الجمعة 27/07/2012
كنت
أتأمَّل مبتهجاً وجوه النّاس في هذه الليالي الرمضانية، فأجد صفوفاً قد
انتظمت قُبيل أذان العشاء، فيها أعداد كثيرة لا توحي مظاهر أصحابها
-اجتماعياً- بالتدين، لولا وجودهم في المسجد ينتظرون صلاة العشاء ثم
التراويح!
وذلك أنَّ من السائد في مجتمعنا ولاسيما في فترة مضت: أنَّ الحكم على تديّن النَّاس يكون من خلال مظاهرهم، إلى حد البناء على التلازم التّامّ بين المظهر والمخبر في نظر كثيرين حتى من غير المتدينين.
ولا شكَّ أنَّ هذه النظرة ليست دقيقة؛ فربَّ مقصِّرٍ في مظهره، قريب من الله في مَخْبَرِه.. وهذا لا يعني -بحالٍ من الأحوال- الإقرار بمشروعية صنيعه، ولا القبول بخطئه..
إنَّ مفهومَ الاستقامة وصدقَ التديّن لدى بعضنا، صار مرتبطًا بالهيئة الظاهرة ارتباطًا لا يتردّد بعضُنا في جعله معياراً للحكم على مدى تديّن الأشخاص ذكوراً أو إناثاً! ولربما بلغ الأمرُ ببعض المتعجلين أنْ يصف امرأةً كاشفة الوجه بأنها فاجرة! أوحليقَ لحيةٍ بأنَّه ليس متدينًا!
نعم جميل أن يجتمع المظهر والمخبر، بل هذا هو المطلوب شرعاً؛ ولكن كم من رجلٍ وامرأةٍ وفتى وفتاة، يُرى في مظهر أحدهم ما قد يُحقَر به ظنا بأنَّه إلى قلّة الديانة أو عدمها أقربُ، بينما حاله بخلاف ذلك، لما لديه من خير يغلب ما يصدر منه أو يظهر من سوء..
فهذا شاب قد عبثت بمظهره الموضةُ إلى حدّ التشويه، جاء يسأل: أين أجدُ تسجيلا للقرآن الكريم كاملا بقراءة الشيخ حسين آل الشيخ!
وهذه فتاةٌ لم تلتزم بحجابٍ تامٍّ تسأل: لو لم أصم يوم الخميس بسبب الامتحان هل أكون آثمة لتركي عملا كنت أداوم عليه؟!
وهذه طبيبة سافرة تُلحّ بإحضار بعض الكتيبات عن الإسلام، لإهدائها لزميلتها التي ما زالت تسعى في إسلامها وتتحاور معها، وتتمنى أن تسلم على يديها!
وأغرب من ذلك كلِّه ما تجده في أجواء الجاليات الإسلامية؛ ولدي منه وقائع شهدتها بنفسي، وذكرت بعضها في مقالات سابقة..
بل لقد قرأتُ مقابلةً مع إحدى الفنانات التائبات من أرض مصر -بلاد الأزهر- فوجدتها تصرِّح بأنها لم تعلم أن الحجاب واجب شرعًا إلا بعد توبتها بسنتين! وأن سبب علمها بوجوبه ولو لم يلزم به الزوجُ كما كانت تظن، أنشودةٌ في الحجاب ردَّدتها بعضُ الصغيرات احتفاءً بها في بيت إحدى الداعيات بالمدينة النبوية، قبل أن تعود لبلادها من رحلة عمرة وزيارة للمسجد النبوي!
ولعل بعضكم قرأ أو سمع بتلك المرأة المتبرجة التي كانت مكشوفة الرأس والشعر والعنق وشيء من الصدر، وقد انحسر لباسُها عن ساقيها في مظهر بلغ من التفرنج غايتَه، في عاصمة من عواصم الغرب، ولكنّها مع هذا المظهر المزري لم تحتمِل كلمات عِدَاءٍ صليبيٍ في حق نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من قسيس بلغ منه الحقدُ مداه فوقف يصرخ بها بين مقاعد الحافلة التي كانت المرأةُ تجلس في الصف الأخير من مقاعدها، فما إن سمعته حتى اتجهت إليه فصفعته وهي تردد: إلا محمد! إلا محمد! وبدنها يرتجف من شدّة الغيظ وحرارة الغيرة!
