة
الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضيا ما عليهما، ولما سلم صلّى الله عليه
وسلّم قال: ”أصبتم وأحسنتم“([394]).
ويحتمل أنه صلّى الله
عليه وسلّم صلى خلف أبي بكر في مرض موته في بعض الأحيان، حينما كان أبو بكر إماماً
للناس“([395]).
13_ قراءة المأموم خلف الإمام واجبة على القول
الصحيح في الصلاة السرية والجهرية، لحديث عبادة
بن الصامت – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟“ قلنا:
نعم هذّاً يا رسول الله، قال: ”لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن
لم يقرأ بها“([396])،
ولحديث محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ؟“ قالوا: إنا
لنفعل، قال: ”لا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب“([397]).
وقد اختلف العلماء –
رحمهم الله تعالى – في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في صلاة الجماعة على أقوال
ثلاثة: فقيل: القراءة خلف الإمام واجبة فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه، وقيل: لا
يقرأ المأموم في الصلاة الجهرية ولا في السرية، وقيل: يقرأ المأموم فيما أسرّ به
الإمام، ولا يقرأ فيما جهر به([398]).
وسمعت شيخنا الإمام
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”هذه الروايات تدل على أن
قراءة الفاتحة فرض، واختلف في قراءتها للمأموم: فقيل: فرض مطلقاً وهذا أرجح
الأقوال وأظهرها في الدليل، وقيل لا تجب مطلقاً، وقيل: إنها فرض في السرية لا في
الجهرية، والراجح القول الأول، لكن إن تركها المأموم جهلاً، أو نسياناً، أو
تقليداً صحت صلاته، أما إذا تركها عمداً مع علمه بالأدلة فهذا محل الخطر“([399]).
عاشراً:
آداب الإمام في الصلاة على النحو الآتي:
1_ تخفيف الصلاة مع
الكمال والتمام، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن
النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير،
والكبير، والضعيف، والمريض [وذا الحاجة] فإذا صلى وحده فليصلِّ كيف شاء“([400])،
ولحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – كان
يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة العشاء ثم يرجع فيؤمُّ قومه، فصلى العشاء
فقرأ بالبقرة، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا معاذ أفتانٌ أنت؟
أو فاتنٌ أنت؟“ ثلاث مرات. ”فلولا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى}، و{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فإنه يصلي
ورائك: الكبير، والضعيف، وذو الحاجة“([401])،
ولحديث أبي مسعود - رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم فقال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل
بنا، فما رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدَّ مما غضب يومئذٍ،
ثم قال: ”أيها الناس، إن منكم منفِّرين([402])،
فأيكم أمَّ الناس فليخفف، فإن فيهم [المريض]، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة“([403])،
ولحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إني
لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز([404])
في صلاتي كراهية أن أشق على أمِّه“([405])،
ولحديث عثمان بن أبي العاص، وفيه: ”أمَّ قومك، فمن أمَّ قوماً فليخفف، فإن فيهم
الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم
وحده فليصل كيف شاء“([406])،
ولحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوجز في
الصلاة ويكمِّلُها“([407]).
والتخفيف أمر نسبي
يُرجع فيه إلى ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، وواظب عليه، وهديه الذي واظب
عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه الناس، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبيّن قراءة
النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلوات الخمس، وسبق بيان ذلك في صفة الصلاة، ففعل
النبي صلّى الله عليه وسلّم هو التخفيف الذي أمر به، ولهذا قال ابن عمر – رضي الله
عنهما -: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات“([408])،
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: ”فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي أُمِرَ
به والله أعلم“([409]).
والتخفيف المطلوب من
الإمام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تخفيف
لازم، وهو ألا يتجاوز ما جاءت به السنة، فإن
تجاوز ما جاءت به السنة فهو مطول، والدليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا
أمَّ أحدكم الناس فليخفف“([410]).
القسم الثاني: تخفيف
عارض، وهو أن يكون هناك سبب يقتضي الإيجاز عما
جاءت به السنة فيخفف أكثر مما جاءت به السنة، والدليل على ذلك تخفيف النبي صلّى
الله عليه وسلّم الصلاة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن يشق على أمه([411])،
وهذان النوعان كلاهما من السنة([412]).
2_ تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية،
لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: ”لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب
الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول
الله صلّى الله عليه وسلّم في الركعة الأولى مما يطيلها“([413]).
واستثنى العلماء
مسألتين:
المسألة الأولى:
إذا كان الفرق يسيراً فلا حرج، مثل: سبح والغاشية في يوم الجمعة وفي يوم العيد،
فإن الغاشية أطول، ولكن الطول يسيراً.
المسألة الثانية:
الوجه الثاني في صلاة الخوف، فإن من الأوجه أو الأنواع التي وردت أن الإمام يقسم
الجيش إلى قسمين، قسم يبقون أمام العدو، وقسم يدخل مع الإمام يصلي، فإذا قام إلى
الركعة الثانية انفرد الذين يصلون معه وأتموا صلاتهم، والإمام واقف، ثم انصرفوا
إلى مكان الطائفة الثانية، وجاءت الطائفة الثانية ودخلوا مع الإمام وصلوا معه
الركعة التي بقيت، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. فهذا جاءت به
السنة مراعاة للطائفة الثانية([414]).
3_ تطويل الركعتين
الأوليين وتقصير الأخريين من كل صلاة،
لحديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه – وفيه أن سعداً – رضي الله عنه – قال لعمر بن
الخطاب: ”إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمدُّ في الأوليين
وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“([415]).
4_ مراعاة مصلحة
المأمومين بشرط ألا يخالف السنة، لحديث جابر –
رضي الله عنه – فقد راعى فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم مصلحة الناس فيؤخر العشاء
إذا لم يجتمع أصحابه، قال جابر: ”والعشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا
عجَّل، وإذا رأهم أبطؤا أخَّر“([416]).
فالصلاة هنا يسن تأخيرها ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يراعي أحوالهم ولا يشق
عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا، أما غير العشاء من الصلوات الأخرى فكان يصليها في أول
وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر([417]).
