2012-7-10 |
لو قرأت الفتوى التي تحرم تمثيل الصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب قبل
عشرين عاما لربما اندفعت مؤيدا وموافقا لمن قالوا بالتحريم، ليس بسبب حماس
الشباب آنذاك وبرودة العقل اليوم، ولا بسبب تغير
قناعاتي الآن عما كان أمس
وهو وارد جدا وطبيعي جداً، فمن عاش بعد الأربعين بعقل العشرين والثلاثين
فهو لم ينمُ ولم ينضج، وكما كانوا يقولون في بريطانيا من لم يكن يساريا في
شبابه فلا قلب له، ومن بقي شيوعيا في كهولته فلا عقل له، وعلى قاعدتهم هذه
-وليست لنا- فعلى من تزمت بعد أشده أن يراجع عقله.
ولكن
هناك قضية أولى كبيرة تعرفها من مزاج الموقعين على التحريم، وهي أن قبيلة
المحرمين سبق لها الاشتباك مع قبيلة المجيزين في غير ما مجال، حتى تكاد
تقول اليوم وغدا أن القبيلتين الشرعيتين قد نصبت كل واحدة منهما خيامها ثم
بنت محاجزها في مقابل الأخرى، وأنك متوقع من كل قبيلة موقفا قادما مضادا،
يقوم على أن ما تقول به القبيلة الأخرى فنحن ضده ثم نبحث عن الأدلة، وما
أجازوه فهم على شرعة الإجازة دائما، وما نقوله فهو على شرعة التشدد دائما
وبالله التوفيق وهذه حدودنا ومواقفنا العزيزة العظيمة ومواقفهم المتخاذلة
المجيزة الليبرالية وما أشبه من ألقاب.
ثم إن هناك قضية
ثانية في سلوك القبيلتين، فقبيلة التحريم لم يزل بعضها لم يعرف مستجدات
العصر الحديث، ولا يريد أن يقرأ للعقاد "عبقرية عمر" كيف وقد قيل إنه لم
يكن يصلي حتى الجمعة، فضلا أن يقرأ لمجيز الموسيقى علي الطنطاوي كتابه
"أخبار عمر"، فضلا عن أن يصل إلى عصر ثقافة الدراما والتمثيل والأفلام
ودورها في حياة وعقول الناس، أما قبيلة المجيزين فعلها مقبلة على عصر
الدراما وهو قديم فقد تلاه ما بعده، ومقبلون على ذلك في موقف هو أشبه
باندفاع مضاد وخلع لزمن مضى وثقافته ومنه مضادة.
ثم قضية
ثالثة، وهي أن المانعين لم يعلموا أن وسيلة الثقافة المعاصرة والقادمة
تجاوزت عصر المحاضرات وبرامج التلفزيون المعتادة والإفتاء، وأن هناك موارد
للمعرفة والتأثير اختلفت، وما كان يقال عنه تلهية ومتعة هو نفسه التعليم
والتثقيف المعاصر، وأبناء هؤلاء غدا سوف يكونون تلاميذ لهذه الظواهر
الإعلامية وليس بحثا عن الكتب حتى بوسائلها الجديدة.
فإما
أن يساهموا في التعريف بتاريخهم وشخصياتهم وعقائدهم التي يحبونها بهذه
الوسائل، وإلا فإنهم يقفون في حال خصومة مع تراثهم وسيسببون نسيانه
واندثاره. وقد اندثرت مذهبيات وعقائد وشخصيات وتوجهات إسلامية ومسيحية
وغيرها ليس لسبب غير عدم قدرتهم على ركوب مركب التجديد.
فالثقافة
الإسلامية وُفِّقت بشخصيات حاربت المحافظين وحدّثت الثقافة، فحافظت على
الأمة وتجددها ونقلتها إلى العصور الحديثة، ولو استجاب شباب الأمة لهذه
المدرسة الجامدة -مدرسة التحريم لكل جديد ولو تظاهرت بخلاف ذلك أحيانا-
التي كانت ولم تزل وستوجد في كل عصر وفي كل دين وفي كل ثقافة، لاندثر على
يدها كل طموح مستقبلي، فهؤلاء -برغم نياتهم الطيبة- هم العقلية والامتداد
للذين حرّموا الطباعة وحرموا الراديو والتلفاز والدش والنت، فهي العقلية
التي تتحرك على تحريم الجديد والتجديد وتتوسل بتحريم الوسائل أما العقلية
فهي هي نفسها.
والقاعدة الفعلية عند هذه القبيلة
هي: "الأصل التحريم لكل جديد حتى يغلبها الواقع"، وهذه مخالفة للقاعدة
الشرعية المعروفة: (الأصل في الأشياء الحل) حتى يثبت التحريم الناقل عن
الأصل.
ثم إن قبيلة التحريم صامدة على موقفها المتوقع قبل
أن ترى أو تعرف، وإن كانت قد علمت أن الذين قرأوا نص الحلقات التمثيلية
وراجعوها هم كبار علماء الأمة، ومن ذوي السابقة في العلم والفتوى والأدب
والشهرة، ولكن القبيلة لا يليق بها وبما تعودته التنازل عما عرفت به، ولهذه
القبيلة الشكر مسبقا فوجودها واعتراضها يفيد الفكر والفهم والنقد، وهي
تفتح باب خير للنقاش وسوف أتبع بقول آخر أغلبه عن مضار هذا النوع من
الأفلام مما لم أعلم أنه نوقش في الخلاف وأرجو أن لا يفهم الموقف إتباعا
لقبيلة الحلال ضد قبيلة الحرام.
د. محمد الأحمري
د. محمد الأحمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..