الخميس، 28 يونيو 2012

اعدل في النصارى يا دكتور مرسي

يتواجد النصارى في المشهد السياسي المصري ككيان مستقل، له وصف ديني، ويطالب بمطالب سياسية. كجزء مستقل داخل البلد.
ويجمل بنا أن نفكك هده الظاهرة، علينا أن ننظر في العوامل التي أدت إلى تكوينها، وننظر في أدائها في المشهد
المصري، ومن ثم نتعرف على وجهتها إلى أين تتجه. كي لا نظلم أنفسنا بسوء التعامل معها، تفريطاً يؤدي إلى إعطائها ما لا تستحق، أو إفراطاً يؤدي إلى منعها ما تستحق.
يوجد سؤالان بخصوص الظاهرة "النصرانية" في الساحة السياسية؟ نستوضح بهما عدداً من الإشكالات حول هده الظاهرة.

أولهما: ما الذي أوجد الأقباط في المشهد كفئة مستقلة؟
أي مجتمع على وجه الأرض به أقلية وأكثرية. من أي زاوية تنظر... دائماً هناك أكثرية سياسية وأقلية سياسية، ودائماً هناك أكثرية من عرقٍ ما وأقلية من عرقٍ (أو عروقٍ) أخرى، ودائماً هناك أكثرية تؤمن بدينٍ وأقلية تكفر بما تؤمن به الأكثرية. 
الناس هكذا منذ خلقهم الله. وهم هكذا في المجتمعات الغربية التي تناصر الأقليات اليوم.  ودائماً ما تسود أعراف وقوانين الأكثرية. وهذه مسلمة عقلية. لذلك لا تسمح المجتمعات المستقرة أو حتى العاقلة للأقلية – أيا كان توصيفها :دينية .. عرقية.. سياسية – أن تتشكل في المجتمع "أقلية" تحت أي مسمى أو بأي توصيف، وتكون ذات مطالب مستقلة بما يهدد استقرار المجتمع.

وإذا عدنا لبداية ظاهرة الأقليات، وأماكن انتشارها، وأدائها في المشهد السياسي فترة وجودها، سنجد أن هذه الظاهرة نشأت حديثاً بعد ظهور العلمانية، وفي سياق الحرب على الخلافة العثمانية، في اليونان، ثم في الشام، ثم مصر، وتم تعميمها بعد ذلك، وسياقها جاء في إطار إيجاد ذرائع للتدخل الخارجي، الرسمي (حكومات، أو منظمات حكومية)، أو غير الرسمي (منظمات أهلية محلية ودولية). فكانت ثمرة الأقليات هي عدم استقرار المجتمعات، أدى ذلك في بعض الحالات للابتزاز، وفي حالات أخرى للتدخل المباشر، وتطور أكثر في حالات للتفتيت كما في الهند (باكستان والهند وبنجلاديش) واليونان، وأندونسيا، ووعود التفتيت أو (استقلال الأقليات) لا زالت قائمة إلى اليوم، ويُخرج"قومنا" خرائطاً خاصة، ولغة خاصة، ومنطقة جغرافية خاصة.. هذا حديث معتدليهم، ومتشددهم يتحدث عن أن البلد بلده، وأننا ضيوف عليهم، وهذه قيادتهم. .
  
ثانيهما: أين كانت هذه الظاهرة قبل الثورة؟، وأثناء الثورة؟، وما دلالة ذلك؟
الظاهرة القبطية لم تدخل مطلقاً مشهد الثورة، بل بكت على مبارك بعد رحيله، واصطفت بكامل عددها وعتادها بجوار "شفيق"، لم يتخلف منها أحد.