فظهر أن أحوال
المأمومين يراعيها الإمام إذا لم يخالف بمراعاته السنة، ومما يدل على هذه
المراعاة: إيجاز النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة عند سماعه بكاء الصبي مخافة
أن يشق على أمه، وتطويله الركعة الأولى في الصلاة، ليدرك الناس الركعة الأولى،
وانتظاره الطائفة الثانية في صلاة الخوف، ويؤخذ من هذا استحباب انتظار الداخل
أثناء الركوع حتى يدرك الركوع ما لم يشق على المأمومين، والله أعلم([418]).
5_ لا يصلي في موضعه
الذي صلى فيه المكتوبة، لما روي عن المغيرة
بن شعبة – رضي الله عنه – يرفعه: ”لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه، حتى
يتحول“([419]).
وقد جاءت آثار في كراهة تطوع الإمام في مكانه الذي أمَّ فيه الناس حتى يتحول من
مكانه، فعن علي – رضي الله عنه – قال: ”إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من
مكانه أو يفصل بينهما بكلام“([420]).
وعن ابن عمر: ”أنه كره إذا صلى الإمام أن يتطوع في مكانه لوم ير به لغير الإمام
بأساً“([421]).
وعن عبد الله بن عمرو: ”أنه كره للإمام أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة“([422]).
وعن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا يعجبهما إذا سلم الإمام أن يتقدم“([423]).
وعن علي – رضي الله عنه – قال: ”لا يتطوع الإمام في المكان الذي أمَّ فيه القوم
حتى يتحول أو يفصل بكلام“([424]).
قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى -: ”قال لنا آدم، حدثنا شعبة عن أيوب عن
نافع قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، وفعله القاسم([425])
ويذكر عن أبي هريرة رفعه: ”لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح“([426]).
قال الحافظ ابن حجر –
رحمه الله -: ”وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال: ”من السنة أن لا يتطوع
الإمام حتى يتحول من مكانه“([427]).
وحكى الإمام ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد أنه كره ذلك([428]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وكأن المعنى في كراهة ذلك: خشية التباس
النافلة بالفريضة“([429]).
وعن السائب بن يزيد
أن معاوية – رضي الله عنه – قال له: ”إذا صليت الجمعة فلا تَصِلُها بصلاة حتى
تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بذلك: أن لا توصل صلاة
بصلاة حتى نتكلم أو نخرج“([430]).
قال الإمام النووي – رحمه الله -: ”هذا فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة
الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول
إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد، أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة
النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: ”حتى يتكلم“ دليل إلى أن الفصل بينهما يحصل
بالكلام أيضاً، ولكن بالانتقال أفضل، لما ذكرناه والله أعلم“([431]).
وقال الحافظ ابن حجر –
رحمه الله -: ”ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث
المذكورة ويؤخذ من مجموع الأدلة: أن للإمام أحوالاً، لأن الصلاة: إما أن تكون مما
يتطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول: اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور
ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر. وعند الحنفية يبدأ بالتطوع. وحجة الجمهور
حديث معاوية، ويمكن أن يقال: لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر بل إذا
تنحى من مكانه كفى، فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي؟ قلنا: قد ثبت في حديث
معاوية ”أو تخرج“([432])
ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة“، ثم قال –
رحمه الله -: ”وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر
المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إن شاءوا انصرفوا وذكروا، وإن شاءوا مكثوا
وذكروا..“([433]).
وعن أبي هريرة
مرفوعاً: ”أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة“
يعني في السبحة([434]).
وقال الإمام الشوكاني
– رحمه الله – بعد الكلام على حديث المغيرة، وحديث أبي هريرة هذا: ”والحديثان
يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد
النوافل، أما الإمام بنص الحديث الأول، وبعموم الثاني، وأما المؤتم والمنفرد
فبعموم الحديث الثاني، وبالقياس على الإمام، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة،
كما قال البخاري والبغوي، لأن مواضع السجود تشهد له... وهذه العلة تقتضي أن ينتقل
إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل، فإن لم
ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام، لحديث النهي عن أن توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم
المصلي أو يخرج. أخرجه مسلم وأبو داود“([435])
والله تعالى أعلم([436])
وأحكم([437]).
6_ يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً،
لحديث أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا
سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم“. وفي لفظ: ”كان يسلم
فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“.
قال ابن شهاب: فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من
القوم([438]).
قال الحافظ ابن حجر –
رحمه الله -: ”وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما
قد يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في
الطرقات فضلاً عن البيوت“([439]).
ولفظ النساء ”أن النساء في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كن إذا سلمن من
الصلاة قمن وثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن صلى من الرجال ما شاء الله،
فإذا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام الرجال“([440]).
7_ يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم،
لحديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – قال: ”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا
صلى صلاة أقبل علينا بوجهه“([441])،
والمعنى: إذا صلى صلاة ففرغ منها وسلم استقبل المأمومين بوجهه، لأن استدبار الإمام
المأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ
يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين. والله أعلم([442]).
8_ لا يخص نفسه بالدعاء الذي يؤمن عليه المأمومون
دونهم، لِمَا روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه –
يرفعه، وفيه: ”لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم،
ولا يختص نفسه بدعوة دونهم([443])
فإن فعل فقد خانهم“([444]).
9_ لا يصلي في مكان مرتفع جدّاً عن المأمومين
إلا أن يكون معه بعض الصفوف فلا حرج، أما المأموم فلا يكره إذا كان الإمام هو الذي
في الأسفل([445]).
10_ لا يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين([446]).
11_ لا يطيل القعود بعد السلام مستقبل القبلة،
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقعد إلا
مقدار ما يقول: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام“([447])
ثم يستقبل الناس بوجهه كما تقدم في حديث سمرة – رضي الله عنه –([448]).
12_ ينصرف إلى الناس بعد السلام تارة عن يمينه
وتارة عن شماله، لا حرج في شيء من ذلك،
لحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: ”لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من
صلاته يرى أن حقّاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلّى الله عليه
وسلّم كثيراً ينصرف عن يساره“. ولفظ مسلم: ”أكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم ينصرف عن شماله“([449]).
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: ”أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم ينصرف عن يمينه“. وفي رواية لمسلم: ”كان ينصرف عن يمينه“([450]).
قال الإمام النووي –
رحمه الله -: ”وجه الجمع بينهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل تارة هذا،
وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدلّ على جوازهما، ولا
كراهة في واحد منهما، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل
الانحراف عن اليمين أو الشمال، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لابد منه، فإن من
اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ، ولهذا قال: يرى أن حقّاً عليه، فإنما ذم من رآه
حقّاً عليه، ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين، لكن يستحب أن ينصرف في جهة
حاجته، سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين
أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها. هذا صواب الكلام
في هذين الحديثين، وقد يقال فيهما خلاف الصواب، والله أعلم"([451]).
