غزوة بدر الكبرى ، وفتح مكة ، ووقعـة البُويب
التي كُسِرت فيها جيوشُ كسرى _ وهي نظير اليرموك في
الشام _ وفتح النوبة ،
وفتح الأندلس ، وموقـع بلاط الشهداء ( بواتيه ) في العمق الفرنسي ، وفتح
عمورية ، وعين جالوت ، وموقعة شقحب ، وفتح قبرص ، ومعركة المنصورة ضدّ
الصليبين ، وغيرها من أيـّام الأمـّة الإسلاميّة العظمى ، إنما كانت في شهر
رمضان المبارك.
ولاعجب ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه
وسلم : ( أتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرضَ الله عز وجل عليكم صيامه ،
تُفتح فيه أبواب السماء ، وتُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغـلّ فيه مردة
الشياطين ، لله فيه ليلة خيرٌ من ألفِ شهر ، من حُرم خيرها فقد حُـرم )
رواه النسائي.
وإذا كان شهراً مباركاً ، فأيُّ بركة أعظم من أن يجعل الله بركات النصر لهذه الأمة فيه ، ويظهرها على أعدائها ، ويجعل العاقبة لها ؟!
وإذا كانت تفتح فيه أبواب السماء ، فيستجيب الله فيه الدعاء ، فأيُّ دعاء أنفـع من دعاء المسلمين بنصر دينهم ، وكبت أعدائهم .
وإذا كان تُغـلّ فيه مردة الشياطين ، فرؤوس شياطين الإنس هم الطغاة ، وما أحوج الأمة إلى أن تسلسلهم بأغلال الثورات ،
وهـل تلك الانتصارات العظيمة في رمضانات الأمة في جهادها في تاريخها إلاّ غـَلُّ لتلك الشياطين الإنسية التي طغت في البلاد ؟!
وبإذن الله تعالى ، وفي هذا الشهر المبارك ، شهر
رمضان ، سيتم القضاء على طغاة المجوس في معركة الشام ، بشار وأزلامه ،
تهيئة للقضاء عليهم بعد ذلك في العراق ، ثم ملاحقة فلولهم في عقر دارهم ،
حتى يسقط آخر معقل لهم في إيـران ، ويُحطـَّم وكر شيطانهم الأعظم في طهران
بحول الله ، وقوته .
ولعمري كم تشبه معركة ( أزمة الخلية) ، التي وفق
الله بها أبطال الشام يوم أمس ، فأبادوا فيها رؤوس الكفر ، والطغيان ، في
عقر دارهم في دمشـق ، وقطعوا فيها أذرعة الأخطبوط المجوسي في الشام ، فبقي
رأسه الذي سيسقط قريبا بإذن الله
كم تشبه معركة البويب التي كانت بين يدي معركة
القادسية المجيـدة ، وانتصر فيها المثنى بن حارثة رضي الله عنه في ثمانية
آلاف من المسلمين ، على جيوش الفرس التي زادت تسعة أضعاف هذا العدد ،
نصر الله تعالى فيها الجيش الإسلامي على الجيش
المجوسي ، وقَتل الصحابيُّ الجليل جرير بن عبدالله البجلي مهرانَ بن باذان
قائد المجوس ، وهزم الله الجيش الكسروي ، شرّ هزيـمة .
ثم صار هذه الانتصار العظيم الذي أعاد للمسلمين معنوياتهم أعظم سبب لانتصار القادسية الكبيـر الذي غيـّرَ مجرى التاريـخ .
وبحول الله تعالى وقوته ، ستكون قادسية الشام في رمضان ، بعد معركة بويْبِـهِ يوم أمس ،
وسينصر الله فيها جنود الإسلام المكبّرين ،
المتوكّلين ، الصائمين ، المصلّين ، الذاكرين الله كثيرا ، على جنود المجوس
الكفرة المشركين عبدة الطاغوت .
ولاريـب قـد أحدث نجـاح الهجوم على ( خلية
الأزمة ) ، بتحويل رؤوس النظام المجوسي في الشام إلى رماد ، قـد أحدث
تحولاً سريعاً ، وهائلا في ميزان القوى لصالح الثورة السورية المباركة ،
وسيكون من أهم تداعياته التي هي حصاد عظيم للثورة بإذن الله سبعة أمـور :
1ـ تصاعد وتيرة الانشقاقات في صفوف الجيش ،
وانضمامهم للثورة ، وهذا ما حدث على طول ، وعرض القطر السوري إثـر الإنفجار
المبارك مباشرة.
2ـ هذه الإنشقاقات سترفع وتيرة الهمس بالهروب
داخل الحلقات الضيقة حول رأس النظام ، يبدأ بالهمس النفسي بالقفز من
السفينة قبل غرقها ، ويمر بالهمس الثنائي ، ثم ينتشر حتى يبدأ القفز فرادى ،
وجماعات .
3ـ فقدان النظام لأهم من كان يعتمد عليهم في
القبضة الأمنية على البلاد ، مما يعني إنهيارا تدريجيا للنظام إلى سقوطه
النهائي ، وقد بدأ بالفعل ذلك بعيد التفجير المبارك.