كان الباعث على وقوفها في صف "المخلوع" (قضية التوريث تحديداً)، ثم "الراسب"، شيء واحد، هو المميزات التي وعدت بها من "المخلوع" وابنه، وهذا يعكس شيئاً واحداً أن هؤلاء مستقلون، ويتعاملون ككيان مستقل داخل المجتمع. وهنا مكمن الخطر: استقلال الأقباط في المشهد السياسي المصري، واصطفافهم صفاً واحداً مستقلاً، ووجود مطالب فئوية لهم.
إن حالةً كهذه... بغض النظر عن توصيفها الشرعي لا ينبغي أن تتواجد في الساحة السياسية، قطعاً للطريق على حالةٍ أخرى موازية لها، أو مخافة أن تتضخم وتستقل بجزء من البلد، أو تبتلعه لظرفٍ، أو تساعد في إرباك الداخل، واستدعاء الخارج، أو إعطائه ذريعة لوجوده.
نحن نتعامل الآن على أرضية المواطنة، فلم نسمح بتواجد فئة دينية؟؟!،
لم نرض بها الآن ونحن نتعامل على أرضية المواطنة.


والحالة النصرانية المصرية حالة متماسكة هادفة، لها ذراع خارجي (ما يعرف بأقباط المهجر) ذو أطروحات متشددة، تستعدي الخارج، بل وتستدعيه صراحة للتدخل في شأن مصر، بما لا يحمل أي معنى من معاني المواطنة الشريفة. ولها إمكانات مادية ضخمة، ونفوذ إعلامي وسياسي. وما نحتاجه اليوم هو تفكيك هذه الحالة، ذلك أنها ذات نشأة غريبة، وسياق مخالف للوحدة والاستقرار، وإمكانات مادية، بل هي "مستقلة" بشكلٍ ما داخل الدولة. وقد كانت تقف يداً واحدة مع مَن قامت عليهم الثورة.
إن تفكيك الحالة النصرانية وإخراجها "كظاهرة مستقلة" أو "كأقلية متماسكلة" من المشهد السياسي - ولا مانع من وجود أفراد منهم بكافاءتهم كمواطنين في الدولة بعد ذلك، وزراء أو غير وزراء.. لا يهم الآن- واجب يمليه الرحمة بالظاهرة النصرانية نفسها، فإن التشخيص الدقيق للحالة النصرانية يعطي عدداً من المؤشرات الخطرة على الداخل النصراني، قبل الداخل المصري، منها:ـ
أنهم أكثر من خمسة فرق رئيسية أرثوذكس رومان (يتبعون الكنيسة الأم للأرثوذكسية)، وأرثوذكس أقباط يتبعون كنيسة الأنبا المتنيح شنودة الثالث، وأرثوذكس أقباط يتبعون ماكسيموس الأول، وأرثوذكس أقباط علمانيون، وكاثوليك، وإنجيليين. وكل فئة منهم لها بأسها، ومتصلة بالخارج تعليماً أو تعاملاً، أو تواجداً؛ وكل فئة منهم لا تقبل بأي حال الأخرى، وهذه التي يريد الدكتور محمد مرسي إرضاءها بتولية واحدةٍ أو واحدٍ منها منصب رفيع جزء واحد. فأيهم نرضي؟؟!!
وشيء أهم: وهو أن النصرانية ـ كفكر ـ تنكمش وتتمدد، ولا يوجد عندها حالة وسط، فحين لا تكون الظروف مواتية يتنادون: "دع ما لله لله وما ليقيصر لقيصر"، وينكمشون في صوامعهم، وحين يجدون مساحة لا يعرفون لقيصر حقاً بل يخرجون ويسيطرون على ما يستطيعون.  
والحالة الموجودة الآن، لها ظروف خاصة جداً في نشأتها وتطورها، ولها هدف معلن، وهو إقامة "كنيسة الرب" على أرض مصر وما حولها، ويتضح هذا الأمر من تتبع تاريخ "جماعة الأمة القبطية" في مصر.
إن الحالة النصرانية مكون خطر، على الداخل المصري، وعلى الداخل النصراني نفسه، وإن العدل يقتضي تفكيك هذه الحالة، وإعادتها إلى أفراد في المجتمع، لا تكتل متماسك ذو أهداف خاصة ومطالب خاصة في الدولة، فنرجو من الدكتور محمد مرسي أن يعدل مع الحالة النصرانية، ولا يظلمها أو لا يظلم بها شعباً بكاملة. ويكون الكل سواء .. أفراداً في المجتمع.



                                                        محمد جلال القصاص
                                                      كاتب وناشط مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..