13_ يتخذ سترة، لأنها سترة له ولمن خلفه،
لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – يرفعه: ”إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى
سترة وليدنُ منه“([452])،
ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سار بحماره بين يدي بعض الصف الأول ثم نزل عنه
ولم ينكر ذلك أحد([453])،
فدل ذلك على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه([454]).
الحادي
عشر: آداب المأموم في الصلاة على النحو الآتي:
1_ إذا سمع الإقامة
فلا يسرع وعليه السكينة والوقار، لحديث أبي
هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا سمعتم الإقامة
فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما
فاتكم فأتموا“. وفي لفظ: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمسون
وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا“([455]).
2_ لا يركع قبل
الدخول في الصف، لحديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه
انتهى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر
ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”زادك الله حرصاً ولا تعد“([456]).
3_ لا يقوم المأموم إذا أقيمت الصلاة حتى يخرج
الإمام، لحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني
[قد خرجت]“. وفي لفظ للبخاري: ”وعليكم السكينة“([457]).
4_ يبلغ صوت الإمام عند الحاجة، لحديث جابر بن عبد
الله – رضي الله عنهما – قال: ”صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر
وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كبَّر أبو بكر يُسمعنا“([458]).
وأصله في البخاري
ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – وفيه: ”وكان أبو بكر يصلي قائماً وكان رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله
عليه وسلّم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([459]).
5_ يقول خلف الإمام ”ربنا لك الحمد“ بعد قول
الإمام ”سمع الله لمن حمده“، لحديث أبي هريرة –
رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك
الحمد..“([460])،
ولقول عامر الشعبي: ”لا يقول القوم خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن
يقولون: ربنا لك الحمد“([461]).
6_ إذا تأخر الإمام تأخراً ظاهراً قدَّم المأمومون
أفضلهم، لحديث سهل بن سعد في تقديم الصحابة –
رضي الله عنهم – لأبي بكر حينما ذهب النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلح بين بني عمر
فتأخر([462])،
ولحديث المغيرة بن شعبة في تقديم الصحابة لعبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك، فصلى
بهم صلاة الفجر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”أحسنتم أو قد أصبتم“([463]).
7_ إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة“([464]).
8_ لا يتطوع مكان المكتوبة حتى يفصل بينهما بكلام
أو يخرج، لحديث السائب بن يزيد عن معاوية أنه قال
له: إذا صليت الجمعة فلا تَصِلُها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم أمرنا بذلك: ”أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج“([465]).
9_ لا ينصرف قبل الإمام بل ينتظر حتى يستقبل
الإمام الناس، لحديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بهم
يوماً فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه فقال: ”أيها الناس إني إمامكم فلا
تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف([466])“([467]).
فيستحب أن لا ينصرف المأموم قبل انصراف إمامه عن القبلة، لئلا يذكر سهواً فيسجد،
إلا أن يخالف إمامه السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة، فلا بأس بانصراف المأموم
حينئذٍ([468]).
10_ لا يصف في صف بين السواري إلا لحاجة،
لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”قد كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم“([469])،
ولحديث قرة – رضي الله عنه -: ”كُنّا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، ونطرد عنها طرداً“([470]).
11_ يدخل مع الإمام إذا سبقه على أي حال يدركه،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”فما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فأتموا“([471]).
12_ لا يلازم بقعة بعينها في المسجد لا يصلي إلا
فيها، لحديث عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثلاث: ”عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن
الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير“([472]).
13_ الفتح على الإمام إذا لُبِّس عليه في القراءة،
لحديث المسور بن يزيد المالكي – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، وفي لفظ: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً
لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم: ”هلا أذْكَرْتَنِيها“؟ [قال: كنت أُرَاها نسخت]([473]).
عن عبد الله بن عمر
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى صلاة فقرأ فيها فَلُبِسَ عليه، فلما انصرف قال:
لأبيٍّ: ”أصليت معنا“؟ قال: نعم، قال: ”فما منعك“؟([474]).
14_ لا يصلي قدَّام الإمام([475])،
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به“([476]).
وذكر المرداوي رحمه الله: أن ذلك في غير الكعبة، فإن المأمومين إذا استداروا حول
الكعبة والإمام منها على ذراعين والمقابلون له على ذراع صحت صلاتهم، وذكر أن المجد
قال في شرحه: لا أعلم فيه خلافاً. وقال أبو المعالي: صحت إجماعاً. هذا إذا كانوا
في جهات، أما إذا كانوا في جهة فلا يجوز تقدم المأمومين عليه([477]).
والله عز وجل أعلم
وأحكم.
والحمد لله على
التمام، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
كان الفراغ من تحريره
يوم السبت بعد الظهر الموافق 11/6/1421هـ.
تأليف
الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن
علي بن وهف القحطاني
الفهـرس
المقدمة .........................................................................
الإمام في الصلاة .................................................................
أولاً:
مفهوم الإمامة والإمام ......................................................
ثانياً:
فضل الإمامة في الصلاة والعلم ..........................................
1-
الإمامة في
الصلاة ولاية شرعية ذات فضل ...................................
2- الإمام في الصلاة يقتدى به في الخير ..........................................
3- دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة
بالإرشاد ...............................
4- الإمام فلها مشهور ..............................................................
5- عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ............................
ثالثاً:
طلب الإمامة في الصلاة إذا صلحت النية .............................
رابعاً:
أولى الناس بالإمامة .....................................................
خامساً:
أنواع الإمامة ...........................................................
1- إمامة الصبي جائزة على الصحيح ...................................................
2- إمامة الأعمى صحيحة ...............................................................
3- إمامة العبد والمولى صحيحة ........................................................
4- إمامة المرأة للنساء صحيحة .........................................................
5- إمامة الرجل للنساء فقط صحيحة ....................................................
6- إمامة المفضول للفاضل صحيحة ....................................................
7- إمامة المتيمم للمتوضئ جائز ........................................................
8- إمامة المسافر للمقيم صحيحة ........................................................
9- إمامة المقيم للمسافر صحيحة ........................................................
10- إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها ...............................................