4ـ سقوط معنويات الذين لازالوا مع النظام إلى أسفل سافلين ، وصعود معنويات الثورة إلى أعلى عليين .
5ـ دخول رأس النظام ، والدائرة الضيقة جدا حوله
في دوامة الرعب ممن حولهم _ فعملية الخلية كانت اختراقا أمنيا متقدما
بامتياز _ يجعلهم في حالة هروب نفسي مستمر سيقضي عليهم بإذن الله .
6ـ إنكشـاف طرائق دمشق أمام الثورة المباركة لكي
تجـول فيها خيولها ، وتنتشر فيها جنودها ، فتصيب من أهداف العدوّ ما تشاء
في عقر داره.
7ـ شفاء صدور قوم مؤمنين ، لاسيما أمهات الشهداء
، ومسح دموع الثكالى ، وتضميد جراح الشام ، وتصبيـر الثوار ، وتطمين
الداعمين لهم ، وتشجيع القلوب الضعيفة ، وتثبيت القوية .
وبعـد ..
فيا أيتها الأمة العظيمـة ، أمّة المبعوث المختار المصطفى من العالمين ، التي فُضـّلت على الأمم أجمعـين .
إنّ لأهل الشام ديْنـاً على رقابكم ، إذ قدّموا
من التضحيات لهذه الأمّـة أعظم مما يطيقه البشر ، ولولا تثبيت الله لهم ،
ما قدروا عليه والله .
وكانوا _ وما زالوا _ في جهادهم خيرَ المتوكلين على رب العالمين ، لم يتزعزع توكلهم على ربهم ، ولم يشكّوا في نصره ،
فعلَّموا الأمة كيف تتوكل على الله حق توكلّه في المحـن ( ما لنا غيرك يا الله )
وأعادوا بعث قيم حضارتنا العظيمة بأنها :
لاتحيا إلاّ بالجهـاد ، ولا تعـزّ إلاّ بالنهوض إلى العلياء ، ولا تعلـو إلاّ بالحريـّة.
وأحيوا رموز أمّتنا الأوائل فأطلقوا على كتائب
أسودهم ، وسرايا نمورهم ، أسماء الصحابة ، فكأنهـم بعثوا في الأمـّة سير
الأوائل ، ونشروا فيها ما كانوا يحملونه من الفضائـل .
وأسقطوا عن وجه المجوس الخبيث ، وكلّ أزلامه من
العراق إلى لقيطهم في لبنان حسن نصر ، كلّ مساحيق التجميل المزيفة التي
حاولوا بها خداع الأمة ، فانكشف حال هؤلاء الضباع النجسة على حقيقـته :
بأنهم أخبث ، وأحقد عدوّ لنـا ، يستحـل دماءنا ، ويذبح أطفالنـا ، ويهتك أعراضنا ، ويدمر مدننـا ،
كما يحمل بين جنبيه الكفر بكلّ قيمنـا ، والبغض كل البغـض لرسالتنـا الحضارية.
ثـم صـار في جهاد الشام المبارك ، فتح الباب
لهزيمة المجوس العظمى بإذن الله تعالى ، فقد وجهوا الأمة لهذه الوجهـة التي
كانت عصيّة ، وفتحوا لها هذا الطريق الذي كان مغلقـا.
كما ردُّوا الشام إلى إسلامها ، وأرجعوها إلى عروبتها .
وإذا رجعت الشام فلاتسل عن بركات ستتنزّل من السماء على هذه الأمة ، ستنهض بعدها نهضة تبلغ آفاق السماء بإذن الله تعالى .
نعم إنّ لهم ديْنـا على رقاب الأمة ، فليعينوهم بكلّ مقدورٍ عليـه ، لتعويضهم عن كلّ ما أصباهـم ،
وليبْنوا لهم ما تهدّم ، وليعيدوا لهم ما فُقـد .
شكرا لهم على جهادهم العظيم ، وامتنانا لتضحياتهـم المجيـدة .
وختـاما نسأل الله تعالى العلي القدير أن يهلّ
هلال العيد على شام الإسلام ، وهي ترفل بأحلى حلل النصـر ، وتتيه بآلق
تاجـه ، وتتخطـرف بأجمـل وشاحه .
وأن يجعل هذا الفتح الأعـظم للشام ، بدء المرحلة
الجديدة لنهضة أمتنا العظيمة التي انطلقت من اشتعال الربيع العربي ، لتكمل
مسيرتها نحو المجد ، والسؤدد ، والرفعة ، إلى أعلى مراقي السعـد ، وأرقى
مدارج العـزة بإذن الله تعالى .
لتنتهي بحول الله وقوته لإعادة كل حقوق الأمة
المسلوبة ، وعلى رأسها القدس الجريح ، وإقامة صرح خلافتها العظيـمة ،
وإرجاع مهابتها بين الأمـم .
والله الموفـق ، وهو حسبنا عليه توكلنا ، وعليه فليتوكّل المتوكـّلون
الشيخ حامد العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..