أيها القراء الكرام: إنَّ تحت المظاهر التي قد يتقالّ بعضُنا أصحابَها مخابرَ لو علمها المتقالّ لربما احتقر نفسَه أمامها..
إنَّي لأنظر إلى هذه المشاهد التي ذكرتُ بعضَها ونبّهتُ على غيرها، بوصفها بعضَ المباهج التي تظهر في أوقات التمايز.. ولكن بعض أحبتنا يتشاءمون.. وليس ثم داعٍ لذلك لمن عرف تطور الصحوة؛ فليبشروا بالخير، وليسألوا كبار السنِّ عن الشباب في زمن شبابهم وعن الشباب زمن كهولتهم ليعرفوا أنَّ مجتمعاتِ أمتنا تقترب من دينها وتأوي إليه شيئاً فشيئاً، وإن ظهر منها ما يوحي بخلاف ذلك، لجهلٍ أو غفلة أو صبوة شباب أو غيره..
إن التوبة في صفوف الغافلين، وما يعرف (بأهل الفن) مثلا، أو الشعور بالإثم في عبارات بعضهم مع تمني التوبة، لهو رحمةٌ من الله لهم، تتمثل في بقايا ضميرٍ حيٍ لم تُفلح في اجتثاثه جرعاتُ السوء المتتالية، فلا أمن لأهل الباطل من عودة ضالٍ إلى الهدى، ولا فرحة لهم في غواية فتاةٍ ولا صبوة شاب.
وأخيراً: أختم بهذا الحديث الذي كان مستندي النبوي في أهمية طرح هذا الموضوع وإن كان ثمة مستندات أخر: فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبدالله، وكان يُلقَّب حِماراً، وكان يُضحِك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشَّرَاب، فأُتي به يوماً فأمرَ به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم إلعنه! ما أكثرَ ما يُؤتَى به؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنَّه يُحبّ الله ورسوله) رواه البخاري.
اللهم اجعلنا ممن تجمع لهم صلاح المظهر والمخبر، ويسعدون برضاك عنهم..
وذلك أنَّ من السائد في مجتمعنا ولاسيما في فترة مضت: أنَّ الحكم على تديّن النَّاس يكون من خلال مظاهرهم، إلى حد البناء على التلازم التّامّ بين المظهر والمخبر في نظر كثيرين حتى من غير المتدينين.
ولا شكَّ أنَّ هذه النظرة ليست دقيقة؛ فربَّ مقصِّرٍ في مظهره، قريب من الله في مَخْبَرِه.. وهذا لا يعني -بحالٍ من الأحوال- الإقرار بمشروعية صنيعه، ولا القبول بخطئه..
إنَّ مفهومَ الاستقامة وصدقَ التديّن لدى بعضنا، صار مرتبطًا بالهيئة الظاهرة ارتباطًا لا يتردّد بعضُنا في جعله معياراً للحكم على مدى تديّن الأشخاص ذكوراً أو إناثاً! ولربما بلغ الأمرُ ببعض المتعجلين أنْ يصف امرأةً كاشفة الوجه بأنها فاجرة! أوحليقَ لحيةٍ بأنَّه ليس متدينًا!
نعم جميل أن يجتمع المظهر والمخبر، بل هذا هو المطلوب شرعاً؛ ولكن كم من رجلٍ وامرأةٍ وفتى وفتاة، يُرى في مظهر أحدهم ما قد يُحقَر به ظنا بأنَّه إلى قلّة الديانة أو عدمها أقربُ، بينما حاله بخلاف ذلك، لما لديه من خير يغلب ما يصدر منه أو يظهر من سوء..
فهذا شاب قد عبثت بمظهره الموضةُ إلى حدّ التشويه، جاء يسأل: أين أجدُ تسجيلا للقرآن الكريم كاملا بقراءة الشيخ حسين آل الشيخ!