11- إمامة من يقضي الصلاة بمن يؤديها ...............................................
12- إمامة المفترض للمتنفل جائزة .....................................................
13- إمامة المتنفل للمفترض جائزة .....................................................
14- إمامة من يصلي العصر بمن يصلي الظهر .......................................
15- إمامة الفاسق الذي تصح صلاته لنفسه .............................................
16- إمامة من يكرهه أكثر الجماعة ....................................................
17- إمامة الزائر لقوم منهي عنها إلا بإذنهم ............................................
18- الإمامة في مسجد قبل إمامه .......................................................
19- الإمامة من المصحف صحيحة .....................................................
سادساً:
وقوف المأموم مع الإمام أنواع ..........................................
1- وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ..............................................
2- وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام .....................................................
3- وقوف الإمام وسط الصف ...........................................................
4- وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل ..................................................
5- وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال ........................................
6- وقوف المرأة الواحدة مع المرأة .....................................................
7- وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها ........................................
8- وقوف العراة مع إمامهم العاري ....................................................
9- وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام .........................................
سابعاً:
متى يقوم المأمومون لأداء الصلاة .....................................
ثامناً:
الصفوف في الصلاة والعناية بها على النحو الآتي:.
1- ترتيب
الصفوف ......................................................................
2- تسوية
الصفوف تجب على الصحيح .................................................
3- ألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسوية
الصفوف ................................
النوع
الأول: أقيموا صفوفكم وتراصوا ................................................
النوع
الثاني: سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة ..................
النوع
الثالث: سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة .....................
النوع
الرابع: أقيموا الصف في الصلاة ...............................................
النوع
الخامس: استووا ولا تختلفوا ....................................................
النوع
السادس: أتموا الصفوف ........................................................
النوع
السابع: أقيموا الصفوف .........................................................
النوع
الثامن: أقيموا صفوفكم .......................................................
النوع
التاسع: أقيموا الصفوف .........................................................
النوع
العاشر: رصوا صفوفكم .........................................................
النوع
الحادي عشر: أتموا الصف المقدم ..............................................
النوع
الثاني عشر: استووا، استووا، استووا ...........................................
النوع
الثالث عشر: أقيموا صفوفكم وتراصوا .........................................
النوع
الرابع عشر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية
النوع
الخامس عشر: أحسنوا إقامة الصفوف ..........................................
4- الصف الأول أفضل الصفوف .......................................................
5- ميامن الصفوف أفضل ...............................................................
6- وصل الصفوف رغَّب فيه النبي صلّى الله عليه
وسلّم ...............................
7- صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح .................................................
8- صلاة الصفوف بين السواري ........................................................
9- كمال الصفوف وتسويتها يشمل عدة أمور:...........................................
الأمر
الأول: أن يدنو أولو الفضل .....................................................
الأمر
الثاني: ترتيب الصفوف .........................................................
الأمر
الثالث: تسوية محاذاة الصفوف .................................................
الأمر
الرابع: التراص في الصف لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ...................
الأمر
الخامس: إكمال الصف الأول فالأول ...........................................
الأمر
السادس: التقارب بين الصفوف .................................................
الأمر
السابع: تفضيل اليمين في الصفوف .............................................
الأمر
الثامن: أن تفرد النساء وحدهن .................................................
الأمر
التاسع: اقتداء كل صف بمن أمامه .............................................
الأمر
العاشر: عدم صلاة الفذ خلف الصف ...........................................
الأمر
الحاديث عشر: عدم صلاة المأمومين بين السواري ............................
10- جواز انفراد المأموم عن الإمام لعذر ..............................................
11- انتقال المنفرد إماماً لا بأس به .....................................................
12- انتقال الإمام مأموماً إذا استخلف ...................................................
13- انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه الإمام ............................................
تاسعاً:
الاقتداء وشروطه ولوازمه على النحو الآتي:......
1- صفة الاقتداء بالإمام وعدم سبقه ومقارنته ...........................................
2- مسابقة الإمام قد توعد النبي صلّى الله عليه
وسلّم عليها بالعقوبة ...................
3- أحوال المأموم مع إمامه أربع .......................................................
الحال
الأولى: المسابقة ................................................................
الحال
الثاني: الموافقة أو المقارنة .....................................................
الموافقة
قسمان: الموافقة في الأقوال والأفعال ........................................
القسم
الأول: الموافقة في الأقوال ......................................................
القسم
الثاني: الموافقة في الأفعال .....................................................
الحال
الثالث: التأخر أو التخلف .......................................................
التخلف
عن الإمام قسمان تخلف بعذر وبغير عذر ....................................
القسم
الأول: التخلف بعذر .............................................................
القسم
الثاني: التخلف أو التأخر بغير عذر .............................................
الحال
الرابع: المتابعة .................................................................
4- ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأموم لا يضر ....................................
5- الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه ..............................................
أولاً:
يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد .........................................
ثانياً:
إذا كان المأموم خارج المسجد ..................................................
ثالثاً:
إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله ...................................
6- المسبوق إذا أدرك ركعة من الصلاة ................................................
7- اقتداء الصف الأول ومن بعده بالإمام ...............................................
8- الاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك .........................................
9- الاقتداء بمن ذكر أنه محدث أو خرج لحدث ........................................
10- اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس
المعذور ................................
11- اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز ................................................
12- اقتداء الجالس المعذور بالقائم لا بأس به ..........................................
13- قراءة المأموم خلف الإمام واجبة عند الذكر .......................................
عاشراً:
آداب الإمام على النحو الآتي: .......................................................
1- تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام ...................................................
التخفيف
المطلوب من الإمام ينقسم إلى قسمين:........................................
القسم الأول: تخفيف لازم ...........................................................
القسم الثاني: تخفيف عارض .......................................................
2- تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية ...............................................
3- تطويل الركعتين الأوليين وتقصير الأخريين .........................................
4- مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألا يخالف السنة ..................................
5- لا يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة ......................................
6- يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً ...................................................
7- يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم ....................................................
8- لا يخص نفسه بالدعاء ...............................................................
9- لا يصلي في مكان مرتفع جداً .......................................................
10- لا يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين ...............................
11- لا يطيل القعود بعد السلام مستقبلاً القبلة .........................................
12- ينصرف إلى الناس بعد السلام ....................................................
13- يتخذ سترة .........................................................................
الحادي
عشر: آداب المأموم على النحو الآتي:..
1- إذا سمع الإقامة فلا يسرع وعليه السكينة ............................................
2- لا يركع قبل الدخول في الصف .....................................................
3- لا يقوم المأموم إذا أقيمت الصلاة ...................................................
4- يبلغ صوت الإمام عند الحاجة .......................................................
5- يقول خلف الإمام ربنا لك الحمد .....................................................
6- إذا تأخر الإمام تأخراً ظاهراً قدم المأمومون
أفضلهم ...............................
7- إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة ............................................
8- لا يتطوع مكان المكتوبة .............................................................
9- لا ينصرف قبل الإمام ................................................................
10- لا يصف في صف بين السواري إلا لحاجة .......................................
11- يدخل مع الإمام إذا سبقه على أي حال ...........................................
12- لا يلازم بقعة بعينها في المسجد ..................................................
13- الفتح على الإمام إذا لُبِّس عليه في القراءة .......................................
14- لا يصلي قدَّام الإمام ..............................................................
الفهـرس .
انتهى
الكتاب ولله الحمد.
([23]) الأقرأ: قيل: الأقرأ: هو
أكثرهم قرآناً، وقيل: أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة، والصواب القول الأول، لحديث
عمرو بن سلمة وفيه: ”... وليؤمكم أكثركم قرآناً“ [البخاري برقم 4302]، ولحديث أبي
سعيد الخدري – رضي الله عنه – وفيه: ”وأحقهم بالإمامة أقرؤهم“ [مسلم برقم 672]
ومعناه: أكثرهم قرآناً، ولكن لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله
فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها، وأحسن ترتيلاً، لأنه الأقرأ بالنسبة لهؤلاء
الذين استووا في كثرة الحفظ. [انظر: المفهم للقرطبي 2/297 والمغني لابن قدامة،
2/14، ونيل الأوطار للشوكاني 2/390].
([24]) العالم فقه صلاته: أي
يعلم شروطها، وأركانها، وواجباتها، ومبطلاتها، ونحو ذلك، قال الحافظ ابن حجر: ”ولا
يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال
الصلاة، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً“ فتح الباري 2/171، وانظر: حاشية
ابن قاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/291.
([25]) يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله: فيه دليل واضح على أنه يقدم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي
حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي، وقال الإمام مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على
الأقرأ، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير
مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، لكن
في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة“: دليل
على تقديم الأقرأ مطلقاً، والصواب أن الأقرأ يقدم إذا كان عارفاً فقه صلاته.
[انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/178، والمفهم في تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي،
2/297، والمغني لابن قدامة 3/11-12، وفتح الباري لابن حجر، 2/171، ونيل الأوطار
للشوكاني 2/389، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع لابن
عثيمين 4/289-2901، وسبل السلام للصنعاني 3/95].
([26]) فإن كانوا في السنة سواء
فأقدمهم هجرة: الهجرة المقدَّم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره صلّى الله
عليه وسلّم، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في الأحاديث، لأن
الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام قربة وطاعة، فقدم السابق إليها، لسبقه إلى
الطاعة. انظر: المغني لابن قدامة 3/15، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/179، ونيل
الأوطار للشوكاني 2/390، وسبل السلام للصنعاني 3/96.
([27]) الأقدم سلماً وفي رواية ”سنّاً“
وفي الرواية الأخرى ”فأكبرهم سنّاً“ وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، والرواية
الأخرى ”سنّاً“ راجع إلى سبق السن بالإسلام، لأن الأكبر سبق الأصغر. [انظر: المفهم
للقرطبي 2/298] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم
436: ”ومن كان أقدم سلماً فهو أكبرهم سنّاً إلا أن يكونوا كفاراً ثم أسلموا،
فأقدمهم إسلاماً هو من جنس أقدمهم هجرة“ [وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/180،
ونيل الأوطار 2/390، وسبل السلام للصنعاني 3/96، والمغني لابن قدامة 3/15].
([28]) ولا يؤمّنّ الرجل الرجل
في سلطانه أي في موضع سلطته وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه، ويدخل فيه
صاحب البيت والمجلس، وإمام المسجد، وأعظم السلطة السلطان الأعظم، لأن ولايته عامة،
وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه
مفضولاً بالنسبة للحاضرين، لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء، والسلطان مقدم على
إمام المسجد وصاحب البيت، ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. [انظر:
المفهم للقرطبي 2/299، والمغني لابن قدامة 3/42، وشرح النووي 5/180، ونيل الأوطار
للشوكاني 2/391، وسبل السلام للصنعاني، 3/97، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/299].
([29]) ”ولا يقعد على تكرمته
إلا بإذنه“ وفي رواية: ”ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه“
والتكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به، ووجه هذا المنع أنه مبني
على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في
القعود عليها، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى. المفهم للقرطبي
2/299، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/180.
([54]) اختلف العلماء في صلاة
الجماعة للنساء منفردات عن الرجال في بيوتهن: فقيل: سنة، لأن النبي صلّى الله عليه
وسلّم أمر ورقة أن تؤم أهل دارها، وقيل: مكروهة، وقالوا: بأن حديث ورقة ضعيف،
وقيل: مباحة، لأن النساء من أهل الجماعة في الجملة، ولهذا أبيح لها أن تحضر في
المسجد لإقامة الجماعة، فتكون إقامة الجماعة في بيتها مباح مع ما في ذلك من
التستر. انظر: المغني لابن قدامة 3/37، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/198-199.
([67]) أبو داود، كتاب الطهارة،
باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ برقم 334، وأحمد 4/203، والدارقطني 1/178،
والحاكم 1/177، والبيهقي 1/226، وابن حبان برقم 1315، والبخاري تعليقاً في كتاب
التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم، قبل الحديث
رقم 345، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/68.
([73]) روي عن عمران – رضي الله
عنه – يرفعه: ”أنه صلّى الله عليه وسلّم أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة
يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول: يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين
أخريين فإنا سفر“ أحمد بلفظه 4/430، وأبو داود، كتاب صلاة السفر، باب متى يتم
المسافر، برقم 1229 ولفظه: ”يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر“ وفي سنده علي
بن زيد بن جدعان ضعيف، قال الشوكاني: ”وإنما حسّن الترمذي حديثه (545) كشواهده“،
نيل الأوطار 2/402.