وهذه فتاةٌ لم تلتزم بحجابٍ تامٍّ تسأل: لو لم أصم يوم الخميس بسبب الامتحان هل أكون آثمة لتركي عملا كنت أداوم عليه؟!
وهذه طبيبة سافرة تُلحّ بإحضار بعض الكتيبات عن الإسلام، لإهدائها لزميلتها التي ما زالت تسعى في إسلامها وتتحاور معها، وتتمنى أن تسلم على يديها!
وأغرب من ذلك كلِّه ما تجده في أجواء الجاليات الإسلامية؛ ولدي منه وقائع شهدتها بنفسي، وذكرت بعضها في مقالات سابقة..
بل لقد قرأتُ مقابلةً مع إحدى الفنانات التائبات من أرض مصر -بلاد الأزهر- فوجدتها تصرِّح بأنها لم تعلم أن الحجاب واجب شرعًا إلا بعد توبتها بسنتين! وأن سبب علمها بوجوبه ولو لم يلزم به الزوجُ كما كانت تظن، أنشودةٌ في الحجاب ردَّدتها بعضُ الصغيرات احتفاءً بها في بيت إحدى الداعيات بالمدينة النبوية، قبل أن تعود لبلادها من رحلة عمرة وزيارة للمسجد النبوي!
ولعل بعضكم قرأ أو سمع بتلك المرأة المتبرجة التي كانت مكشوفة الرأس والشعر والعنق وشيء من الصدر، وقد انحسر لباسُها عن ساقيها في مظهر بلغ من التفرنج غايتَه، في عاصمة من عواصم الغرب، ولكنّها مع هذا المظهر المزري لم تحتمِل كلمات عِدَاءٍ صليبيٍ في حق نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من قسيس بلغ منه الحقدُ مداه فوقف يصرخ بها بين مقاعد الحافلة التي كانت المرأةُ تجلس في الصف الأخير من مقاعدها، فما إن سمعته حتى اتجهت إليه فصفعته وهي تردد: إلا محمد! إلا محمد! وبدنها يرتجف من شدّة الغيظ وحرارة الغيرة!
أيها القراء الكرام: إنَّ تحت المظاهر التي قد يتقالّ بعضُنا أصحابَها مخابرَ لو علمها المتقالّ لربما احتقر نفسَه أمامها..
إنَّي لأنظر إلى هذه المشاهد التي ذكرتُ بعضَها ونبّهتُ على غيرها، بوصفها بعضَ المباهج التي تظهر في أوقات التمايز.. ولكن بعض أحبتنا يتشاءمون.. وليس ثم داعٍ لذلك لمن عرف تطور الصحوة؛ فليبشروا بالخير، وليسألوا كبار السنِّ عن الشباب في زمن شبابهم وعن الشباب زمن كهولتهم ليعرفوا أنَّ مجتمعاتِ أمتنا تقترب من دينها وتأوي إليه شيئاً فشيئاً، وإن ظهر منها ما يوحي بخلاف ذلك، لجهلٍ أو غفلة أو صبوة شباب أو غيره..
إن التوبة في صفوف الغافلين، وما يعرف (بأهل الفن) مثلا، أو الشعور بالإثم في عبارات بعضهم مع تمني التوبة، لهو رحمةٌ من الله لهم، تتمثل في بقايا ضميرٍ حيٍ لم تُفلح في اجتثاثه جرعاتُ السوء المتتالية، فلا أمن لأهل الباطل من عودة ضالٍ إلى الهدى، ولا فرحة لهم في غواية فتاةٍ ولا صبوة شاب.
وأخيراً: أختم بهذا الحديث الذي كان مستندي النبوي في أهمية طرح هذا الموضوع وإن كان ثمة مستندات أخر: فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبدالله، وكان يُلقَّب حِماراً، وكان يُضحِك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشَّرَاب، فأُتي به يوماً فأمرَ به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم إلعنه! ما أكثرَ ما يُؤتَى به؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنَّه يُحبّ الله ورسوله) رواه البخاري.
اللهم اجعلنا ممن تجمع لهم صلاح المظهر والمخبر، ويسعدون برضاك عنهم..
د. سعد بن مطر العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..