([77]) انظر: المغني لابن قدامة
3/146، ومجموع فتاوى ابن باز 12/260، وقد كان عثمان – رضي الله عنه – يتم بالناس
في الحج في السنوات الأخيرة من خلافته، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتم
الصلاة في السفر، وتقول: إنه لا يشق عليها، فلا حرج في إتمام المسافر، ولكن الأفضل
ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنه المشرع المعلم صلّى الله عليه وسلّم.
انظر: مجموع فتاوى ابن باز 12/260، وحديث عثمان في مسلم برقم 694، 695.
([120]) انظر: مجموع فتاوى
الإمام ابن باز، 12/116، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/307، والإحكام شرح أصول
الأحكام لابن قاسم، 1/377-378، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص107،
واختار أن الصلاة لا تصح خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة مع القدرة على الصلاة خلف
غيرهم. وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/307-308، والإنصاف في معرفة
الراجح من الخلاف 4/355.
([123]) الترمذي، كتاب الصلاة،
باب ما جاء في من أمّ قوماً وهم له كارهون، برقم 360، وقال: ”هذا حديث حسن غريب“،
والبيهقي 3/128 وقال: ”إسناده ليس بالقوي“ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وذكر
تحسين الترمذي له وأقرّه، 1/382، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/228،
وله شاهد من حديث طلحة في صحيح الترغيب 1/228، ومن حديث الذهلي، 1/228، وقد جاء
لهذا شواهد: عن أنس عند الترمذي برقم 358، وعن عبد الله بن عمرو عند أبي داود برقم
593، وابن ماجه برقم 970، وعن ابن عباس عند ابن ماجه برقم 971. والحديث صححه أحمد
شاكر في شرحه على سنن الترمذي 2/193، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي، 2/348: ”قال
النووي في الخلاصة: والأرجح هنا قول الترمذي“. وحسنه الألباني في صحيح سنن
الترمذي، 1/113، وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: 2/417: ”وأحاديث الباب يقوي
بعضها بعضاً“.
([126]) انظر: نيل الأوطار
للشوكاني 2/417-418، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص106 وقال: ”وإذا
كان بين الإمام والمأمومين معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء أو المذاهب لم ينبغ
أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة جماعة الائتلاف، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا
تختلفوا فتختلف قلوبكم“ [مسلم برقم 432] فإن أمهم فقد أتى بواجب ومحرم يقاوم
الصلاة فلم تقبل إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها“ ص106-107، وانظر: حاشية ابن
قاسم على الروض المربع، 2/327 والشرح الممتع لابن عثيمين 4/353-355.
([144]) فإن صلى الواحد عن يسار
الإمام أو صلى اثنان: واحد عن يمينه والآخر عن شماله أو صلى معه واحد أو أكثر عن
شماله مع خلوِّ يمينه صحّت الصلاة على الصحيح، وكان ذلك خلاف الأفضل. انظر: المغني
لابن قدامة 3/53، والكافي لابن قدامة 1/429، واختيارات السعدي ص62، وسبل السلام
للصنعاني 3/106، ونيل الأوطار للشوكاني 2/421، والشرح الممتع 4/375.
([184]) رأيت رجلاً كبيراً في
السن معه عكازه جاء متأخراً إلى الجامع الكبير بالرياض قبل عام 1405هـ فوجد صبياً
في الصف الأول فقرعه في رأسه بالعصا وقال: تأخّر وجلس مكانه وقال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى“ فاستغربت هذا العمل،
وسألت العلامة شيخنا عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – وكان إمام الجامع آنذاك
فبيّن – رحمه الله – أن هذا خطأ ولا يجوز، وإنما تأخير الصبيان إذا جاء الناس
للصلاة في وقت واحد ولم يتقدم أحد على أحد، وذكر أنه ينبغي لأولي الأحلام والنهى
أن يتقدموا ويسبقوا إلى الصف الأول.
([187]) اختلف العلماء من السلف
فمن بعدهم متى يقوم الناس للصلاة على أقوال: فقيل: يقوم المصلي عند ”حي على الفلاح“
يذكر عن أبي حنيفة، وقيل: عند ”حي على الصلاة“ يذكر عن أبي حنيفة أيضاً، وقيل:
يستحب ألا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، ويذكر عن الشافعي، وقيل: يقوم إذا أخذ
المؤذن في الإقامة، يذكر عن مالك، وقيل: القيام موكول إلى قدرة الناس، فإن منهم
الثقيل والخفيف، وليس في ذلك حد محدود، ويذكر ذلك عن مالك في الموطأ أيضاً. وقيل:
يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، يذكر ذلك عن أنس – رضي الله عنه – وبه قال
أحمد، وقيل: إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وإذا لم
يكن الإمام في المسجد فلا يقوموا حتى يروه. انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم
5/106، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسل للقرطبي 2/221، وفتح الباري لابن حجر
2/120، والمغني لابن قدامة 2/123، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي،
المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 3/401، ونيل الأوطار للشوكاني 2/438، وحاشية ابن
قاسم على الروض المربع 2/6-7، والشرح الممتع لابن عثيمين 3/9-10، وصلاة الجماعة
للسدلان ص97، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الهل – يقول أثناء
تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 637، وعلى الروض المربع حاشية ابن قاسم 2/6: ”والصواب
أنه لا حرج في القيام في أول الإقامة أو في أثنائها أو في آخرها، فالأمر واسع“.
([220]) الحذف: الغنم الصغار
الحجازية، وقيل: غنم صغار ليس لها أذناب ولا آذان، يجاء بها من جُرَش اليمن، سميت
حذفاً، لأنها محذوفة عن مقدار الكبار. جامع الأصول لابن الأثير 5/609، وثبت عن ابن
عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”خياركم ألينكم
مناكب في الصلاة“ أبو داود برقم 672 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/198.
([242]) أبو داود، كتاب الصلاة،
باب الرجل يصلي وحده خلف الصف، برقم 682، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في
الصلاة خلف الصف وحده، برقم 230، 231، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها،
باب صلاة الرجل خلف الصف وحده، برقم 1004، وأحمد 4/228، وابن حبان، [الإحسان]،
5/576، برقم 2199، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/299، وفي إرواء الغليل
برقم 541.
([244]) اختلف السلف في صلاة
الرجل المأموم خلف الصف وحده، فقالت طائفة: لا يجوز ولا يصح، وممن قال بذلك
النخعي، والحسن بن صالح، وأحمد، وإسحاق، وحماد، وابن أبي ليلى، ووكيع، لهذين
الحديثين الثابتين الصريحين. وقالت طائفة: يجوز، وممن قال بذلك، الحسن البصري،
والأوزاعي، ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي، واستدلوا بحديث أبي بكرة، قالوا: لأنه
أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإعادة، ومما
تمسكوا به أيضاً: حديث ابن عباس عند البخاري برقم 6316، ومسلم 763، وحديث جابر عند
مسلم، برقم 766، إذ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار النبي صلّى الله عليه وسلّم
مؤتمّاً به وحده فأدار كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، فعلى هذا فقد صار كل واحد
منهما خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك الإدارة. وهذا متمسك غير مفيد،
لأن المدار من اليسار إلى اليمين لا يسمى مصليّاً خلف الصف وإنما هو مصل عن
اليمين، وهذا القول الثاني هو قول أكثر أهل العلم أن الصلاة منفرداً خلف الصف
صحيحة سواء كان لعذر أو غير عذر، ولو كان في الصف سعة، وهو رواية عن أحمد أيضاً.
والقول
الثالث: قال بعض العلماء: المسألة فيها تفصيل، فإن صلى خلف الصف منفرداً لعذر صحت
الصلاة، وإن لم يكن له عذر لم تصح الصلاة. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه
ابن القيم، وعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ومحمد بن صالح العثيمين. انظر: المغني
لابن قدامة، 3/49، ونيل الأوطار للشوكاني 2/429، وسبل السلام للصنعاني 3/110-111،
والشرح الممتع لابن عثيمين 4/367-385، وفتاوى ابن باز 12/219-229، والمختارات
الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص108، وفتاوى ابن تيمية 23/393-400، وإعلام
الموقعين لابن القيم 2/41، والفتاوى السعدية 1/171، والمختارات الجلية للسعدي ص62.
وسمعت
شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يرجح القول الأول وذلك
أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 443 و444، فيقول: ”هذان الحديثان يدلان
على أنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، وكما يدل عليه حديث أبي بكرة المتقدم: زادك الله
حرصاً ولا تعد، والمراد: لا تركع خلف الصف، فدل ذلك على أن من ركع دون الصف ثم دخل
في الصف أو جاء معه آخر قبل الاستمرار في السجود فلا حرج، أما إذا استمر وسجد فإنه
يؤمر بالإعادة جمعاً بين النصوص. وذهب الأكثرون إلى صحة الصلاة وأنه من باب الأدب
ومن الكمال، وليس من باب الإيجاب، والحق قول من قال: بالوجوب، لأن هذا هو الأصل في
النفي ”لا صلاة لمنفرد خلف الصف“ هذا هو الأصل، ثم فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم
وأمره أن يعيد يوضح هذا المعنى، وأن المراد نفي الإجزاء، واحتج بعضهم بأن الإمام
يصلي وحده، وهذه حجة باطلة، لأن الإمام مأمور بهذا فلا يقاس ما أمر به على ما نهي
عنه“.
([289]) انظر: المغني، لابن
قدامة 2/208-212، والمقنع لابن قدامة مع الشرح الكبير 4/217-327، والشرح الكبير
لابن قدامة مع المقنع، 4/317-327، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي
مع المقنع والشرح الكبير، 4/317-326، ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي 1/287-293،
وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/4، وإرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه
بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للسعدي ص56-58، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/257-270،
وصلاة الجماعة، للسدلان ص174-181، والمختارات الجلية للسعدي ص55، والإقناع لطالب
الانتفاع، لأبي النجا الحجاوي 1/251-252، ونيل الأوطار للشوكاني 2/363-366، ومنار
السبيل للضويان 1/164، 165.
([301]) انظر: المغني لابن قدامة
2/208، ومنار السبيل، للضويان 1/164، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف،
للمرداوي 4/323، وقال في هذا الموضع: قال ابن رجب في شرح البخاري: ”الأولى أن يسلم
المأموم عقيب فراغ الإمام من التسليمتين، فإن سلم بعد الأولى جاز عند من يقول إن
الثانية غير واجبة، ولم يجز عند من يرى أن الثانية واجبة لا يخرج من الصلاة بدونها“
وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/286، والشرح الممتع لابن عثيمين
4/267-268، وصلاة الجماعة للسدلان ص178، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
لابن عبد البر 6/147-148.
([311]) متفق عليه: البخاري،
كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح، والمنبر، والخشب، برقم 377، وكتاب الجمعة، باب
الخطبة على المنبر، برقم 917، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في
الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة، وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من
المأمومين للحاجة كتعليم الصلاة أو غير ذلك، برقم 544.
[317] الدكان: الدكة، وهو
الموضع المرتفع يجلس عليه، جامع الأصول لابن الأثير 5/633.
([320]) انظر: المغني، لابن
قدامة، 3/48، والإنصاف مع شرح الكبير والمقنع، 4/455، وحاشية ابن قاسم على الروض
المربع 2/350-351، والكافي لابن قدامة 1/437، وفتح الباري لابن حجر 2/486-488،
ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي 1/317، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/423-426،
ونيل الأوطار للشوكاني 2/440-442، ومنار السبيل للضويان 1/173، وفتاوى الإمام ابن
باز 12/94.
([321]) اختلف العلماء – رحمهم
الله – في مسألة علوِّ الإمام على المأموم، فقيل: يمنع ارتفاع الإمام على المأموم
مطلقاً، وأما صلاته صلّى الله عليه وسلّم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض
التعلم، وقيل: الصلاة على مكان مرتفع من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل:
إنه لا يكره مطلقاً، لأن الحديث ضعيف. والصواب أن الذي يكره هو الارتفاع الكثير،
أما اليسير فلا بأس به.
انظر:
المغني لابن قدامة 3/47-48، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع، 4/453، والشرح
الممتع لابن عثيمين 4/426.
([329]) اختلف في صلاة الإمام في
الطاق الذي يقال له: المحراب، فقيل: يكره لما تقدم، وقيل: لا يكره، وقيل: تستحب
الصلاة فيه، ومحل الخلاف في الكراهة إذا لم تكن له حاجة، فإن كان ثَمّ حاجة، كضيف
المسجد زالت الكراهة، ومحلّ الخلاف إذا كان المحراب يمنع رؤية المأمومين للإمام
فإن كان لا يمنعه، كالخشب ونحوه لم يكره الوقوف فيه. انظر: الإنصاف في معرفة
الراجح من الخلاف، للمرداوي، مع الشرح الكبير 4/457-458.
([335]) قال بعض أهل العلم: لابد
أيضاً من اتصال الصفوف في هذه الحالة، وقال بعضهم: لا يشترط اتصال الصفوف وإنما
رؤية المأموم للإمام أو بعض المأمومين هي المشروطة. انظر المغني لابن قدامة 3/44،
والإنصاف مع الشرح الكبير 4/445-447، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/419-422،
وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/348، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
23/404-410، وفتاوى ابن باز 12/212، 215، 217.
([359]) انظر: فتاوى شيخ الإسلام
ابن تيمية 23/369، وفتح الباري، لابن حجر 2/187-188، وفتاوى الإمام عبد العزيز بن
عبد الله ابن باز 12/134-142، ونيل الأوطار للشوكاني 2/413-414، وحاشية ابن قاسم
على الروض المربع 2/576-577، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/312-318، و4/337-342،
والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص105، والاختيارات الجلية للسعدي ص45، والمغني
لابن قدامة 2/504-512.
([384]) اختلف العلماء في الجلوس
خلف الإمام المعتل الذي لا يقدر على القيام. فقال قوم: يجب أن يصلي المأمومون خلفه
قعوداً، وقال بعضهم: لا تصح صلاة القائم خلف القاعد لا قائماً ولا قاعداً. وقال
آخرون: تصح صلاة القائم خلف القاعد، ولا يتابعه في القعود، لأن الصحابة – رضي الله
عنهم – صلوا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته قياماً فكان ذلك ناسخاً
لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقعود، فإن ذلك كان في صلاته حين جحش وانفكت
قدمه فكان هذا آخر الأمرين، وقيل: الأمر بالجلوس للاستحباب، وقيل: إذا ابتدأ
الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه، فإنهم يصلون خلفه قعوداً، وإذا ابتدأ الإمام
الصلاة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً. انظر: فتح الباري لابن حجر
2/175-176، والمغني لابن قدامة 3/60-65، وسبل السلام للصنعاني 3/80-83، ونيل
الأوطار للشوكاني 2/408-411.
وسمعت
الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”قوله وإذا صلى قاعداً
فصلوا قعوداً..“ هذا فيه حجة على أن الإمام إذا اعتل فلا بأس أن يصلي قاعداً
والناس قعوداً متابعة له، وصرف هذا الأمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته صلّى الله
عليه وسلّم، فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً يقتدون بأبي بكر مبلغاً، وهذا
يدل على جواز قيام المأمومين، فالراجح أن الصلاة مع الإمام القاعد قعوداً أفضل،
وإذا صلوا خلفه قياماً جاز، وقيل: هذا ناسخ للجلوس، والصواب أنه ليس بناسخ، لأن
القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن، والجمع ممكن، وهو أن الجلوس أفضل متابعة للإمام،
وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم آخر حياته فلا بأس،
وقيل: إن شرع الإمام قائماً ثم اعتل أتموا قياماً، وإن شرع جالساً صلوا جلوساً“.
سمعته منه – رحمه الله – أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 429.
([419]) أبو داود، في كتاب
الصلاة، باب الإمام يتطوع في مكانه، برقم 616، وابن ماجه في كتاب الصلاة، باب ما
جاء في الصلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة، برقم 1428، وصححه الألباني فقال في
مشكاة المصابيح 1/300، بعد أن ذكر انقطاعه وعلته: ”لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدين
ذكرتهما في صحيح أبي داود 629“. وصححه الألباني أيضاً لهذين الشاهدين في صحيح سنن
أبي داود، 1/184، وفي صحيح سنن ابن ماجه 1/429. علي – رضي الله عنه – قال: ”من
السنة أن لا يصلي الإمام في مكانه“ بل يقوم من مكانه، حتى لا يظن أنه في الفريضة،
وهذا أولى [و] من السنة“.
([437]) سبق الكلام مع الأدلة في
الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كلام، في صلاة التطوع، وانظر للفائدة: فتح
الباري لابن حجر 2/335، والمصنف لابن أبي شيبة 2/208-210، ونيل الأوطار للشوكاني
2/445-446، وسبل السلام للصنعاني 3/182-183، والمغني لابن قدامة 2/257-258، والشرح
الممتع لابن عثيمين 4/429-430، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/352.
([466]) ولا بالانصراف: قال
النووي: المراد بالانصراف السلام، شرح النووي 4/394، وقال القرطبي في المفهم: ”وذهب
الحسن والزهري إلى أن حق المأموم ألا ينصرف حتى ينصرف الإمام أخذاً بظاهر هذا
الحديث، والجمهور على خلافهما، لأن الاقتداء بالإمام قد تم بالسلام من الصلاة،
ورأوا أن ذلك خاصّاً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ويحتمل أن يريد بالانصراف
المذكور: التسليم، فإنه يقال: انصرف من الصلاة: أي سلم منها“، المفهم 2/2159.
([472]) النسائي، كتاب التطبيق،
باب النهي عن نقرة الغراب، برقم 1111، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء
في توطين المكان في المسجد يصلي فيه، برقم 1429، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة
من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم 862، وأحمد في المسند 5/446-447، والحاكم
وصححه ووافقه الذهبي 1/229، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 1/360.
([475]) وهو مذهب الحنابلة،
والشافعية والحنفية: أن من صلى قدَّام الإمام فصلاته باطلة، لحديث أبي هريرة: ”إنما
جعل الإمام ليؤتم به“، ولأنه يحتاج إلى الالتفات إلى ورائه. أما مالك وإسحاق
فقالا: تصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء. واختار ابن تيمية قولاً ثالثاً وقال: إنه
رواية عن أحمد أنها تصح صلاة المأموم قدام الإمام مع العذر. انظر: فتاوى ابن تيمية
23/404-406، والاختيارات الفقهية له، ص108، ورجحه ابن عثيمين في الشرح الممتع
4/372، ورجحه ابن القيم في إعلام الموقعين 2/22، أما صاحب المغني 3/52، والشرح
الكبير 4/418، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4/418 فكلهم قال ببطلان صلاة من
صلى قدَّام الإمام مطلقاً، وقال الإمام ابن باز: ”ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام، لأن
ذلك ليس موقفاً للمأموم، والله ولي التوفيق“ الفتاوى له 12/212.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..